"واشنطن بوست": فضيحة تعذيب المعتقلين الفلسطينيين تهدد مكانة إسرائيل العالمية
"واشنطن بوست": فضيحة تعذيب المعتقلين الفلسطينيين تهدد مكانة إسرائيل العالمية
اندلعت فضيحة التعذيب وإساءة معاملة المعتقلين الفلسطينيين، في الوقت الذي لا تستطيع فيه إسرائيل أن تتحمل المزيد من ذلك، فيما يبدو أن أصداء خليج جوانتانامو وأبوغريب تهدد بهز مكانة إسرائيل العالمية، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست".
ومضت 10 أشهر تقريباً منذ بدأت إسرائيل حربها ضد حماس في قطاع غزة، ولم تظهر أي علامة على نهايتها، وفي الوقت نفسه، تتصاعد حربها ضد حزب الله، كما تتهم إيران، الداعم الرئيسي لكل من حماس وحزب الله، إسرائيل باغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران، وقد تعهد الملالي بالانتقام، ومن الممكن أن يندلع صراع إقليمي أكبر في أي لحظة.
وفي مثل هذه البيئة الخطرة المليئة بالبارود، تحتاج إسرائيل بشدة إلى الدعم الدولي والتماسك الداخلي، لكنها مهدد بفضيحة متنامية تتعلق بإساءة معاملة إسرائيل للمعتقلين الفلسطينيين في سجن سدي تيمان، وهو الاسم الذي من المرجح الآن أن يدخل سجلات العار إلى جانب سجن غوانتانامو وأبوغريب.
ومنذ الهجوم الوحشي الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، كانت القوات الإسرائيلية ترسل الأسرى من سكان غزة الذين يتم اعتقالهم للاشتباه في كونهم أعضاء في حماس إلى سجن سدي تيمان في صحراء النقب، حيث يمكنهم قضاء أسابيع وحتى أشهر محتجزين باعتبارهم "مقاتلين غير شرعيين"، دون توجيه اتهامات إليهم أو محاكمتهم، (وبموجب قانون المقاتلين غير الشرعيين الإسرائيلي، يمكن احتجاز المعتقلين لمدة تصل إلى 75 يوماً دون رؤية قاضٍ وما يصل إلى 6 أشهر دون محامين).
وتشير التقديرات إلى أن نحو 4 آلاف معتقل فلسطيني قضوا فترة في سجن سدي تيمان، ومن بين هذا العدد الإجمالي، تم الإفراج عن نحو 1500 دون اعتذار أو تعويض، في حين تم نقل البقية إلى سجون إسرائيلية أخرى لمزيد من التحقيق والملاحقة القضائية المحتملة باعتبارهم إرهابيين من حماس.
ومنذ أشهر ظهرت مزاعم حول إساءة معاملة المعتقلين في سجن سدي تيمان وغيره من السجون، ونشرت صحيفة واشنطن بوست واحدة من أقدم هذه الروايات في يناير ، حيث نقلت شهادة فلسطيني يبلغ من العمر عشرين عاماً تم القبض عليه في قطاع غزة: "قال جهاد حمودة إنه أمضى 17 يوماً معصوب العينين ومقيد اليدين في أحد مراكز الاحتجاز الإسرائيلية، وأجبر على الركوع على الأرض لساعات في كل مرة، وقد ضربه المحققون عندما أنكر تورطه في حركة حماس، ووضع أحد الجنود سكيناً على يده، وهدده بقطع إصبعه ما لم يعترف بحيازة أسلحة".
ومع مرور الوقت، تزايدت الأدلة على سوء المعاملة في سدي تيمان على وجه الخصوص، فقد توفي ما لا يقل عن 35 معتقلاً إما في السجن أو بعد وقت قصير من مغادرته.
ويزعم المسؤولون الإسرائيليون أنهم ماتوا متأثرين بجراح أو أمراض أصيبوا بها قبل اعتقالهم، ولكن محامياً إسرائيلياً فلسطينياً صنع لنفسه مهنة تمثيل المعتقلين الفلسطينيين أمام المحاكم العسكرية الإسرائيلية زار سدي تيمان وقال لمجلة +972 الإسرائيلية: "إن الوضع هناك أكثر فظاعة من أي شيء سمعناه عن أبوغريب وغوانتانامو".
وفي التماس إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، كتبت جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل، وهي منظمة حقوقية: "لقد كشفت الشهادات المتزايدة عن الانتهاكات التي لا يمكن تصورها في سدي تيمان، العمليات الجراحية بدون تخدير، والتقييد لفترات طويلة في أوضاع مؤلمة، وإصابات بالأصفاد تتطلب البتر، وتعصيب العينين بشكل دائم حتى أثناء العلاج الطبي، واحتجاز المعتقلين في حفاضات، والضرب المبرح والتعذيب".
وبسبب الضغوط من المحكمة العليا الإسرائيلية، نقلت قوات الدفاع الإسرائيلية معظم المعتقلين إلى مرافق أخرى، وتعهدت باستخدام سدي تيمان فقط "للاستقبال والاستجواب والفحص الأولي".
وفي يوم الاثنين، وصل أفراد من الشرطة العسكرية الإسرائيلية إلى سدي تيمان لاعتقال 9 جنود احتياطيين يعملون كحراس سجن بتهمة ارتكابهم "إساءة خطيرة لمعتقل"، بما في ذلك، كما يُزعم، الاغتصاب والاعتداء الجنسي.
واقتحم العشرات من المتظاهرين اليمينيين، بمن في ذلك أعضاء اليمين المتطرف في ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الكنيست، السجن يوم الاثنين، وفي وقت لاحق، احتشد المزيد من المتظاهرين في بيت ليد، مقر المحاكم العسكرية الإسرائيلية والشرطة العسكرية، حيث كان الجنود التسعة المعتقلون محتجزين.
وكان من بين المتظاهرين في بيت ليد جنود ملثمون، وكان بعضهم يرتدي شعارات تشير إلى أنهم أعضاء في الوحدة التي كانت تحرس المعتقلين في سدي تيمان، واضطر جيش الدفاع الإسرائيلي، إلى إعادة نشر كتيبتين قتاليتين لمجرد حماية بيت ليد من المتظاهرين.
ووفقاً لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإن الشرطة، التي يشرف عليها وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن جفير، لم تفعل الكثير لوقف المتظاهرين.
والواقع أن بن جفير بدا وكأنه يحرض الغوغاء عندما وصف اعتقال الجنود بأنه "ليس أقل من مخز" وأصر على أن "الجنود بحاجة إلى دعمنا الكامل"، ولكن بن جفير أوضح بالفعل أنه لا يهتم بحقوق المعتقلين بل ويشجع حتى إساءة معاملتهم.
في الثاني من يوليو، كتب على موقع "إكس" رداً على التقارير التي تتحدث عن الاكتظاظ والانتهاكات في السجون: "إن أحد الأهداف العليا التي حددتها لنفسي هو تفاقم ظروف الإرهابيين في السجون، وتقليص حقوقهم إلى الحد الأدنى المطلوب بموجب القانون.. كل ما نُشر عن الظروف البغيضة التي يعيش فيها هؤلاء القتلة الأشرار في السجن كان حقيقياً".
وبهذه التصريحات القاسية، يُظهِر بن جفير وأمثاله من اليمين المتطرف أنهم على استعداد تام للتضحية بالمكانة الأخلاقية لإسرائيل، إنهم، كما وصفهم المتحدث السابق باسم جيش الدفاع الإسرائيلي، "مدمني إشعال الحرائق".
وأضاف، أن هؤلاء الإسرائيليين يذكروننا بالأميركيين اليمينيين الذين احتفلوا بالملازم ويليام إل. كالي الابن، الجندي الأميركي الوحيد الذي أدين فيما يتصل بمذبحة ماي لاي عام 1968، عندما قتلت القوات الأميركية ما لا يقل عن 347 رجلاً وامرأة وطفلاً في قرية صغيرة في فيتنام الجنوبية.
في الواقع، ألحق كالي وغيره من مجرمي الحرب أضراراً لا يمكن حسابها بالبلد الذي خدموه، فقد أدى سوء سلوكهم إلى تقويض الدعم لجهود الحرب، وتشويه سمعة القوات المسلحة، وإلحاق الضرر بالمعنويات والانضباط العسكريين، وكان الأمر نفسه صحيحاً بالنسبة لأولئك الأميركيين الذين أدينوا بعد عقود من الزمان بإساءة معاملة المعتقلين في الحرب ضد الإرهاب.
كما قال السيناتور جون ماكين (جمهوري من ولاية أريزونا)، الذي كان يعرف شيئاً أو اثنين عن التعذيب، في عام 2011: "من الصعب المبالغة في تقدير الضرر الذي يلحقه أي ممارسة للتعذيب أو المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة من قِبَل الأميركيين بشخصيتنا الوطنية وسمعتنا التاريخية.. بموقفنا كأمة استثنائية بين بلدان العالم".
مضيفا، أن المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة التي يتعرض لها المعتقلون الفلسطينيون والتي يزعم أن حراسا إسرائيليين يمارسونها اليوم تلحق ضرراً بالغاً بمكانة إسرائيل في العالم وتماسكها الداخلي في أسوأ وقت ممكن: في حين تغرق في صراع يبدو أنه لا نهاية له ويتوسع بسرعة.