«دميتري موراتوف».. صحفي روسي بدرجة محارب لقضايا الفساد والانتهاكات الحكومية
بالتزامن مع يوم ميلاده
في بيئة محفوفة بالمخاطر والتقييد للحريات، استطاع الصحفي الروسي المعارض دميتري موراتوف اقتناص جائزة نوبل للسلام عام 2021، ليكون أول صحفي بالعالم يحصل عليها تكريما على جهوده في الدفاع عن حرية التعبير وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد والانتهاكات الحقوقية.
دميتري موراتوف، هو صحفي روسي ومدير تحرير سابق لصحيفة نوفايا غازيتا، وهي إحدى الصحف الروسية المستقلة القليلة التي تتناول قضايا الفساد وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، حتى أصبح من أبرز الشخصيات بمجال الصحافة المستقلة في روسيا الاتحادية.
ولد موراتوف في 30 أكتوبر 1961 في مدينة كويبيشيف (سامارا حالياً)، وبدأ مسيرته الصحفية في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، وفي عام 1993 شارك في تأسيس صحيفة نوفايا غازيتا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، والتي أصبحت فيما بعد رمزاً للصحافة المستقلة في روسيا.
شغفه واهتمامه بالصحافة
ودرس موراتوف في كلية فقه اللغة في جامعة كويبيشيف الحكومية لمدة 5 سنوات، حيث اكتشف شغفه واهتمامه بالصحافة، وخلال دراسته الجامعية، كان على اتصال بالصحف المحلية وعمل بدوام جزئي في العديد من وسائل الإعلام آنذاك.
وبعد التخرج في جامعة كويبيشيف الحكومية، أدى الخدمة العسكرية لمدة سنتين في الجيش السوفيتي خلال الفترة بين عامي 1983 و1985، وتحدث عن مهمته في الجيش، إذ قال إنه كان مسؤولًا عن ترتيب المعدات والأسلحة.
وفي عام 1987، بدأ موراتوف العمل مراسلًا لصحيفة فلزوشني كامسامولتس، وبنهاية عامه المهني الأول عُين مديرًا لقسم الشباب في الصحيفة، ثم ترقى إلى محرر مقالات إخبارية، وترك الصحيفة في عام 1988.
صحيفة في مواجهة رئيس
وعُرف دميتري موراتوف بشجاعته في نشر تقارير حول الفساد والانتهاكات الحكومية، وتولى رئاسة تحرير صحيفة نوفايا غازيتا عدة مرات على مدار سنوات طويلة، ليكون أحد أشهر رؤساء تحريرها الأكثر جراءة في معارضة سياسات الحكومة الروسية.
واشتهرت صحيفة نوفايا غازيتا تحت قيادة موراتوف، بتغطية القضايا الحساسة في روسيا، مثل الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، والحروب في الشيشان، ما جعلها تتعرض لضغوطات شديدة وتهديدات متكررة، وجعل من رئيس تحريرها إحدى أبرز الشخصيات في مجال حرية الصحافة في بلاده.
في عام 2007، نال دميتري جائزة حرية الصحافة الدولية من لجنة حماية الصحفيين، وهي جائزة تُمنح للصحفيين الذي يظهرون الشجاعة في الدفاع عن حرية الصحافة في مواجهة الهجمات والتهديدات والسجن، وفي عام 2010، مُنح وسام جوقة الشرف، أعلى تكريمات فرنسا، بدرجة فارس.
جائزة نوبل للسلام
وفي عام 2021، حصد الجائزة الأكبر خلال مسيرته المهنية بحصوله على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الصحفية الفلبينية ماريا ريسا، تقديرًا لجهودهما في حماية حرية التعبير ومكافحة التضليل الإعلامي والضغوط التي يتعرض لها الصحفيون في بلديهما، إذ كان منح موراتوف الجائزة بمثابة دعم لحرية الصحافة في بيئة تشهد تزايدا في الضغوط على الصحفيين المستقلين.
ويعد منح الصحفي الروسي المعارض هذه الجائزة المرموقة بمثابة دعم للصحافة المستقلة في روسيا، حيث عُرف موراتوف بانتقاداته الجريئة للسلطات الروسية، وخاصة في ما يتعلق بسياسات الرئيس فلاديمير بوتين، وحروبه في مناطق مثل الشيشان وأوكرانيا.
وكانت صحيفة نوفايا غازيتا صوتًا للمعارضة ضد السياسات القمعية والفساد داخل روسيا، حيث تعرضت الصحيفة، ومعها موراتوف، لتهديدات مستمرة، وتم استهدافها من قبل السلطات مرارا، واغتيل بعض صحفييها، من بينهم آنا بوليتكوفسكايا في عام 2006، والتي كانت من أبرز الصحفيات المنتقدات للحكومة الروسية.
ونوفايا غازيتا، هي صحيفة اجتماعية وسياسية روسية، عرفت بتوجهاتها المعارضة والليبرالية، والديمقراطية والحقوقية، تأسست في أبريل 1993، وكان آخر نشر للصحيفة في سبتمبر 2023، بناءً على قرار من المحكمة، ألغت بموجبه الترخيص الإعلامي لشركة نوفايا غازيتا في روسيا، وعُلِّقَ عملها حتى نهاية الحرب الروسية الأوكرانية.
إهداء الجائزة لأطفال أوكرانيا
وعلى مدى 1000 يوم من الحرب الروسية على أوكرانيا والتي اندلعت في 24 فبراير 2022، واجهت نوفايا غازيتا تضييقات أشد، واضطرت إلى تعليق أنشطتها داخل روسيا نتيجة القوانين الصارمة التي فرضتها الحكومة الروسية ضد نشر المعلومات حول الحرب، ما أدى إلى تزايد الضغوط على الصحفيين المستقلين بشكل غير مسبوق.
وبالإضافة إلى نضاله المستمر من أجل حرية الصحافة في روسيا، تعرض موراتوف وصحيفة نوفايا غازيتا لخسائر مأساوية، حيث قُتل العديد من الصحفيين العاملين معه على خلفية عملهم الصحفي، لا سيما في ما يتعلق بالصراع في الشيشان سواء في الحرب الأولى (1994-1996) أو الثانية (1999-2009).
في يونيو 2022، باع الصحفي المعارض دميتري موراتوف -بخطوة غير مسبوقة- ميدالية جائزة نوبل التي حصل عليها في مزاد علني، وخصص عائداتها لدعم الأطفال النازحين بسبب الحرب في أوكرانيا، إذ حقق المزاد مبلغاً قدره 103.5 مليون دولار، تم التبرع به بالكامل لمنظمة اليونيسف لدعم جهودها الإنسانية في أوكرانيا.
وتعرض موراتوف خلال مسيرته للعديد من التحديات والتهديدات، بما في ذلك الاعتداءات الجسدية، ففي أبريل 2022، تعرض لهجوم في قطار عندما ألقى عليه أحد الأشخاص دهاناً ممزوجاً بمادة الأسيتون، ما تسبب في إصابته بحروق في عينيه، ورغم هذه التحديات، لم يتراجع موراتوف عن مواقفه في الدفاع عن حرية الصحافة والتعبير في روسيا.
وكان موراتوف دائم التحذير من تعرض العشرات من السجناء السياسيين في روسيا لخطر الموت، بسبب سوء المعاملة المتعمدة للنزلاء المرضى، حيث أطلق في تصريحات صحفية عديدة نداءً للعالم لإنقاذ السجناء السياسيين الروس من مصير الموت.
والجدير بالذكر أن ما لا يقل عن خمسة من الصحفيين العاملين في جريدة نوفايا غازيتا، قد قُتلوا بين عامي 2001 و2009، بسبب أنشطتهم المهنية المعارضة للنظام السياسي في روسيا على مدى عملها الممتد لنحو 3 عقود متواصلة.
حزمة من التحديات
وبشكل عام يواجه الإعلام والصحافة والصحفيين المستقلين في روسيا، حزمة من التحديات الكبيرة، تتمثل في التضييق والمصادرة وإغلاق وسائل الإعلام وتلفيق الاتهامات والسجن والتعذيب والانتهاكات التي تصل إلى حد القتل للصحفيين.
ووفق أحدث تقرير بشأن حرية الصحافة بالعالم والذي أصدرته منظمة مراسلون بلا حدود (غير حكومية، مقرها فرنسا) في مايو 2024، جاءت روسيا في المرتبة الـ162 من أصل 180 دولة بالعالم، وسط انتهاكات تزايدت بقوة بعد الحرب على أوكرانيا.
وتزايدت الأوضاع سوءا في روسيا مع اندلاع الحرب على أوكرانيا، حيث تفاقمت الحملة القمعية المتواصلة على المعارضين المناهضين للحرب، لم تكتف الحكومة الروسية بسجن السياسيين والصحفيين والنشطاء المخضرمين، بل قامت أيضا بملاحقة الفنانين والمبدعين المعارضين للحرب.
وفي عام 2002، أفادت إحصاءات لمنظمة مراسلون بلا حدود، بأنه منذ تولي فلاديمير بوتين السلطة في روسيا عام 2000 تم اغتيال 37 صحفيا، إذ وصفت المنظمة الرئيس الروسي بـ"حفار قبر الإعلام"، لا سيما في ظل تزايد القيود المفروضة على الصحفيين ووسائل الإعلام.
وفي يونيو 2024، صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن ما لا يقل عن 30 صحفيا روسيا قتلوا في منطقة في منطقة العمليات القتالية في أوكرانيا، في محاولة لاتهام النظام الأوكراني بالانتقام من الصحفيين الروس.
وبحسب الخبراء والمراقبين، فإن الحرب الروسية الأوكرانية، دقت المسمار الأخير في نعش الإعلام المستقبل في روسيا، حيث جرت حملة كبيرة في المشهد الإعلامي الروسي، ومن بينها إغلاق مكاتب مؤسسات إعلامية دولية في موسكو وسحب تصاريح مراسليها وإسكات وسائل الإعلام المستقلة وحبس الصحفيين.