«ناقوس خطر».. دعوات حقوقية للقضاء على «التحرش في المدارس» بالمغرب

«ناقوس خطر».. دعوات حقوقية للقضاء على «التحرش في المدارس» بالمغرب
طلاب في مدرسة بالمغرب

المغرب- سامي جولال

دقت منظمات حقوقية مغربية ناقوس الخطر بشأن ما وصفته بـ"الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الأطفال في المدارس"، بعد أن كشف تقرير صادر عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي عن نسب مقلقة لظاهرة التحرش الجنسي داخل المؤسسات التعليمية. 

واعتبرت المنظمات الحقوقية أن هذه الأرقام تمثل “انتهاكًا صارخًا لحقوق الطفل وحريته في التمتع ببيئة تعليمية آمنة”، بعيدًا عن كل أشكال العنف والإيذاء، بما في ذلك العنف الجنسي الذي يؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية والجسدية للتلاميذ.

وأكد نشطاء حقوقيون، أن هذه الممارسات تشكل “تحديًا كبيرًا للتشريعات والقيم المجتمعية المغربية”، مشددين على أن حماية الأطفال وضمان حقوقهم في بيئة تعليمية خالية من الخوف يجب أن تكون على رأس الأولويات الوطنية، كما طالبوا الحكومة بضرورة التصدي لهذه الظاهرة من خلال تبني سياسات تعليمية وتربوية صارمة، وتشديد القوانين التي تجرم التحرش الجنسي داخل المؤسسات التعليمية.

التحرش يهدد الطفولة

كشف التقرير عن تعرض نسبة كبيرة من تلاميذ المرحلة الابتدائية للتحرش الجنسي، حيث أفاد 30.3% من التلميذات و37.9% من التلاميذ بأنهم كانوا ضحايا لهذه الممارسات.

وأشار إلى أن الفتيات في المرحلتين الثانوية التأهيلية والإعدادية يعانين بشكل أكبر من التحرش والعنف الجنسي، وأن 14.6% من الفتيات في الثانوي التأهيلي و10.4% في الثانوي الإعدادي يتعرضن لعلاقات جنسية قسرية، وهو ما يؤكد الحاجة الملحة لتدخل عاجل لحماية هذه الفئة الضعيفة في المجتمع المدرسي.

وأوضح التقرير أن معظم حالات التحرش الجنسي يرتكبها زملاء التلاميذ، إلا أن نسبة مقلقة أظهرت تورط بعض المعلمين في هذه الممارسات، حيث شهد 5.1% من تلاميذ الابتدائي و18.7% من تلاميذ الثانوي حالات تحرش جنسي قام بها معلمون، وهذا الانتهاك يضرب في عمق الثقة المفترضة بين التلاميذ ومدرسيهم، ما يزيد من تفاقم الأزمة.

وبحسب التقرير فقد شمل التحرش الجنسي أشكالًا غير مباشرة مثل التعليقات والنكات ذات الطبيعة الجنسية، التي تساهم في خلق بيئة غير آمنة للتلاميذ، ورغم ما قد يبدو من بساطة هذه السلوكيات، فإن آثارها النفسية والاجتماعية عميقة، وتزيد من حدة المشكلة في المؤسسات التعليمية.

أمام هذه الحقائق الصادمة، تطالب عديد المنظمات الحقوقية والحركات النسائية المغربية بضرورة تبني الحكومة إجراءات صارمة لحماية الأطفال والفتيات من هذه الانتهاكات، مشددين على أهمية سن قوانين رادعة “تجرّم التحرش وتوفر حماية قانونية للتلاميذ داخل المدارس”، لضمان توفير بيئة تعليمية آمنة ومحترمة تعزز حقوق الطفل وتصون كرامته.

وضع مؤسف 

وقالت المستشارة في مجلس النواب المغربي ورئيسة جمعية "أيادي حرة" المغربية، ليلى أميلي، إن وجود هذه الأرقام الخاصة بالتحرش في المدارس المغربية، مؤسف جدّاً، في ظل وجود قانون العنف، الذي صدر في المغرب عام 2018، والتطور، الذي عرفته البلاد، مشيرة إلى أن هذه الممارسات لا تمت بصلة، لقيم المغاربة، ولإيمانهم بأن المغرب بلد آمن، وأنهم يجب أن يعيشوا فيه في طمأنينة، وفي ظل أجواء تراعي كرامة وحقوق الإنسان.

أضافت أميلي، في حديث مع "جسور بوست"، أن أسباب هذا التحرش مرتبطة أساساً بالتربية والتعليم، موضحة أن "التربية من الأسرة، ونحن تربينا في ما سبق على القيمٍ والأخلاقٍ القويمة، والآن في ظل قضاء الجميع أوقاتا طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي، وانشغال الآباء، ظهرت هذه المشكلات المجتمعية، لذا لا بد أن تكون هناك مراقبة حازمة للأبناء".

وتابعت أميلي، أنه بالنسبة للتعليم، “فقد كان له دور أساسي، لأن المعلم كان يربي، والأب يربي، والشارع أيضاً يربي، ففي الماضي حتى الرجل كبير السن، الذي يكون في الحي، كان يرشد الأبناء، ويربيهم، ويعلمهم ما الذي يجب أن يقوموا به، وما الذي لا يجب أن يقوموا به، وبالتالي لا بد من الرجوع إلى قيم وأخلاق المغاربة، وإلى المبادئ، التي كانوا عليها، ويجب على الجميع تحمل المسؤولية”.

وأردفت أميلي أنه إذا بقيت هذه الممارسات، فإنها “ستمس قيم المغاربة، والتنمية وتطور البلاد، وحقوق الإنسان، وأن المغرب يعرف تطوراً، إذ هناك مجموعة من الأوراش المفتوحة، ورش القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، إضافة إلى مدونة الأسرة، ويجب أن يكون هناك الزجر، والمتابعة، والمحاسبة، مطالبة بتشديد العقوبات في القانون الجنائي، في كل ما يتعلق بالاعتداء الجنسي، أو الاغتصاب، أو البيدوفيليا، أو غيره”.

الحاجة إلى التربية الجنسية

بينت أميلي أن المسألة، التي كانوا يطالبون بها دائماً، بصفتهم حقوقيات وحقوقيين، هي التربية الجنسية، لأن لديها دورا أساسيا في التأهيل، وتأطير الشباب والشابات، وتجعل الشخص يعرف أن الجسد جسده وله، ولا يمكن لأي كان أن يمسه، سواء كان زميلاً في المدرسة، أو أستاذاً، أو أباً أو خالاً، وبالتالي فإنه يجب أن نفهم معنى التربية الجنسية، التي تعني تربية التلميذ والتلميذة على معرفة حقوقهم، وذواتهم وأجسادهم، وكيف يحترمون أنفسهم والآخر، وأن هناك خطوطاً لا يجب تجاوزها.

وقالت أميلي، إنه إذا كنا نطالب بتدريس حقوق الإنسان في المؤسسات التعليمية، فالتربية الجنسية أيضاً لها دور أساسي في تهذيب التلاميذ، والقضاء على بعض الممارسات المخالفة لأخلاقيات المجتمع المغربي، مردفة أن أي شخص أصبح بإمكانه الدخول إلى التيكتوك، ويفعل ما يريد، وأي شخص يمكنه أن يشاهد ما ينشر، وفي بعض الأحيان نرى مسائل فيها إباحة، تجعل التلاميذ يعتبرون ذلك أمرا طبيعيا.

ظاهرة تهدد استقرار المجتمع

وقالت رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء في المغرب، سميرة موحيا، إن “ما كشفه هذا التقرير يجب أن يكون ناقوس خطر، لتأخذ الحكومة العنف ضد النساء والفتيات بمحمل الجد، وتحاول القضاء عليه بشكل جدي، وتكون جريئة في القوانين، التي تبلورها”.

وأضافت موحيا، في حديث مع "جسور بوست"، أنه “من المؤسف أن كل هذا العدد من الأطفال الصغار يتعرضون للتحرش، وأنه يجب عليها القيام بتدابير وإجراءات سريعة، لتحاول القضاء عليه في المدارس، والثانويات، وحتى في الجامعات، وأنه حتى إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة رسمية) تكشف أن العنف في تزايد مستمر”.

وأردفت موحيا، أن “التحرش الجنسي، رغم أنه مجرم قانونيّاً، فإن عبء إثباته لا يزال على عاتق النساء، وأنه إذا بقي على عاتق النساء، يصعب إثباته أو التبليغ به، لأن المتحرش، أو المعتدي جنسيّاً، يختار دائماً أين سيعتدي أو أين سيتحرش، ويتحرش دائماً وهو بعيد عن الأنظار، مشيرة إلى أن المغاربة يعيشون في بيئة محافظة، وأكثرية العائلات لا تشجع على التبليغ، والمجتمع المغربي يطبع مع التحرش، وبالتالي لا يتم التبليغ عن التحرش أو الاعتداءات الجنسية، بسبب التقاليد والخجل والعار”.

وأكدت موحيا، أن “المغرب في حاجة إلى تدابير حازمة، وإجراءات شجاعة، وقوانين صارمة، لتجريم التحرش، وتكون مبنية على المعايير الدولية الأربعة المعروفة، المتمثلة في الوقاية من العنف والحماية منه، وعدم الإفلات من العقاب، وجبر الضرر، وتعويض الضحية”، وكيف نستطيع مساعدة المرأة الناجية من العنف على التعافي، لتتمكن من الاندماج في المجتمع، سواء كانت امرأة، أو طفلاً، متابعةً أن الأمر يجب أن يؤخذ بجدية، وأن الاستثمار يجب أن يكون في رأس المال البشري، وأن محور الاشتغال يجب أن يكون دائماً حول الإنسان، وتنميته وترقيته وتطويره، وأنه يجب القضاء على هذه الشوائب والممارسات، وحماية نساء ورجال الغد، ويجب أن تنكب الحكومة بشكل جدي على استئصال هذا "الورم" من المجتمع.

وبينت موحيا، أنه “عندما يتعلق الأمر بالاعتداءات الجنسية، أو التحرش في المؤسسات التعليمية، أو حتى في مقرات العمل، وعندما يكون الأستاذ لديه سلطة على التلميذ، أو عندما يكون الرئيس لديه سلطة على المرؤوس، فإننا نكون أمام جريمة استغلال للنفوذ، ويمكن أن تكون جريمة اتجار في البشر، إذا كانت مرتبطة بالْعَوْدِ والتكرار، لأن الأستاذ مثلاً، بحسب موحيا، لا يتحرش فقط بواحدة، أو باثنين، ويمكن أن يقدم نقطة (درجة) ويطلب مقابلاً جنسيّاً، وبالتالي فإن هؤلاء الناس تجب معاقبتهم بعقاب صارم، وإذا كان التحرش، أو الاعتداء الجنسي، مقروناً بحالة العود أو التكرار، يجب أن يعاقب المذنب بقانون الاتجار بالبشر”.

وختمت موحيا تصريحاتها بأن “المغرب يحتاج إلى الجدية والجرأة في معالجة هذا المشكل، بالإضافة إلى التوعية، وتغيير الصور النمطية والدونية عن النساء والفتيات، سواء في العرض المدرسي، أو الجامعي، أو في المجال الثقافي، الذي يجب الاهتمام به وتنقيته من الأمور التي تكرس دونية النساء والفتيات”.  

الوقوف على أسباب التحول

وقالت رئيسة "جمعية تطلعات نسائية" المغربية والناشطة في مجموعة من التحالفات والشبكات النسائية الوطنية والإقليمية، حياة النديشي، إنهم “تابعوا الأمر بكثير من القلق على وضعية المدرسة المغربية، التي أصبحت تنتج مجموعة من الظواهر الغريبة على المجتمع المغربي، وعلى ما كانت تعيشه المدرسة المغربية منذ الاستقلال وحتى اليوم، بينما أصبحنا نرى حاليّاً، مجموعة من الظواهر المتعلقة سواء بالتحرشات، أو الاعتداءات النفسية أحياناً، أو التنمر، أو الاعتداءات الجسدية، وأصبحت المدرسة مرتعاً لبعض الممارسات والسلوكيات العدوانية”.

وتابعت النديشي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أنه “يجب العمل على الأسباب الكامنة وراء هذا التحول، وكيف لم تقدر المدرسة على مواكبة هذا التطور الاجتماعي، والتطور في وسائل التواصل والوسائل الإلكترونية الحديثة، وكيف بقيت المناهج التربوية بعيدة وربما لا تستجيب لهذه التطورات، التي يعرفها الشباب حاليّاً من خلال وسائل التواصل الاجتماعي”.

وأضافت النديشي، أن “هناك مجموعة من الأسباب، التي تنتج التحرش بالتلاميذ في المدارس، ذكرت منها أن محيط المدرسة أصبح يعرف ظاهرة مروجي المخدرات، وأننا أصبحنا نرى بين الفينة والأخرى بعض الشباب، الذين يصدرون أغاني مخلة، تشجع الشباب على عملية التحرش بشكل واسع باسم الفن، بالإضافة إلى أن الأسر ابتعدت شيئاً ما عن دورها التربوي تجاه الأطفال، الذين يجب أن نخلق فيهم ونزرع فيهم قيم احترام رأي الآخر وجسده، إلى جانب تعرض أطفالٍ إلى عنف داخل الأسرة، يعكسونه داخل المجتمع، وأيضاً أسباب أخرى تتعلق بالوسائل الحديثة، التي أصبحنا نراها، والتي أصبحت تربي أبناءنا على ثقافة دخيلة على المجتمع المغربي، تنشر الكراهية والعدوانية والتساهل مع الاعتداءات الجنسية تجاه الأطفال”.

وأردفت أن “هذه الأرقام يجب أن تجعلنا نقف جميعاً على أهمية إعادة النظر في السياسة التعليمية بشكل كبير، وأن تعود المدارس إلى لعب دورها التربوي، وأن التعليم ليس هو فقط المهم، لأن المقررات الدراسية أصبحت مُعَبَّئَة جدّاً، لكن المحتوى بعيد جدّاً للأسف عن تربية التلاميذ على ثقافة الاحترام والمساواة، واحترام الرأي والرأي الآخر، وهي ثقافات قالت النديشي إنهم تربوا عليها، وللأسف لم يعودوا يرونها لدى أبنائهم اليوم”.

وأفادت النديشي، بأن “السياسة التربوية يجب أن تأخذ هذا التطور الاجتماعي والتكنولوجي، وحتى التطور السيكولوجي للأطفال، بعين الاعتبار، لأن الطفل اليوم لم يعد يتعلم فقط من المدرسة أو المنزل، بل يتعلم أيضاً من الوسائل التكنولوجية مجموعة من الأشياء التي تفقده حتى براءة الطفولة، مبرزة أن التقرير كشف أن التحرش لا يمارس فقط بين الأطفال والتلاميذ، وأن نسبة مهمة من الأطر التربوية تمارس هذه التحرشات على الأطفال، وأن هذه المسألة لا يجب فقط أن تجعلنا نشعر بالقلق، أو الغضب، بل يجب أن تجعلنا نشعر بأنه قد آن الأوان لنعيد النظر في سياستنا التربوية، لتكون سياسة دامجة، وتأخذ بعين الاعتبار هذه المقومات والظروف كلها، التي يعيشها أطفالنا، والضرب بيد من حديد”.

وبينت الناشطة النسوية، أن “المغرب ليس لديه قانون وسياسة وقائية تواجه قضايا التحرش، وتعطيه حقه في التوعية، ليس فقط في المناهج التربوية، بل أيضاً في الإعلام والحملات التوعوية التي يمكن أن تكون بشكل ميداني، مردفة أنه لا يوجد جزر حقيقي لمرتكبي هذا التحرش، لأن هناك مشكل الإفلات من العقاب، ولا توجد وسائل الإثبات التي تثبت بالفعل هذا التحرش، الذي يعد إثباته صعباً جدّاً، إلا إذا كان مثلاً في مكاتب، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وأنه حتى لو تم إثباته، فإن المدد التي يُحكَم بها هزيلة، موضحة أنه لا يوجد أطباء نفسيون بشكل مستمر داخل المدارس، للتكفل بهؤلاء الأطفال الذين يتعرضون للتحرش، ومواكبتهم، فالتحرش جريمة بشعة، وآثاره القاسية ليست على الأطفال فقط، بل أيضاً له تكلفة غالية يدفعها المجتمع كله”. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية