«انكمش بنسبة 86%».. البنك الدولي: الحرب دفعت اقتصاد غزة إلى حافة الانهيار
«انكمش بنسبة 86%».. البنك الدولي: الحرب دفعت اقتصاد غزة إلى حافة الانهيار
مع اقتراب مرور عام على الصراع في الشرق الأوسط، تقترب الأراضي الفلسطينية من السقوط الاقتصادي الحر، وسط أزمة إنسانية غير مسبوقة في قطاع غزة.
ووفقا للموقع الرسمي للأمم المتحدة، كشفت البيانات الرسمية عن انخفاض بنسبة 35% في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الربع الأول من عام 2024 للأراضي الفلسطينية بشكل عام، مما يمثل أكبر انكماش اقتصادي لها على الإطلاق.
وأفاد البنك الدولي، بأن الصراع دفع اقتصاد غزة إلى حافة الانهيار التام، مع انكماش مذهل بنسبة 86% في الربع الأول من عام 2024، أدى التوقف شبه الكامل للنشاط الاقتصادي إلى ترك القطاع في ركود عميق، حيث انخفضت حصته من الاقتصاد الفلسطيني من 17% -في المتوسط في السنوات السابقة- إلى أقل من 5% حاليًا.
وبالتوازي، انكمش اقتصاد الضفة الغربية بنسبة 25% في الربع الأول من عام 2024، حيث شهدت قطاعات التجارة والخدمات والبناء والتصنيع أكبر انخفاضات.
انعدام الأمن الغذائي
وكان التأثير على الناس كارثيًا، فقد توفي ما يقدر بنحو 40 ألف شخص وأصيب 30 ألفًا بجروح خطيرة، وقد منعت الأعمال العدائية والإغلاقات المستمرة دخول الإمدادات الأساسية إلى القطاع، مما أدى إلى انعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع ونقص حاد في المياه والوقود والمعدات الطبية، إلى جانب انهيار تقديم الخدمات.
ويتفاقم الوضع الإنساني بسبب نزوح ما يقرب من 1.9 مليون شخص، مع امتلاء الملاجئ وعدم كفاية خدمات الصرف الصحي.
وتتزايد التقارير عن الظروف الشبيهة بالمجاعة وسوء التغذية والأمراض، في حين تستمر الحواجز الرئيسية في الحد بشدة من الوصول إلى المساعدات الإنسانية، مما يعوق الجهود الرامية إلى معالجة الأزمة.
ويتوقع أن تصل فجوة التمويل لدى السلطة الفلسطينية إلى 1.86 مليار دولار أمريكي في عام 2024، وهو ما يزيد على ضعف فجوة عام 2023، مما قد يفرض مخاطر مرتفعة لفشل النظام، وخاصة التأثير على تقديم الخدمات العامة.
ومن المثير للقلق أن الفجوة لا تزال تُملأ في الغالب بالاقتراض من البنوك المحلية والمتأخرات للقطاع الخاص والموظفين العموميين وصندوق التقاعد.
ارتفاع مساهمات المانحين
وعلى الجانب الإيجابي، هناك ارتفاع متوقع في مساهمات المانحين، في الفترة ما بين يوليو وأغسطس 2024، أعلن كل من البنك الدولي والمفوضية الأوروبية رسميًا عن نيتهما زيادة مخصصات المنح للسلطة الفلسطينية في الأمد القريب، كجزء من خطة إصلاح شاملة.
وفي مواجهة الركود الاقتصادي في غزة والطلب الضعيف في الضفة الغربية، وصلت البطالة إلى مستويات قياسية مرتفعة في كل من الضفة الغربية وغزة، وقد أظهر القطاع الخاص في الضفة الغربية قدرته على الصمود من خلال تفضيل نقص العمالة على تسريح العمال.
وبسبب فقدان الوظائف وتقصير ساعات العمل، شهد 87.2٪ من العمال في الضفة الغربية انكماش دخول أسرهم منذ بداية الصراع، وتشير الدراسات الاستقصائية الأخيرة التي أجراها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ومنظمة العمل الدولية إلى أن ما يقرب من ثلثي الشركات في الضفة الغربية أفادت ببعض أشكال التخفيض في قوتها العاملة.
أسر بدون مصدر دخل
وأدى توقف معظم العمليات التجارية في غزة إلى ترك معظم الأسر بدون أي مصدر للدخل، في حين ارتفعت تكلفة السلع الأساسية بنحو 250٪، وقد أدى تدمير أو إتلاف معظم الشركات، إلى جانب نزوح كل من المالكين والعمال، إلى ترك معظم الأسر بدون أي مصدر للدخل، والأنشطة الاقتصادية الباقية هي في الغالب غير رسمية، حيث يتم بيع السلع الأساسية في السوق السوداء بأسعار باهظة.
وإلى جانب ارتفاع تكاليف النقل وسياسات الاستيراد التقييدية، أدت هذه العوامل إلى زيادة بنسبة 250% في أسعار السلع الأساسية في غزة في أغسطس 2024 مقارنة بأغسطس 2023.
وتضرر اقتصاد الأغذية الزراعية بشدة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، كما أعاق الضرر الذي لحق بالبنية التحتية الزراعية، بما في ذلك الآبار والألواح الشمسية، والأنشطة الزراعية وزيادة تكاليف الإنتاج.
ويكشف تحليل الاستشعار عن بعد الأخير الذي أجراه مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية (يونوسات) أن 63% من الأراضي الزراعية الدائمة في غزة شهدت انخفاضًا في صحة المحاصيل وكثافتها (بزيادة قدرها 9% منذ مايو 2024).
وتتأثر محافظات خان يونس ومدينة غزة وشمال غزة بشكل خاص، حيث تضرر ما يقرب من 70% من أراضيها الزراعية، ونتيجة لذلك، ارتفعت مستويات انعدام الأمن الغذائي في غزة، مما دفع ما يقرب من مليوني شخص إلى حافة المجاعة على نطاق واسع.
ظروف تشبه المجاعة
ويشير أحدث تحليل للتصنيف المرحلي المتكامل إلى أن 15% من السكان (350 ألف فرد) يعانون من ظروف تشبه المجاعة، مع نقص شبه كامل في الغذاء، بالإضافة إلى ذلك، يعيش ثلث السكان في حالة طوارئ، ويعانون من نقص حاد في الغذاء وارتفاع معدلات الوفيات.
وتزداد هذه الظروف حدة بشكل خاص في المناطق الشمالية، ومدينة غزة، ومحافظات دير البلح وخان يونس ورفح، حيث من المتوقع أن يستمر خطر المجاعة حتى سبتمبر 2024.
ويعاني ما يقرب من 90% من الأطفال دون سن الثانية، إلى جانب 95% من النساء الحوامل والمرضعات في غزة، من فقر غذائي شديد، حيث يستهلكون مجموعتين أو أقل من مجموعات الطعام، وتحد حوالي 95% من الأسر من الوجبات وحجم الحصص، حيث تتناول أسرتان من كل ثلاث أسر وجبة واحدة في اليوم.
وانهار نظام التعليم في غزة، حيث أصبح جميع الأطفال في سن الدراسة في غزة، والذين يبلغ عددهم 625 ألف طفل، خارج المدرسة منذ 7 أكتوبر 2023، وتشير التقديرات الأولية إلى أن ما يقرب من 95% من مرافق التعليم الأساسي والثانوي والعالي قد تضررت أو دمرت.
كما تسبب الصراع في تعطيل الخدمات التعليمية في الضفة الغربية بشكل خطير، حيث قلصت المدارس العامة من التعليم الحضوري بسبب القيود المالية والمخاوف الأمنية.
انهيار النظام الصحي
وتعرض النظام الصحي في غزة للخطر بشكل كبير من خلال إلحاق الضرر بالبنية التحتية الصحية، وغير مباشر، من خلال الخسائر المتكبدة نتيجة لانقطاع تقديم الخدمات بسبب فقدان الموظفين ونقص الإمدادات الطبية والأدوية.
وتسبب تدمير البنية التحتية لإمدادات المياه والألواح الشمسية إلى جانب نقص الكهرباء من الشبكة والوقود للمولدات الاحتياطية والمدخلات الأساسية في توقف 80% من مراكز الرعاية الأولية عن العمل.
ونتيجة لانهيار النظام الصحي، تم مؤخرًا إنشاء ثلاثة مستشفيات ميدانية، حيث إن 17 مستشفى فقط من أصل 36 مستشفى لديها القدرة على استقبال المرضى الداخليين تعمل جزئيًا، وهو ما يمثل 53% من إجمالي سعة أسرة المرضى الداخليين ووحدات العناية المركزة وأسرّة الأمومة قبل الأزمة.
ويتوفر حاليًا حوالي 1500 سرير في المستشفيات في جميع أنحاء قطاع غزة، بانخفاض عن 3500 سرير كانت متاحة قبل الصراع، ويقدر متوسط إشغال الأسرة بنحو 300%.
الفقر يقترب من 100% للسكان
تماشيًا مع هذه النتائج، يعيش ما يقرب من 100% من سكان غزة في فقر، في حين تعاني الأسر في الضفة الغربية أيضًا من خسائر كبيرة في الرعاية الاجتماعية.
ويؤثر ذلك على رفاهة الناس وصحتهم العقلية، ومن المتوقع أن تستمر التأثيرات في المستقبل، وتشير التقديرات إلى أن الانكماش الاقتصادي الكبير في الضفة الغربية منذ نهاية عام 2023 قد ترجم إلى أكثر من ضعف معدل الفقر قصير الأمد المحسوب اعتبارًا من منتصف عام 2024 من 12% إلى 28%.
ويظهر القطاع المالي الفلسطيني، علامات متزايدة من التوتر، فقد أدى الصراع إلى تكثيف التحديات القائمة وإدخال تحديات جديدة مثل النقص الحاد في السيولة النقدية في غزة، ويساهم الانكماش الاقتصادي المستمر، والصراعات المالية التي تواجهها السلطة الفلسطينية، والتقلبات المتزايدة في المدفوعات عبر الحدود، في زيادة الضغوط.
وعلى وجه الخصوص، يؤثر النقص الحاد في السيولة النقدية في غزة على قدرة سكان غزة على الوصول إلى المساعدات الإنسانية والودائع من خلال أجهزة الصراف الآلي والتحويلات المالية من خلال مشغلي تحويل الأموال، ويؤكد هذا الوضع الهش الحاجة الملحة إلى اتخاذ تدابير لحماية سلامة القطاع ودعم تعافيه.
ويظل الحفاظ على علاقات المراسلة المصرفية بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية أمراً بالغ الأهمية لمنع التداعيات الاقتصادية الشاملة، وتعتبر علاقات المراسلة المصرفية ضرورية للاقتصاد الفلسطيني لإجراء المعاملات المالية مع إسرائيل والمجتمع الدولي.
وقد أبرزت القضايا الأخيرة المتعلقة بتجديد "خطابات الضمان" المخاطر التي يتعرض لها النظام المصرفي الفلسطيني من جراء الانفصال المحتمل عن البنوك الإسرائيلية، ولم يتم تخفيف المخاطر إلا مؤقتًا من خلال تجديد مدته أربعة أشهر منحته حكومة إسرائيل.
تعطل الخدمات المصرفية
ومن المرجح أن يؤدي قطع العلاقات مع البنوك المركزية إلى حدوث تعطل سريع في الخدمات المصرفية الرئيسية وأن يكون له آثار سلبية عميقة على القطاع الحقيقي الفلسطيني، خاصة وأن الاقتصاد الفلسطيني يستخدم الشيكل الإسرائيلي كعملة فعلية أساسية، ومن المهم أن يؤدي مثل هذا القطع أيضًا إلى زيادة الأنشطة المالية غير الرسمية أو غير المنظمة، مما يعقد التنظيم والإشراف المالي.
وكما أكد البنك الدولي في التحديثات الاقتصادية السابقة، هناك العديد من الإجراءات الرئيسية التي يجب اتخاذها للتخفيف من حدة الركود الاقتصادي الشديد بالفعل، وارتفاع معدلات الفقر، وتفاقم الأزمة الإنسانية، وأهمها وقف الأعمال العدائية، وهو أمر ضروري للتخفيف من الخسائر البشرية المدمرة، والبدء في استعادة الخدمات الأساسية وتحفيز التعافي الاجتماعي والاقتصادي، وثانياً، من الضروري عكس القرارات الأحادية الأخيرة بشأن الاستقطاعات من عائدات المقاصة لضمان حصول السلطة الفلسطينية على الوسائل اللازمة لتغطية الالتزامات المالية الحيوية، بما في ذلك الرواتب والمعاشات التقاعدية والخدمات الاجتماعية.
وفي الوقت نفسه، هناك حاجة ملحة إلى قيام المجتمع الدولي بزيادة التمويل بسرعة، والحفاظ على الخدمات العامة الأساسية والبدء في التخطيط للتعافي وإعادة الإعمار على المدى الطويل.
وينصح البنك الدولي بأن تظل الحكومة الفلسطينية الجديدة ثابتة في تنفيذ أجندتها الإصلاحية بشكل مقنع، مع التركيز بشكل خاص على الحوكمة والاستدامة المالية.