نهب مخازن المساعدات الدولية.. صرخات الجوع تتجاوز الحدود في غزة

نهب مخازن المساعدات الدولية.. صرخات الجوع تتجاوز الحدود في غزة

في مشهد يثير الحزن والاستياء، يعانق البؤس والتشرد أرجاء قطاع غزة المحاصرة، حيث تتعرض أرواح الآلاف للخطر المحدق بسبب نهب مخازن المساعدات الدولية، بما فيها مخازن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). 

يعتبر هذا السلوك الشنيع انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان ويبرز الاستخدام السافر للمعونة الإنسانية في غزة كسلاح سياسي في صراعات متعددة الجوانب. 

وفقًا للبيانات والتقارير الواردة من المنظمات الدولية والمحلية، تشير الأرقام إلى أن نسبة كبيرة من المخازن الهامة التي تحتوي على المساعدات الغذائية والطبية والإنسانية في غزة قد تعرضت للنهب والسرقة. 

ومن بين مخازن المساعدات الدولية التي تعرضت للنهب تبرز مخازن الأونروا كواحدة من أكثر المؤسسات تضررًا، فقد تم استهداف هذه المخازن التي كانت تحتضن الأمل للآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، وتم نهب ما كان من المفترض أن يكون بوابة الحياة المستدامة لهؤلاء الفقراء المظلومين. 

وبصورة مؤلمة، تفتقد العديد من الأسر الفلسطينية الآن الأدوية الحيوية والمأوى والغذاء الضروري، بينما تفشل المؤسسات الدولية في تقديم المساعدة المطلوبة بسبب النقص المروع في الموارد المتاحة. 

هذه الظاهرة المروعة ليست مقتصرة على غزة وحدها، ففي دول أخرى حول العالم تم توثيق حالات سرقة مخازن المساعدات الدولية، مثلما حدث في اليمن وسوريا والصومال والكثير من الدول المنكوبة. 

وفي وقت سابق، عبرت وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين"الأونروا" عن قلقها إثر اقتحام آلاف الأشخاص "عدة مستودعات ومراكز توزيع" للمساعدات الإنسانية التابعة لها، معتبرة أن "ذلك مؤشر مقلق على أن النظام العام بدأ ينهار". 

وأعربت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ميريانا سبولياريتش عن "صدمتها لمستوى المعاناة الإنسانية التي لا تحتمل"، منددة بـ"فشل كارثي لا ينبغي للعالم أن يسمح به".

وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من أن الوضع في قطاع غزة "يزداد يأسا ساعة بعد ساعة"، مبديا أسفه لـ"تكثيف إسرائيل عملياتها العسكرية"، ودعا مجددا إلى "وقف إطلاق نار إنساني فوري" وإلى "وقف هذا الكابوس". 

ونفى حقوقيون بفلسطين هاتفتهم "جسور بوست"، أن يكون الأمر حقيقيًا، مدللين على ذلك بأن البيوت لم تُنهب والجميع متعاون رغم الانهيار، فيما حمل بعضهم المسؤولية على "الأونروا".

وفي التاسع من أكتوبر أحكمت إسرائيل حصارها على غزة قاطعة المياه والكهرباء والمواد الغذائية عن القطاع الذي كان يخضع أصلا لحصار بري وجوي وبحري منذ تولي حركة حماس السلطة فيه في عام 2007.

"جسور بوست"، حاورت محللين من دول عدة عن أسباب هذه السرقات ومن يقف وراءها.

إسرائيل تكثف هجماتها وتزايد الدعوات لإيصال المساعدات لغزة

سيف على الرقاب

علّق رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى الكبير، بقوله، إن المساعدات الإنسانية لغزة تعتبر أحد السيوف المسلطة على رقاب أهل غزة المحاصرين، ونحن نعتبرها إحدى أدوات الضغط وإحدى أوراق التفاوض التي تساوم بها عدة أطراف من أجل تحقيق هدف ما، مثل الجانب الإسرائيلي الذي يريد إطلاق سراح الرهائن مقابل المزيد من المساعدات، وكذلك عدة دول أخرى والتي تريد الضغط على حماس من أجل تقديم تنازلات.

وأضاف “الكبير”، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن المعضلة الكبيرة، هي عدم السماح بدخول المحروقات والمساعدات الطبية والكوادر الطبية، إضافة لرفض إسرائيل السماح بدخول مساعدات للقطاع ويجب أن توجه إلى الأونروا، وليس الهلال الأحمر الفلسطيني، بدعوى أن حركة حماس ستتصرف في المساعدات، وبذلك تزيد من ثقة المواطن بها وتقوي إمكانياتها في الصمود وصد العدو.

واستطرد: المساعدات هزيلة جدا، وفضيحة لكل شرفاء العالم، لأن هذه الدول تحاصر غزة إنسانيا كما يحاصرها الجانب الإسرائيلي عسكريًا إضافة إلى سوء التصرف في هذه المساعدات رغم شحتها وقلتها.

ولفت إلى أن معركة المساعدات والقدرة في السماح لها بالدخول إلى غزة، معركة سياسية، ومعركة نفوذ، وإسرائيل نجحت بدعم أمريكي أوروبي في هذه المعركة، باعتبارها الآمر الناهي وصاحب القول الفصل في كمية المساعدات ونوعها وحجمها وطرق توزيعها، ويعتبر هذا فضيحة للعالم الحر الداعم التحرر الشعوب.

مصطفى الكبير

وأكد الحقوقي التونسي منع إسرائيل دخول المحروقات وعدة مواد ضرورية لإنقاذ حياة مئات الآلاف من البشر الذي يحتاجون لتدخل طبي عاجل، كما تمنع دخول الكوادر الطبية وكل الطاقات الإنسانية القادرة على تقديم المساعدات العاجلة للقطاع. 

وأتم: معركة المساعدات ودخولها إلى غزة هي إحدى محاور القتال من أجل إنقاذ الإنسانية، ودعم حركة تحرر الشعوب وانتصار القضية. 

مسؤولية الأونروا

وبدورها، حمّلت الحقوقية الفلسطينية أميرة شتا، الأونروا مسؤولية السرقة، قائلة إن الوكالة تتحمل جزءا من المسؤولية لأنها لم تقم بتوزيع المساعدات في مخازنها وكانت تعلم أن هناك حالة جوع وانتشارا للشح في المواد الأساسية، وما أخذه المواطنون هو لسد احتياجاتهم، رغم أننا نرفض الأمر ونتمنى ألا يتكرر، وأن يتم توزيع المساعدات على الجميع لأن جميع السكان أصبحوا بحاجة لأبسط مقومات الحياة.

وأضافت شتا، في تصريحات لـ"جسور بوست": هناك أكثر من 70% من سكان قطاع غزة تركوا مأواهم وأصبحوا بلا مأوى ولا غذاء ولا حتى أبسط مقومات الحياة وأصبحوا نازحين، وبالنسبة للمساعدات هي لا تكاد تذكر ولا تكفي بنسبة 1% من احتياجات سكان قطاع غزة، وما يدخل الآن لا يسد الاحتياجات وكثير مما دخل لا يلزم احتياجات الناس كفحوصات كورونا وماسكات وبسكوتات.

واستطردت: يحتاج قطاع غزة لتوفير أدوية وماء وغطاء ودقيق وسكر وزيت، وهذه المساعدات تكاد تكون قليلة جدا وأكثر احتياجات الناس الآن تتمثل في الوقود اللازم لتشغيل المخابز والدقيق والأدوية والماء والكهرباء، كذلك توفير ممر آمن لخروج الجرحى ومساعدة القطاع الصحي المتهالك في قطاع غزة، نعيش بما نستطيع توفيره في اليوم من بعض البقوليات أو ما شابه ذلك، ونصنع الخبز على النار، وبالنسبة للماء نشرب ماءً غير صالح للشرب، وقس هذا على كل سكان قطاع غزة.

محض أكاذيب

وانتقد الحقوقي الفلسطيني محمود الحنفي، ما تردد من أن حماس سرقت مساعدات الأونروا وقال إنها محض أكاذيب، والمساعدات التي قدمت مساعدات شحيحة لا تتناسب مع الاحتياجات الحقيقية، كانت تحتاج في الظروف العادية لـ500 شاحنة في اليوم وما دخل من شاحنات حتى الآن قليل جدا، المساعدات مكدسة في معبر رفح وقد تتلف وتخرب ونحتاج إلى دخولها على وجه السرعة.

وأضاف الحنفي، في تصريحات لـ"جسور بوست": لم تثبت سرقة المساعدات وليس عليها دليل، هي محض إشاعات ومصدرها إسرائيل وهي ليست بجديدة، والتقارير أثبتت أنه لم يُسرق بيت واحد في غزة، فكيف يسرقون قوت غيرهم.

No description available.

محمود الحنفي

جوع وفقر

بدوره، علق مدير إدارة التوجيه المعنوي الليبي، العميد خالد المحجوب بقوله: إن الجوع والفقر هما الأسباب الرئيسية وراء هذه الأعمال اللاإنسانية، حيث يعاني الكثيرون من ندرة الطعام والأدوية وسوء التغذية وضعف الحالة الصحية، ما يدفعهم للبحث عن أي وسيلة متاحة للحصول على الطعام والمساعدات، هذا في غزة، أما في غيرها فقد يكون هناك فساد في النظام الإداري والسياسي في بعض الدول، ما يسهل تجاوز القوانين واللوائح ويشجع على السرقة والنهب.

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست": قد يستغل البعض هذه الظروف الصعبة لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الفقراء والمحتاجين، ومن المؤسف أن هذه الأفعال المشينة تضر بالسمعة والثقة في المساعدات الدولية، وتقوض الجهود الرامية إلى تخفيف البؤس وتحسين الظروف المعيشية للمتضررين، ومن المهم أن يتعاون المجتمع الدولي والمنظمات غير الحكومية والحكومات المحلية لمكافحة هذه الظاهرة العنيفة وضمان وصول المساعدات إلى من يحتاجون إليها بشكل عادل ومنضبط، ويتطلب ذلك الرقابة وتطبيق العقوبات على المتسببين في النهب والسرقة، بالإضافة إلى تعزيز الوعي والتثقيف حول أهمية المساعدات الدولية وأثرها الإيجابي على الحياة البشرية. 

العميد خالد المحجوب

وأتم: في النهاية، فإن صوت الجوع والبؤس في غزة وفي الدول الأخرى التي تعاني من النهب يجب أن يصل إلى ضمائرنا جميعًا، يجب أن نتحد كمجتمع عالمي للقضاء على هذه الظاهرة الشنيعة ومحاسبة المسؤولين عنها، فالإنسانية تستحق أن تعيش بكرامة، وليس من حق أحد أن ينهب الأمل والفرص من الأبرياء الذين يعانون في أكثر الأماكن تضررًا.
 
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية