اليوم العالمي للتمريض.. احتفاء وتقدير لإسهامات دؤوبة وثمينة في الرعاية الصحية
اليوم العالمي للتمريض.. احتفاء وتقدير لإسهامات دؤوبة وثمينة في الرعاية الصحية
يحتفل العالم باليوم الدولي للتمريض في 12 مايو من كل عام تقديرًا لإسهامات كادر التمريض الدؤوبة والثمينة في الرعاية الصحية والأمن الصحي العالمي. ويأتي هذا الاحتفال في ذكرى ميلاد فلورنس نايتنجيل، التي تعتبر رائدة التمريض الحديث.
فمن هي فلورنس نايتنجيل؟
فلورنس نايتنجيل من مواليد 12 مايو من عام 1820 بفلورنسا بإيطاليا وتوفيت في 13 أغسطس من عام 1910 بالعاصمة البريطانية لندن، وقد كانت ممرضة بريطانية ومصلحة اجتماعية ورائدة التمريض الحديث كما مارست الإحصاء، وذلك بحسب دائرة المعارف البريطانية.
تم تعيين نايتنجيل مسؤولة عن رعاية جنود بريطانيا والحلفاء في تركيا خلال حرب القرم حيث أمضت ساعات طويلة في العنابر، وكرست جولاتها الليلية التي تقدم الرعاية الشخصية للجرحى صورتها على أنها "سيدة المصباح" حيث إنها كانت تسير بين الجرحى تقدم لهم الرعاية وهي تحمل مصباحا.
وقد أدت جهودها لإضفاء الطابع الرسمي على تعليم التمريض إلى إنشاء أول مدرسة تمريض ذات أساس علمي وهي مدرسة نايتنجيل للتمريض، في مستشفى سانت توماس في لندن والتي تم افتتاحها في عام 1860. وكانت أول امرأة تحصل على وسام الاستحقاق في عام 1907.
طفلة واعدة
كانت فلورنس نايتنجيل الابنة الثانية لوليام إدوارد وفرانسيس نايتنجيل. (كان اللقب الأصلي لوليام إدوارد هو شور، وقد غير اسمه إلى نايتنجيل بعد أن ورث ملكية عمه الأكبر في عام 1815).
وقد سُميت فلورنس على اسم المدينة التي ولدت فيها في إيطاليا. وبعد العودة إلى إنجلترا في عام 1821، عاشت الأسرة حياة مريحة، حيث قسمت وقتها بين منزلين، الأول في ديربيشاير، الواقعة في وسط إنجلترا، والثاني في هامبشاير الأكثر دفئًا، الواقعة في جنوب وسط إنجلترا. وقد أصبح منزلهم في هامبشاير، وهو عقار كبير ومريح، هو السكن العائلي الرئيسي.
وكانت فلورنس طفلة واعدة من الناحية الفكرية ولقد اهتم والدها بشكل خاص بتعليمها، حيث قادها عبر التاريخ والفلسفة والأدب كما برعت في الرياضيات واللغات وكانت قادرة على القراءة والكتابة بالفرنسية والألمانية والإيطالية واليونانية واللاتينية في سن مبكرة ولم تكن راضية أبدًا عن المهارات الأنثوية التقليدية في إدارة المنزل، وفضلت قراءة الفلاسفة البارزين والانخراط في خطاب سياسي واجتماعي جاد مع والدها.
وفي سن السادسة عشرة، شعرت بأن دعوة الرب لها بأن تعمل على تخفيف المعاناة الإنسانية وقد بدا أن التمريض هو الطريق المناسب لها لخدمة الرب والبشرية. ومع ذلك، فإن محاولاتها للحصول على تدريب ممرضة أحبطتها عائلتها باعتباره نشاطًا غير مناسب لامرأة في مكانتها وإن تركتها تقدم رعايتها للأقارب المرضى والمستأجرين في عقارات الأسرة.
في السلم والحرب
وعلى الرغم من التحفظات العائلية، تمكنت نايتنجيل في النهاية من الالتحاق بمعهد الشماسات البروتستانتية في كايزرسفيرث في ألمانيا لمدة أسبوعين من التدريب في يوليو من عام 1850 ومرة أخرى لمدة ثلاثة أشهر في يوليو من عام 1851 وهناك تعلمت مهارات التمريض الأساسية، وأهمية مراقبة المريض، وقيمة التنظيم الجيد للمستشفى.
وفي عام 1853، سعت نايتنجيل إلى التحرر من بيئتها العائلية ففكرت في أن تصبح المشرفة على الممرضات في مستشفى كينجز كوليدج في لندن. ومع ذلك، كانت السياسة، وليس الخبرة التمريضية، هي التي حددت خطوتها التالية.
ففي أكتوبر من عام 1853، أعلنت الإمبراطورية العثمانية الحرب على روسيا، في أعقاب سلسلة من الخلافات حول الأماكن المقدسة في القدس والمطالبات الروسية بممارسة الحماية على الرعايا الأرثوذكس التابعين للسلطان العثماني.
وسعى البريطانيون والفرنسيون، حلفاء تركيا، إلى كبح جماح التوسع الروسي. ودارت غالبية حرب القرم في شبه جزيرة القرم التي كانت تابعة لروسيا وقت الحرب. ومع ذلك، تم إنشاء قاعدة القوات البريطانية والمستشفيات لرعاية المرضى والجرحى من الجنود في سكوتاري عبر مضيق البوسفور من ناحية إسطنبول.
وقد قام الصحفي البريطاني ويليام هوارد راسل، أول مراسل حربي حديث، بتغطية رعاية الجرحى لصحيفة لندن تايمز. وذكرت تقارير الصحف أن الجنود عولجوا من قبل مؤسسة طبية غير كفؤة وغير فعالة وأن معظم الإمدادات الأساسية لم تكن متاحة. وأثارت تلك التقارير الجمهور البريطاني الذي احتج على معاملة الجنود وطالب بتحسين أوضاعهم.
وقد كتب سيدني هربرت، وزير الحرب البريطاني، إلى نايتنجيل يطلب منها قيادة مجموعة من الممرضات إلى سكوتاري. وقد قادت نايتنجيل مجموعة معتمدة رسميًا مكونة من 38 امرأة، وغادرت في 21 أكتوبر من عام 1854، ووصلت إلى سكوتاري في مستشفى باراكس في 5 نوفمبر.
ولم تكن نايتنجيل موضع ترحيب من قبل المسؤولين الطبيين، ووجدت أن الأوضاع المحيطة بالجرحى قذرة، والإمدادات غير كافية، والموظفين غير متعاونين، فضلا عن الاكتظاظ الشديد. وبعد 5 أيام من وصولها إلى سكوتاري، وقعت معركة بالاكلافا ثم معركة إنكرمان واجتاح الجرحى المستشفى.
ومن أجل رعاية الجنود بشكل صحيح، كان من الضروري الحصول على الإمدادات الكافية. وقد اشترت نايتنجيل معدات بأموال قدمتها صحيفة لندن تايمز وتم تنظيف العنابر وتوفير الرعاية الأساسية من قبل الممرضات.
والأهم من ذلك، أن نايتنجيل وضعت معايير للرعاية، تتطلب الضروريات الأساسية مثل الاستحمام، والملابس النظيفة والضمادات، والطعام الكافي. وتم الاهتمام بالاحتياجات النفسية من خلال المساعدة في كتابة الرسائل للأقارب ومن خلال توفير الأنشطة التعليمية والترفيهية.
وكانت نايتنجيل نفسها تتجول في الأجنحة ليلاً وتقدم الدعم للمرضى، ما أكسبها لقب "سيدة المصباح". ولقد اكتسبت احترام الجنود والمؤسسة الطبية على حد سواء. وأدت إنجازاتها في توفير الرعاية وخفض معدل الوفيات إلى نحو 2 بالمئة إلى شهرتها في إنجلترا من خلال الصحافة ورسائل الجنود.
وفي مايو من عام 1855، بدأت نايتنجيل أولى رحلاتها العديدة إلى شبه جزيرة القرم، ومع ذلك، بعد وقت قصير من وصولها، أصيبت بمرض "حمى القرم" وعلى الأرجح داء البروسيلات، والذي ربما أصيبت به بسبب شرب الحليب الملوث. وقد شهدت نايتنجيل تعافيًا بطيئًا، حيث لم يكن هناك علاج فعال متاح، واستمرت الآثار المتبقية للمرض لمدة 25 عامًا، ما أدى في كثير من الأحيان إلى حبسها في الفراش بسبب الألم المزمن الشديد.
وفي 30 مارس من عام 1856، أنهت معاهدة باريس حرب القرم. وعادت إلى منزلها في ديربيشاير في 7 أغسطس من عام 1856.
الإحصاء
وبدعم من الملكة فيكتوريا التي دعتها لمقابلتها في قلعة بالمورال في اسكتلندا، ساعدت نايتنجيل في إنشاء لجنة ملكية معنية بصحة الجيش في عام 1857. وقد وظفت كبار الإحصائيين في ذلك الوقت وهما ويليام فار وجون ساذرلاند، لتحليل بيانات الوفيات في الجيش. وذلك بحسب موقع هيستوري دوت كوم.
وما وجدوه كان مروعًا حيث توصلوا إلى أن 16 ألف حالة وفاة من بين 18 ألف حالة كانت بسبب أمراض يمكن الوقاية منها، وليس بسبب المعارك.
وبدلاً من القوائم أو الجداول، قامت بتمثيل عدد القتلى بطريقة ثورية حيث أظهر "الدايغرام الوردي" الذي استخدمته انخفاضًا حادًا في عدد الوفيات. وكان الرسم البياني سهل الفهم حيث جعل البيانات المعقدة في متناول الجميع، ما ألهم معايير جديدة للصرف الصحي في الجيش وخارجه وفهم الجمهور إخفاقات الجيش والحاجة الملحة للتغيير.
وفي ضوء عملها، تم إنشاء أقسام جديدة للطب والعلوم الصحية والإحصاء في الجيش لتحسين الرعاية الصحية. وأصبحت نايتنجيل أول عضوة في الجمعية الإحصائية الملكية وتم تعيينها عضوًا فخريًا في الجمعية الإحصائية الأمريكية.
الرعاية الصحية للجميع
كانت فلورنس نايتنجيل مريضة ولكنها ثرية، وكانت قادرة على تحمل تكاليف الرعاية الصحية الخاصة. لكنها عرفت أن معظم الناس في بريطانيا الفيكتورية لا يستطيعون فعل الشيء نفسه.
ومن ثم لا يمكن للفقراء إلا أن يهتموا ببعضهم البعض، وقد استهدفت ملاحظاتها حول التمريض تثقيف الناس حول طرق رعاية الأقارب والجيران المرضى، لكنها ظلت تسعى لمساعدة أفقر الناس في المجتمع فأرسلت ممرضات مدربات إلى دور للمساعدة في علاج المحتاجين. وقد كانت هذه المحاولة لجعل الرعاية الطبية متاحة بسهولة للجميع، بغض النظر عن طبقتهم أو دخلهم، بمثابة مقدمة مبكرة لخدمة الصحة الوطنية في بريطانيا.
وقد شاركت نايتنجيل في العمل لتحسين صحة القوات البريطانية في الهند منذ تجربتها في سكوتاري.
وبحلول ثمانينيات القرن التاسع عشر، تقدمت المعرفة العلمية لدعم أفكارها الإصلاحية بشكل أكبر حيث أكدت الحاجة إلى إمدادات مياه غير ملوثة للناس في الهند. ومع استمرارها في جمع البيانات، قامت بحملة من أجل الإغاثة من المجاعة وتحسين الظروف الصحية لمكافحة ارتفاع عدد القتلى الذي اعتقدت أنه ناجم عن ظروف مشابهة لتلك التي شهدتها في سكوتاري. وظلت نايتنجيل تتلقى تقارير عن الأوضاع في الهند حتى عام 1906.
وقد توفيت نايتنجيل في 13 أغسطس من عام 1910 بالعاصمة البريطانية لندن.
المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية
وبمناسبة اليوم الدولي أكد المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بالقاهرة اليوم الأحد أن الممرضات والقابلات يمثلن أكثر من نصف القوى العاملة الصحية في بلدان إقليم شرق المتوسط. منوها بأنه بينما نحتفل اليوم باليوم الدولي لكادر التمريض لعام 2024، فإننا نفكر أيضا في التحديات العديدة التي تواجه كادر التمريض في الإقليم.
وأضاف البيان أنه لم يشهد العقد الماضي زيادة في كثافة الممرضات والقابلات في معظم بلدان الإقليم، بل انخفضت نسبة الممرضات والقابلات إلى الأطباء. ومن المرجح أن تستمر هذه الاتجاهات إذا استمرت المستويات الحالية للإنتاج وقدرات التوظيف.

الدكتورة حنان حسن بلخي
وأوضح أن الممرضات والقابلات يواجهن ظروف عمل صعبة، وأجوراً منخفضة، وأعباء عمل ثقيلة، وفرصاً وظيفية محدودة، وتساعد جميع هذه العوامل على زيادة نقص أعداد هؤلاء العاملين الصحيين على المستويين العالمي والإقليمي.
وفي كثيرٍ من الأحيان، تواجه القوى العاملة النسائية أيضا تمييزا بين الجنسين وتهديدا لسلامتهن وأمنهن، بما في ذلك العنف القائم على نوع الجنس أثناء العمل.
وأوضحت المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط الدكتورة حنان حسن بلخي، قائلة: “لا يوجد في الإقليم إلا 16.5 ممرضة وقابلة في المتوسط لكل 10000 نسمة، في حين يبلغ المتوسط العالمي 39.4 ممرضة وقابلة لكل 10000 نسمة، وفي بعض البلدان، يهبط الرقم إلى أقل من 10، وإذا استمرت الاتجاهات الحالية فسيكون هناك نقصٌ في كادر التمريض في الإقليم بمقدار 1.2 مليون ممرضة بحلول عام 2030، وسيؤثر ذلك على كل بلدٍ في الإقليم”.
وأكدت منظمة الصحة العالمية التزامها بدعم الإجراءات الفعالة على الصعيد القطري وفي أنحاء الإقليم. وحتى يومنا هذا، لم يصل التقدم المحرز في تعزيز القوى العاملة في مجالي التمريض والقبالة في الإقليم إلى الوتيرة المرغوبة، على الرغم من الالتزامات والجهود المتواصلة للتصدِّي للتحدِّيات التي يواجهها العاملون الصحيون. فعلى سبيل المثال، دعت الدول الأعضاء في المنظمة، في الدورة السبعين للجنة الإقليمية لشرق المتوسط، التي عقدت في أكتوبر 2023، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز القوى العاملة الصحية.
وقد التزمت المديرة الإقليمية الجديدة الآن بالمضي قدما في تنفيذ هذه الخطة من خلال التركيز على القوى العاملة الصحية بوصفها إحدى ثلاث مبادرات رئيسية للمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط.
ويعد الاستثمار في القوى العاملة الصحية عاملا تحفيزياً لإحراز تقدم في مجال التنمية المستدامة. فطواقم التمريض والقبالة هي حجر الزاوية في الرعاية الصحية، إذ تقدم خدمات حيوية بدءا من صحة الأمهات وانتهاء بالاستجابة لحالات الطوارئ، ودعم الرعاية الصحية الأولية، كما أن لهذه الطواقم دوراً محورياً في تشكيل السياسات والنظم الصحية.
وتمثل زيادة الاستثمار في تعليم طواقم التمريض والقبالة وتوظيفها أمرا بالغ الأهمية لتلبية الاحتياجات الصحية.
ومن خلال تمكين طواقم التمريض والقبالة، تعزز الحكومات مشاركة القوى العاملة النسائية، لأن غالبية هذه الطواقم من النساء، علاوة على إطلاق الإمكانات الاقتصادية لمزيدٍ من النساء.
وفي نهاية المطاف، فإن تحسين فرص الحصول على الرعاية الصحية التي يساعد هؤلاء العاملون الصحيون على تقديمها يحرر أيضا الإمكانات الاقتصادية للمجتمعات بأسرها.
وفي اليوم الدولي لكادر التمريض، تكرر منظمة الصحة العالمية دعوتها إلى العمل من أجل الاستثمار في كادر التمريض والقبالة وتمكينه، فهو العمود الفقري لنُظُمِنا الصحية.