«أنتم الإعلام الآن»!

«أنتم الإعلام الآن»!
د. ياسر عبد العزيز

في السادس من نوفمبر الماضي، كان الملياردير الأمريكي الشهير إيلون ماسك في ذروة الانتشاء، بسبب ظهور بوادر واضحة لفوز حليفه دونالد ترامب، المرشح الرئاسي الذي سانده بكل قوة، في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. 

ولذلك، فقد راح ماسك يخاطب متابعيه على منصة «إكس»، التي يمتلكها، قائلا إنها حظيت بتفاعلات قياسية على هامش الانتخابات، قبل أن يختم تعليقاته بتدوينة فارقة، قال فيها: «أنتم الإعلام الآن».

لقد اشترى ماسك منصة «تويتر»، في صفقة أدهشت كثيرين، بعدما دفع فيها مبلغا يقارب 44 مليار دولار أمريكي، قبل أن يغير اسمها إلى «إكس»، ويُسّخرها لمناصرة حليفه ترامب في الانتخابات الأخيرة، حيث سنعرف لاحقا أنه فعل ذلك لأنه رأى أن عالم الإعلام يتغير، وأن مراكز التأثير الحية فيه تنتقل إلى الوسائط الجديدة.

وعندما يقول ماسك لجمهور الوسائط الجديدة «أنتم الإعلام الآن»، فإنه يسوغ تركيز الاستراتيجية الإعلامية لترامب في الانتخابات الأخيرة على هذه الوسائط من جانب، ويشرح لنا جزءا من أسباب العداء والتربص اللذين يبديهما الرئيس المُنتخب لوسائل الإعلام الجماهيرية «التقليدية» من جانب آخر.

ولذلك، فلم يكن مُستغربا أن يعمد ماسك، من خلال منصبه الجديد كرئيس لإدارة الكفاءة الحكومية (بمرتبة وزير)، إلى استهداف أنماط التمويل الأمريكية لوسائل الإعلام الخارجية، التي تصفها واشنطن بأنها «مستقلة»، وتستخدمها من أجل موازنة الجهود الإعلامية المضادة لسياساتها، ولمساندة حلفائها ومصالحها في مناطق مختلفة من العالم.

وفي الأسبوع الماضي، بدأ ماسك سلسلة من الهجمات الإدارية، مستخدما سلطات منصبه الجديد، وهي هجمات استهدفت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، التي اتهمها بإهدار الأموال العامة، ومن بين ما استهدفه من أنشطة تلك الوكالة ما يتصل بتمويلها بعض وسائل الإعلام الموصوفة بأنها «مستقلة»، والتي تعمل في فضاءات إعلامية حيوية للسياسة الأمريكية، مثل روسيا وأوكرانيا.

وفي استهدافه لتلك الوسائل، بث ماسك تدوينة يعلق فيها على مقالة تصف تلك الوسائل بأنها مستقلة ومهنية، بقوله: «وسائل إعلام مستقلة.. أضحك من البكاء».

ويبدو أن موقف ماسك هذا يحاكي بالضبط علاقة الرئيس الأمريكي المُنتخب توا دونالد ترامب بالإعلام، حيث كان هذا الأخير قد أظهر ولعا شديدا بعالم الميديا، عندما كان مجرد رجل أعمال من خارج عالم السياسة، قبل أن يقول، في عام 2017، إن منصة «تويتر» («إكس» حاليا) كانت سببا في وصوله إلى منصب رئيس الولايات المتحدة في الولاية الأولى له عام 2016.

ليس ذلك فقط، لكن حظر ترامب على «تويتر» في 2021، عقب توجيه اتهامات له بإساءة استخدام المنصة، وبث أخبار كاذبة وإفادات تحريضية عبرها، قاده ببساطة إلى تطوير منصته الخاصة «تروث سوشيال»، التي أضحت منذ ذلك الوقت لسان حاله، وآلية الاتصال السياسي الرئيسية والحيوية التي يستخدمها على مدار الساعة.

وقبل أيام، بدأ ترامب ما بدا أنه معركة تصفية حسابات مع بعض وسائل الإعلام الأمريكية، التي اتهمها بأنها «أذاعت أخبارا مُضللة، وشوهت صورته»، من أجل الإضرار بحظوظه، ومساندة منافسته في الانتخابات كاميلا هاريس.

فقد أفادت الأنباء بأن ترامب بصدد إقامة سلسلة من الدعاوى القضائية ضد عدد من المؤسسات الإعلامية الأمريكية، حيث أرسل فريقه القانوني مطالبة بتعويضات تبلغ عشرة مليارات دولار أمريكي من صحيفة «نيويورك تايمز»، كما أرسل خطابا مماثلا لشبكة «سي بي إس»، متهما إياها بأنها عمدت إلى التصرف كداعم مباشر لمنافسته في الانتخابات.

تشير تلك الأنباء إلى عزم ترامب الواضح على تصفية حساباته مع ناقديه ومعارضيه في وسائل الإعلام التي ساندت الديمقراطيين، أو عارضت بعض سياساته وتوجهاته، سواء عندما كان في السلطة خلال ولايته الأولى، أو عندما ترشح للانتخابات في الدورتين الأخيرتين، فخسر إحداهما، وربح الأخرى، ليقرر «الانتقام» من «أعدائه الإعلاميين» في المجال الإعلامي المؤسسي.

وستكون لمعارك ترامب تلك، وعلاقته بوسائل الإعلام في بلاده، فصول كثيرة، وستتفجر خلالها مفاجآت، وستقع صدامات، مع عدد من المؤسسات الإعلامية المرموقة والمهمة، وهو أمر سينذر بمخاطر كبيرة على حرية الإعلام، وعلى صورة الولايات المتحدة كزعيمة مفترضة للديمقراطية في العالم.

وسيكون إيلون ماسك هو رجل ترامب المنتدب لخوض تلك المعركة، خاصة بعدما أظهر قدرة فائقة على الولوج إلى عالم الوسائط الجديدة، وتسخير أمواله للتمركز فيه، وتحويل منصته «إكس» إلى أهم أدوات الدعاية المساندة لحليفه الذي أضحى رئيسا.

وبالطبع، فإن سياسة ماسك في إدارة هذا المجال بدت واضحة لنا في مخاطبته لجمهور الوسائط الجديدة بوصفهم يمثلون «الإعلام الآن»، وعبر سخريته الحادة من وسائل الإعلام «التقليدية» التي تمولها واشنطن، باعتبارها «ليست مستقلة» كما قال، أو ليست ذات جدوى كما يقصد.


*نقلاً عن صحيفة «المصري اليوم» المصرية
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية