رئيسة أول محكمة أسرة مغربية لـ«جسور بوست»: القانون يجب أن يواكب تحولات المجتمع
أكدت أن النساء خضن أشواطاً مهمة
- المجتمع المغربي عرف تغيرات وتحولات مذهلة وسريعة والنص القانوني يجب أن يواكبها
- الكثير من النقاط تحتاج إلى إعادة النظر منها زواج القاصر والحاضن وتقسيم الأموال بعد الطلاق وإثبات النسب
- يجب وضع مصلحة الأسرة نصب أعيننا وعندي ثقة كبيرة في من سيشرفون على إصلاح المدونة
- أقول لفقهائنا إن بعض الآراء عفا عليها الزمن
- يجب الالتزام أثناء إعداد مشروع تعديل المدونة بالدستور والمرجعيات الإسلامية والدولية
- بالمقارنة مع دول عربية وإسلامية المرأة المغربية خاضت أشواطاً مهمة لكنها لا تزال لا تحظى بسلطة اتخاذ القرار في بعض الميادين
حاورها: سامي جولال
في الـ26 من سبتمبر المنصرم، وجه ملك المغرب، محمد السادس، رسالة إلى رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة المغربية الحالية، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2004، ورفع مقترحات التعديلات إلى الملك في أجل أقصاه 6 أشهر، قبل إعداد الحكومة مشروع قانون في هذا الشأن، وعرضه على مصادقة البرلمان.
في هذا السياق، تعالت أصوات نسائية مغربية من الأوساط الحقوقية والسياسية، مطالبة بإدخال مجموعة من التعديلات على المدونة، أثار عدد منها جدلاً كبيراً وواسعاً وسط المجتمع المغربي، من بينها اقتسام الممتلكات بعد الطلاق، ومنع تعدد الزوجات، وحذف التعصيب في الإرث، وإعطاء الطليقة الحاضنة للأبناء الحق في الزواج مع الاحتفاظ بالحضانة، والمساواة في الولاية القانونية على الأبناء، لدرجة أن رجالاً مغاربة قرروا عدم الدخول حاليّاً في مشاريع زواج، والانتظار حتى صدور المدونة الجديدة، والاطلاع على مضامينها، وبناءً عليها سيقررون الزواج من عدمه، كما تتوقع فئة من المغاربة أن ينتج عن المدونة المقبلة، إذا تضمنت المطالب المذكورة، عزوف أكثر عن الزواج من قِبل الرجال، وأيضاً ارتفاع إقبال النساء على الطلاق، بسبب زيادة حقوقهن ومكاسبهن منه، وبالتالي نسبة تفكك أسري أكبر في البلاد.
في هذا الحوار، نناقش مع زهور الحر، العضوة في اللجنة الملكية الاستشارية، التي أعدت مشروع مدونة الأسرة المغربية الحالية، التي صادق عليها البرلمان ودخلت حيز التنفيذ في عام 2004، والتي كانت أول رئيسة لأول محكمة أسرة تم إنشاؤها في المغرب (في مدينة الدار البيضاء)، الاختلالات والسلبيات، التي ظهرت في مدونة الأسرة المغربية الحالية، والمضامين التي ترى أنه يجب تعديلها فيها أو إضافتها إليها، ورأيها في المطالب النسائية المثيرة للجدل وتفاعل المغاربة معها، والمبادئ والقواعد، التي يجب الالتزام بها أثناء إعداد مشروع تعديل المدونة، وأيضاً كيف تقيم تطور المغرب في مجال النهوض بحقوق النساء وتعزيزها.
زهور الحر هي أيضاً رئيسة اللجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف (رسمية)، وعضوة في المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة وطنية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها)، ورئيسة الجمعية المغربية لمساندة الأسرة، وأيضاً محامية، كما كانت قاضية- رئيسة غرفة في محكمة النقض في العاصمة الرباط قبل أن تتقاعد.. فإلى نص الحوار:
ما الاختلالات والسلبيات، التي ترين أنها ظهرت في مدونة الأسرة المغربية الحالية، التي دخلت حيز التنفيذ منذ عام 2004، ويجري تعديلها الآن؟
في ما يخص الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة، في الحقيقة تعكس اهتمام الملك بالأسرة المغربية، وبالمرأة المغربية، وبالطفل المغربي، وتبين كذلك الحرص الشديد على تمتعهم بحقوقهم، ومحاولة إشراكهم في مسار البلاد التنموي والديمقراطي، من خلال نافذة التمتع بالحقوق، وإصلاح جميع القوانين المتعلقة بالأسرة أو بالمرأة، لأن هذه القوانين هي التي تضبط العلاقات، وتخول للفرد التمتع بمجموعة من الحقوق، لكي يقوم بدوره المنوط به في المجتمع، ويكون عنصراً مفيداً.
من ضمن هذه القوانين، التي يجب أن تُعدَّل، ليس فقط قانون المدونة، ولكن هذه الأخيرة في المقدمة، لأنها تتعلق بعلاقات إنسانية وأسرية، وعلاقات لا تحكمها المادة فقط، بل هناك عواطف ومشاعر وأحاسيس، وروابط اجتماعية.
أولاً، في ما يتعلق بإصلاح 2004 (تقصد مدونة الأسرة المغربية الحالية، التي دخلت حيز التنفيذ منذ عام 2004، ويجري تعديلها الآن) في الحقيقة كان محطة فاصلة، وإصلاحاً كان فيه جرأة، وكان عميقاً، ومسَّ بعض المقتضيات، التي كانت المرأة أو الأسرة محرومة منها، ولكن بعد التنزيل على أرض الواقع وبعد التطبيق، اتضح أن هناك مجموعة من الثغرات والاختلالات، أولها أننا لم نُجَهِّز بعض الآليات لتكون مصاحبة للتشريع، وهنا أعطي مثالاً أننا عندما أقررنا مسألة محاولة الصلح بين الزوجين في المحكمة قبل اللجوء إلى الطلاق، لم نوفر الآليات والناس، الذين يمتلكون تقنيات الصلح، ليقوموا بذلك، لأن القاضي يطبق النصوص، وليس لديه تكوين، أو تقنيات، أو آليات، للتواصل والصلح بين طرفين متنازعين.. الشيء الثاني، هو أن فضاء المحكمة غير صالح للصلح، فيا ليت مسألة الصلح تكون خارج المحاكم، لأننا رأينا ارتفاع عدد حالات الطلاق.
من الاختلالات أيضاً أننا لم نُكوِّن القضاة الذين سيطبقون هذا القانون، أتينا بقانون أصلحنا فيه بعض المقتضيات، ولكن لم نقم بتكوين عميق للقاضي، الذي سيطبق هذا القانون، ولا ننس أن الخلفية الثقافية أو الحقوقية للقاضي، أو من يطبق هذا القانون، هي التي تتحكم في الموقف الذي يتخذه، وكذلك السلطة التقديرية في هذا القانون، إذ هناك سلطة تقديرية واسعة للقاضي، سواء في زواج القاصر، أو في تحديد النفقة، أو في التعدد، لكن لم يتم تطبيق هذه السلطة التقديرية بشكل حسن أحياناً، ما جعلنا نعيش هذا الوضع، الذي نعيشه الآن، إذن هناك مجموعة من الاختلالات والسلبيات، التي يجب تداركها.
مسألة أخرى، هي أنه يجب التأكيد أن المجتمع المغربي عرف تغيرات وتحولات مذهلة وسريعة، وأن النص القانوني يجب أيضاً أن يواكب هذه التغيرات والتحولات، لأن المجتمع المغربي اليوم ليس هو ذلك الذي كان قبل 20 و30 سنة، إذ حدثت مجموعة من التغيرات والتحولات، وأصبحت مجموعة من المضامين على المستوى الحقوقي، أو المادي، أو المعنوي، تتحكم في الأسرة، ولذلك يجب أن تواكب القوانين هذا التطور، وتُوجِدَ حلولاً لمشاكل جدت واستجدت، بحكم التطور، الذي نعيشه في هذا العالم، الذي أصبح قرية واحدة، وأصبح ما يقع في آخر منطقة في العالم يتأثر به جميع هذا العالم.
ما المضامين، التي ترون أنه يجب تعديلها في مدونة الأسرة المغربية الحالية، أو إضافتها إليها؟
أولاً، في ما يتعلق بزواج القاصر، كان هناك نقاش قوي خلال إعداد مشروع مدونة 2004، بخصوص هل يكون سن الزواج 18 سنة أو أقل، وفي اللجنة (تَقْصِدُ اللجنة الملكية الاستشارية لإصلاح مدونة الأسرة) التي كان لي الشرف أنني كنت عضوة فيها، كان الغالب فيها هو الجانب الفقهي، الذي لم يكن متنوراً، ولا متقدماً، ولا ينظر إلى الأشياء بعين الواقع، ولا يفقه هذا الأخير (الواقع) أيضاً بقدر ما يفقه الأحكام، فلذلك كان الاتفاق على 18 سنة، ولكن كان هناك استثناء، وهذا الاستثناء من ضمن الأشياء، التي كانت عند القاضي سلطة تقديرية بخصوصها، ولكن لم يحسن تطبيقها، فمثلاً وجدنا أن الزواج يتم في سن 14 و15، بينما القانون قال فقط استثناءً، والاستثناء يجب أن يكون في نطاق الاستثناء، وليس في التوسع، ووجدنا أن 10% من عقود الزواج المبرمة هي لطفلات قاصرات تم تزويجهن.
كذلك من الأشياء، التي لم تطبق بشكل جيد، ولم تكن واضحة، ويجب إعادة النظر فيها، هي المادة 49، التي تشير إلى تقسيم الأموال المكتسبة خلال الحياة الزوجية، أولاً، نصت على أن الذمة المالية للزوج والزوجة مستقلة، ولكن يمكنهما أن ينظما في ما بينهما كيف يتم تدبير هذه الأموال خلال الزواج بواسطة عقد، ولكن أغلب الحالات لا يكون فيها هذا العقد، ولا تكون الأموال مفروزة.. أموال المرأة لوحدها وأموال الرجل لوحدها، ونقع في أموال مشتركة، والمرأة ساهمت في تكوين هذه الثروة خلال الزواج، إما بأجرها ووظيفتها، وإما بعملها داخل المنزل، وهنا كانت إشكالية كيف نحدد نصيب المرأة، وكيف تثبته.. الذي عشناه هو أننا وجدنا مثلاً الأملاك تكتب باسم الزوج، والزوجة تساهم إما عن طريق أجرها، وإما عن طريق عملها في المنزل، والعمل المنزلي لم يُقَيَّم، ولم يدخل في الاعتبار، ففي القضاء العملي المرأة يجب أن تثبت مشاركتها، وهذا الإثبات يحتاج لأن تكون عندها أجرة ساهمت بها، أو أشياء مكتوبة باسمها، وفي العلاقة الزوجية يصعب أن نقوم بهذه الأشياء، ووسائل الإثبات الخاصة بشراء ثلاجة أو تلفزيون، من الصعب أن تُكتب باسمها أو باسم الزوج، فلذلك نحتاج إلى إعادة النظر في هذه المادة 49، وأشير هنا إلى أن المادة 49 لم تأتِ تطبيقاً للقانون الغربي، الذي يقسم مباشرة الأموال إلى نصفين، بل أتت من الفقه الإسلامي، ومن عمل سيدنا عمر بن الخطاب، الذي كان في أيامه فصل في هذه النازلة، وأعطى المرأة الحق في ما كَدَّت وعملت من أجله، وكذلك فتوى ابن عرضون عندنا في الفقه المغربي، الذي قال كذلك إن المرأة، التي كدت وسعت في تكوين الثروة خلال الزواج، لديها حقها عند الموت أو عند الافتراق.
عندنا مشكلة أخرى في ما يتعلق بزواج الحاضن، كان قديماً أن المرأة بمجرد أن تتزوج تنزع منها الحضانة تلقائيّاً، ولكن في 2004 أتى التعديل، الذي نص على أن نترك معها الطفل حتى يبلغ 7 سنوات، وإذا تزوجت وهو عمره 7 سنوات، يمكن إسقاط الحضانة من طرف الزوج، وهذا ليس في مصلحة الطفل، لأنه كيف نتصور طفلاً عاش في حضانة أمه 7 سنوات، وعندما يُتِمُّهَا ننتزعه من حضنها، ونرميه في حضن زوجة الأب أو المربية؟! هذا ليس في مصلحة الطفل، والنص الذي ينص على هذه القضية جاء في فقرةٍ أخيرةٍ فيه "إذا لم يكن يلحقه ضرر"، يعني أنه يمكن رغم بلوغ الطفل 7 سنوات، وزواج الأم (الحاضنة)، ألّا ننتزعه من حضنها، إذا كان ذلك سيُلحق به ضرراً، وأي ضرر أكبر من أن الطفل عاش في حضن أمه 7 سنوات، ثم نأخذه إلى حضن غريب ليكمل فيه حياته؟!
من الأشياء، التي تحتاج كذلك إلى إعادة النظر، هو نسب الأطفال (خارج إطار الزواج)، لأنه في المدونة هناك البنوة وهناك النسب، البنوة بمعنى بيولوجيّاً هو ابنه ومنسوب له، وتثبت الخبرة الجينية L'ADN أنه من صلبه، ولكنه لا يتحمل أية مسؤولية تجاهه، ولا يحمل نسبه.. هذه التفرقة منطقيّاً أنا لا أقبلها، والمنطق لا يقبلها. كيف هذا ابني من صلبي، ولكنني لا أتحمل نفقته ولا المسؤولية عنه، ولا يحمل اسمي؟! يجب أن يصحح هذا الوضع.
هناك شيء آخر، وفي هذه الوضعية، يقولون إن هذا الطفل، الذي لا يزال نسبه غير معروف، بالنسبة للأم يعتبر شرعيّاً، ولكن بالنسبة للأب ليس شرعيّاً.. فعل واحد ارتكبه شخصان وهو المعاشرة الجنسية، كلاهما ارتكبه، كيف يكون شرعيّاً بالنسبة للأم وغير شرعي بالنسبة للأب؟! أنا أعتقد أن هذا مخرج وضعه الفقهاء وليس في الدين الإسلامي، لكن الفقهاء أخذوا المسألة بهذا الشكل، الذي هو غير منصف للطفل.
نحن نقول إنه ما دامت البنوة موجودة فالنسب موجود، لأن هناك حالتين، إما أن يقر الفاعل بنسب الابن إليه، وإما أن ينكر، وإذا أنكر وأصرت المرأة على أن الطفل منه، فنلجأ الآن إلى البصمة الوراثية، التي ستثبت لنا نهائيّاً هل الطفل منه أو ليس منه.. هذا كله فيه إلحاق ضرر بالطفل أكثر من المرأة، فالطفل يعيش بدون هوية وبدون نسب.. هناك أطفال أرادوا أن يشتغلوا ولا يتوفرون على هوية، وهناك من أراد أن يتزوج ولا يتوفر على هوية.. لماذا؟ لأن نسب أبيه غير موجود، وغالباً الأم تعرف من هو الأب، إلا إذا كانت عاهرة، حيث يمكن أن تمارس الجنس مع 3 أو 4 رجال في ليلة واحدة، هنا نلجأ إلى تحاليل DNA، التي ليست جديدة في الشريعة الإسلامية، لأنه عندنا القيافة، وعندنا علم الأنساب، الذي كان في العصر الإسلامي، أو في عصر الجاهلية، كان فقط بعلم الأنساب، وبالقيافة بالشبه، يمكن للقائف أو للعالم في النسب أن يثبت النسب، ويقول لك هذا الولد من هذا الشخص، وينسب له، ويتحمل مسؤوليته.. إذن مسألة النسب يجب إعادة النظر فيها، لأنها من ضمن الحقوق، التي تنادي بها الجمعيات الحقوقية والنسائية.هناك مسألة التعصيب، أنا أقول إن كل شيء هناك نص قطعي بخصوصه لا نمسه، وعندنا ضمانة أمير المؤمنين (الملك)، الذي قال إنه لا يمكن له أن يحلل حراماً ولا أن يحرم حلالاً، بالنسبة للتعصيب، أنا سألت بعض الفقهاء، وقالوا لي إنه لا يوجد نص قطعي.. التعصيب على البنات (في الإرث) يلحق بهن ضرراً كبيراً إذا لم يكن عندهن ذكر، وأي ذكر في العائلة يمكن أن يرث معهن.. ونحن رأينا حالات أخرجوهن حتى من منازلهن ومن سكنهن، نحن في المغرب الفقه المالكي وضع حلاًّ يتمثل في الوصية الواجبة مع علال الفاسي رحمه الله (عالم ومفكر إسلامي وأديب وسياسي مغربي ومؤسس حزب "الاستقلال") في مدونة 1957، فتلك الوصية الواجبة لا توجد في الشريعة، ولا توجد في الفقه، ولكنها حلت لنا الكثير من المشاكل، واعتمدها القانون المغربي، فلذلك نقول لفقهائنا وعلمائنا أن يجتهدوا ويجدوا مخرجاً، لكيلا تحرم هؤلاء البنات من إرثهن.
هناك مسألة أخرى تخص الصلح قبل الطلاق، لأنه مع كامل الأسف مؤشر الطلاق ارتفع مؤخراً، وخاصة الطلاق الاتفاقي والتطليق للشقاق، وهنا نقول إنه يجب علينا أن نعود إلى مسطرة الصلح والمصالحة.. أمام المحاكم والقاضي فشلت فشلاً ذريعاً، لأن أغلب القضايا المطروحة أمام المحاكم يفشل فيها الصلح، ويتم فيها الطلاق بصفة تلقائية.. لماذا؟ لأن القاضي لا يتوفر على تقنيات وآليات الصلح، وعندما نصل إلى المحكمة يصبح التصالح صعباً، ويصبح كل واحد يعمل جهد الإمكان لينتصر على الطرف الآخر.
نحن نقول إنه يجب على الدولة، أو الوزارة المكلفة بالأسرة، أن توجد مراكز ومكاتب خارج المحاكم، لتسوية النزاعات العائلية، وللصلح بين الأطراف، بدل اللجوء إلى المحكمة، لأن المحكمة يتدخل فيها القاضي، والمحامي، والعائلة، وحكم من أسرته وحكم من أسرتها، وبكل أسف، هذان الحكمان هما اللذان يجعلان المشكل عويصاً أكثر، ويعقدان الأمور أكثر، ولا يصالِحان الزوجين ولا يجعلانهما يتفاهمان.. أقول لك هذا بحكم أنني كنت قاضية، وحاليّاً محامية، وعشت هذا المشكل الخاص بالحكمين من العائلة، لا يصالِحان، بالعكس ثبت مرات أننا صالحنا الزوجين، ولكن عندما خرجا إلى العائلة، قالا لنا أبي لم يوافق، أو أمي لم توافق، وسنتطلق.. إذن هذه كلها نقاط يجب في هذه التعديلات أن يعاد فيها النظر.
وحتى الآن نسمع رواجاً في مواقع التواصل الاجتماعية بخصوص التعديلات، التي سيتم إدخالها على مدونة الأسرة، فلا يوجد أي شيء مما يروج، القانون المعمول به الآن هو القانون الموجود (مدونة الأسرة الحالية المعمول بها منذ عام 2004)، لأنني سمعت الكثير من الشباب يقولون لن أتزوج لأن المرأة ستأخذ مني (بعد الطلاق) المنزل، وتقتسم معي الأجرة، هذا الكلام لا صحة له.. الحمد لله اللجنة، التي ستتولى هذا الأمر، فيها أطراف متعددة، بما فيها المجلس العلمي للمملكة، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والجمعيات التي تنقسم إلى أصناف، فيها جمعيات تدعو إلى العلمانية، وجمعيات تدعو إلى التمسك بالهوية المغربية.
تعالت أصوات نسائية مطالبة بإدخال مجموعة من التعديلات على مدونة الأسرة المغربية الحالية، لعل أكثرها إثارة للجدل وسط المجتمع المغربي اقتسام الممتلكات بعد الطلاق، ومنع تعدد الزوجات، وحذف التعصيب في الإرث، وإعطاء الطليقة الحاضنة للأبناء الحق في الزواج مع الاحتفاظ بالحضانة، والمساواة في الولاية القانونية على الأبناء.. ما رأيكم في هذه المطالب الخمسة بالتحديد؟
أولاً، في ما يتعلق باقتسام الممتلكات، أنا قلت سابقا إن هذا آتٍ حتى من الفقه والشريعة الإسلامية، ونص المادة 49 ليس واضحاً، ويجب تعديله وإصلاحه جيداً، ويجب علينا أن نُدخِل عمل الزوجة في البيت، إذا لم يكن لديها راتب شهري معروف.
في ما يتعلق بالتعصيب على البنات، قلت شريطة ألا يكون هناك نص قطعي فيه، وحسب ما علمت فإنه لا يوجد.
بالنسبة لزواج الحاضنة، أنا قلت يجب أن يكون.. الأب إذا كان حاضناً يتزوج وقتما أراد، وبمن أراد، ولكن المرأة، التي هي أكثر عطفاً على الأبناء، ينتزعونهم منها إذا تزوجت، لا يعقل.. تجب المساواة، وألا يُسقِط زواج الحاضن حضانتها حتى يبلغ الابن 18 سنة، وساعتها يختار مع من يكون.
في الولاية القانونية على الأبناء، عشنا ملفات ووقائع، الولاية فيها للأب فقط، والأم عندها الحضانة، وجدنا أنه عندما يفترقان، تريد الأم فقط نقل الابن من مدرسة إلى أخرى، فتحتاج إلى الحصول على إذن الولي (الأب)، وغالباً هذا الولي، لكي ينتقم من الأم، لا يمنحها الإذن، والضحية هو الطفل.
هناك ملف يخص ولداً أراد إجراء عملية جراحية في القلب، والأب يجب أن يعطي الإذن، وعندما ذهبت إليه الأم تطلبه، قال لها تنازلي لي عن النفقة وبعدها أمنحك الإذن، حيث كان محكوماً عليه بمبلغ نفقة كبير، إذن أظن أن الأم الحاضن يجب أن تكون عندها الولاية مشتركة مع الأب.
في ما يتعلق بالتعدد، أنا بالنسبة لي ليست مشكلة، لأن نسبة التعدد الموجودة في المغرب فقط 0,2% أو شيء من هذا القبيل، لا يوجد تعدد، لأن الرجل الآن في الأسرة المغربية أصبح مع امرأة واحدة لديه أبناء منها، أنا لا مشكلة لدي بالنسبة للتعدد.. القرآن يطلب منا أن نعدل بين الزوجين، ويقول لنا لن تعدلوا ولو حرصتم، إذن اتبعنا هذه الآية، لكن في بعض الحالات يكون التعدد حلاًّ، مثلاً رجل متزوج من امرأة، ويحبان بعضهما، وهذه الزوجة ليس لديها مكان تذهب إليه، وبينهما علاقة إنسانية، كيف يطلقها؟! إلى أين ستذهب هذه المرأة؟! أنا أعتقد أن التعدد ليس مشكلاً، وبالنسبة لي كامرأة إذا كانت بواعث أو ظروف، أو مثلاً المرأة لا تنجب "عاقر"، وزوجها متعلق بها، وهي متعلقة به، لماذا نفرقهما نحن؟ التعدد يجب أن يستعمل في حدود وتحت مراقبة القضاء، لكيلا يكون ظلماً.
في سياق تعديل مدونة الأسرة المغربية، قالت فئة من المغاربة إنها قررت عدم الدخول حاليّاً في مشاريع زواج، حتى صدور المدونة الجديدة، والاطلاع على مضامينها، وبناءً عليها سيقررون الزواج من عدمه، كما أن هناك توقعات بأن ينتج عن المدونة المقبلة، إذا تضمنت المطالب المذكورة، عزوف أكثر عن الزواج من قِبل الرجال، وأيضاً ارتفاع إقبال النساء على الطلاق، وبالتالي زيادة نسبة التفكك الأسري في البلاد.. كيف تعلقون على هذا الطرح؟
أنا أعلق على هذا بأن هذه مجرد أقوال، وأن هذه الأمور التي تروج غير موجودة، وحتى المشروع لم يوضع بعد، أنا لا أتصور أن تكون المرأة مطلقة وتأخذ نصيباً من أجرة طليقها، ولا أتصور مثلاً أن يطلق الرجل المرأة، ويملك محل سكن واحد يقطن فيه، وتطرده منه بعد الطلاق، وتسكن فيه لوحدها، هذا غير موجود.. أنا عندي ضمانات وثقة أن أمير المؤمنين (الملك) سَيُنَزِّل مدونة بعيداً عن هذه الأقوال، وعن هذه الادعاءات، وعن المطالب التي فيها تطرف كثير في الاتجاهين، ومدونة يجب أن تراعي التماسك الأسري.
ونحن نحتاج إلى استقرار الأسرة، بحكم أنها هي التي تُكَوِّنُ المجتمع، ويجب علينا الحفاظ عليها، ورغم أن وزير العدل مثلاً لديه رؤية معينة، فلجنة إعداد مشروع تعديل المدونة فيها أيضاً النيابة العامة، والسلطة القضائية، والمجلس العلمي.
هل تقصدين أن وزير العدل لديه رؤية حداثية؟
حداثية ربما متطرفة، أنا لست مع العلاقات الرضائية، ولا مع خيانة الرجل لزوجته، أو خيانة المرأة لزوجها، وعندما يشتكي هذا الأخير نقول له اذهب إلى حال سبيلك، هذا ليس مشكلاً، يعني حداثية بأي شكل؟! نحن كلنا يجب أن نعيش في القرن الحالي والقرون الآتية، ولكن بهويتنا ومرجعيتنا، التي سنحاول أن نلائم ونزاوج فيها ما بين المرجعية الإسلامية والمرجعية الحقوقية الدولية.
أعتقد أنه في القيم الدينية مجموعة من المسائل، التي لا يجب أن نفرط فيها، ويجب أن نلتزم بها، بحكم أننا دولة مسلمة، والدستور يقول إن الدين الإسلامي هو دين الدولة، وعندنا إمارة المؤمنين، فهذه كلها أمور يجب أن تراعى، وأنا متأكدة من أن هذا ما سيحدث، لأنه في 2004 عشنا هذا المخاض، وهذه الأقوال، والكثير من هذا، ولكن الذي تم هو أن المدونة لم تخرج عن الإسلام وعن الدين.
وأقول لو طبقت هذه المدونة (مدونة 2004) بشكل جيد وحسن، وكان الذين يطبقون القانون يفهمون، ولديهم رؤية حقوقية ودينية وإنسانية، ويراعون المصلحة العامة للأسرة، لم نكن لنعيش هذا المشكل، ولكن بكل أسف نُجَوِّد القوانين ونحسنها، ولا نجد الناس الذين يطبقونها برؤية منفتحة، وتراعي العدل والمصلحة والإنصاف.
أنا ضد أن نجعل الرجل يتحمل ويخسر، لا، هذه علاقة فيها توازن، نحتاج إلى توازن بين حقوق المرأة وحقوق الرجل، لأنه حتى الرجال ظُلِمُوا في بعض المرات، أنا أتتني حالات لرجال يبكون، لأنهم تعرضوا لتعسف من طرف الزوجة، فلا يجب أن ننظر هذه النظرة الأحادية، أو نظرات الجنس، كوني امرأة وكوني رجلا، ويجب أن نضع مصلحة الأسرة أمامنا ووراءنا، أنت تعرف أن الأسرة مستهدفة، وتعيش مع ما يروج في العالم كله، الدين الإسلامي هو الذي لا يزال يشكل لهم عقدة، ولم يستطيعوا التغلب عليه، فلذلك أنا أقول، كمسلمة وكمغربية، إننا يجب أن نتشبث بديننا في جانبه الإيجابي، وأقول لفقهائنا إن بعض الآراء عفا عليها الزمن، وأصبحت غير صالحة الآن، وأولاً وأخيراً أقول لك إن الأسرة هي التي يجب علينا الاهتمام بها.
قلتِ إن "اللجنة، التي تعد مشروع مدونة الأسرة المقبلة، صحيح أن فيها وزير العدل، الذي قلتِ إن لديه رؤية حداثية ربما متطرفة، لكن إلى جانبه أشخاص آخرون يمثلون تصورات أخرى".. هل يمكن إيضاح هذه النقطة بشكل أكثر تفصيلاً؟
المكلفون بالتعديل هم وزير العدل، الذي لا نتفق معه في بعض آرائه، وهناك المجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي فيه قضاة ممارِسون، وهؤلاء القضاة يعرفون الواقع وما يوجد فيه، وهناك رئاسة النيابة العامة، الذين يعرفون أيضاً الواقع وما يوجد فيه، هذه مقاربة تشاركية بين هؤلاء، بالاستشارة والتشاور مع المجلس العلمي، الذي أعرف فيه أشخاصاً مجتهدين، سيقومون بأشياء ستكون في مصلحة الأسرة المغربية، وإلى جانب هذا هناك الوزارة الوصية على الأسرة، التي ستدلي كذلك بدلوها، إلى جانب الاستماع إلى المجتمع المدني بجميع أطيافه، وهذا تحت رعاية ونظر ورأي إمارة المؤمنين.
وأعتقد أن عندنا ضمانات في هذا الشكل وفي هذه التركيبة، لتعطينا قانون أسرة لا يمكن أن يكون فيه ما نسمعه الآن، وحدوث عزوف عن الزواج.. لا، بالعكس، نحن نريد أن يتزوج أبناؤنا، ونريد أن يكون الخلف صالحاً، لأن الأسرة هي النواة، التي يجد فيها الإنسان اطمئنانه، انظر فقط إلى التضامن، الذي حدث وقت الزلزال (زلزال الحوز، الذي ضرب المغرب في بداية سبتمبر 2023)، لو لم تكن هناك روابط أسرية وإنسانية، ما كان ليحدث هذا التضامن وهذه المعاونة والمساعدة بهذا الشكل، لذلك أقول إننا يجب ألا نتمنى أن نصل إلى درجة عزوف شبابنا وشاباتنا عن الزواج، لأن هذا مجرد كلام، وحتى المشروع لم يوضع، هذه مجرد تخوفات، وربما يحاولون الضغط بتلك المطالب على الناس، الذين يعدون مشروع المدونة المقبلة، ولكن أنا عندي ثقة كبيرة، لأن هذا الحوار والجدال كان حتى قبل 2004، وفي النهاية صدرت المدونة، التي كشف التطبيق أنها تتضمن بعض الأعطاب، وسنصلحها، فلا توجد مشكلة.
أنا عندي ثقة كبيرة في هؤلاء الناس، الذين سيشرفون على الإصلاح، ولا نتمنى أن نصل إلى مرحلة تصبح فيها النساء يتجهن إلى الطلاق، لأنهن سيحققن استفادة منه، وأن يعزف الرجال عن الزواج إلى غاية أن يطلعوا على مضامين المدونة المقبلة.
الملك حدد 6 أشهر كأجل أقصى لترفع إليه اللجنة المقترحات والتعديلات، ونتمنى إن شاء الله في هذه المدة أن يخرج قانون يحافظ على الأسرة، لأن المهم عندي هو الأسرة، وخاصة الطفل، لأنه هو الذي يضيع في هذه العملية كلها، في الطلاق، أو في النفقة، أو في الولاية القانونية، هو الذي يدفع الثمن.. إذن يجب أن تتجه المعايير كلها، أو الجهد كله، إلى حماية الأسرة، وحماية الأطفال، أما الرجل والمرأة فكل واحد يدافع عن نفسه.
في نظرك، ما المبادئ والقواعد، التي يجب الالتزام بها، أثناء إعداد مشروع تعديل المدونة؟
أعيد التأكيد أن مرجعية إعداد المدونة هي الدستور أولاً، وهناك المرجعية الإسلامية في الجانب المتنور، لأن هناك آراء فقهاء عفا عليها الزمن، وأصبحت غير صالحة، هم ربما اجتهدوا لزمنهم، وحلوا مشاكل زمنهم، ولكن الآن زمن آخر.
والذي أعيب عليه هو أن الاجتهاد في الفقه توقف ولم يعد موجوداً.. نحن عندنا اليوم مشاكل تعيشها الأسرة المغربية، تعيش تحديات وإشكاليات، أين هم الفقهاء؟! أنا أعتقد أن الدين الإسلامي فيه جميع الحلول، نحتاج فقط إلى كيفية فهمها، وتقريبها إلى الناس، وتطبيقها في حياتنا.
وهناك أيضاً المرجعية الدولية أيضاً، نحن نعيش في عالم مفتوح، إذن نحتاج كذلك إلى القيم، التي جاءت بها مثلاً اتفاقيات دولية صادق عليها المغرب، وأشار إليها الدستور كذلك، يجب علينا أن نُضَمِّنَهَا أيضاً، في مزاوجة خلاقة وبناءة بين ما هو وطني وما هو دولي، لكي يمكن أن نحقق توازناً في هذه الأسرة، ولتكون مساهِمة، لأنه تعرفون أن الارتقاء بالبلاد وتنميتها اقتصاديّاً، أو ديمقراطيّاً، أو كيفما كان، لن يتحقق إلا بمشاركة الأسرة.
كيف تقيمون تطور المغرب في مجال النهوض بحقوق النساء وتعزيزها؟
في الحقيقة، إذا قارنا المغرب مع دول عربية أخرى، أو دول إسلامية، نجد أن المرأة المغربية خاضت أشواطاً مهمة قبل وبعد المدونة، لأنه حتى في إصلاح 1993 (تقصد مدونة الأحوال الشخصية، التي صدرت في 10 سبتمبر 1993) كانت هناك بعض الإصلاحات، التي خدمت المرأة، وفي 2004 تم القيام بإصلاحات، لأن قانون الأسرة هو القانون الأكثر التصاقاً بوضعية المرأة وبتحسينها.
أنا أرى أن المرأة اليوم تطورت، وأصبحت عندها حقوق، لكن أتمنى أن تفهم المرأة هذه الحقوق، وأن تحقق هذه الحقوق التوازن داخل الأسرة.. يجب أن أنظر إلى حقوقي وإلى حقوق الآخر، وإلى الواجبات كذلك، وأن يكون لدي وعي بالحقوق والواجبات.
المرأة المغربية عرفت تطوراً في مجال المرأة السلالية (النساء السلاليات هن نساء حرمهن آباؤهن، وأعراف النظام القبلي، الذي يعشن فيه، من الإرث، لأن هناك احتمالاً أن يتزوجن رجالاً غرباء عن القبيلة، وتصبح الأرض الموروثة في يد هؤلاء الغرباء، وفي عام 2019 صدر قانون يؤكد سمو القانون على الأعراف، وينص على المساواة بين الذكور والإناث أعضاء الجماعة السلالية)، وأصبحت تمارس مهنة العدول (العدول يقوم بتوثيق العقود، وكتابة جميع أنواع التصرفات العقارية، والمدنية، والتجارية، والأحوال الشخصية، والميراث)، وتشتغل في الدرك الملكي، والأمن الوطني، والمجال السياسي.
في بعض الميادين، مثلاً في المحاماة، لا تزال لا تحظى بموقع قيادي أو تملك سلطة اتخاذ القرار، مثلاً في نقابات المحامين لا تزال الأغلبية رجالاً، وكذلك في الموقع السياسي، فرغم "الْكُوطَا" فإن حضورها ليس بالشكل الذي يجب أن يكون.
أعتبر أن المواطن، امرأة أو رجلاً، يجب أن يكون في خدمة الوطن، والأسرة، والآخرين، وليس في خدمة مصالحه الخاصة فقط، ولو أنه يعيش حياته الخاصة، ولكن كذلك عليه واجبات نحو مجتمعه، ووطنه، ويجب أن يتحمل المسؤولية، لأنه الآن نرى أن الكثير من الرجال يرمون المسؤولية على النساء وعلى الأم، ويذهبون، ولا يبالون، ولا ينفقون على أبنائهم، ولا يهتمون هل سيموتون من الجوع أو سيعيشون.. إذن نحتاج إلى تربية على المواطنة، وأن تكون صالحاً لنفسك، ولأسرتك، ولوطنك أيضاً.
وأؤكد أن المرأة عرفت تطوراً، وأصبحت لديها مجموعة من الحقوق، ولكن يجب أن نُحْسِنَ استعمال هذه الحقوق، لكيلا تعود علينا بنتيجة عكسية، لأنه كما أرى مثلاً في طلاق الشقاق، أصبحت المرأة تطلب الشقاق لأتفه الأسباب، والمحكمة يغيب فيها دور الصلح، والقاضي لا يملك إلا أن يستجيب، لأن المرأة تريد الطلاق، لكننا نحتاج على الأقل إلى فترة للصلح قبل الطلاق.
التطليق الآن يتم في مدة قصيرة، مثلاً الطلاق الاتفاقي لا يتم فيه الصلح، هنا في الدار البيضاء يمكن أن تضع الطلب في الـ9 صباحاً، وفي الواحدة بعد الزوال تعقد الجلسة، وفي الـ4 تذهب عند العدول للتطليق، هذا لا يعقل، النزاعات الأسرية تحتاج إلى مدة وزمن، لأن الزمن يفعل فعله، ويجب تدخل أطراف محايدة بعيدة عن المحاكم والقانون، تتدخل بوسائل اجتماعية، وتوضح الأمور كما هي، لكي نقلل من هذا.. أنا أؤكد على فتح مراكز ومكاتب تسوية النزاعات الأسرية خارج المحاكم، ربما هذا سيكون مخرجاً ونوعاً من الحل، لنقلل من الطلاق.
يعني مراكز ومكاتب خاصة؟
مكاتب خارج المحاكم، تكون تابعة للوزارة المعنية بالأسرة، أو لما هو اجتماعي، تتولى تسوية النزاعات قبل الذهاب إلى المحكمة، وعندما يتعذر الأمر على هذه المساعدة الاجتماعية أو الوسيط الأسري، يتم الذهاب إلى المحكمة، لأن هناك أسباب طلاق تافهة، هناك من يأتيان إلى المحكمة يريدان الطلاق، لأنهما اختلفا على الاسم الذي سيطلقانه على ابنهما، هي تريد اسماً، وهو يريد آخر، هل هذه تحتاج إلى الذهاب إلى المحكمة، وأن يفتح القاضي ملفاً، ويعقد جلسات؟! هذه يمكن أن تحل أمام وسيط أسري.
وهناك قضية أخرى، وهي التأهيل قبل الزواج، يجب أن نمر قبل الزواج بفترة تكوينية للزوجين، لنعرفهما بواجباتهما وحقوقهما، أين تبدأ وأين تنتهي، وما المسؤولية التي تنتظرهما، ليكونا على بينة من الأمر، هذا التأهيل قبل الزواج، والوساطة الأسرية، أؤكد عليهما من ضمن الحلول، التي يمكن أن تخفض من الطلاق ومن تشتيت الأسر.
قلتِ إن هذه المكاتب يمكن أن تكون تابعة إما لوزارة الأسرة، أو لما هو اجتماعي، ماذا تقصدين بما هو اجتماعي؟
الاجتماعي يعني القطاع المكلف بالإدماج الاجتماعي والأسرة، وهناك حل آخر يتمثل في أن يكون الوسطاء الأسريون مثل المحامين، أو مثل الخبراء، أي أن تتوفر في الوسيط الأسري مواصفات، لأن الوساطة الأسرية أصبحت علماً وفنّاً يدرس في الجامعات، ويمكن أن يُعتمد من قِبل وزارة العدل، ولا تدفع أَجره، ويفتح مكتباً يقدم فيه خدمات الوساطة الأسرية، وكما نذهب إلى المحامي وندفع له المال، سيكون الوسيط الأسري أرخص، سنذهب إليه ونطرح عليه النزاع، ويستمع إلى الطرفين معاً، ويعرف سبب النزاع، وسيحل معنا العقدة، وستكون أتعابه أقل، وإذا لم نرد أن نكلف الدولة والميزانية، أو أنها لا تتوفر على الأموال للدفع للوسطاء الأسريين، فهناك هذا الحل، ويجب فقط أن تكون الإرادة موجودة.