«نساء اليمن في مواجهة البطش».. معتقلات سابقات يروين معاناتهن داخل سجون مليشيا الحوثي

«نساء اليمن في مواجهة البطش».. معتقلات سابقات يروين معاناتهن داخل سجون مليشيا الحوثي

"100 يوم كاملة، لم أرَ فيها نور الشمس، احتجزوني في مكان أشبه بالقبر، لا يدخله النور أو الهواء إلا لماماً، خلال تلك الفترة رأيت كل أنواع التعذيب داخل سجون الحوثي، كل ما هو بشع مررت به، لكن ذلك لم يزدني إلا إصرارًا على مواصلة فضح جرائمهم وتنكيلهم بالنساء".. برديس السياغي، معتقلة يمنية سابقة. 

في 21 سبتمبر 2014، اجتاح مقاتلو مليشيا الحوثي العاصمة صنعاء، ودون مواجهة تذكر من السلطات اليمنية، وبين ليلة وضحاها تمكنوا من أن يكونوا الحكام الفعليين لأغلب محافظات اليمن.

منذ اليوم الأول، لم تدخر مليشيا الحوثي جهدًا في إحكام قبضتها على مقاليد الأمور داخل أماكن سلطاتهم، وكانت النساء الحلقة الأضعف في مسيرة الحوثي الدموية في اليمن، ووفقًا لتقرير "هيومن رايتس ووتش" فإن "أطراف النزاع في اليمن، تنتهك بشكل ممنهج حق المرأة في حرية التنقل، إذ تمنع مليشيا الحوثي النساء اليمنيات من السفر بين المحافظات، وإلى خارج البلاد في بعض الحالات، دون إذن ولي الأمر أو مرافقة محرم".

لم تقف جرائم مليشيا الحوثي عند هذا الحد، بل وصل إلى منعهن من العمل، إذ كشف وزير الإعلام والثقافة اليمني، معمر الإرياني، في تدوينات على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" -تويتر سابقًا- عن "منع الحوثيين النساء من العمل في المطاعم"، مؤكدًا أن "مليشيا الحوثي تمنع النساء من العمل في معظم المؤسسات الحكومية بمناطق سيطرتها وتمارس انتهاكات بحقهن، ما أدى إلى الدفع بالآلاف منهن إلى رصيف البطالة والفقر"، بحسب الإرياني.

سجينة سابقة تروي أهوال معتقلات الحوثي 

منذ عام 2015 حملت "برديس" فوق عاتقها مواجهة جرائم مليشيا الحوثي، كان سلاحها الوحيد القلم وتدوين جرائمهم، لتكون خير دليل على الفظائع، التي ارتكبوها في حق النساء باليمن، الذي كان يومًا ما "سعيداً".

تروي "السياغي" في حديثها لـ"جسور بوست" تفاصيل معاناتها على يد مليشيا الحوثي فتقول: "بدأت خلافاتي بعام 2015، وانتهت في 2019 باعتقالي والزج بي في أحد سجون الحوثي السرية، وعانيت تحت وطأة حكم الحوثي، واجهت آلة البطش الأمنية وتهديداتها التي بدأت بمحاولة اقتحام منزلي وترويع أطفالي وتهديد حياة زوجي، ثم تصاعدت وتيرتها إلى أن وصلت لحد اختطافه في عام 2018 لمدة 8 أشهر، وواصل الحوثيون ملاحقتي إلى أن انتهى الأمر باعتقالي مساء يوم 2 أغسطس سنة 2019 من قلب شارع عمان في العاصمة صنعاء"، على حد قولها.

تكشف السياغي عن اللحظة الأكثر إيلامًا في ذاكرتها: "يوم اعتقالي كان الأكثر رعبًا، مجموعة مسلحة من جماعة الحوثي دلفت إلى منزلي مدججة بالسلاح، لم يعرفوا عن أنفسهم، لم يتركوا لنا فرصة للفهم وإدراك ما يحدث، اقتحموا المنزل وسحلوني أمام أطفالي، صرخات الأطفال ومحاولتهم التمسك بملابسي حتى لا يختطفني الحوثيون، مررت في أعقاب تلك اللحظة بكل أنواع العذاب، لكن ذلك اليوم كان الأكثر إيلامًا"، حسب وصفها.

أرقام مفزعة عن النساء في اليمن

كشفت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، عن وجود (4282) انتهاكًا ارتكبتها مليشيا الحوثي بحق النساء اليمنيات خلال الفترة من 2014 إلى 2020.

ووفقًا لبيان الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، فإن "الانتهاكات تنوعت بين (1456) حالة قتل، و(2379) حالة إصابة جراء القصف المدفعي وانفجار الألغام والعبوات الناسفة، بالإضافة إلى أعمال القنص والإطلاق العشوائي للرصاص الحي، بالإضافة إلى (447) حالة اختطاف وإخفاء وتعذيب، وُزعت الانتهاكات بمختلف أنواعها على 17 محافظة تحت سيطرة الحوثيين من إجمالي عدد محافظات اليمن البالغ عددها 21 محافظة"، وجاءت كالتالي.

 

اختلفت الأسباب والموت واحد، وفقا لدراسة أعدتها منظمة "تحالف النساء من أجل السلام في اليمن" في الفترة من ديسمبر 2017 إلى ديسمبر 2023، ارتكبت مليشيا الحوثي أكثر من 1893 واقعة اختطاف وتعذيب واغتصاب ضد النساء اليمنيات في الفترة من ديسمبر 2017 وحتى أكتوبر 2022، استطاعت المنظمة أن توثّق تجارب (66) ناجية من الاحتجاز، و(8) لا يزلن سجينات، بإجمالي (74)بينهن (21) تعرضن للاختفاء القسري، يتراوح أعمار الضحايا (من 13 إلى 55 عامًا)، فيما تنتمي اثنتان للأقلية اليهودية والمسيحية، بحسب المنظمة.

وأوضحت الدراسة أن "بينما تنتمي الضحايا سياسياً بين حزب المؤتمر الشعبي العام (26)، وحزب الإصلاح (4)، ومستقلات (44)، وتتعدد أنشطة الناجيات بين نشاط سياسي (16)، ونشاط اجتماعي وإنساني (8)، و(10) موظفات حـكـومـيـات بينهن شــرطيات ومديرات مـدارس، و(5) نشاط حقوقي، و(5) نشاط إعلامي، و(14) طالبة جامعية وثانوية، و(6) أعمال حرة بينهن (3) عارضات أزياء، و(1) طبيبة، و(9) بلا عمل".

وذكرت الدراسة أن "العاصمة صنعاء أكثر المحافظات التي مُورس فيها الاحتـجاز بـواقـع (61)، بينما تــوزع احتجاز البقية بين محافظات ذمار (5)، وإب (4)، وتعز (2)، وحجة والحديدة (2)".

تداعيات نفسية واجتماعية على الناجيات

كما سجلت دراسة المنظمة "تأثر (73) ضحية اجتماعيا، ما بين (7) تشكيك الزوج بالناجية أدى إلى الانفصال، و(11) تعرضن للوصم والتخلي من المجتمع والأسرة، و(3) ناجيات حُرم أطفالهن من التعليم، وناجية واحدة تعرض طفلاها للعنف الجنسي أثناء الاحتجاز، و(51) ناجية نزحن قسرياً. بينما سجل تأثر (31) ضحية في الجانب الصحي، ما بين (5) اُصبن بداء الكبد والسكر والكلى، و(3) فقدن الرؤية، و(3) بُترت أو كُسرت أطــرافــهــن، و(1) أصـيـبـت بشلل نصفي وفـقـدان النطق، و(1) أصيبت بــورم في الـدمـاغ، و(18) تدهورت صحتهن واُصبن بإصابات مختلفة".

وتحققت المنظمة من "الانعكاس النفسي الحاد للاحتجاز على (26) ناجية، بين (7) حاولن الانتحار والتفكير به، و(18) يعشن أعراض ‘الكرب‘، إذ يمررن بصدمات نفسية متقلبة ومتصاعدة من شعور بالخوف متواصل، وبـكـاء فجائي واكتئاب مستمر، وأحلام مرعبة في المنام، وهـزال شديد وقلق"، بحسب الدراسة.

وتنوعت الجرائم التي ترتكبها مليشيا الحوثي ضد النساء اليمن وجاءت كالتالي: 

وصفت الأمم المتحدة الكارثة الإنسانية التي تمر بها اليمن بأنها واحدة من الأسوأ في العالم، إذ إن هناك 21.6 مليون يمني يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدات في عام 2023.

حملات اعتقال وتعذيب دون اتهامات

تقول الناشطة الحقوقية اليمنية سهير السمان، إن "حملات الاعتقالات والمداهمات، التي قامت بها مليشيا الحوثي في صنعاء وفي غيرها من المحافظات لم تكن فقط للعاملين في المجال الحقوقي والإنساني، بل طالت أيضًا العاملين في مكاتب وهيئات الأمم المتحدة، الذين يقيمون في صنعاء وأكثر من محافظة منذ أكثر من 20 عامًا".

ولفتت السمان في حديثها لـ"جسور بوست" إلى أن "قائمة الاتهامات جاهزة، فالنساء في اليمن بالنسبة للحوثيين إما جواسيس أو يقمن بمخابرات تجسسية لدول أوروبية وجهات خارجية تضر مصالح اليمن".

"الحوثيون" يتجاهلون اتفاقات حقوق الإنسان

تصنف الحالة في اليمن بأنها نزاع مسلح غير دولي بين القوات المسلحة لحكومة اليمن والحوثيين، تنطبق عليه المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكول الإضافي الثاني.

صادق اليمن على 5 من اتفاقيات حقوق الإنسان على صلة بحماية النساء، هي العهد الدولي الخاص بـالحقـوق المدنية والسـياسية، والـعـهـد الـدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضـد الــمــرأة، والاتفاقية الـدولـيـة للقضاء عـلـى جـمـيـع أشــكــال الـتـمـيـيـز الـعـنـصـري، واتـفـاقـيـة مناهضة التعذيب.

 

 

رباب المضواحي واحدة من الآلاف 

تروي السمان وقائع كانت شاهدة عليها لنساء من اليمن اعتقلوهن واقتادوهن إلى مكان غير معلوم، تقول السمان: "من ضمن النساء اللاتي اعتقلن رباب المضواحي قبيل اعتقالها كانت تعمل في المعهد الديمقراطي في صنعاء منذ أكثر من عشرين عاما لكنها في إحدى الليالي اقتيدت إلى جهة غير معلومة، وإلى الآن لا يعرف أحد من أسرتها أين هي؟"، حسب قولها.

وتتابع: "ولمزيد من التنكيل والإجراءات الصورية التي يروج لها الحوثيون يتم رفض أي محامٍ يتطوع للدفاع عن المعتقلات، ويتم تعيين محامٍ بمعرفة الحوثيين، هناك الآلاف من نساء اليمن المعتقلات، ولا نعرف عنهن شيئا، فقط أنهن بحوزة الحوثيين، لكن لا توجد زيارات لهن، ولا يعرف ذووهن أنهن يقبعن خلف الأسوار، ولا الاتهامات التي وجهت لهن، ببساطة النساء يُتركن بمفردهن لمواجهة بطش الحوثيين".

خلال السنوات الماضية نجحت مليشيا الحوثي في تفريغ المناطق، التي تسيطر عليها من المنظمات المدنية، والحقوقية، والإنسانية، والإغاثية.

وذكر تقرير لمجلس الأمن صادر في عام 2023 أن "النساء المحتجزات في سجون الحوثيين يتعرضن للتعذيب وغيره من صور سوء المعاملة، ويتعرضن أيضا للاعتداء الجنسي، وفي بعض الحالات يخضعن لفحص العذرية، وكثيرًا ما يمنعن من الحصول على السلع الأساسية، بما في ذلك منتجات النظافة الصحية النسائية".

أطفال السجينات في قبضة الحوثي

على الرغم من خطورة وصعوبة الحصول على معلومات موثقة من داخل سجون الحوثي، فإن بعض الناجيات نجحن في تسجيل شهاداتهن ومواجهة الحوثيين وفضح جرائمهم.

وحسب ما ذكر "تحالف النساء من أجل السلام في اليمن" في الدراسة التي أجريت على الفترة من ديسمبر 2017 إلـى ديسمبر 2023، أن "قوات الحوثي تعمد إلى تجنيد واختطاف أبناء السجينات، إذ ذكرت المنظمة تحققها من احتجاز مليشيا الحوثي (16) طـفـلًا مع ذويهم".

تتذكر أسماء الرياشي ما تعرض له أطفالها (خالد ورامـي وسعاد -8، 7، 2- سـنة)، قالت: "عشت أيـاما من الرعب والخوف والقهر، تمنيت الموت لي وأطفالي حتى يرحمنا الله من العذاب الذي نعيشه في سجن الأمــن السياسي بـذمار"، بحسب دراسة التحالف.

تذكر فوزية المحويتي، إحدى الناجيات في شهادتها عما لاقته من إجرام بحق النساء في سجون الحوثي قائلة: «رجوتهم أن يحضروا بناتي إليّ في السجن لأنهن بمفردهن في المنزل، ولا يوجد أحد يعيلهن أو يهتم بأمرهن، فاستجابوا لطلبي، وبقين معي 3 أشهر ونصف الشهر، تعرضن للتعنيف الـنفسي مــن الاعتداء علي َّوجلسات التحقيق المستمرة لي، والخضوع للعنف الـجسدي والنفـسي».

ووفقا لدراسة التحالف، فإن مليشيا الحوثي "اعتقلت السيدة ‘أحلام سعيد‘ مع أطفالها الثلاثة في أحد المنازل بـ‘تعز‘، واستمروا في تعذيبها وصعقها بالكهرباء قرابة 3 أشهر، ثم هددوها باغتصاب أطفالها لتخضع لطلباتهم، وتعترف بجرائم لم ترتكبها".

أحكام إعدام بالجملة بحق نساء اليمن 

وتقول نورا الجروي، رئيس رابطة حماية المعنفات والناجيات من سجون الحوثي، إن: "ما تقوم به جماعة الحوثي هو نسخة تبقى الأصل لما يقوم به النظام الإيراني تجاه النساء في إيران، لم يحدث أبدًا أن تصدر أحكام إعدام بحق نساء في اليمن، إلا أن مليشيا الحوثي أمعنت في التنكيل بالنساء وإصدار أحكام جائرة وتنظيم محاكمات وهمية لسبع نساء في اليمن والحكم بإعدامهن من بينهن (فاطمة العرولي، وحنان مطهر الشاحذي، وألطاف يحيى المطري، وزعفران زايد، وأسمهان اليمني)، على حد قولها.

وتضيف الجروي في حديثها لـ"جسور بوست": "للمرة الأولى في اليمن تصدر أحكام ضد النساء بهذا الكم، مليشيا الحوثي تنتهج نفس النهج الإيراني في معاملة المرأة سواء من خلال قمع النساء أو اعتقالهن أو تشويه سمعتهن من خلال تلفيق التهم الأخلاقية لهن.

وتختم رئيس رابطة حماية المعنفات والناجيات من سجون الحوثي، حديثها قائلة: "المجتمع الدولي يقف مكتوف الأيدي أمام جرائم الحوثي، الصليب الأحمر الدولي لا يستطيع الدخول إلى السجن المركزي بصنعاء، تُمنع النساء من حقهن في تلقي العلاج أو الحصول على حقوقهن القانونية في تعيين محامٍ للدفاع عنهن..مليشيا الحوثي تسلب نساء اليمن جميع حقوقهن على مرأى ومسمع من الجميع"، حسب وصف الجروي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية