مأساة الحياة البحرية في منطقة الخليج العربي.. آثار التغيرات المناخية تتفاقم

مأساة الحياة البحرية في منطقة الخليج العربي.. آثار التغيرات المناخية تتفاقم
منطقة الخليج العربي

التغيرات المناخية تعد تهديدًا غامضًا ومستمرًا يتسلل إلى أعماق المحيطات والبحار حول العالم، ومنطقة الخليج العربي ليست استثناءً من هذا الشأن المحزن. 

وتعاني الحياة البحرية في هذه المنطقة من آثار مدمرة نتيجة لتغيرات المناخ التي تشهدها المنطقة، وقد وصلت الأمور إلى حد الكارثة. 

وتشير الأرقام والبيانات إلى أن هذه الآثار السلبية تزداد تفاقمًا عامًا بعد عام، حيث يتم تسجيل انخفاض حاد في التنوع البيولوجي وتدهور في النظم البيئية البحرية المعقدة. 

ووفقًا لتقارير الباحثين والعلماء، فإن نسبة التآكل والتلوث البحري تتزايد بشكل مقلق.. في عام 2022 وحده، تم تسجيل انخفاض كبير في مساحات الشعاب المرجانية بنسبة 30% في المنطقة، ما يعد تراجعًا مروعًا لأحد أكثر النظم البيئية غنىً وتنوعًا في الخليج العربي، وتعتبر الشعاب المرجانية بيئة حيوية مهمة للكائنات البحرية، فهي توفر مأوى ومصدر غذاء للعديد من الأنواع البحرية. 

وتعاني الأسماك والثدييات البحرية في المنطقة من تدهور مستمر في أعدادها.. وفقًا لتقارير البحث العلمي، تم تسجيل نقص حاد في أعداد الأسماك التجارية المهمة، مثل السمك الأزرق والتونة، بنسبة تزيد على 50% خلال السنوات العشر الماضية. 

ويشكل هذا الأمر تهديدًا كبيرًا على صناعة الصيد والاقتصاد البحري في المنطقة، وبالتالي يؤثر على معيشة السكان المحليين الذين يعتمدون بشكل كبير على الثروة البحرية. 

ومع زيادة درجات الحرارة وارتفاع مستوى البحر، يتم تهديد مساحات الأراضي الرطبة والمستنقعات الساحلية التي تعد بيئة هامة للمخلوقات البحرية والطيور المهاجرة، ويؤدي تدهور هذه البيئات إلى انقراض الأنواع نادرة وضعف توازن النظام البيئي بشكل عام. 

وتؤثر التغيرات المناخية على جودة المياه وتلوثها، ما يؤدي إلى تلف الأعشاب البحرية والأحياء الدقيقة التي تعد مصدرًا رئيسيًا للغذاء للعديد من الكائنات البحرية، وتتسبب هذه المشاكل في اضطراب سلسلة الغذاء وتأثيرات سلبية على النظم الغذائية البحرية بأكملها. 

ولكل ما سبق، فإن آثار التغيرات المناخية على الحياة البحرية في منطقة الخليج العربي ليست محدودة فقط على المستوى المحلي، بل لها تأثيرات عالمية أيضًا، فالخليج العربي يعد من أهم الممرات الملاحية في العالم، وتعتمد العديد من الدول على استدامة الثروة البحرية في المنطقة لتلبية احتياجاتها الغذائية والاقتصادية. 

وبالتالي، فإن تدهور الحياة البحرية في المنطقة يشكل تهديدًا على الصعيد العالمي للأمن الغذائي واستقرار الاقتصادات. 

وأوصى خبراء هاتفتهم "جسور بوست"، بضرورة أخذ إجراءات فورية وجادة للتصدي لتغير المناخ وحماية الحياة البحرية، ويلزم تعاون دول المنطقة والمجتمع الدولي بشكل عام لتطبيق سياسات وإجراءات تهدف إلى الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة والحفاظ على البيئة البحرية وتعزيز التنوع البيولوجي. 

وإن لم نتخذ إجراءات فورية، فإننا نواجه خطر فقدان تلك الحياة البحرية الفريدة، وتهديد استدامة المنظومة البيئية في منطقة الخليج العربي.. إن الوقت قد حان للتحرك والتصرف قبل أن يكون فوات الأوان، وذلك لإثراء البحر الذي يتغنى بالحياة والجمال والأمل.

ومع تصاعد هذه الكارثة البيئية، تناقش "جسور بوست" الأزمة مع خبراء ومتخصصين..

