العمال الفلسطينيون بإسرائيل.. رقم جديد في معادلة خسائر الحرب

بخسائر تقدر بـ350 مليون دولار

العمال الفلسطينيون بإسرائيل.. رقم جديد في معادلة خسائر الحرب

بأكثر من 200 ألف عامل فلسطيني في إسرائيل، وضعت الحرب أوزارها على مستقبل هذه الأسر، التي كانت تمثل أكبر مصدر للدخل في السوق المحلية، وتلعب دورا أساسيا في ربط الاقتصاد الفلسطيني بإسرائيل.

ووفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (رسمي) بلغ عدد العاملين الفلسطينيين في إسرائيل 173.4 ألف في عام 2022، إضافة إلى 31 ألفاً يعملون في المستوطنات، يشكلون نحو 18.4 بالمئة من إجمالي العمالة الفلسطينية، وترتفع النسبة إلى 24.5 بالمئة في الضفة الغربية.

ويعبر نحو 200 ألف فلسطيني يومياً إلى إسرائيل أو المستوطنات اليهودية من أجل العمل، وتمثل متوسط رواتبهم أكثر من مثلي ما يحصل عليه من يعملون في هيئات وشركات تابعة للحكومة الفلسطينية.

وبحسب دراسة أجراها معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس" (غير حكومي)، فإن معدلات البطالة في قطاع غزة أعلى بكثير من الضفة الغربية، والفرق في الأجور بين قطاع غزة وإسرائيل كذلك أعلى، ولكن إسرائيل لا تسمح سوى لعدد محدود من عمال القطاع بدخول تل أبيب، ما يشير إلى أن العامل الأساسي والحاسم في تحديد حجم العمالة في إسرائيل هو سياسات السيطرة والاستغلال الاستعمارية الإسرائيلية، وليس قوى السوق الحرة.

وأوضحت الدراسة البحثية أن القرارات الإسرائيلية خلال السنوات الأخيرة لم تقتصر على زيادة حصص تصاريح العمل الممنوحة للفلسطينيين، بل شملت استحداث حصص في قطاعات لم تحظ بأي حصة في السابق، مثل قطاع التكنولوجيا المتقدمة، والقطاع الصحي (ممرضون وأطباء).

ومنذ عام 2021، شملت القرارات الإسرائيلية السماح لعمال غزة بالدخول إلى إسرائيل للعمل وفق حصة أولية وصلت إلى حوالي 20 ألف عامل موزعة على قطاعات البناء والزراعة والخدمات، وتغييرات في نظام إصدار التصاريح، وآليات الدفع للعمال.

وأضافت الدراسة أنه رغم الطلب المتزايد داخل إسرائيل على الأيدي العاملة الإنشائية والخدمية الأرخص، فإن الأمر يأتي في سياق المساعي العلنية لفرض أطروحات السلام الاقتصادي، وهو ما يمثل أحد الثوابت الأساسية في السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين تحت الاحتلال: إدارة السكان، والحيلولة دون التحرر الوطني، والتوسع الاستيطاني على الأرض.

ومنذ عام 2016، أصدرت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قرارا بعنوان "زيادة حجم توظيف العمال الفلسطينيين في إسرائيل من منطقة يهودا والسامرة، وتحسين طريقة إصدار تصاريح العمل وضمان ظروف عمل عادلة للعمال الفلسطينيين".

وحاولت إسرائيل من خلال هذا القرار انتهاج سياسة جديدة في ما يخص العمال الفلسطينيين، تتلخص في زيادة حجم العمال الفلسطينيين، خصوصا في قطاع البناء، والبدء بتخصيص كوتا للعمال الفلسطينيين القادمين من غزة، إلى تغيير ظروف العمل من خلال تطوير نظام دفع أجور العمال بحيث يتم تدريجيا استبدال آليات الدفع النقدي باليات دفع بنكية عن طريق حوالات ما بين البنوك الإسرائيلية والفلسطينية.

سياسات استعمارية

وعزا المراقبون أسباب إقبال العمالة الفلسطينية على سوق العمل الإسرائيلي إلى فرق الأجور سواء من العاملين أو العاطلين عن العمل في السوق الفلسطيني، غير أنه في مقابل معدل أجور أعلى في السوق الإسرائيلي، فإن ظروف العمل القاهرة التي تواجه العامل الفلسطيني من ساعات سفر طويلة وإجراءات أمنية وعدم توفر إجراءات السلامة في أماكن العمل نفسها تفرض تكاليف اقتصادية باهظة على العمال.

وتزامن تصاعد أعداد العاملين في إسرائيل، مع معاناة سوق العمل الفلسطيني من معدلات بطالة عالية والشح في العمالة في الوقت ذاته، وذلك بسبب أن نسب البطالة المرتفعة تتركز في أوساط خريجي الجامعات، وهي الفئات التي لا يمثل العمل في إسرائيل بالنسبة لها خيارا ممكنا. 

أما بالنسبة للعمالة غير المهرة، فإن انتقال جزء كبير منها للعمل في إسرائيل بدافع الفرق في الأجور، أدى إلى نقصها في السوق المحلي، وإلى ارتفاع الأجور في قطاعات معينة. 

وخلصت الورقة البحثية إلى أنه ربما أكثر خطورة هو التوجه الإسرائيلي الجديد لفرض حقائق اقتصادية على الأرض تعزز من الحقائق الأمنية والسياسية الاستعمارية التي لا تضع في الأفق سوى المزيد من الاستيطان والتحكم بموارد الشعب الفلسطيني كافة، في ضم اقتصادي ربما يسبق الضم القانوني والسياسي.

منذ أن سيطرت إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، كان للعمالة الفلسطينية المهاجرة دور أساسي في ربط الاقتصاد الفلسطيني بإسرائيل.

واستوعب هذا الاقتصاد أكثر من ثلث القوى العاملة المستخدمة، ورسم شكل التنمية الاقتصادية الفلسطينية وطبيعتها، لكن منذ اتفاق أوسلو للسلام عام 1993، ندرت تدفقات هجرة العمالة، وهو ما سبب انخفاضاً في دخل الفرد الفلسطيني وأدى إلى تنبؤات فحواها أن عهد هذه الهجرة وصل إلى نهايته.

وتتمتع السلطة الفلسطينية بحكم ذاتي محدود في الضفة الغربية التي تسيطر عليها إسرائيل، ومسؤولة عن نحو 150 ألف وظيفة في القطاع العام بالضفة الغربية وقطاع غزة، وكانت ميزانيتها 330 مليون دولار عام 2021، وتعتمد اعتماداً كبيراً على المانحين الأجانب.

طوفان اقتصادي

بدوره، قال المحلل الاقتصادي الفلسطيني الدكتور نصر عبدالكريم، إن العمالة الفلسطينية في إسرائيل تقدر بنحو 200 ألف عامل أي ما يشكل حوالي 25 بالمئة من إجمالي قوة العمل الفلسطينية.

وأوضح عبدالكريم، في تصريح خاص لـ"جسور بوست" أن إسرائيل طالما استخدمت العمالة الفلسطينية لديها كورقة ضغط في معادلة الصراع، نظرا لما تمثله القوة العاملة من دعم مباشر للاقتصاد الفلسطيني.

وأضاف: "العمال الفلسطينيون في إسرائيل يضخون سيولة مالية للاقتصاد المحلي تقدر بنحو مليار ونصف مليار شيكل شهريا، أي ما يعادل 350 مليون دولار، وأكثر من 10 ملايين دولار في اليوم الواحد، ما يمثل موردا أساسيا للاقتصاد الفلسطيني".

وتابع عبدالكريم: "يساهم هذا المورد أيضا في انتعاش الرواج التجاري جراء تزايد الاستهلاك في الأراضي الفلسطينية، لا سيما أن العامل الفلسطيني في إسرائيل يتقاضى نحو 3 أضعاف نظيره العامل في الضفة الغربية".

وتابع: "العمالة الفلسطينية في إسرائيل ليس لديها عقلية ادخارية ولديها قدرة شرائية عالية، ومن ثم فإن هذا التضرر الذي سيلحق بها جراء الحرب الممتدة منذ نحو شهر، لا سيما فيما يتعلق بقروض البنوك، سيطول حوالي مليون شخص لأن العامل الواحد يعول حوالي 5 أفراد في المتوسط".

وحول قدرة الاقتصاد الفلسطيني على تحمل هذه الأعباء، قال نصر عبدالكريم: "التجارب السابقة أثبتت أن للاقتصاد الفلسطيني قدرة عالية على التحمل، لأنه يعتمد على الاقتصاد غير الرسمي، والذي يتمتع بقدر عال على المرونة ولديه خبرة تراكمية في إدارة المخاطر". 

على الجانب المقابل قال الخبير الاقتصادي الفلسطيني الدكتور ثابت أبوالروس، إن الخسائر الاقتصادية التي تتكبدها السلطات الإسرائيلية تتراوح بين مليار إلى 4 مليارات شيكل يوميا أي نحو 255 ألف دولار إلى أكثر من مليون دولار يوميا. 

وأوضح أبوالروس، في تصريح متلفز، أن الخسائر الاقتصادية وقعت جراء توقف وتعطل عدة قطاعات، أبرزها الزراعة والإنشاءات (يضم نحو 80 ألف عامل وموظف) والصناعات والتجارة. 

ورجح محللون اقتصاديون، أن خسائر الميزانية الحالية بسبب الحرب ستصل إلى 1.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للعام المقبل 2024، أي ما يعادل نحو 7 مليارات دولار.  

وفي فجر 7 أكتوبر الماضي، أطلقت حركة حماس، عملية مباغتة ضد إسرائيل بإطلاق دفعات مكثفة من الصواريخ على مناطق إسرائيلية عدة، وتنفيذ عمليات تسلل في محيط قطاع غزة، في ما اعتبرته السلطات الإسرائيلية حربا ضد دولتها تستدعي الرد بغارات جوية على القطاع.

ورد الجيش الإسرائيلي بقصف جوي موسع على قطاع غزة في عملية أسماها بـ"السيوف الحديدية" تسبب في تدمير واسع للبنية التحتية والمباني المدنية والحكومية، فيما سقط آلاف القتلى والجرحى خلال المواجهات وأثناء العمليات العسكرية بين الجانبين.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية