غزة.. خيارات المنطقة وخيارات إسرائيل
غزة.. خيارات المنطقة وخيارات إسرائيل
بينما تدخل الحرب في غزة شهرها الخامس تزداد الأسئلة التي تطرح في المنطقة كماً ويزداد الناس قلقاً، وتزداد الحكومات حذراً واستعداداً لما هو أسوأ، فهل تعتقد إسرائيل أنها بما قامت به من عمليات قد أزالت الأشواك من طريقها؟ أم أنها زرعت مزيداً من الأشواك وحفرت مزيداً من الحفر؟
الحقيقة أن ما قامت به إسرائيل منذ السابع من أكتوبر تجاوز حربها على حماس أو التنظيمات الإسلامية أو الإرهابية التي تدعي أنها تستهدفها وتسعى للقضاء عليها، فبعد كل ما حدث يبدو أن هدف إسرائيل لم يكن فقط تلك المجموعات بل الشعب الفلسطيني بأكمله، فالضحايا هم أكثر من مائة ألف قتيل وجريح وأكثر من مليون ونصف نازح...
والهدف لم يكن الشعب فقط، بل الأرض الفلسطينية بكل ما فوقها وتحتها، وليس الأرض الفلسطينية في غزة فقط، بل كل فلسطين، حتى الضفة الغربية! وحجتها في تدمير غزة وقتل أهلها هي القضاء على حماس، فلماذا الهجوم على الضفة التي ليس فيها حماس؟
المبرر كان ملاحقة المطلوبين والبحث عنهم، وفي سبيل ذلك تم قتل المئات من الفلسطينيين واعتقال الآلاف وتدمير مئات المنازل!
فما الذي حققته إسرائيل بعد كل هذا من أهداف آنية وما الذي ستجنيه من نتائج مستقبلية؟! فالأسرى الإسرائيليون لم تتمكن من تحريرهم والحرب مستمرة وحماس لا تزال تهاجم إسرائيل بصواريخها والوضع في المنطقة في توتر متزايد وخطر متصاعد!
كان أمام إسرائيل العديد من الخيارات بعد السابع من أكتوبر ولا يزال أمام إسرائيل بعد أن بدأت عملياتها العسكرية عدة خيارات، كلها صعبة لكن الوضع الحالي أصعب ويزداد صعوبة وتعقيداً على المنطقة والعالم، لذا أصبح التفكير في الخيارات المتبقية أمراً ملحاً.
الخيار الأول هو مواصلة إسرائيل العمليات العسكرية بشكلها الحالي ولأمد طويل، وهذا الخيار من الواضح أنه يتعارض مع الوضع الإنساني للفلسطينيين ولا يخدم الاستقرار في المنطقة، بالإضافة إلى أنه قد لا يتناسب ومطالب أهالي الأسرى، كما أنه لا يبدو مرحباً به أمريكياً ومن حلفاء إسرائيل الغربيين الذين أصبحت هذه الحرب عبئاً حقيقياً عليهم داخلياً وخارجياً.
الخيار الثاني هو العمل على تحرير الرهائن وإيقاف الحرب عند هذا الحد وتسليم غزة للسلطة الفلسطينية بعد استبعاد حماس نهائياً من معادلة الحل، وهذا ما يبدو أنه يلقى معارضة من بعض الأطراف الإسرائيلية.
الخيار الثالث: القفز إلى الإمام ونقل الحرب إلى خارج إسرائيل وتوسيعها داخل المنطقة، ويبدو أن هذا الخيار الذي يفضله نتنياهو وينسجم مع عقلية أعضاء حكومته الحالية، وبالطبع هذا الخيار هو المرفوض من قِبل دول المنطقة بأسرها ومن العديد من الأطراف الدولية والمجتمع الدولي.
الخيار الرابع أن تعمل إسرائيل مع دول المنطقة وضمن منظومة المجتمع الدولي والقانون الدولي وأن تبحث مع شركائها وحلفائها في العالم عن نهاية لهذه الحرب وتوقف نزيف الخسائر البشرية والفظائع الإنسانية التي ترتكب كل يوم، وإن كان هذا الخيار هو أمنية كل دول العالم إلّا أن من الواضح أن هذا ما لا تريد إسرائيل سماعه!
منذ بداية هذه الحرب إلى اليوم وحكومة نتنياهو تغرد خارج السرب الدولي وبعيداً عن مصالح هذه المنطقة، فرغم كل التحذيرات التي تلقتها من طريقة تعاملها مع الأزمة والنتائج التي قد تؤديها وتأثيرها الخطير على المنطقة بأسرها، إلّا أن هذه الحكومة لم تستمع إلّا لصوت غرورها ولمنطق الانتقام الأعمى الذي بلا شك أنه سيضر بالجميع.
إذا أرادت إسرائيل أن تحقق أمنها فيجب أن تدرك أن جميع دول المنطقة بما فيها الدول التي تؤمن بالسلام، تريد أن تحقق أمنها ولن تقبل بأن يتم تهديد استقرارها لأي سبب من الأسباب وبيد أي طرف من الأطراف.. فإذا كانت إسرائيل جادة في السلام كما هي جادة في تحقيق أمنها فيجب أن تدرك أن جميع دول المنطقة جادة في تحقيق أمنها كما هي جادة في السلام.
فخيارات المنطقة أن يعم السلام والأمن والازدهار في المنطقة، والحقيقة أن ذلك لن يحدث إلا بالاستقرار، وهذا لن يكون إلا باستعادة الحقوق الفلسطينية واعتراف إسرائيل بها واحترام الشعب الفلسطيني وقبول حل الدولتين، أما صوت التطرف والانعزال الإسرائيلي الرافض للوجود الفلسطيني فيجب أن يوضع له حد وتكون له نهاية حتى لا يبدو وكأنه خيار إسرائيل الوحيد، فهذا الخيار لن يتوافق مع خيارات دول المنطقة وشعوبها والتي هي الاعتراف بالحق الفلسطيني وبالدولة الفلسطينية.