كمال المشرقي لـ«جسور بوست»: انتهاكات إسرائيل بحق الفلسطينيين لا تسقط بالتقادم

100 يوم حرب
كمال المشرقي لـ«جسور بوست»: انتهاكات إسرائيل بحق الفلسطينيين لا تسقط بالتقادم
الحرب في غزة

انتقد مدير المعهد الإقليمي لحقوق الإنسان وسفير حقوق الإنسان في الأردن، كمال المشرقي، أوضاع الدمار والقتل في غزة، مؤكدًا أنه لا تزال أبشع الجرائم التي لم يشهدها عصرنا الحديث ترتكب من قبل المحتل الذي يمثل آخر قلاع العنصرية والصهيونية العالمية بحق شعب أراد أن يكسر كل صنوف القيود وأن يقرر مصيره بنفسه بعد سنوات عجاف واحتلال وتشريد وتهجير وحصار وانتهاكات مستمرة دامت أكثر من 75 عاما، عانى ما عانى ويعاني من الظلم والبطش والهوان ما يكفي لأن يقول للعالم كفى عبثا بإنسانيتنا كفى عبثا بمستقبل أجيال تحلم بأن تبقى لترى العدالة والإنسانية قائمة ليست على جزء من العالم وإنما في جميع أنحائه. 

وأضاف المشرقي في تصريحات لـ"جسور بوست"، إن حقوق الإنسان ليست حقوقاً غربية وليست حقوقاً شرقية وليست حتى حقوق الأمم المتحضرة من غيرها، إن حقوق الإنسان هي الحقوق اللصيقة بكل كائن بشري خلقه الله سبحانه وتعالى ونفخ فيه من روحه وجعله خليفته بالأرض، فلا تملك أي جهة أن تقوض هذه الحقوق أو أن تنتقصها أو تسلبها لأنها إرادة ربانية خصها الله بالإنسان الذي كرمه وأعطاه الحقوق والحريات الأساسية التي يجب أن يتمتع بها بصفته البشرية. 

وأردف مدير المعهد الإقليمي لحقوق الإنسان قائلا عند الحديث عن التحديات: لا يمكن أن تختزل الحقوق لفئة وتحرم منها فئة أخرى بمعيار العدالة، والمساواة تنطبق على جميع البشر دون النظر لجنسه، أو لونه، أو عرقه، أو طائفته، أو دينه، أو طبقته غني أم فقير، فالمعايير التي يوجد بها تمييز أكيد ستصبح تحدياً لا يمكن التنازل عنها ولا بأي شكل من الأشكال في مجال حقوق الإنسان. 

وتابع: لا يمكن القول إن تحديات حقوق الإنسان في فلسطين بشكل عام وفي غزة بشكل خاص بدأت من قبل 100 يوم، فانتهاكات حقوق الإنسان مستمرة منذ أكثر من 100 عام ما قبل الوعد المشؤوم وحتى اليوم، ونحن نشهد ازديادا في انتهاكات حقوق الإنسان على جميع الشعب الفلسطيني بشكل عام والعربي بشكل خاص، ويزداد خطاب الكراهية من شتى شعوب العالم، وازدادت الفجوة واللاعدالة، ما جعل العالم بين نقيضين جهة تحاول أن تبني مجتمعات تضمن العيش الكريم لشعوبها ومجتمعات تسحق ليل نهار وتعمل لتوفير متطلبات الحياة على حساب قوتها وحقوقها ومستقبل أجيالها المسحوق. 

واستطرد: لم يعد هناك مستقبل تتمناه الشعوب وإنما مستقبل مفروض عليها أن تعيشه كل شعوب العالم حتى على حساب تقييد حقوق الإنسان، حقوق الإنسان بمكونتها الأساسية والتي تحتوي على مبادئ أساسية يجب أن يتمتع بها كل كائن بشري بغض النظر عن لونه، أو جنسه، أو عرقه، أو لغته، أو دينه، أو طائفته، أو ثروته، أو أي ضرب من الضروب. 

وقال إنه بعد 100 يوم من الدمار والقتل والتشريد والحصار والتجويع والتهجير القسري والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية لازال الشعب الفلسطيني يعاني من ويلاتها ولا سبيل لتحقيق العدالة في العالم إلا بعودة تلك الحقوق لهذا الشعب المناضل والمقاوم ضد الاستبداد الظالم. 

وأضاف المشرقي، أن 100 يوم من الصراع في غزة كشفت هشاشة الأنظمة العالمية في مجال حقوق الإنسان، هذه الأنظمة التي تحاول بدرجة كبيرة توفير مظلة لحماية حقوق الإنسان في دولها إلا أنها تنتهك حقوق الإنسان في دولة فلسطين، ولكن مقاومة الشعب الفلسطيني البطل أزالت هذا القناع عن هذه الأنظمة المستبدة بظلمها وعنجهيتها وبدعمها للكيان العنصري وعلى مرأى من جميع البشر في العالم. 

وتابع: لقد صنعت 100 يوم من انتهاكات وجرائم حقوق الإنسان في فلسطين صحوة شعبية عالمية مطالبة بإنصاف هذا الشعب البطل وإعادة حقوقه المسلوبة، فأصبحنا نرى  فلسطين العالمية في قلوب كل الشعوب المتحررة، فصنعت نموذجا لقيام دولة حقوق الإنسان، فلسطين الكبرى وعاصمتها القدس الشريف.

كمال المشرقي

وأشار إلى أنه بعد 100 يوم من انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين وغزة لم تعد منظومة حقوق الإنسان هي الوحيدة التي تم المساس بها وإنما مستوى الانحدار الأخلاقي والقيمي أصبح واضحاً من مختلف الأنظمة العالمية، فهدر الحقوق والحريات الأساسية وصلت إلى منحنى خطير جدا تقشعر لها الأبدان، فالصمت المطبق من قتل النساء والأطفال وهدم البيوت والمساجد والكنائس، حتى المقابر لم تسلم من شرور المحتل المغتصب، بالإضافة إلى الإعدامات البشعة التي أصبحت باستخدام أسلحة محرمة إنسانيا وليست فقط دوليا.. إن الاعتداء على حياة طفل صغير بصاروخ يجسد إجرام وبغض وكره هذا المحتل، فهذا الانتهاك لحقوق الإنسان لم يعهده العالم حتى في العصور السالفة التي كانت تستخدم أبشع الجرائم لتبقى ظلمها إلا أنها ذهبت إلى مزابل التاريخ ولم يعد أحد يذكرها سوى بكرهها للبشرية وللحياة الإنسانية وتدرس في المعاهد كنماذج لأنظمة تنتهك الحقوق وترتكب الجرائم. 

واستكمل: عند الحديث عن تحديات حقوق الإنسان بعد 100 يوم نتمسك أكثر وأكثر بقيم ومبادئ حقوق الإنسان لأنها كانت الإنذار المبكر لارتكاب العدو الصهيوني انتهاكات حقوق الإنسان، فلم تكن ممارسات هذا الكيان تعترف بالكرامة الإنسانية للشعب الفلسطيني ولا بحريته وخصوصا بتقرير مصيره ولا بالعدالة ولا بالمساواة ولا حتى يسمح بالتضامن مع الشعب الفلسطيني، فإن لم تكن مع العدو فأنت ضدهم، فلا حاجة للحديث عن قيم حقوق الإنسان.

وأضاف أن الشعب الفلسطيني بعد 100 يوم علمنا كيف أن حقوق الإنسان طبيعية بطبيعة المقاومة المشروعة ضد الاحتلال الغاشم وأن الحقوق غير قابلة للتجزئة ومتكاملة للمطالبة بكل الحقوق والحريات الأساسية وعودة الحقوق لأهلها الفلسطينيين من البحر إلى البحر، وأن حقوق الإنسان غير قابلة للتصرف أو التنازل عنها مهما طال أمد الاحتلال والعدوان، وأن حقوق الإنسان أصبحت عالمية بلغة المقاومة الفلسطينية إذ أصبحت حناجر الأحرار في كل بقاع العالم تصدح بالحرية لهذا الشعب البطل الذي يستحق الحياة.

وقال المشرقي: إنه في ختام الحديث عن التحديات بعد 100 يوم من الانتهاكات في فلسطين وغزة فإن مفاهيم الحقوق والحريات لا تتغير بتغير الجغرافيا والتاريخ والشعوب، بل على العكس تتطور بشكل ملحوظ نحو الأفضل فلا يمكن الحديث عن حقوق الإنسان دون النظر للحقوق المهدرة في فلسطين وغزة فجميع الحقوق أصبحت مهدرة وتم المساس بها بأبشع الجرائم، فعلى سبيل المثال بالنسبة للحقوق المدنية والسياسية مثل الحق في الحياة لكل إنسان، فإن الكيان الصهيوني قد امتهن إزهاق الحق في الحياة، بل ارتكب جرائم الإبادة الجماعية واستهدف الفئات الأكثر حاجة للحماية مثل النساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن والمشردين.. بل إن استهداف المدنيين حتى في الأماكن الآمنة أصبح الوصمة في جبين المحتل بتصفية وقتل الأبرياء.

وأضاف أن الكيان المحتل مارس أبشع أنواع التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة، بل إنه ينكل بالشعب الفلسطيني الأعزل بكل الممارسات المقيتة وأصبح خلال هذه الفترة يمارس الأفعال التي ترتقى لأن تشكل جرائم ضد الإنسانية مثل سرقة الجثث وبيع الأعضاء وبيع الجلود وغيرها من جرائم الاتجار بالبشر، ومن أبشع الجرائم التي تمس الشعب الفلسطيني والتي يمارسها الكيان المحتل ما قبل الإبادة في غيره وحتى اللحظة توقيف الأفراد من كل الأعمار من النساء والأطفال وكبار السن واعتقالهم تعسفا وتوقيفهم لفترات طويلة وبظروف صعبة ويتم تجريدهم من أبسط الحماية لكرامتهم البشرية، والتعسف في التدخل في الخصوصية، بالإضافة لأهم الحقوق المدنية الأخرى مثل الحق في الرأي والتعبير والفكر والدين وغيرها من الحقوق اللصيقة بكل كائن بشري.

وتابع: من الجرائم المستمرة والتي يقوم بها الكيان الصهيوني المحتل وتخالف أبسط المعايير الدولية هي الدعوة بشكل مستمر إلى الحرب واستمرار النزاع، وعلى العكس فإن خطابهم الرسمي أصبح يشير بشكل فاضح إلى الإبادة الجماعية وإبادة جميع الفلسطينيين حتى باستخدام الأسلحة المحرمة وتهجيرهم بشكل جماعي.

وأضاف: كذلك فإنهم يقومون بشكل مباشر بالدعوة إلى الكراهية القومية والعنصرية والتحريض على التمييز وممارسة العنف ضد الشعب الفلسطيني.. إن هذه الممارسات أصبحت تستهدف الأطفال الرضع والأطفال الصغار والنساء الحوامل والنساء بشكل عام، وأيضا فإن تحديات حقوق الإنسان مرتبطة كذلك بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأيضا الحقوق المرتبطة بالبيئة والتنمية والتنمية المستدامة والتي تهدد الحياة البشرية والحيوانية والمائية والبحار والمحيطات وحتى الهواء والسماء والفضاء.. وهذه الانتهاكات ستحملها أجيالنا وأجيال من يلحقونهم إلى يوم الدين. 

وتحدث المشرقي عن التحديات القائمة بين القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يطبق في زمن السلم والصراعات والنزاعات، والقانون الدولي الإنساني الذي يطبق فقط زمن الصراعات والنزاعات والحروب وخصوصا اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة، قائلًا: “الكيان الصهيوني يخرق هذه المعايير من جانب الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية والقتل بجميع أشكاله والاعتداء على الكرامة الشخصية وتنفيذ العقوبات الميدانية على جميع الأشخاص ومنهم الأشخاص الذين لا يشتركون أصلا في أية أعمال عدائية وكذلك الأسرى والجرحى”.

وأردف: بالإضافة إلى أننا رصدنا ارتكاب المحتل الصهيوني خرقا لاتفاقية جنيف الرابعة التي تحمي المدنيين والجرحى والمرضى والعجزة والحوامل والمسنين وكذلك قيامه باستهداف المستشفيات والطواقم الطبية والإغاثية والإمدادات الطبية والمؤن الغذائية واستهداف وتدمير الممتلكات الخاصة والأعيان وغيرها من الجرائم المشهودة للكيان الصهيوني المحتل بارتكابها.

وأكد أن الحديث عن التحديات والممارسات والانتهاكات التي يقوم بها الصهاينة في فلسطين يحتاج لسنوات وسنوات حتى نستطيع أن نحددها ونحصر آثارها لأنها حفرت داخل صدور الأجيال السابقة، فمنهم شاهد على هذه الجرائم ومنهم بقيت آثار الاحتلال موجودة حتى رغم رحيلهم وهم بين يدي العادل العدل.. ومنهم يصارعون الاحتلال ويسطرون الآن لحظات بطولية للمطالبة بحقوقهم وحرياتهم، ومنهم من سيدرس هذه التجربة وينقلها للأجيال القادمة.. ومن خلال تحليل 100 يوم فهناك رسائل لا بد من الإشارة إليها وإلى الشعب الفلسطيني الحر؛ الاستمرار في مقاومة الاحتلال الصهيوني الغاشم هو عمل مشروع لتعزيز الحقوق والحريات الأساسية وانتزاع الأرض المسلوبة وكسر كل القيود المفروضة.

وأتم. هذه المقاومة أصلا تستند للواقع الإنساني وكذلك للقرارات والشرعية العالمية فإن القرار الأممي 3236 قد جاء لمد العون من جميع الدول للشعب الفلسطيني في استرداد حقوقه ودعم كفاحه، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره هو الذي يسهم في تعزيز السلم والأمن الدول العالمية، وعلى الدول أن تضطلع بمسؤوليتها تجاه حماية الشعب الفلسطيني وصون الأمن والسلم الدوليين، وأصبح العالم أمام حقيقة أساسها أن الالتزام بالمعايير والقوانين الدولية ضرورة لا تقبل القسمة على أحد.

وشدد المشرقي على أنه ينبغي على هذه الدول أن تقوم بالضغط فورا من أجل وقف آلة القتل العنصري الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الذي يطالب بنيل حرية من نار الظلم والاستبداد والاحتلال، مطالبا الدول العربية بالإعلان عن التضامن بشتى الوسائل وبنبذ أي خلافات والإعلان عن المسؤولية تجاه حماية الشعب الفلسطيني ودعم مطالبهم المشروعة وحقهم في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم الفلسطينية على الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وعلى أن تكون الحدود الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية متاحة بين جميع الدول لتكون حاضنة لأداء الشعب الفلسطيني وحقه بالمقاومة المشروعة والقدرة على مجابهة الحصار المفروض من الكيان المغتصب، المصير المشترك بين كافة شعوب العالم هو مصير واحد وأن مقاومة الأنظمة القمعية والتي لا تحترم قيم ومبادئ حقوق الإنسان هي واجب وحق أساسي حتى ينعم الأمن والسلم الدوليين. 

وفي الختام وجه المشرقي حديثه للكيان المحتل وإلى كل الأنظمة المتداخلة والمتشابكة، قائلا: "انتهاكات حقوق الإنسان لا تسقط بالتقادم ومهما طال الزمن ستأتي اللحظة التي اتم بها المحاسبة والمساءلة عن كل هذه الجرائم".

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية