هربا من براثن الفقر.. المُهاجرون يطرقون أبواب المستقبل عبر «رحلات الموت»
هربا من براثن الفقر.. المُهاجرون يطرقون أبواب المستقبل عبر «رحلات الموت»
تنجم ظاهرة الهجرة غير الشرعية عن مزيج من العوامل الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية التي تدفع الأفراد للبحث عن حياة أفضل في دول أخرى، عبر طرق غير قانونية. يتعرض المهاجرون لتحديات كبيرة تنطوي على المخاطر الشخصية والانتهاكات التي قد تشمل الاعتقال، والاستغلال، والاتجار بالبشر.
ويعد الفقر من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى الهجرة غير الشرعية، ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة، يعيش نحو 9.2% من سكان العالم في فقر مدقع، مما يدفع الكثيرين في دول مثل نيجيريا والهند وباكستان للبحث عن فرص حياة أفضل في دول غنية، ففي مناطق مثل إفريقيا، حيث يعيش 40% من السكان تحت خط الفقر، تزداد معدلات الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا وأمريكا الشمالية.
الحروب والنزاعات
تساهم الحروب والنزاعات المسلحة بشكل كبير في زيادة الهجرة غير الشرعية، ووفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن أكثر من 70 مليون شخص أجبروا على مغادرة ديارهم بسبب النزاعات والحروب في عام 2020.
تبرز أزمة اللاجئين السوريين كمثال رئيسي، حيث أدت الحرب المستمرة منذ عام 2011 إلى نزوح ملايين السوريين داخل البلاد وخارجها، خاصة إلى دول الجوار وأوروبا.
الأزمات البيئية والتغير المناخي
تعتبر الأزمات البيئية والتغير المناخي من العوامل المحورية في الهجرة غير الشرعية. ارتفاع درجات الحرارة، والجفاف، وارتفاع مستوى البحار تدفع الملايين من الأشخاص في مناطق مثل جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا إلى مغادرة أراضيهم. دراسة للبنك الدولي توقعت نزوح أكثر من 140 مليون شخص بحلول عام 2050 بسبب التغيرات المناخية.
الضغوط الاقتصادية والاجتماعية
تعتبر الهجرة غير الشرعية تحديًا كبيرًا للدول المستقبلة، خاصة في أوروبا وأمريكا، من حيث التأثير على سوق العمل والأنظمة الاجتماعية. تدفق المهاجرين يؤثر على مستوى البطالة ويزيد من التوترات الاجتماعية بسبب التنافس على الوظائف أو موارد الدعم الاجتماعي، كما أن اندماج المهاجرين في المجتمع قد يكون معقدًا، حيث يواجهون صعوبات قانونية واجتماعية.
رغم التحديات، تشير دراسات إلى أن المهاجرين غير الشرعيين قد يساهمون في بعض القطاعات الاقتصادية مثل الزراعة والبناء، حيث يوفرون يداً عاملة رخيصة تساهم في رفع الإنتاجية في بعض المجالات.
الحلول والسياسات المقترحة
للتصدي لهذه الظاهرة، يرى الخبراء ضرورة اتخاذ سياسات شاملة من قبل الدول، تشمل تحسين الأوضاع الاقتصادية في الدول المصدرة للمهاجرين وتقليص معدلات الفقر، وأنه يجب على الدول المستقبلة تبني سياسات لجوء شفافة وعادلة، كما ينبغي تعزيز التعاون الدولي لمكافحة تهريب البشر والاستغلال الذي يتعرض له المهاجرون. إضافة إلى ذلك، من الضروري معالجة القضايا البيئية والحد من تأثيرات التغير المناخي، لضمان تقليص الحاجة إلى الهجرة غير الشرعية في المستقبل.
الدول الرئيسية للهجرة غير الشرعية
دول جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا تشهد تدفقات هجرة كبيرة نحو أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، خاصة من دول مثل ليبيا ونيجيريا والسودان.
الولايات المتحدة تشهد تدفقات هجرة كبيرة عبر الحدود المكسيكية، خاصة من دول أمريكا الوسطى.
آسيا، مثل بنغلاديش والهند، تشهد هجرة غير شرعية إلى دول الخليج بحثًا عن فرص عمل.
المغرب والجزائر تشهد هجرة غير شرعية إلى أوروبا، حيث يواجه المهاجرون خطر الغرق أو التعرض للضغوط الأمنية على الحدود.
تعتبر الهجرة غير الشرعية إحدى أبرز القضايا التي تتطلب استجابة دولية شاملة لضمان معالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة وتحقيق حلول فعّالة لكافة الأطراف المعنية.
انتهاك للحقوق الإنسانية
وقال الإعلامي الجزائري توفيق قويدر، إن الهجرة غير الشرعية قضية معقدة تتشابك فيها الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتحمل في طياتها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ليس في الوطن العربي فقط بل في العالم أجمع، وليس فقط الأوضاع التي تخلق هذه الظاهرة هي التي تحتاج إلى معالجة، بل أيضًا طريقة تعامل الدول مع المهاجرين غير الشرعيين، والتي غالبًا ما تساهم في تعميق المعاناة الإنسانية
وتابع في تصريحات لـ"جسور بوست"، المهاجرون غير الشرعيين يجدون أنفسهم في مأزق حقيقي عند محاولة الحصول على الأمان أو تحسين ظروفهم المعيشية، ويكون هذا محكومًا بعوامل خارج إرادتهم، مثل الفقر المدقع، والنزاعات المسلحة، أو التغيرات المناخية، حيث يحق لكل فرد "حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود الدولة" والبحث عن حياة أفضل في البلدان الأخرى، وهو ما يضمنه القانون الدولي، ومع ذلك، فإن العديد من الدول تتخذ تدابير قاسية ضد المهاجرين غير الشرعيين، من خلال فرض قيود صارمة على دخولهم واتباع سياسات الطرد القسري، ما يمثل انتهاكًا لحقوقهم الأساسية في الحصول على الأمان والحماية.
واسترسل، الفقر المستشري في العديد من البلدان النامية يعد المحرك الأساسي للهجرة غير الشرعية، ولا يمكن لأي شخص أن يتخلى عن حياته في ظل ظروف من الجوع والبطالة والفقر المدقع، وبالتالي يضطرون إلى اتخاذ المسارات غير القانونية للبحث عن فرص أفضل، هذا الواقع يمثل إخلالًا واضحًا بحقوق الإنسان في التمتع بحياة كريمة، وهو ما يكفله العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي يضمن لكل فرد الحق في الحصول على حد أدنى من المعيشة، والتعليم، والرعاية الصحية.
وأوضح قويدر أنه في ما يتعلق بالصراعات المسلحة والكوارث البيئية، فإن الهجرة غير الشرعية تصبح سبيلاً وحيدًا للهرب من الأوضاع المأساوية، لا يزال الملايين من اللاجئين والمشردين داخليًا يعيشون في ظروف غير إنسانية بسبب الحروب، حيث يتم تهجيرهم من مناطقهم الأصلية بحثًا عن الأمان، دون أن يجدوا دولًا مستعدة لاستقبالهم بشكل لائق.
وقال إن الحروب لا تخلق فقط مآسي إنسانية ولكن أيضًا تساهم في تأجيج الانتهاكات الحقوقية التي تمس حياة ملايين البشر، وعند وصول هؤلاء المهاجرين إلى البلدان المستقبلة، يواجهون في الغالب ظروفًا قاسية، حيث يتم استبعادهم من العديد من الحقوق الأساسية، مثل الرعاية الصحية والتعليم، بل ويُحتجزون في مراكز ترحيل أو يتم اعتقالهم في ظروف لا إنسانية من الأهمية بمكان أن يتم احترام حقهم في العدالة والمساواة، ويجب على الدول توفير آليات قانونية تسمح لهم بالحصول على الحماية الضرورية.
وأتم، إن مسألة الهجرة غير الشرعية تتطلب حلولًا منسقة تضع في اعتبارها حقوق الإنسان في صميمها ولا بد من إيجاد آليات قانونية وآمنة لتمكين الأفراد من الهجرة بشكل منظم، مع توفير حماية حقوقهم الأساسية، ويتطلب هذا التعاون بين الدول لتحقيق العدالة وحماية المهاجرين واللاجئين، فضلًا عن تعزيز السياسات التي تركز على التنمية المستدامة في البلدان الأصلية، من أجل تقليص دوافع الهجرة غير الشرعية، فمن غير المقبول أن يتم التضحية بحقوق الأفراد تحت مبررات سياسية أو اقتصادية، إذ إن المسؤولية تقع على عاتق المجتمع الدولي لتوفير حلول عادلة وفعالة لهذه الأزمة المستمرة.
أبعاد اقتصادية واجتماعية
وفي السياق قال الخبير الاقتصادي، رشاد عبده، إن الهجرة غير الشرعية إحدى القضايا الاقتصادية والاجتماعية الأكثر تعقيدًا، حيث تمثل مزيجًا من العوامل التي تؤثر على الأفراد والمجتمعات على حد سواء، ورغم أنها تعكس في الأساس ظاهرة اقتصادية ناتجة عن تفاوت الفرص بين الدول، فإن تداعياتها تتجاوز الحدود الاقتصادية لتشمل أبعادًا اجتماعية وثقافية مقلقة، كما تطرح تحديات خطيرة تؤثر على التنمية المستدامة في الدول المصدرة والمستقبلة على حد سواء.
وتابع في تصريحاته لـ"جسور بوست"، إن أحد المحركات الأساسية لهذه الظاهرة هو تدهور الأوضاع الاقتصادية في الدول التي تشهد معدلات فقر مرتفعة وبطالة متفشية في هذه الدول، يجد العديد من الأفراد أنفسهم في وضع اقتصادي قاسٍ حيث لا تتيح لهم الأسواق المحلية فرصًا كافية لتحسين مستوى معيشتهم، وهؤلاء الأفراد يسعون بمرارة إلى الهجرة، بحثًا عن مستقبل أفضل في دول تتمتع بفرص عمل أفضل ومستوى حياة أعلى، ولكن في ظل غياب السياسات التنموية القادرة على توفير فرص العمل وتحسين البيئة الاقتصادية، تبقى الهجرة غير الشرعية الخيار الأخير الذي يلجأ إليه هؤلاء.
وأضاف، تعكس الهجرة غير الشرعية أيضًا انعكاسات الأزمات السياسية والنزاعات المسلحة التي تجعل الأفراد يفرون من بلادهم في ظروف إنسانية قاسية، النزاع في سوريا أو ليبيا مثال على ذلك، حيث أدت الحروب إلى نزوح جماعي، مما دفع الملايين إلى السعي نحو الهجرة غير النظامية إلى أوروبا أو دول أخرى تأمل أن توفر لهم الأمان والفرص الجديدة غير أن هذا النوع من الهجرة يؤدي إلى التشتت الأسري والمجتمعي، مما يضيف عبئًا نفسيًا إضافيًا على المهاجرين في مواجهة تحديات الاستقرار والاندماج في مجتمعات جديدة.
واستطرد، أما بالنسبة للأفراد الذين يتبعون طرق الهجرة غير الشرعية، فهم غالبًا ما يواجهون ظروفًا صعبة تهدد حياتهم وصحتهم، من رحلات بحرية محفوفة بالمخاطر إلى معابر حدودية غير آمنة، يتعرض هؤلاء المهاجرون للاستغلال من قبل شبكات تهريب البشر، فضلًا عن تعرضهم لعنف، واغتصاب، واستغلال اقتصادي في بعض الأحيان، وهذا يساهم في زيادة معدلات الأمراض النفسية والجسدية، وتفاقم الأزمات الإنسانية للمهاجرين.
وأضاف، أما على الصعيد المجتمعي، فإن الهجرة غير الشرعية تلقي بثقلها على الاقتصادات المحلية، ففي الدول المستقبلة، تصبح هناك ضغوط على الخدمات الاجتماعية مثل الرعاية الصحية والتعليم والإسكان، مما قد يؤدي إلى توترات اجتماعية، ورغم أن المهاجرين يسهمون في بعض الأحيان في تلبية احتياجات سوق العمل في قطاعات معينة، فإنهم في بعض الأحيان يصبحون عبئًا على الدولة إذا كانت السياسات المعتمدة لا تدعمهم بما يكفي لتوفير الفرص العادلة لهم.
وذكر، بأنه بالنسبة للدول الأصلية، فإنها تخسر فئات كبيرة من شبابها وأفرادها الذين هم في أمس الحاجة إلى المشاركة في عملية التنمية، والخسارة لا تقتصر على الموارد البشرية، بل تتعداها إلى تدمير الأمل في مستقبل مشرق داخل وطنهم.
ومع تدفق الأموال التي يرسلها المهاجرون إلى بلادهم، يمكن أن يحدث نوع من الاعتماد على التحويلات المالية بدلاً من استثمار تلك الموارد في تنمية اقتصادية مستدامة، فالهجرة غير الشرعية هي أكثر من مجرد تدفق بشري من دولة إلى أخرى، هي مؤشر على فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي لا تتعامل مع الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة، الهجرة ليست مجرد رغبة في تحسين الوضع الاقتصادي بل هي أحيانًا نتيجة لغياب الأمن السياسي أو الفقر المدقع.
وأتم، إن معالجة هذه الظاهرة تتطلب حلولًا شاملة لا تقتصر على إغلاق الحدود أو فرض قيود على المهاجرين، بل يجب أن تشمل إصلاحات هيكلية داخل الدول المصدرة والتمكين الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين فيها، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الدولي لضمان طرق هجرة آمنة وقانونية.