ما آثار التغير المناخي في دول الخليج؟ خبيرة عُمانية تجيب (تقرير) - الطاقة

تأثيرات على الحياة البحرية والاقتصاد 

في إطار تأثير التغيرات المناخية على البيئة البحرية في منطقة الخليج العربي، قال الخبير الاقتصادي الدولي الدكتور رشاد عبده، إن الدراسات في هذا الشأن توصلت إلى نتائج تشير إلى تدهور الحالة البيئية والتنوع البيولوجي في العديد من الدول في المنطقة، ويعد ذلك تحديًا كبيرًا يتطلب اتخاذ إجراءات فورية للحد من هذه التأثيرات السلبية، ففي المملكة العربية السعودية، يعتبر ارتفاع درجات الحرارة أحد أبرز التحديات البيئية المرتبطة بالتغير المناخي، وهذا الارتفاع في درجات الحرارة يؤثر سلبًا على الحياة البحرية، ما يؤدي إلى تراجع التنوع البيولوجي في المياه السعودية وتدهور الشعاب المرجانية والأعشاب البحرية. 

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، يُعَدّ القطاع البحري من القطاعات الحيوية في السعودية، حيث يساهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي، ووفقًا للبيانات، بلغ إجمالي الإنتاج السمكي في المملكة حوالي 843,000 طن، وتم تصدير نحو 170,000 طن من المنتجات البحرية، وفي الإمارات العربية المتحدة، تشهد البحار المحيطة بالدولة تأثيرًا مماثلًا نتيجة للتغيرات المناخية، حيث يرتفع مستوى درجات الحرارة ويتزايد تلوث المياه، وتؤثر هذه العوامل على التنوع البيولوجي والأنواع البحرية المتنوعة، بما في ذلك الأسماك والشعاب المرجانية. 

واستطرد، يعد القطاع البحري جزءًا هامًا من الاقتصاد الإماراتي، حيث تشير البيانات إلى أن قيمة صادرات منتجات الصيد تجاوزت 1.2 مليار درهم إماراتي (حوالي 326 مليون دولار أمريكي) في عام 2020، وفي البحرين، تواجه التغيرات المناخية تحديات بيئية تشمل ارتفاع درجات الحرارة وتلوث المياه، وتتأثر الأنواع البحرية الموجودة في المياه البحرينية، مثل الشعاب المرجانية والأسماك، بشكل سلبي بهذه العوامل، ويلعب القطاع البحري دورًا مهمًا في الاقتصاد البحريني، حيث يعتبر الصيد البحري وزراعة المحار من أهم الأنشطة الاقتصادية في البحرين. 

وأضاف، وفقًا لتقارير حكومية، بلغت الصادات البحرية في البحرين حوالي 152,000 طن في عام 2020، ولمواجهة هذه التحديات البيئية والاقتصادية، تعمل الدول في منطقة الخليج العربي على تطوير استراتيجيات وخطط عمل للتكيف مع التغيرات المناخية وحماية البيئة البحرية، وتشمل هذه الجهود تعزيز إدارة الموارد البحرية المستدامة، وتطوير التقنيات البيئية للحد من التلوث وتدهور البيئة، وتعزيز الوعي البيئي والتعليم. 

الدكتور رشاد عبده

وأتم، على المستوى العالمي، تسعى الدول والمنظمات إلى تنفيذ اتفاقيات وإطارات دولية لمكافحة التغير المناخي وحماية البيئة البحرية، على سبيل المثال، اتفاقية التنوع البيولوجي واتفاقية التغير المناخي للأمم المتحدة تعمل على تعزيز حماية البيئة البحرية وتعزيز استدامة الموارد البحرية. 

بشكل عام، يجب أن تتعاون الدول والمجتمع الدولي لتعزيز الحفاظ على البيئة البحرية والتكيف مع التغيرات المناخية في منطقة الخليج العربي، ويتطلب ذلك تبني سياسات بيئية قوية، وتعزيز البحث العلمي، وتعاون القطاعين العام والخاص، ورفع الوعي والتثقيف بشأن أهمية حماية البيئة البحرية وتأثير التغير المناخي عليها.

تأثيرات خطيرة

وبدوره، علق عضو مجلس النواب البحريني، علي زايد بقوله، إن الخليج العربي يشهد ارتفاعًا في درجات الحرارة، ما يؤثر بشكل كبير على المياه والبيئة البحرية، هذا الارتفاع المستمر لدرجات الحرارة يمكن أن يؤدي إلى زيادة حموضة المياه، ما يعرض الحياة البحرية مثل الشعاب المرجانية والكائنات الدقيقة للتهديدات، ولا يخفى على أحد أن الخليج العربي يشهد زيادة في مستوى سطح البحر، وذلك نتيجة لعدة عوامل بما في ذلك ذوبان الأنهار والأنهار الجليدية وارتفاع درجات الحرارة، هذه الزيادة في مستوى سطح البحر تؤثر على السواحل والمناطق الساحلية، وتؤدي إلى تدهور المناطق الرطبة والمسطحات المالحة وتهديد الحياة البحرية المتعايشة في هذه المناطق. 

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، يشكل الخليج العربي بيئة معرضة للعواصف الاستوائية مثل الأعاصير والأعاصير الاستوائية، والتي تتسبب في اضطراب شديد، هذه العواصف الاستوائية قد تؤدي إلى تلوث المياه بفعل جرف الرواسب وتسرب النفايات والزيوت والمواد الكيميائية، كما يواجه الخليج العربي تحديات كبيرة في ما يتعلق بتلوث المياه، بما في ذلك التلوث النفطي وتصريف المياه العادمة والنفايات الصناعية، هذا التلوث يؤثر على الحياة البحرية والتوازن البيئي، ويمكن أن يتسبب في تدهور التنوع البيولوجي وانخفاض أعداد الأسماك والكائنات البحرية الأخرى. 

علي زايد: ترشحت بعد المشاورة مع أصحاب الرأي - صحيفة الوطن

علي زايد 

وأتم، مع العلم أن هذه المعلومات تعتبر مجرد ملخص عام لتأثير التغيرات المناخية على الحياة البحرية في الخليج العربي وتأثيرها على المياه والبيئة، فإنه من الضروري الاطلاع على المصادر العلمية والتقارير الحكومية والمنظمات البيئية المعنية بالتغيرات المناخية والحياة البحرية في منطقة الخليج العربي للحصول على معلومات أكثر دقة وتحديثًا.

كيف تواجه دول الخليج التحديات؟

وعن التدابير التي تتخذها دول الخليج تحدث الإعلامي السعودي فاروق الشعيبي بقوله، تعد التغيرات المناخية واحدة من أبرز التحديات التي تواجهها دول الخليج العربي، وتأثيراتها البارزة تشمل الحياة البحرية في الخليج، فمع تزايد الارتفاع في درجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر، تواجه الدول الخليجية تحديات جديدة للحفاظ على التنوع البيولوجي والاستدامة البيئية في المنطقة البحرية، وأحد التدابير التي اتخذتها دول الخليج لمواجهة تأثيرات التغيرات المناخية هو التركيز على تطوير استراتيجيات وسياسات بيئية قوية للحفاظ على البيئة البحرية، وتشمل هذه الاستراتيجيات حماية المناطق الساحلية والمحميات البحرية، وتعزيز المراقبة ورصد البيئة البحرية، وتنفيذ قوانين وتشريعات تقيد التلوث البحري وصيد الأسماك بشكل مستدام، بالإضافة إلى ذلك، تعمل دول الخليج على تعزيز التوعية البيئية وتثقيف الجمهور حول أهمية الحفاظ على الحياة البحرية والتنوع البيولوجي، من خلال حملات التوعية والتثقيف والبرامج التعليمية.

وتابع في تصريحاته لـ"جسور بوست"، يتم تعزيز الوعي بأهمية الاستدامة البيئية وتشجيع المواطنين والمجتمع على المشاركة الفعالة في الحفاظ على البيئة البحرية، علاوة على ذلك، تعاونت دول الخليج العربي في إطار المنظمات الإقليمية والدولية لمواجهة تحديات التغيرات المناخية، وتم تنظيم مؤتمرات ومنتديات لتبادل المعرفة والتجارب الناجحة في مجال الحفاظ على الحياة البحرية وتطوير استراتيجيات مستدامة لإدارة الموارد البحرية. 

واستطرد، جدير بالذكر أن دول الخليج العربي تستفيد من مواردها الاقتصادية لتمويل مشاريع الحفاظ على الحياة البحرية، فعلى سبيل المثال، تم تخصيص جزء من إيرادات صناعة النفط والغاز لتمويل برامج الحفاظ على البيئة البحرية والتنمية المستدامة في المنطقة البحرية. 

فاروق الشعيبي - ﺗﺄﻟﻴﻒ - معرض الصور

فاروق الشعيبي

وأتم، باختصار، يواجه الخليج العربي تحديات كبيرة نتيجة لتأثيرات التغيرات المناخية على الحياة البحرية، ومع ذلك، فإن دول الخليج تتبنى استراتيجيات قوية للتصدي لهذه التحديات، بما في ذلك حماية المحميات البحرية وتعزيز الوعي البيئي وتعاونها مع المنظمات الإقليمية والدولية. 
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية