تشديد الإجراءات.. ماذا ينتظر مهاجري فرنسا مع حكومة اليمين؟
تشديد الإجراءات.. ماذا ينتظر مهاجري فرنسا مع حكومة اليمين؟
بمزيد من القيود والتشدد، تدفع حكومة اليمين المتطرف في فرنسا، ملف الهجرة والمهاجرين إلى الصدارة مجددا، ما ينذر مهاجري فرنسا، والذين تصل تقديرات عددهم إلى 7 ملايين شخص، بشتاء شديد البرودة.
وقدر عدد المهاجرين الذين كانوا يعيشون في فرنسا في 2021 بسبعة ملايين أو 10.3 بالمئة من السكان بحسب دراسة ديموغرافية أجراها المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية.
وأفادت الدراسة بأن "10.3 في المئة من السكان الذين يعيشون في فرنسا في 2021 من المهاجرين، بمعنى شخص أجنبي مولود في الخارج، مقابل 6.5 في المئة في عام 1968".
أما بخصوص طالبي اللجوء، ففي عام 2023 منح المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين، الحماية الدولية لـ31.400 شخص، مقارنة بـ27.100 في العام السابق، و24 ألفاً في عام 2021.
وبشأن المهاجرين غير الشرعيين، صرح بيير موسكوفيتشي، رئيس ديوان المحاسبة الفرنسي في أبريل الماضي، بأن 439 ألف شخص يعيشون في وضع غير قانوني بفرنسا.
وتنامى عدد طالبي اللجوء بصورة لافتة في فرنسا بين عامي 2013 و2022، من 66 ألف متقدم إلى أكثر من 130 ألفاً سنويا، بحسب التقديرات الإعلامية.
مواجهات ساخنة
ومؤخرا، تعهد رئيس الوزراء الفرنسي والمفوض الأوروبي والوزير اليميني السابق ميشيل بارنييه، باتخاذ موقف متشدد تجاه الهجرة، داعيًا إلى "تحكم أفضل" في عدد الأشخاص القادمين إلى فرنسا.
واقترح بارنييه، في خطابه بالجمعية الوطنية بباريس في 3 أكتوبر الجاري "تسهيل احتجاز الأجانب المقيمين بشكل غير قانوني في البلاد، في انتظار تنفيذ أوامر الترحيل"، مؤكدا أن فرنسا ستواصل تطبيق الضوابط على حدودها الوطنية في المنطقة الخالية من جوازات السفر في أوروبا طالما كان ذلك ضروريًا.
كما اقترح بارنييه أن يكون عدد التأشيرات الممنوحة مشروطًا بقدرة الدول الأخرى على توفير الوثائق القنصلية لمواطنيها الذين يتم ترحيلهم من فرنسا بعد وصولهم بشكل غير قانوني.
وأوضح بارنييه كذلك أنه من الضروري إخراج قضية الهجرة من المأزق الأيديولوجي الذي وضعتها فيه أطراف عدة، مؤكداً أن هذا الموضوع يجب أن يُعالج بجدية وإنسانية، بدلاً من استخدامه كأداة للجدل.
وشدد رئيس الحكومة الجديد على أهمية الميثاق الأوروبي الأخير حول الهجرة الذي يركز على تحسين "الرقابة على التدفقات الحدودية"، داعياً إلى تنفيذ هذا الميثاق بلا تأخير، ومواجهة المهربين والمتاجرين الذين يستغلون الفقر واليأس على حساب آلاف المهاجرين.
وفي أول مقابلة تلفزيونية عقب توليه منصبه في يوليو الماضي، قال ميشيل بارنييه إن محاربة الهجرة غير الشرعية على رأس قائمة أولوياته، مخاطبا المذيع: "لديك انطباع بأن الحدود يسهل اختراقها مثل الغربال، وأن تدفقات الهجرة ليست تحت السيطرة. سنقوم بتغيير ذلك".
وعن المساعدات الطبية الحكومية وهو نظام يوفر خدمات مجانية للمهاجرين غير الشرعيين، أشار بارنييه إلى إمكان "إدارة هذا النظام على نحو أفضل"، مؤكدا أن معالجة هذه المسألة تتطلب رؤية أوسع لضمان تقديم الرعاية الصحية اللازمة بصورة فاعلة.
إجراءات محتملة
وعلى صعيد موازٍ، قال وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو، في مقابلة مع قناة LCI، إنه يجب أن يكون هناك استفتاء حول مسألة الهجرة، معرباً عن "أسفه لأن الدستور الفرنسي لا يسمح بذلك. ولا يمكن لفرنسا حاليًا إجراء استفتاء حول الهجرة، لأن المسألة لا تدخل في نطاق الموضوعات التي يمكن إجراء مثل هذا التصويت عليها".
وفي 3 أكتوبر الجاري، أبلغ وزير الداخلية، محافظ جزيرة مايوت الفرنسية، وهي أرخبيل في المحيط الهندي واقعة بين مدغشقر وموزمبيق، بضرورة تنظيم رحلات جماعية لإعادة عدد كبير من حاملي جنسية الكونغو الديمقراطية إلى بلادهم ابتداء من هذا الشهر، وذلك في محاولة لتخفيف الضغط على مراكز الاعتقال الإداري التي تؤوي المهاجرين غير الشرعيين الخارجين عن القانون.
وأعلن وزير الداخلية أمام البرلمانيين أنه أرسل دوريتين جديدتين من الدرك للعمل على استتباب الأمن في هذه الجزيرة التي لا يتسع مركز الاعتقال الإداري فيها لأكثر من 136 شخصا، في حين سجل خلال في عام 2023 أكبر عدد من حالات الاعتقال الإداري بواقع 28 ألف حالة.
ومنذ عام 2010 دخل مئات المهاجرين غير الشرعيين الأفارقة إلى جزيرة مايوت عبر رحلات قوارب متهالكة، قادمين من سواحل إفريقيا الشرقية ودول مدغشقر وجزر القمر المحاذيتين، وقدّرت وزارة الداخلية الفرنسية أن نصف سكان أرخبيل مايوت لا يحملون الجنسية الفرنسية.
وفي 5 أكتوبر الجاري دعت 17 دولة أوروبية، بما في ذلك أكبر ثلاثة اقتصادات في الاتحاد الأوروبي، المفوضية الأوروبية إلى تسريع عودة المهاجرين إلى بلادهم، في وقت تتحول فيه القارة العجوز إلى المزاج اليميني المتطرف، وذلك من خلال قواعد جديدة تجعل سياسات العودة أكثر صرامة.
وجاء في الرسالة الموجهة إلى المفوضية الأوروبية أن المهاجرين الذين لا يحق لهم البقاء في الاتحاد الأوروبي "يجب محاسبتهم"، إلى جانب إقرار قانون جديد ينص صراحة على أنه يمكن للحكومة احتجاز مهاجر غير نظامي يشكل خطرًا على الأمن القومي، وهو خيار تمت مناقشته منذ عام 2018 ولكن لم يتم اعتماده بعد.
أزمات معقدة
بدورها قالت الخبيرة في العلاقات الأوروبية والدولية المقيمة في فرنسا، جيهان جادو: "بالطبع معروف عن حكومة اليمين في فرنسا أنها تميل إلى التشدد نسبيا في اتخاذ القرارات، لكن هناك عوامل ومؤثرات سوف تجعل من هذه الحكومة الجديدة بفرنسا تتخذ إجراءات تتسم بالسهل الممتنع أي سيكون هناك تسوية لأوضاع المهاجرين غير الشرعيين لكن بوضع شروط وقيود مشددة".
