أطفال غزة بعد وفاة ذويهم.. "أبرياء" تحت أنقاض الحرب يلتحفون برداء الحزن

أطفال غزة بعد وفاة ذويهم.. "أبرياء" تحت أنقاض الحرب يلتحفون برداء الحزن

الحزن يخيم كالظلام الثقيل على سماء غزة، حيث يفقد الأطفال حياتهم بصورة مأساوية نتيجة للقصف المتواصل بريًا وجويًا وبحريًا.

وفي ظل الهموم الكبيرة التي يعاني منها الأهالي، تظل صور الأطفال البريئة وجواهر الأمل تذهب بلا رجعة، ما يتسبب في تعاظم الحزن والألم في قلوب العائلات. 

مع كل قذيفة تستهدف المنازل التي كانت آمنة، تنقطع أحلام الأطفال وآمالهم في مستقبل أفضل، ليترك القصف آثاره الدامية والمدمرة في قلوبهم بفقدهم منازلهم وأحد الأبوين أو كليهما، هذا في حال تمكن الأطفال أنفسهم من النجاة.

والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة، أين يذهب هؤلاء الأطفال الذين فقدوا ذويهم، ومن يتولى رعايتهم في ظل قصف لا يستثني أحدا ولا يرحم أحدا؟ 

في غمرة الحزن والصدمة، ربما يلجأ البعض إلى العائلات الأقرب لديهم، يعتبر هذا الخيار الوحيد بالنسبة للعديد من الأطفال الذين فقدوا أبويهم وأقاربهم في القصف ومع ذلك، فإن هذا الحل لا يمكن أن يكون دائمًا مستدامًا، بسبب الأعباء المالية والنفسية التي تتكبدها. 

وهنا تلعب الجمعيات والمؤسسات الخيرية دورًا حيويًا في تقديم الدعم والمساعدة لهؤلاء الأطفال المهمشين، فهي تعمل بلا كلل لتلبية احتياجاتهم الأساسية، وتوفير المأوى والغذاء والرعاية الصحية، ومع ذلك، فإن الاحتياجات الهائلة تفوق إمكانيات هذه المؤسسات، وتتطلب تعاونًا دوليًا أوسع للتصدي لهذه الكارثة الإنسانية. 

ووفقًا لـ"بي بي سي"، تجاوزت حصيلة عدد القتلى في قطاع غزة جراء القصف الإسرائيلي المتواصل 7 آلاف منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر الجاري، عقب الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل، نصف هذا العدد من الأطفال، وفق وزارة الصحة في غزة. 

كان هذا قبل القصف المدوي الأخير بحريًا وبريًا وجويًا، الجمعة، بعد قطع كل سبل التواصل مع العالم الخارجي من شبكات إنترنت وهواتف.

وتقول منظمات إغاثية في غزة إن كل 15 إلى 20 دقيقة يقتل طفل.

وبموازاة ذلك، فإن 900 طفل من أصل 1500 شخص في عداد المفقودين تحت أنقاض المباني المدمرة في مختلف أنحاء قطاع غزة. 

وتظهر هذه الإحصائيات الصادمة والتي ترتفع على مدار الساعة أن أطفال غزة يجدون أنفسهم في صدارة ضحايا حرب لم يختروها ويدفعون فيها أغلى ثمن.

وأكدت منظمة "يونيسف" التابعة للأمم المتحدة، أن مليون طفل في غزة يواجهون مصيرًا مجهولًا، لا سيما الذين يعانون من حروق مروعة، وجروح بالقذائف، وبتر للأطراف، في غياب المستشفيات الكافية لعلاجهم، وتقطع السبل أمام الإمدادات الصحية لهم. 

وحذرت منظمات حقوقية من تأثيرات الحرب في غزة على أطفال القطاع الذين يشكلون حوالي نصف سكان غزة، معظمهم لم يجربوا الحياة إلا في ظل الحصار والحروب المتكررة مع إسرائيل.

وبحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإن سقوط الأطفال والرضع الفلسطينيين جراء القصف الإسرائيلي على القطاع المحاصر، بلغ معدلا غير مسبوق في تاريخ الحروب، جراء استهدافه المباني والتجمعات السكنية. 

وكانت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال فرع فلسطين، قد أكدت أن 120 طفلا فلسطينيا يقتلون كل يوم جراء قصف الجيش الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة جراء الغارات، وتدمير المنازل، كما تخلف إصابات فظيعة بالشظايا والحروق، وسقوط الحجارة والركام فوق رؤوسهم. 

ومع مأساوية مشاهد قتل الأطفال، انتشرت على الإنترنت مقاطع مصورة تظهر أطفالا في قطاع غزة يكتبون أسماءهم على أذرعهم، وذلك لتسهيل التعرف على هوياتهم في حال قضوا بالقصف الإسرائيلي مع أفراد عائلاتهم.

ويرى حقوقيون هاتفتهم "جسور بوست"، أنه ينبغي على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته تجاه هؤلاء الأطفال، كما يجب توجيه الاهتمام والمساعدات المالية للمنظمات غير الحكومية التي تعمل على تلبية احتياجات هؤلاء الأطفال وتوفير الدعم النفسي لهم.

أطفال غزة: طعامنا وجبة واحدة باليوم ونحلم بنهاية الحرب

تعاضد مجتمعي 

علق الباحث القانوني الفلسطيني، رائد البرش، بقوله، أولًا يجب الإشارة إلى أن قطاع غزة يعيش في حالة كبيرة من الترابط الأسري والتعاضد الاجتماعي، بمعنى عام أن الأطفال ضحايا العدوان الحربي الإسرائيلي الذين يفقدون ذويهم يتم احتضانهم من قبل عائلتهم، كالأجداد لأب أو الأجداد لأم أو الأشقاء الكبار إن وجدوا، وربما لدى الأعمام ونحو ذلك، وهذا ما يجعل الأطفال الغزيين يعيشون بشكل نسبي حياة أقرب للطبيعية رغم حالة الفقد وما يصاحبها من ألم وصعوبات ومشاكل، ومما تجدر الإشارة إليه أنه توجد في قطاع غزة جهتان رئيسيتان لرعاية الأطفال الذين يفقدون ذويهم، أحدهما جهة رسمية تتمثل في قسم رعاية الطفولة التابع لوزارة التنمية الاجتماعية، والأخرى أهلية وتتمثل في معهد الأمل للأيتام، ولكلا الجهتين دور بارز وواضح في رعاية الأطفال ضحايا النزاعات المسلحة وبينهما علاقة تكاملية كبيرة، كما يوجد تنسيق واضح وجدير بالإشادة به بين الجهتين، ويمكن القول إن وزارة التنمية أقرب ما يكون اختصاصها في مجال الإغاثة والتمويل والسكن للأطفال فاقدي ذويهم، بينما ينصب عمل معهد الأمل للأيتام في مجال التأهيل والتطوير والدمج في المجتمع.

وأضاف “البرش”، في تصريحاته لـ"جسور بوست"، أما في ما يتعلق بدور الجمعيات الخيرية فهو لا يتعدى الدور الإغاثي من خلال تقديم المساعدات، وبخصوص دور المساجد فهي وإن كانت غير مختصة برعاية الأيتام أو الأطفال ضحايا النزاعات، إلا أن مساجد قطاع غزة لها دور واضح وكبير في احتضان الجيل وتربيته وفق تعاليم الإسلام العظيم، ويساعد في ذلك تبني وزارة الأوقاف والشؤون الدينية هذا النهج  القائم على استيعاب الجيل، أما في ما يتعلق بحال الأطفال الذين يفقدون ذويهم فكما سائر البشر الفقد مؤلم، وله تداعيات سلبية كبيرة لا سيما على فئة الأطفال، والعمل الجمعي المشترك بين الجهات الرسمية والأهلية في القطاع يخفف من حدة الفقد، ومع ذلك تجد أطفالا لا يستقبلون أي محاولة للدمج ويبقى لديهم أقرب ما يكون لعقدة نفسية وكره للحياة.   

ممثلة أمريكية تحذف منشورا عن أطفال غزة بعد اكتشافها بأنهم ليسوا من إسرائيل  (صورة) - RT Arabic

واستطرد، وتتعدد الصعوبات التي يواجهها الأطفال فاقدو ذويهم، أبرزها شعورهم بالنقص مقارنة بأقرانهم، وهذا ما يخلق لديهم مشكلات نفسية، ورفض عائلات الأطفال "الحاضنين لهم" إرسالهم للمؤسسات الخاصة بهم، أيضًا طبيعة الدعم الإغاثي المقدم لهم يجعلهم محل طمع، وبالتالي تنافس الأقارب على حضانتهم ليس حبا فيهم بل طمع وجشع، وفي الغالب يترك الأطفال الأيتام التعليم في مراحل مبكرة، ويجبرون من قبل محتضنهم على العمل لجلب المال، وعدم وجود نظام عمل واضح لدى وزارة التنمية بصفتها جهة رسمية يلزم من يعيل الأطفال فاقدي ذويهم على التعليم على الأقل للمرحلة الثانوية.

الضحايا معظمهم من الأطفال 

وعلق الخبير القانوني والحقوقي الفلسطيني، الدكتور محمود حنفي، بقوله، إن المعركة لم تنتهِ بعد، ولا يزال آلاف الأطفال والنساء أسفل الهدم خاصة بعد المحرقة التي تمت أمس بحق الشعب الفلسطيني، وعليه فمصير الأطفال سيكون كلامًا عامًا بلا إحصائيات، الآن العداد شغال والضحايا معظمهم من الأطفال، ويجب العلم أن المجتمع الفلسطيني مجتمع متماسك، وغالبا يأخذ الطفل عمه أو خاله إذا وجدوا، وفي ظل الوضع الحالي هناك جمعيات ميدانية تحصيهم أولًا، ثم معرفة أوضاعهم ثم إيواؤهم كأبناء وحيدين ليس لهم أصول أو أقارب، ومن المهم أيضًا أن يلتفت المجتمع الدولي إلى الدور الحيوي للمساجد في تقديم الدعم والراحة الروحية لهؤلاء الأطفال، فالمساجد تعتبر ملاذًا للمجتمع، حيث يمكن للأطفال أن يجدوا السلوى والعزاء في أحضان الإيمان والصلاة، وتتضافر جهود الأئمة والمشايخ والمتطوعين لدعم هؤلاء الأطفال الذين فقدوا كل شيء. 

وأضاف “حنفي”، في تصريحات لـ"جسور بوست"، من الضروري أن يتعاون الجميع لدعم هؤلاء الأطفال المتضررين، يجب توفير التمويل الكافي للمساعدات الإنسانية والبرامج التأهيلية التي تهدف إلى تقديم الرعاية النفسية والتعليم والفرص الصحية لهؤلاء الأطفال، وينبغي أن تتحمل الدول المعنية مسؤوليتها في حماية حقوق الطفل وضمان حياة آمنة وكريمة لهم.. إن الواجب الإنساني يحتم علينا جميعًا أن نتحد ونقف إلى جانب أطفال غزة المظلومين، علينا أن نعمل بكل قوتنا من أجل إنهاء الحروب والصراعات التي تحطم حياة هذه الأرواح البريئة. 

No description available.

الدكتور محمود حنفي

وأتم، لنمنح هؤلاء الأطفال الأمل والفرصة لبناء مستقبلٍ أفضل، حيث لا تعرف الحروب والدمار سبيلًا.. هنا في غزة، يستمر الحزن في السيطرة على قلوب وعقول الأطفال الذين فقدوا أحباءهم بسبب القصف، فهل يمكن أن نزيل أسباب حزنهم ونرحم هؤلاء الصغار؟ 

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية