"تستخدمهم كبش فداء".. البدو جماعات مهمشة لدى إسرائيل يكابدون مصاعب الحرب

"تستخدمهم كبش فداء".. البدو جماعات مهمشة لدى إسرائيل يكابدون مصاعب الحرب

بعد أشهر من الانتظار أملا في إطلاق حركة حماس سراح أخيه وابن أخيه المحتجزين رهائن في قطاع غزة، قصد علي الزيادنة المسجد الأقصى للصلاة والتضرع إلى الله، لعل أخيه وابن أخيه يعودان سالمين.

جثا الزيادنة، البالغ من العمر (59 عاما)، وهو من عشيرة بدوية من رهط على ركبتيه في المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة متوجهاً بالدعاء إلى ربه: "اللهم فك أسر يوسف وحمزة".

اقتاد مقاتلو حماس يوسف وحمزة إلى قطاع غزة إبان هجوم السابع من أكتوبر الذي تسبب باندلاع الحرب بين إسرائيل والحركة.

ومني البدو بخسارة كبيرة منذ الهجوم؛ فهذه المجموعة المهمشة في إسرائيل فقدت ما لا يقل عن 17 فردا في يوم الهجوم، بالإضافة إلى عدد من الجنود الذين قضوا خلال خدمتهم في الجيش.

واحتجزت حركة حماس سبعة من البدو ثم أطلقت خلال الهدنة التي أبرمت بين الجانبين في نوفمبر سراح اثنين من أبناء يوسف هما بلال وعائشة.

اندلعت الحرب إثر هجوم شنّته حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر وأوقع وفق الأرقام الإسرائيلية 1160 قتيلًا معظمهم مدنيون، كما خُطف حينها نحو 250 شخصا ما زال 130 منهم رهائن في غزة، ويُعتقد أن 33 منهم لقوا حتفهم.

وردّاً على هذا الهجوم غير المسبوق، تعهدت إسرائيل بـ"القضاء" على حماس وشنّت ضدّها عملية عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة.

وأعلنت وزارة الصحة التابعة لحماس، الاثنين، ارتفاع حصيلة الحرب في القطاع إلى 32414 قتيلًا و74787 جريحًا معظمهم من الأطفال والنساء.

وسلطت الحكومة الإسرائيلية الضوء على التضحيات التي قدمها البدو وتعهدت خلال لقائها مع عدد من شيوخهم بتحسين الخدمات الحكومية المقدمة لهم.

يقول الزيادنة "كل الناس تضامنوا مع بعضهم بعضا وكأن المخطوفين يخصون الجميع، كل الناس التفت حول بعضها".

ومن غير الواضح ما إذا كان الاهتمام الحالي بالبدو خلال الحرب سيؤدي إلى تحسين وضعهم على المدى الطويل.

ويبدو المخرج السينمائي كايد أبو لطيف من مدينة رهط ذات الغالبية البدوية غير متفائل.

ويقول "الآن هو وقت التودد، لكن في اليوم التالي للحرب سيعود كل شيء إلى ما كان عليه في السابق"، مضيفا "البدوي كبش فداء".

نزع الشرعية

قبل إقامة دولة إسرائيل كانت صحراء النقب موطنا لنحو 92 ألف بدوي، بقي منهم بعد النكبة الفلسطينية 11 ألفا، وفق المركز القانوني لحماية حقوق الأقلية العربية في إسرائيل (عدالة).

وقاوم الكثير من هؤلاء البدو عملية إعادة توطينهم في المدن ولم يندمجوا على نحو جيد في المجتمع الإسرائيلي.

في تصريح لصحيفة هآرتس اليسارية في عام 1963، تحدث السياسي والعسكري الإسرائيلي موشيه ديان عن رغبته في "تحويل البدوي" إلى "شخص يعيش في المدن يعود إلى منزله بعد الظهر وينتعل خفيه".

وقال كذلك إنه يريد أن "يذهب أطفاله (البدو) إلى المدرسة وشعرهم مصفف".

وقال ديان "هذه ستكون ثورة لكن الأمر يمكن أن يتحقق خلال جيلين.. ظاهرة البدو هذه ستختفي".

بحسب مركز عدالة، في إسرائيل نحو 300 ألف بدوي نصفهم تقريبا في البلدات والمدن والنصف الآخر يقطنون في قرى غير معترف بها.

وتفتقر هذه القرى إلى الخدمات الأساسية مثل رفع القمامة أو الحماية من خلال نظام القبة الحديدية للدفاع الجوي، وهذا يترك البدو عرضة لنيران الصواريخ وقذائف الهاون الآتية من قطاع غزة.

يقول كريس دويل مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني الذي أجرى منذ تسعينيات القرن الماضي أبحاثا حول البدو "إنهم لا يحصلون على أي تمويل، إنهم مهمشون".

وبحسب دويل فإن مقاومة البدو للاندماج تتوافق مع "أسلوب عيشهم" وأثارت تغطية سلبية في الصحافة الإسرائيلية.

ويقول أبو لطيف "قبل الحرب، كان هناك نوع من نزع الشرعية عن أي شيء يتعلق بالبدو في الإعلام".

ويضيف أن التغطية كانت "في كل الأوقات حول قصص عن التخريب، وخروجهم عن القانون وكيف أن النقب شبيه بالغرب الأميركي القديم وأن البدو أشرار".

تغيير واقع البدو

مر أبو لطيف بتجربة مريرة مثل غيره من أبناء مجتمعه البدو خلال الحرب المتواصلة منذ ستة أشهر، بعدما فقد في يناير شقيقه الأصغر أحمد (26 عاما) الذي كان جندي احتياط في الجيش الإسرائيلي وخدم في غزة وقضى في كمين إلى جانب 20 جنديا آخرين.

في وقت لاحق من الشهر نفسه، زار نتانياهو عائلة أبو لطيف في رهط وكانت الزيارة فرصة لطلب تخصيص مزيد من موارد الدولة بما في ذلك التمويل للمنظمات المدنية والشبابية.

وفي فبراير، شارك مسؤولون محليون وسابقون رفيعو المستوى في مراسم لتكريم البدو الذين أنقذوا مدنيين إبان هجوم السابع من أكتوبر.

وقال الرئيس الإسرائيلي السابق، رؤوفين ريفلين، أمام الحشد "بذلت الحكومات على مدى سنوات كل ما بوسعها لجعل البدو يشعرون وكأنهم في وطنهم كإسرائيليين".

وأضاف "إنهم يريدون أن يكونوا جزءا من الكيان الإسرائيلي، العشيرة مهمة بالنسبة لهم لكنهم إسرائيليون أيضا".

رغم ذلك، أكد أبو لطيف أن البدو لا ينتظرون أن تقوم الدولة بتحسين حياتهم.

في فبراير الماضي، عرض أبو لطيف في مهرجان سينمائي في رهط فيلما وثائقيا قصيرا تضمن لقطات أرشيفية استعرضت تاريخ المدينة وهي أكبر مدينة بدوية في البلاد، وحياة شقيقه الراحل.

وخلال الأشهر الأولى من الحرب، كان أبو لطيف جزءا من مركز رهط المجتمعي لتنسيق المساعدة المتبادلة للعائلات البدوية واليهودية التي قُتل أحد أفرادها أو أُسر لدى حماس.

وتؤكد هذه الجهود الشكوك في أن الحكومة ورغم كل وعودها وكلامها المنمق مؤخرا، ستصير حليفا للبدو يمكن الاعتماد عليه.

ويقول أبو لطيف "إذا كنت تريد تغيير الواقع، فعليك أن تغيره بنفسك".
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية