"الإيكونوميست": التاريخ يملي "واجب التعايش" على العلاقات الأمريكية الصينية

"الإيكونوميست": التاريخ يملي "واجب التعايش" على العلاقات الأمريكية الصينية

عندما دعي مراقب عن كثب في بكين لتلخيص حالة علاقات الصين مع أمريكا، أسقط إشارة أدبية مفاجئة، حيث قارن الدول بالأرواح الملعونة التي أرسلت إلى الجحيم في مسرحية "هويس كلوس" ("لا خروج")، وهي مسرحية لجان بول سارتر.

ووفقا لتحليل "الإيكونوميست"، في تحفة الفرنسي القاتمة، تبين أن الجحيم عبارة عن غرفة جلوس مليئة بالتحف يسكنها غرباء غير محبوبين، يدرك هؤلاء البؤساء أنه يجب عليهم تحمل صحبة بعضهم البعض، والازدراء المتبادل، إلى الأبد.

واحتجاجا على زيارة رئيسة مجلس النواب آنذاك نانسي بيلوسي إلى تايوان، وإسقاط أمريكا لبالون تجسس صيني، علقت الصين الاتصالات رفيعة المستوى لعدة أشهر، وكل من الحكومتين تتقبلان الآن حقيقة مفادها أنه محكوم عليهما بإدارة الخلافات بمسؤولية، باعتبارهما أعظم قوتين اقتصاديتين وعسكريتين في العالم، وأكبر مصدر لانبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي، وشريكين تجاريين مترابطين، وأن "واجب التعايش" هذا يمليه حكم التاريخ وتوقعات الدول الأخرى، حتى لو كان القادة في بكين وواشنطن يعتقدون أن أنظمة قيمهم الأساسية، والعديد من طموحاتهم العزيزة، غير متوافقة.

وتأتي الأدلة التي تدعم التفاؤل من القمة الأخيرة بين رئيسي البلدين، شي جين بينغ وجو بايدن، في قصر مليء بالتحف بالقرب من سان فرانسيسكو، في ذلك الاجتماع، خفف شي بشكل ملحوظ من لهجته تجاه أمريكا، بعد أن أمضى رئيس الحزب سنوات في الإعلان عن أن الشرق ينهض والغرب يتراجع.

وفي مارس من هذا العام، قال "بيتغ" في اجتماع في بكين إن "الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة احتوتنا بطريقة شاملة"، وفي كاليفورنيا اقترب من الاعتراف، لأول مرة، بأن الصين منخرطة في منافسة اقتصادية وتكنولوجية وجيوسياسية مع أمريكا، وعليها التزام بالاتفاق على مجموعة من القواعد والحواجز التي قد تمنع تلك المنافسة من الانحراف إلى كارثة.

ويتحدث بيان صيني رسمي عن أن القوتين "تتعاونان في المجالات ذات الاهتمام المشترك، وتديران الجوانب التنافسية للعلاقة بمسؤولية"، قد يبدو هذا غامضا، لكنه تنازل كبير، وفقا لـ"الإيكونوميست".

أمضى المبعوثون الصينيون السنوات القليلة الماضية في إعلان أنه من غير الشرعي وغير المقبول أن تصور أمريكا العلاقات الثنائية باعتبارها منافسة، ولطالما عكس هذا التذمر نظرة قاتمة للمنافسة بين القوى العظمى، وبدلا من نوع من السجال النبيل، يصور المسؤولون الصينيون نوايا أمريكا على أنها أقرب إلى معركة مصارعة حتى الموت، وخلف الأبواب المغلقة، يتحدثون عن حق بلادهم في الرد لأنها تتعرض للاختناق.

وأشاروا إلى أنه في المنافسة على النفوذ الأيديولوجي والجيوسياسي، عززت أمريكا التحالفات والشراكات مع دول الجوار الصيني، من اليابان وكوريا الجنوبية إلى الفلبين وأستراليا، في نظر المسؤولين الصينيين، يؤجج "بايدن" الانقسامات على غرار الحرب الباردة، ولكن مر وقت طويل منذ أن تفاخرت وسائل الإعلام الحكومية بصعود الشرق وتراجع الغرب.

ويشرف "بينغ" على تباطؤ الاقتصاد، وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر كانت سلبية في الربع الأخير.

وفي هذا السياق، لدى "بينغ" حوافز لتحقيق الاستقرار في العلاقات مع الدول الغنية، بدءا من أمريكا، وهذا ما يفسر تحركات بناء الثقة في كاليفورنيا، بما في ذلك استئناف الصين للاتصالات العسكرية وإعادة تشغيل التعاون مع إنفاذ القانون للحد من تصدير المواد الكيميائية المستخدمة في صنع الفنتانيل، وهو مادة أفيونية اصطناعية تقتل الكثير من الأمريكيين.

وفي سبتمبر، ألقت وزارة الخارجية الصينية باللوم في وفيات المخدرات على "عدم الكفاءة" الأمريكية.

ويعتقد كبار العلماء الصينيين أن هذا نوع غير مؤكد من الاستقرار، وتواصل أمريكا تشديد ضوابط التصدير على أشباه الموصلات وغيرها من التقنيات، والإبحار بالسفن الحربية وتحليق الطائرات العسكرية بالقرب من الأراضي الصينية، ومعاملة الصين بشكل عام على أنها "منافسها الأساسي".

كما يقول وو شينبو من جامعة فودان: "إذا كانت الصين قد غيرت موقفها من سياستها الخارجية لتحسين العلاقات مع أمريكا، فإن التفسير يكمن في مصالحها المالية والدبلوماسية"

ويوضح البروفيسور "شينبو" أن العلاقات الأكثر دفئا "ترسل إشارات إيجابية إلى الأسواق، وهو أمر جيد للاقتصاد"، كما أن هذه الدبلوماسية تطمئن الدول المجاورة المهمة للصين، مثل اليابان أو أستراليا.

تخيل مستقبل مع ترامب

يرى دا وي من جامعة تسينغهوا تطورا في تفكير بلاده، كانت الصين "غاضبة ومحبطة" عندما أدركت أن إدارة "بايدن" عازمة على الحفاظ على سياسات دونالد ترامب الصارمة، لكن المسؤولين الصينيين تقبلوا أن أمريكا لن تغير استراتيجيتها الأساسية.

وقد أدى هذا الشعور بالواقعية إلى "توازن جديد مثير للاهتمام"، كما يلاحظ البروفيسور "وي"، حتى لو لم تستطع الصين أن تقبل رسميا إطار أمريكا للمنافسة الاستراتيجية مع حواجز الحماية، ويقول: "إن فهم الجانبين للعلاقات الثنائية أقرب بكثير مما كان عليه قبل عامين".

وقد تختبر الانتخابات الرئاسية في أمريكا العام المقبل هذا الاستقرار.

بالنسبة لأولئك الصينيين الذين يرون مصلحة وطنية في العلاقات الثنائية البناءة، فإن "فوز ترامب سيكون كارثة"، كما يقول البروفيسور "وي"، ويعتقد آخرون أن الفوضى التي يسببها "ترامب "ستساعد الصين على الانتصار في منافسة الأنظمة السياسية.

ومع ذلك، فإن الاضطرابات الكبرى في أمريكا من شأنها أن تكون مدمرة للصين، يقول البروفيسور "وي": "هذا النوع من النصر ليس له معنى".

ويركز الأمريكيون بنفس القدر على مخاطر الاضطرابات في الصين، فالبلدان في حالة تنافس، وقد حان الوقت لكي يعترف القادة الصينيون بذلك، لكن كلا منهما أكبر من أن يتمنى الآخر بعيدا، وتظل علاقتهما الثنائية الأكثر أهمية في العالم.. من هذا المصير، لا يوجد مخرج.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية