المجلس الدولي يناقش ملف حقوق الإنسان في تونس
في إطار الدورة الـ54 بجنيف
استعرضت المفوضية السامية لحقوق الإنسان في تقرير لها أمام الدورة الـ54 لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة في جنيف خلال شهري سبتمبر أكتوبر 2023 تعزيز وحماية جميع حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك الحق في التنمية في تونس.
وناقش التقرير الاستغلال المفرط للمياه الجوفية بسبب تطوير الري، متوقعا وصول مخزون المياه لحالة حرجة خلال أقل من 25 عاماً.
وحذّر المقرر الخاص من أن آبار الري غير القانونية تضر بحقوق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي لسكان الريف، في بيئات تعاني أصلا من ندرة المياه.
ووفقًا للتقرير، في ظل التوقعات الحالية المتعلقة بتغير المناخ، يكون من الضروري توقع حدوث انخفاض حاد في تدفقات المياه المتاحة، ما يعني زيادة مستويات الاستغلال المفرط وأزمات ندرة المياه، ومن رأي المقرر الخاص أن الطلب على المياه ينبغي أن يتكيف مع هذا الاتجاه.
ويعتقد المقرر الخاص أن إسقاطات تغير المناخ في تونس يجب أن تأخذ في الحسبان تسارع الاحترار في منطقة البحر الأبيض المتوسط التي ارتفع متوسط درجة حرارتها على المتوسط العالمي بمقدار 1.4 درجة مئوية منذ عام 1980 ومن بين التأثيرات المتوقعة لتسارع الاحترار في منطقة البحر الأبيض المتوسط التغير في موسمية هطول الأمطار.
ويرى المقرر الخاص أنه من الجوهري أن يأخذ صناع القرار التونسيون في الحسبان الأمور التالية: الانخفاض الحاد في متوسط التدفقات السطحية بسبب انخفاض متوسط هطول الأمطار، وزيادة التبخر من الكتل النباتية مع درجات الحرارة الآخذة في الارتفاع، ويتوقع أن يكون متوسط الانخفاض في هطول الأمطار 40% في مناطق البحر الأبيض المتوسط الحساسة، مثل جنوب شرقي إسبانيا، وانسداد خزانات المياه بشكل أكثر حدة وشدة، بسبب زيادة التعرية الناجمة عن حوادث مثل العواصف والحرائق الشديدة، وانخفاض تسرب المياه إلى طبقات المياه الجوفية، بسبب انخفاض متوسط هطول الأمطار وزيادة نسبة الجريان السطحي للمياه وانخفاض التسرب في حالات هطول الأمطار الغزيرة، وتسارع تصحر الأراضي وارتفاع استهلاك المياه لكل هكتار مروي، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وحدوث دورات جفاف أطول وأكثر كثافة، وارتفاع مستوى سطح البحر، ما سيترتب عليه تصلح طبقات المياه الجوفية الساحلية.
وتمكن المقرر الخاص خلال زيارته من رؤية كيف يمكن لتملح طبقات المياه الجوفية في جنوب تونس -مثلاً في قابس- أن تؤثر على توافر مياه الشرب في المجتمعات المحلية، وكذلك خلال المقابلات مع ملتمسي اللجوء واللاجئين، أشار الكثيرون إلى أن المياه في تونس أكثر ملوحة مما هي عليه في بلدانهم الأصلية.
وفي سياق تسارع التدهور الكمي والنوعي لطبقات المياه الجوفية، فإن الأولوية الفعلية المعطاة حالياً في تونس للاستخدامات الإنتاجية لمصادر المياه المرتبطة بالقطاعات الاقتصادية القوية، تقوض حقوق الإنسان لكثير من المجتمعات الريفية في الحصول على مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي وتعرضها للخطر.
ويؤكد المقرر الخاص أن ندرة المياه لا تبرر عدم الامتثال لحقوق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي، وأن الدول ملزمة بضمان توفير المياه لأغراض الاستهلاك والاستخدام البشريين، وكما هو مذكور في المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ينبغي أن تخصص الدول أفضل المياه المتاحة جودة لأغراض الاستخدام البشري، بغض النظر عن مدى ربحية استخدام المياه لأغراض الإنتاج أو الاستخدامات الأخرى.
الإطار القانوني والسياساتي والمؤسسي
وأشار التقرير إلى أن تونس تمتلك نظاماً مؤسسياً للمياه متطوراً بصورة جيدة، أدار منذ السبعينيات تراثاً مرموقاً من مشاريع المياه والآبار المخصصة بصورة رئيسية للري.
وتضطلع بعملية إدارة مياه الشرب الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، وهي مؤسسة عامة تتبع وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، بينما يتولى المكتب الوطني للصرف الصحي التابع لوزارة البيئة عملية إدارة الصرف الصحي.
وتقوم الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه بإدارة البني التحتية المائية الوافرة المتعلقة بالمياه السطحية وبتشغيل العديد من الآبار في جميع أنحاء البلد والتي توفر مياه الشرب لجميع سكان الحضر و51% من سكان الريف.
وتوفّر الشركة تدفقات المياه للري والاستخدامات الصناعية، وأما النسبة المتبقية من سكان الريف وهي 49%، فتضطلع مجموعات التنمية الزراعية بمعالجة مياه الشرب تحت مسؤولية وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عن طريق اللجان الإقليمية للتنمية الزراعية.
ومجموعات التنمية الزراعية البالغ عددها 2500 الموجودة في جميع أنحاء البلد هي منظمات مجتمعية تدير الري ومياه الشرب وتنتخب المجتمعات المحلية مجالس إدارة مجموعات التنمية الزراعية، وأعضاؤها متطوعون، بيد أن وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري تتخذ القرارات بشأن استثمارات البنية التحتية، مثل الآبار ومحركات الضخ وشبكات التوزيع التي توفر المياه للمجتمعات الريفية.
وفي الحالات التي يتجاوز فيها تعقيد نظم المياه القدرة الإدارية لمجالس إدارة مجموعات التنمية الزراعية، يمكن للجنة الإقليمية للتنمية الزراعية أن تستعين بشخص لديه تدريب تقني.
وتدير مجموعات التنمية الزراعية المياه لما يقرب من 1,275 مليون شخص يعيش معظمهم في أوضاع فقر وضعف.
وعلم المقرر الخاص، أثناء زيارته، أن السلطات تقدر أن نحو ثلث مجموعات التنمية الزراعية تعمل بشكل جيد، وأن الثلث الآخر يعمل في ظل مشكلات، والثلث المتبقي توقف نشاطه، وقد تلقى المقرر الخاص كثيراً من الشهادات في ما يتعلق بالضغوط المبلغ عنها التي تواجهها مجموعات التنمية الزراعية، ما أدى إلى فشل بعضها.
ووفقًا للتقرير، تقع مسؤولية إنشاء وإدارة شبكات الصرف الصحي ومرافق مجاري الصرف على عائق المكتب الوطني للصرف الصحي، الذي لا يغطي هذه الخدمات إلا في المناطق الحضرية، ونتيجة لذلك، لا توجد لوائح تنظيمية فعالة في ما يتعلق بالصرف الصحي في المناطق الريفية، ولا يتلقى سكان الريف الدعم الكافي.
ورأى المقرر الخاص أن الأسر الريفية تتعامل مع الصرف الصحي بصورة فردية عن طريق المراحيض وخزانات الصرف الصحي والحفر الامتصاصية التي كثيراً ما تفتقر إلى التصميم والصيانة الملائمين، ما يزيد من مخاطر تلوث مياه الشرب.
وفي المحليات التي يتراوح عدد سكانها بين 1000 و3000 نسمة، تدخل خدمات الصرف الصحي تحت مسؤولية المجالس والبلديات الإقليمية، بقيادة وزارة البيئة، بمساعدة تقنية من المكتب الوطني.
ووفقاً للمعلومات الواردة أثناء الزيارة، فإن أصحاب الحقوق، في المحليات التي يقل عدد سكانها عن 1000 نسمة، يعتمدون على نظم للصرف الصحي في الموقع نفسه دون أي تنظيم أو دعم رسمي، وبالإضافة إلى ذلك، اعترفت السلطات المحلية والإقليمية في لقاءاتها مع المقرر الخاص بأن كثيراً من الأحياء الحضرية قد شيدت بدون تخطيط حضري أو تراخيص.
وأشار التقرير إلى أن تونس طرف في العديد من المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي ينص على الحق في مستوى معيشي لائق، بما في ذلك الحق في الحصول على المياه وعلى خدمات الصرف الصحي.
وأن تونس طرف في الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب والبروتوكول المتعلق بحقوق المرأة في إفريقيا الملحق بهذا الميثاق، والذي ينص على الحقوق المتعلقة بتوفير مستوى معيشي لائق ومبدأ عدم التمييز، بيد أن تونس لم تصدق على الاتفاقية الدولية لحقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، ولا على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وقد تغير دستور تونس مرتين خلال العقد الأخير، فكان قد اعتمد دستورا جديدا في عام 2014 بعد الثورة، وهو دستور جرى تغييره بدوره إلى دستور جديد نشر في الجريدة الرسمية في 18 أغسطس 2022 بعد استفتاء وطني جرى أثناء زيارة المقرر الخاص.
ويرى المقرر الخاص أنه بينما يكون من الإيجابي أن تتحمل الدولة المسؤولية عن توفير المياه بموجب مبادئ التوافر والاستدامة وعدم التمييز، فإنه من أجل إعمال حق الإنسان في الماء، يتعين على الدولة أيضاً أن تكفل جودتها والقدرة على تحمل تكلفتها.
وفي هذا الصدد، يرى المقرر الخاص أنه من المهم التأكيد أن قانون المياه يتضمن حكماً بشأن الجودة والمقبولية (رغم عدم تعريفه بوضوح للحق في الماء) وبالفعل، فإن الفصل 97 من قانون المياه ينص على أن المياه المعدة للاستهلاك يجب ألا تحتوي على كميات ضارة من المواد الكيميائية أو الجراثيم الضارة بالصحة ويجب أن تكون خالية من التلوث وتكون ذات خصائص حسية تجعلها مقبولة.
ومن رأي المقرر الخاص أن عملية اللامركزية قد تكون لها نتائج إيجابية على حقوق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي لمن يعيشون في المناطق الريفية أو المناطق النائية.
ومن واقع خبرة المقرر الخاص، يكون من الأفضل إدارة خدمات المياه والصرف الصحي على المستوى الإقليمي، ففي بلد شديد المركزية مثل تونس يشعر المقرر الخاص بالحماس إزاء عملية اللامركزية التي كان من الممكن أن تجعل خدمات المياه وإدارة مصادر المياه أقرب إلى أصحاب الحقوق الذين يعيشون في الإقليم.
وتلقى المقرر الخاص خلال زيارته شهادات عديدة من المجتمعات الريفية وحتى من السلطات المحلية والإقليمية بشأن ما يولى بالفعل لاستخدام المياه للري والتعدين والصناعة على نطاق واسع من أولوية على استخدام المياه لأغراض الشرب في المجتمعات الريفية، وعلى سبيل المثال، شجبت المجتمعات الريفية في الاستغلال المفرط لطبقات المياه الجوفية في الري الذي يروج له كبار المستثمرين الذين منحوا تراخيص الحفر والضخ أو يسمح لهم بحفر الآبار غير القانونية وتشغيلها بدون أي رقابة، في حين يرفض منح تراخيص مياه مماثلة للمجتمعات الريفية، وهذا يتجاهل التعليق العام رقم 15 (2002) للجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتعلق بالحق في المياه، والذي يجب وفقاً له إعطاء الأولوية للحق في المياه للاستخدام الشخصي والمنزلي، وكذلك تمنع الجوع والمرض.
ويرى التقرير أنه وفقاً لبيانات البنك الدولي، بذلت تونس جهوداً مرموقة للحد من الفقر ولزيادة إمكانية الحصول على خدمات إمدادات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، إذ حصل 4 ملايين شخص على الإمداد بالمياه وخدمات الصرف الصحي المحسنة في الفترة ما بين عامي 1990 و2015، ومما يؤسف له أن الجائحة قد زادت من الفقر، ويقدر البنك الدولي أن المستويات القائمة قبل الجائحة لن تسترد حتى عام 2024، وأفادت الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه بأن معدل الإمداد بمياه الشرب للسكان في تونس بلغ 98.3 في المئة في عام 2020، بما في ذلك بنسبة 100 في المئة في المناطق الحضرية وبنسبة 94.7 في المئة في المناطق الريفية.
وبلغ معدل الربط بشبكة الشركة الوطنية لتوزيع المياه 84.8 في المئة، بما في ذلك بنسبة 99.8 في المئة في المناطق الحضرية وبنسبة 49.7 في المئة في المناطق الريفية.
وفي المناطق الريفية المتبقية التي لا تغطيها الشبكة، يوجد لدى 70 في المئة من السكان ربط فردي بالشبكات وبالتالي لديهم نظم آمنة، وفقاً للشركة.
ويرى المقرر الخاص أنه من المهم ملاحظة أن توافر المياه المدارة بصورة مأمونة أقل بكثير من معدل الوصول إليها.
وقد قدرت منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في برنامج الرصد المشترك بينهما لعام 2020، أن 79 في المئة فقط من السكان يمكنهم الوصول بفاعلية إلى المياه المدارة بصورة مأمونة، بينما تفيد بيانات المعهد الوطني للإحصاء بأن هذه النسبة هي 57 في المئة فقط.
وعلى الرغم من الافتقار إلى البيانات المتعلقة بتقادم الشبكات الريفية التي لا تديرها الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، فمن المحتمل أن تكون الأرقام أعلى حتى من ذلك، وعلى أي حال، تؤدي مشكلات نقص المياه أو حالات التعامل في الشبكة إلى انقطاع المياه بشكل متكرر وطويل المدة، كما يذكر المرصد التونسي للمياه، ما يؤدي إلى تزايد عدد شكاوى المواطنين في هذا الصدد والذي وصل توخيا للدقة، إلى 2633 شكوى في عام 2021.
ووفقاً للتنبيهات التي تلقاها المرصد التونسي للمياه في عام 2022 على موقعه الشبكي، أفادت 147 شكوى بحدوث تسربات للمياه استمرت لأكثر من 3 أيام بدون تدخل من الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه.
وفي ما يتعلق بإدارة النزاعات، صدم المقرر الخاص بفعل تقارير متعددة عن احتجاجات سلمية بشأن الافتقار إلى المياه وخدمات الصرف الصحي في جميع أنحاء البلاد، ففي عام 2022، أحصى المرصد التونسي للمياه 423 احتجاجاً سلمياً بشأن المياه، وكانت الاحتجاجات مرتبطة بالافتقار الكامل إلى المياه أو بحدوث تخفيضات متقطعة أو طويلة المدة في إمداداتها.
وفي اللقاءات العديدة التي عقدها المقرر الخاص مع المجتمعات المحلية والمدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء الاجتماعيين، أصبح من الواضح أن السكان نادراً ما يجدون فرصاً للحوار، وأدى عدم الاستجابة إلى زيادة حدة الاحتجاجات التي مال الاتجاه بخصوصها إلى تجريمها والمقاضاة بشأنها بدلاً من تعزيز الحوار والبحث عن حلول للمطالب والمظالم التي كثيراً ما تكون عادلة.
وسرد التقرير أيضًا أن المقرر الخاص يود بعد أن زار المهاجرين واستمع إلى قصص اللاجئين وملتمسي اللجوء، رجالاً ونساءً على السواء، أن يشير إلى أن الحكومة مسؤولة عن توفير مستوى معيشي لائق لهؤلاء السكان، فحقوق اللاجئين وملتمسي اللجوء في المياه وخدمات الصرف الصحي ترتبط بوضعهم في البلد.
وفي هذا الصـدد، حث المقرر الخاص الحكومة على أن توفر لهم ما يتعلق بوضعهم القانوني.
وزار المقرر الخاص أثناء زيارته مركزاً لاحتجاز النساء، حيث شاهد كيف يتاح للمحتجزات مرحاض واحد فقط لأكثر من 12 امرأة، مع انخفاض ضغط المياه ومع وجودهن في حيز مزدحم ودرجات حرارة مرتفعة.
الاستثمار العام والحوكمة المحلية والإدارة المجتمعية
وفي ما يتعلق بالمناطق الريفية، يرى المقرر الخاص أن إدارة المجتمعات المحلية للمياه والصرف الصحي هي النموذج المناسب للحكم الديمقراطي الذي ينبغي تعزيزه في المجتمعات الريفية.
ولذلك فهو يعتقد أن الشبكة الواسعة لمجموعات التنمية الزراعية ينبغي أن ينظر إليها على أنها أصل من الأصول الاجتماعية والسياسية يتعين على الحكومة تعزيزه بأن تتيح الوسائل المالية والتقنية اللازمة للمجتمعات الريفية، كما يجب تسجيل الاعتراف على نحو فعال بالإدارة المجتمعية، ما يسمح لهذه المجتمعات بالاستثمار في خدماتها وللعمل المجتمعي بأن يحل محل دفع الرسوم أو يكمله، وباختصار، فإنه سيعزز مسؤولية المجتمع المحلي دون أن يحد من مسؤولية الدولة والدعم المقدم منها في المناطق الريفية.
وبالإضافة إلى ذلك، فبعد تحديد مشكلة ارتفاع تكاليف الكهرباء على أنها أحد الأسباب التي أدت إلى انهيار كثير من مجموعات التنمية الزراعية، فقد تكون هذه فرصة لتعزيز الانتقال إلى الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح حيثما وجدت الأوضاع المناسبة لضمان توفير مياه الشرب في المجتمعات الريفية وخفض تكاليف تشغيل هذه المجموعات ويمكن تخفيض تكاليف الاستثمار والتركيب تخفيضاً كبيراً إذا اضطلع على الصعيد الوطني بعمليات الشراء وإبرام العقود.
وبالنظر إلى الانخفاض التدريجي لتوافر المياه بسبب تغير المناخ والطفرة الحالية في الاستهلاك التي تزيد أكثر بكثير على توافر الموارد بصورة متجددة، يلزم التطبيق الصارم للمبدأ التحوطي والاعتدال في الطموحات الإنتاجية، كما يجب ضمان ما لمياه الشرب وخدمات الصرف الصحي من أولوية، بموجب التزامات حقوق الإنسان على الاستخدامات الإنتاجية للمياه.
التوصيات
أوصى التقرير بتعزيز التخطيط الهيدرولوجي من منظور تغير المناخ، والانتقال من استراتيجيات جانب العرض إلى الاستراتيجيات القائمة على الاستدامة وإدارة الطلب.
إغلاق الآبار غير القانونية وتركيب عدادات، ليس فقط لضمان استدامة طبقات المياه الجوفية، ولكن أيضاً لضمان احتياطيات تحسباً لدورات الجفاف غير العادية.
تشجيع إنشاء رابطات لمستخدمي طبقات المياه الجوفية بمشاركة مجموعات التنمية الزراعية في مراقبة وإدارة طبقات المياه الجوفية، من ناحية الكم (الضخ) والجودة (احتمالية التلوث).
ضمان أسبقية مياه الشرب على الاستخدامات الإنتاجية، وتجنب تراخيص الضخ التي قد تؤدي إلى تخفيضات في إمدادات مياه الشرب.
كذلك يوصي المقرر الخاص بتجديد شبكات الإمداد وضمان صلاحية مياه الشرب، وخاصة في المناطق الريفية، ويشكل التقادم وعدم صيانة الشبكة، إلى جانب ارتفاع مستوى التسربات السبب الرئيسي لانقطاع المياه المتكرر وتلوث مياه الشرب في الشبكات عن طريق نقاط التسرب، ولا سيما في المناطق الريفية.
أيضًا ضرورة إيجاد خطة لتجديد الشبكة وتحديد أولويات تمويلها، ولا سيما من أجل المجتمعات الريفية.
إيجاد لوائح تضمن رصد مخصصات في الميزانية من أجل الصيانة والتجديد المنهجيين لشبكات المياه، وأن تضمن الدولة بالمجان، ما لا يقل عن لترين من مياه الشرب للفرد في اليوم باستخدام شاحنات صهريجية وصهاريج متنقلة في المجتمعات الريفية، مع إعطاء أولوية خاصة للمدارس، وذلك طوال الوقت الذي لا تضمن فيه الشبكات العامة توفير مياه الشرب.
القيام في الأحياء الحضرية، بتعزيز خدمة توفير مياه الشرب البلدية بسعر التكلفة، وتوزيعها عبر شبكة الأغذية التجارية بتكلفة أرخص بكثير من المياه المعبأة وتجنب النفايات البلاستيكية، ويمكن أن يشمل ذلك توفير خدمة منزلية للأشخاص ذوي الإعاقة تحت إشراف دوائر الخدمات الاجتماعية البلدية.
ويوصي المقرر الخاص بتطوير وضمان خدمات الصرف الصحي بوصفها حقاً من حقوق الإنسان، ذلك أن ضمان حق الإنسان في خدمات الصرف الصحي أمر لا بد منه للحفاظ على صلاحية إمدادات المياه للشرب وعلى صحة السكان، ولا سيما في المناطق الريفية.
إيجاد شبكات للصرف الصحي ومحطات للصرف الصحي واسعة النطاق مصممة تصميماً جيداً، بدون تكاليف من حيث الطاقة في البلديات الريفية التي يصل عدد سكانها إلى 5000 نسمة، وتوفير موظفين تقنيين لا مركزيين لتعزيز قدرات البلديات والمجتمعات المحلية، وتعزيز المكتب الوطني للصرف الصحي من حيث التمويل والموظفين، من أجل التمكن من استعادة الإدارة العامة لمحطات الصرف الصحي باعتبارها عناصر استراتيجية للمصلحة الوطنية، وتطوير نظم ثالثة في محطات الصرف الصحي الحضرية الكثيفة تسمح بإعادة استخدام المياه العادمة.
وأوصى بإعطاء الأولوية للإمداد الحضري على إمداد قطاع التعدين عن طريق بناء محطات معالجة مياه الصرف الصحي في كل من قابس والرديف، وإمداد صناعات التعدين والتجهيز عن طريق إعادة استخدام المياه المعالجة من تلك المحطات.
وفي ما يتعلق بحوكمة مياه الشرب والصرف الصحي، يوصي المقرر الخاص، في ما يخص النهج العام والاجتماعي الحالي المتعلق بإدارة المياه المتضمن نظام أسعار ميسورة لشرائح الاستهلاك، بتحسين هذا النهج عن طريق تعزيز الإدارة التشاركية لخدمات المياه والصرف الصحي، مع إشراك البلديات ونظم المجتمعات الريفية وعامة الناس.