ميا موتلي.. «أيقونة عالمية» عاشت لدعم الفقراء وحققت أهدافاً في قضية المناخ
بالتزامن مع يوم ميلادها
رغم أنها لا تقود دولة عظمى أو تشغل منصبا دوليا، فإن رئيسة وزراء باربادوس، ميا موتلي، نجحت بجدارة في حجز مقعدها بالصفوف الأولى للمدافعين عن حقوق الفقراء والفاعلين الدوليين في مكافحة التغيرات المناخية بالعالم.
ولدت ميا موتلي، في 1 أكتوبر 1965، وهي سياسية ومحامية ومعارضة تقود حزب العمال الباربادوسي، وتولت رئاسة وزراء دولة جزيرة باربادوس، وهي ثامن رئيس وزراء وأول امرأة تشغل هذا المنصب.
نشأت ميا في منطقة البحر الكاريبي، اهتمت بشدة بالقضايا الهامة التي تؤثر على العالم، والتي يأتي أبرزها الفقر والديون وتغير المناخ والمهمشون، كما تعد من أبرز المدافعات عن حقوق الإنسان.
حصلت على شهادة في القانون من جامعة لندن، ودرست في كلية لندن للاقتصاد، وبدأت حياتها السياسية في عام 1991، حيث تم تعيينها وزيرة للتعليم وشؤون الشباب والثقافة بين عامي 1994 و2001 وفي عام 1996 تم انتخابها أمينًا عامًا لحزب العمال في باربادوس.
التعليم والشباب ضمن أولوياتها
وأولت موتلي اهتماما لافتا بقضايا التعليم ودعم الشباب والقضايا الاجتماعية كارتفاع معدلات العنف والسرقة وتدني جودة التعليم، ملفات حيوية في فترة وزارتها الأولى، وهو ما حشد لها دعماً شعبياً دفع بها نحو تولي مناصب أعلى، منها منصب النائب العام ووزيرة الداخلية في عام 2001، لتعد أول امرأة تشغل هذا المنصب في باربادوس.
شغلت مناصب رئيسة مجلس النواب وكانت عضواً في مجلس الأمن القومي ومجلس دفاع باربادوس ومجلس الملكة الخاص، وكان لها دور رائد في تحسين قطاع التعليم، وتعزيز إسهامات الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة للجزيرة الصغيرة.
وتولت موتلي رئاسة الوزراء في بلدها عام 2018، لتضيف عددًا من الإنجازات الأولى إلى اسمها أيضًا، فهي أول امرأة تخدم منذ أصبحت بربادوس جمهورية في عام 2021، كما كانت أول باربادوسية تظهر على غلاف مجلة "تايم" الأمريكية، ضمن قائمة أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم لعام 2022، إلى جانب الرؤساء جو بايدن وفلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي.
شجاعة وذكاء عظيم
ونشرت مجلة "تايم" مقالا عن موتلي قالت فيه: "هناك البعض ممن يقفون شامخين ومتميزين بغض النظر عن المكان الذي ينتمون إليه، سواء أكانوا دولة كبيرة ذات كثافة سكانية عالية أم دولة جزرية صغيرة، ومن بين هؤلاء الأشخاص رئيسة وزراء بربادوس ميا موتلي، التي تتمتع بالشجاعة وتمتلك ذكاءً عظيما".
وفي مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP26) في جلاسكو عام 2021، انتقدت ميا موتلي زعماء العالم لعدم بذلهم جهدًا أكبر للحد من التأثيرات الكارثية المحتملة لتغير المناخ، وطلبت منهم بذل المزيد من الجهد.
وانضمت موتلي إلى الجلسة الرئاسية، في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ بشرم الشيخ عام 2022، حيث ألقت خطابها بصوت عميق ونبرات حادة، لم تخل من انتقادات حادة للسياسات العالمية في التعامل مع الفقراء والدول النامية.
ويندهش المستمعون لخطابات موتلي من قوة هذه السيدة التي يلتف حولها كثير من نشطاء قضية المناخ في العالم، رغم أنها تقود الدولة التي تعد جزيرة صغيرة واقعة بأقصى شرق البحر الكاريبي، ولا يقطنها أكثر من 300 ألف مواطن.
ورثت جينات القوة والإقناع
وقالت موتلي في أكثر من مقابلة صحفية إنها استمدت جينات القوة والقدرة الفائقة على التفاوض العنيد من جدها إرنست (1907 - 1973) الذي كان سمساراً ناجحاً للعقارات، واستطاع أن يوظف قدراته التفاوضية الهائلة ليقتحم عالم السياسة في منتصف القرن الماضي.
لكن ميا موتلي فاقت توقعات جدها واستطاعت أن تكتب تاريخاً كبيراً لبلدها الصغير باربادوس، وتقود الجزيرة العائمة بين عالمين متباينين (القارة الأميركية في الشمال، ونظيرتها الجنوبية) إلى المنصات والطاولات والجلسات العالمية للدفاع عن الفقراء والمهمشين.
ودفعت إسهامات موتلي في تحسين الأوضاع الاقتصادية إلى أن احتلت بلادها المرتبة الـ51 من بين أغنى بلدان العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي للفرد، إلى جانب أن باربادوس باتت تمتلك اقتصاداً مختلطاً متطوّراً ومستوى معيشة عالياً نسبياً، حيث تأتي في المرتبة الـ66 من بين الاقتصادات الأعلى دخلاً في العالم، وفقاً لبيانات البنك الدولي.
جائزة أبطال الأرض
أصبحت ميا موتلي أيقونة عالمية، وذلك لنجاحها في قيادة تحول تاريخي في بلادها الصغيرة لتصبح بين أكثر المؤثرين عالمياً في قضية باتت تشغل الاهتمام الدولي في العقود الأخيرة، وهي قضية تغير المناخ.
جاء اهتمام موتلي بتلك القضية بسبب تهديد بلادها من تداعيات الظواهر المتطرفة لتغير المناخ، إذ تتعرض دولة باربادوس لأسوأ آثار العواصف الاستوائية والأعاصير خلال موسم الأمطار، نظرا لأن موقعها في أقصى شرق البحر الكاريبي، ما يضعها داخل بؤرة الأعاصير الرئيسية.
وقالت ميا موتلي في خطاب تاريخي أمام قمة جلاسكو للمناخ، إن ارتفاع درجات الحرارة يشكل "عقوبة إعدام مخيفة للدول الجزرية من أنتيغوا وباربادوس إلى فيجي وجزر المالديف"، ما جعل الخطاب يتصدر عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم، لتحصل موتلي في العام نفسه جائزة "أبطال الأرض" في فئة السياسات والقيادة هذا العام، وهي أعلى تكريم بيئي تمنحه الأمم المتحدة لمن يكون لأعمالهم تأثير جوهري على البيئة.
وورد في حيثيات منح الجائزة الأممية البارزة، أن "موتلي أمضت سنوات في شن حملات ضد التلوث وتغير المناخ وإزالة الغابات؛ ما جعل بربادوس رائدة في الحركة البيئية العالمية".
وأطلقت موتلي عدة مبادرات بيئية دولية واعدة لتتحول على إثرها من قائدة لدولة جزرية صغيرة إلى قوة عالمية معنية بتغير المناخ، كما تم الدفع باسمها في الترشيحات لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة في عام 2026، كأول امرأة يمكن أن تتولى منصب الأمين العام خلفا لأنطونيو غوتيريش.
وتدافع ميا موتلي في جميع خطاباتها عن الدول الأكثر فقراً، التي تتحمل العبء المادي والمالي لأزمة المناخ، رغم إسهاماتها بأقل قدر من الانبعاثات، إذ تستشهد عادة ببلادها باربادوس المسؤولة عن أقل من 0.01% من الانبعاثات الكربونية العالمية.
وبسبب نشاطها بحملات مكثفة من أجل العمل المناخي واستدامة الديون في البلدان متوسطة الدخل والدول الصغيرة، شغلت موتلي منصب الرئيس المشارك للجنة التنمية التابعة للبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي خلال عامي 2020 و2021، كما شغلت أيضا منصب الرئيس المشارك لمجموعة القادة العالميين التابعة لمنظمة الصحة العالمية بشأن مقاومة مضادات الميكروبات.
ولا تزال العبارة التي قالتها موتلي في أحد خطاباتها العاطفية هي الأقرب لإنسانيتها وفلسفتها في الحياة، إذ قالت في مؤتمر المناخ بجلاسكو: "هل سنغادر العالم حقا دون الالتزام بالطموح الذي نحتاج إليه بشدة لإنقاذ الأرواح وإنقاذ كوكبنا؟ أم أننا أصبحنا عميانا ومتصلبين إلى الحد الذي لم يعد بوسعنا معه أن نستوعب صرخات البشرية".