وتوقعت جادو في تصريح لـ"جسور بوست"، بأن أوضاع المهاجرين إلى فرنسا ستكون صعبة بعض الشيء خلال الفترة المقبلة"، مشيرة إلى ضرورة التفرقة بين المهاجرين غير الشرعيين والمهاجرين النظاميين وهم الذين دخلوا فرنسا بطرق مشروعة، ولكن ليس لديهم إقامات أو أوراق ثبوتية، وهو ما تقوم الحكومة الفرنسية الحالية به، حيث تعمل على دراسة أوضاعهم وفق آليات جديدة ومشروطة وأكثر تعقيدا لمنحهم الإقامات والتصريحات اللازمة سواء تجديد إقامتهم أو منحهم إقامات لأول مرة".
وأضافت: "بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين، فإن أوضاعهم باتت في غاية الصعوبة، لأنهم ليسوا على قوة الدولة الفرنسية وغير معترف بهم من الأساس، لذلك سوف تمتنع فرنسا عن تقديم مساعدات لهم سواء اجتماعية أو طبية كما صرح بذلك رئيس الوزراء الجديد".
ودللت جادو على سلامة رأيها بالاستشهاد بتوعد وزير الداخلية الفرنسي بملاحقة المهاجرين غير النظاميين وترحيلهم لأن فرنسا تمر بأزمة اقتصادية غاية في الدقة، ولذلك سوف تقر الدولة الفرنسية بتشديد تقديم المساعدات على الجميع وليس فقط على المهاجرين غير الشرعيين".
وتابعت: "بشكل رئيسي يقف مستقبل ملف الهجرة والمهاجرين في فرنسا على إصلاح الوضع الاقتصادي في البلد الأوروبي، لأن فرنسا أصبحت تعاني من وجود أزمات معقدة في أوضاع المهاجرين، وبالتالي لا بد من مشروع قانون يتم من خلاله دراسة أوضاع المهاجرين وتسوية مواقفهم على وجه السرعة، حتى يتسنى لفرنسا حل مشكلة الهجرة غير الشرعية، إلى جانب إقرار قانون يسمح لفرنسا بالاستفادة الحقيقية من المهاجر وإدماجه في المجتمع بشكل عملي وليس معاملته على أنه مواطن درجة ثانية بسبب أصوله المختلفة".
مناورة سياسية
من جانبه رجح الباحث الفرنسي والخبير المتخصص في الشؤون الدولية، بيير لويس ريمون، أن الضجة التي ترافق ملف الهجرة والمهاجرين في فرنسا، ستظل في إطارها الإعلامي طالما لم تنل موافقة عريضة من الشعب الفرنسي، لا سيما وأن المقترح الذي صدر من جانب وزير الداخلية الفرنسي بإلغاء المساعدات الطبية والاجتماعية المقدمة للمهاجرين، يمكن أن يواجه اعتراضات ورفضا من جانب وزير الصحة بالحكومة الفرنسية ذاتها.
وقال ريمون في تصريح لـ"جسور بوست" إن فرنسا تواجه أزمة حقيقية مع تزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين، لكنها سوف تجنح للحلول التوافقية أكثر من التصادمية.
وأضاف: "يعتقد أنه حال عرض أي موضوع بشأن الهجرة، فإنه يجب أن ينال موافقة عريضة من جميع أطياف المجتمع الفرنسي الممثلة في أحزاب البرلمان، بخلاف ما يمكن تطبيقه بشأن مراقبة الحدود لمنع تدفق المهاجرين الجديد".
ويرى الباحث الفرنسي، أن "موضوع الهجرة غير القانونية عادة ما تستخدمه الحكومات الفرنسية مناورة سياسية لتحقيق مكاسب، ولكن على الجانب المقابل يجب أن يتم تفعيل أطر التنمية المشتركة بين الدول الأوروبية ونظيرتها الإفريقية لإعطاء فرص عمل للشباب للعمل ببلادهم الأصلية".
واختتم حديثه: “يقف مستقبل ملف الهجرة في فرنسا على مخرجات التشاور البرلماني، لا سيما وأن احتواء الأوضاع القائمة يستوجب إقرار سياسة أوروبية شاملة وموحدة تتسم بالفعالية والإنسانية لحل عقبات ملف الهجرة بشكل حقيقي وواقعي”.