علاقات أقوى من التغريدات
علاقات أقوى من التغريدات
في طبيعة العلاقات بين الدول ومرونتها، لا يكون التطابق في المواقف 100%، سواء في رؤيتهم للعلاقة الثنائية أو رؤيتهم للقضايا الإقليمية المحيطة بهم أو العالمية التي تتجاوز حدود إقليمهم، رؤية هذه الدولة لأزمة ما، بدايةً من تحديد الطرف المسؤول عنها وصولًا إلى السبل الأنسب لحلها، ليست بالضرورة متطابقة مع موقف دولة أخرى صديقة لها، فكل جانب يرى ويحدد موقفه في ضوء استراتيجيته الخارجية وما يتوافر لديه من حيثيات يبني على أساسها موقفه، وهذا لا يعني أن تؤثر المواقف وتباينها في العلاقات الثنائية بين الدول ومدى التعاون بينهما وشراكتها الاستراتيجية.
وفي مقابل الخلاف حول قضايا معينة، تتوافق الرؤى والمواقف في قضايا أخرى ربما تكون أكثر أهمية من الأولى من حيث تأثيرها ومحوريتها، فلا يوجد خلاف تام في المواقف ولا توافق بلا حدود، وتعالج الدول خلافات انطلاقًا من مواضع التوافق. ومن المعروف دومًا أن الدبلوماسية إذا ما وصلت إلى طريق مسدود في ملف معين، استدعت على الفور توافقًا في ملف آخر.
ينطبق هذا على كافة العلاقات بين دول العالم، ومنها دولنا الشرق أوسطية والعربية. فلا خلاف مطلق حول غزة أو السودان أو غيرها من الملفات، ولا توافق تام، وتتعدد الرؤى وتتباين، لكن ما يزيد من تفاقم المواقف وتعقيدها دومًا هو محاولة أطراف ثالثة استغلال نقاط الخلاف في محاولة ضرب الشراكات الاستراتيجية بين دولنا والحث على تصعيد اللهجات، وبالطبع ليس هذا في مصلحة أحد.
في مواقع التواصل تنشط عشرات الآلاف من الحسابات لا تركيز لها إلا على تأزيم المواقف والعلاقات، فتبدأ في نسج الحكايات والروايات غير المعقولة عن الخلافات، وتنشر المزاعم والادعاءات، وتتناول اجتماعات لم تحدث، وتصور اشتباك الأطراف بين بعضها البعض وضرب الأيدي على الموائد، وكلها بالقطع من خيال لا يتصوره عاقل.
ومن المؤسف أن البعض ينساق لهذه الأوهام، فيبدأ في الهجوم والدفاع دون أن يمنح نفسه ما يكفي من الوقت لإخضاع الأمر بحسابات المنطق والعقل، فيسارع بالدفاع المطلق والشديد والمتحمس عن موقف دولته. وليس في هذا ما يعيب، ولكن هناك أيضًا من يسارع، لا بالدفاع، ولكن بالهجوم والنيل من الدولة الأخرى والطرف الآخر، بناءً على مزاعم وأكاذيب يرددها من لهم المصلحة في أن تتعقد علاقات دول المنطقة و تتأزم وتصل إلى نقطة مسدودة لا توافق فيها.
وبينما يحدث هذا في خيال الحسابات الوهمية واللجان الإلكترونية، فعلى أرض الواقع يحدث العكس، وتتزايد العلاقات متانةً وتماسكًا متجاوزة أي خلافات، وتتعمق الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية، وعلى هذا أمثلة لا تُعد.
وفي ذات الوقت، بالطبع هناك دومًا الأصوات العاقلة التي ترى وتقرأ المواقف على حقيقتها، و تتدارك الأمر وتتفاعل معه، لكن الكثير من هذه الأصوات لا يسمع له أو يلتفت إليه بما تستحق.
ومن المهم كذلك إتاحة الفرصة للخبراء الحقيقيين للاطلاع على المعلومات الدقيقة، ليتمكنوا من نسف الأكاذيب والشائعات قبل أن تنتشر وتؤثر في الرأي العام أو العلاقات بين الدول، فالمعرفة الدقيقة والخبرة المتخصصة يمكنها أن تضع الأمور في نصابها الصحيح، وتخفف من التوتر وتدعم اتخاذ القرارات العقلانية القائمة على الحقائق وليس على الافتراضات والمزاعم.










