الناجون من الحروق في مرمي نيران التنمر والنبذ المجتمعي بمصر
الناجون من الحروق في مرمي نيران التنمر والنبذ المجتمعي بمصر
تعليق من 8 كلمات على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، تحول إلى طلقة رصاص اغتالت إحدى الناجيات من الحروق نفسيا ومعنويا، وبلغ حد الوصول إلى سلطات التحقيق في مصر.
وقبل أيام بثت مؤسسة "أهل مصر" لعلاج الحروق (غير حكومية، مقرها القاهرة) إعلانا ترويجيا يهدف إلى جمع التبرعات لدعم خدماتها، كانت بطلته منال حسني، إحدى الناجيات من الحروق والمتحدث باسم المؤسسة.
وعلق أحد متابعي صفحة المؤسسة عبر موقع فيسبوك، على الإعلان، قائلا: "ليه تجيبوا لنا واحدة مشوهة تسد النفس على الإفطار"، ليثير تعليقه غضبا واستياءً بين المتابعين، وتعلن المؤسسة عن تقديم بلاغ للنيابة المصرية.
وقوبل التعليق الافتراضي، الذي انضوى على جريمة تنمر بهجوم شديد من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، كما فتح باباً واسعاً من الجدل بشأن حالة النبذ المجتمعي التي يواجهها الناجون من الحروق في مصر.
وناشدت المؤسسة الجميع بالتعامل مع الناجين من الحروق بشكل إنساني يراعي حالتهم النفسية والمرضية، وأن يكف ذوو النفوس الضعيفة عن النيل منهم بكلمات أو عبارات تؤذي مشاعرهم، مؤكدة أنها لن تتردد لحظة في الدفاع عن كل من ينتمون إليها وأنها لن تفرط في حق منال وكل الناجين من الحروق.
ومنال حسني، التي أعلن عدد كبير من الفنانين المصريين والشخصيات العامة تضامنهم معها، هي فتاة تعرضت لحريق أودى بحياة ثلاثة من أسرتها، وهي في سن السادسة عشرة.
وأجرت منال أكثر من ثلاثين عملية لتجاوز ما خلفه الحريق من آثار على جسدها، وكانت تعاني من رفض مجتمعي، تمثل في رفض أصحاب الأعمال قبولها للعمل لديهم طوال سنوات، حتى بدأت مؤسسة أهل مصر وانضمت لفريق العمل بها.
وقالت رئيسة مجلس أمناء مؤسسة "أهل مصر" هبة السويدي، عبر حسابها على فيسبوك: "التعليق المتنمر يؤذي مئات الآلاف من الناجين من الحروق، هناك نصف مليون شخص يتعرضون للحروق سنوياً في مصر، يتعرض 90 بالمئة منهم للتنمر الذي يصل إلى حد حرمان الأطفال من حقهم في التعليم".
برامج تأهيل الناجين
وتعد "أهل مصر" المؤسسة الوحيدة في مصر التي توفر دعمًا طبيًا ونفسيًا شاملًا للناجين من الحروق، والتي أسستها سيدة الأعمال والمبادرات الخيرية البارزة هبة السويدي، التي بدأت مشوارها في دعم ضحايا حوادث الحروق منذ عام 2011.
وعملت السويدي لمدة عامين بشكل غير مؤسسي، ثم دشنت المؤسسة وأعلنت عن إنشاء أول مستشفى متخصص في علاج مصابي الحروق في عام 2013.
وتقدم المؤسسة بخلاف العلاج الطبي 4 برامج لإعادة تأهيل الناجين من الحروق نفسيًا ومجتمعيًا، أولها برنامج باسم "سيدات أهل مصر"، لتمكين الناجيات من حوادث الحروق وأسرهن اجتماعيا واقتصاديا، لتوفير مصدر دخل ثابت وتحسين مستوى معيشتهن وتشجيعهن على الاندماج في المجتمع.
ويرتكز البرنامج على تدريب السيدات على الحرف والأعمال اليدوية والمهارات المختلفة، ليتمكنّ من إدارة المشروعات الصغيرة الخاصة بهن، أو الانضمام إلى فرق العمل بالشركات والمؤسسات القائمة بالفعل.
والبرنامج الثاني باسم "سلامة أهل مصر"، ويهدف لحماية المجتمع المصري من مخاطر حوادث الحروق وكيفية تفاديها والتعامل الصحيح في حال وقوعها، وكيفية اتخاذ الإجراءات الوقائية في المنزل والمؤسسات التعليمية وأماكن العمل المختلفة.
ويستهدف البرنامج الثالث "كلنا أهل مصر" دمج كل مصابي الحروق من الأطفال والشباب في المجتمع وتقبل ذواتهم واكتشاف وتنمية مهاراتهم ليتمكنوا من الدمج والتعايش مرة أخرى في المجتمع، خاصة أن الناجين من الحروق يتعرضون للتنمر والرفض المجتمعي، إضافة إلى الصدمة النفسية الناتجة عن الحريق، ما يجعلهم يشعرون بالغربة، وهو ما يستوجب إعادة تأهيلهم.
ويهدف البرنامج الرابع "بصمة أهل مصر" لجذب المتطوعين باعتبارهم من أعمدة الأنشطة التنموية المجتمعية، لمساعدة ومساندة المؤسسة في تحقيق أهدافها ورؤيتها لضمان استمرارية نتائج برامجها.
مساعٍ رسمية لتجريم التنمر
ومنذ سنوات قليلة لم يكن التنمر فعلا مجرما في القانون المصري، حتى أدخلت الحكومة تعديلا على قانون العقوبات لتجريم هذا الفعل، حيث تُعرف (المادة 309 مكرر أ) من قانون العقوبات، التنمر بأنه "كل قول أو استعراض قوة أو سيطرة للجاني، أو استغلال ضعف للمجني عليه أو لحالة يعتقد الجاني أنها تسيء للمجني عليه كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية، أو وضعه موضع السخرية، أو الحط من شأنه، أو إقصائه من محيطه الاجتماعي".
وتعاقب المادة القانونية جريمة التنمر بـ"بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه (نحو 560 دولارا) ولا تزيد على 30 ألفاً (نحو 1700 دولار)، أو بإحدى العقوبتين".
وانطلقت مبادرة رئاسية لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة والمختلفين، باسم “قادرون باختلاف” التقى فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد حظي الناجون من الحروق بالمشاركة للمرة الأولى في النسخة الأخيرة من المؤتمر، التي عقدت في ديسمبر الماضي، وكانت منال حسني بطلة واقعة التنمر، أبرز المشاركات، إذ طالبت خلال كلمتها أمام الرئيس المصري بتدشين حملة قومية لدعم الناجين من الحروق، وإعادة تأهيلهم وتضمين المناهج الدراسية مواد لتوعية الطلاب بحق المختلفين في حياة كريمة خالية من الرفض والإهانة.
بدوره، قال خبير التدريب وتنمية القدرات والباحث في المجلس القومي لحقوق الإنسان خالد معروف، إن تغليظ العقوبات القانونية ليس كافياً أو رادعا لتجريم التنمر أو النبذ المجتمعي لضحايا الحوادث، وإنما تغيير الواقع المجتمعي من خلال نشر الثقافة والتوعية.
وأوضح معروف لـ«جسور بوست» أن جميع مؤسسات الدولة عليها دور كبير في خلق أجواء مجتمعية تعادي ظواهر التنمر والنبذ والعنف تجاه الضحايا، فضلا عن ابتكار آليات وأساليب جديدة في التوعية.
ودعا معروف إلى توزيع أوراق تعريفية بخطورة العنف اللفظي والبدني لضحايا الحوادث وذوي الاحتياجات الخاصة، في دور العبادة ومراكز الشباب والمحال التجارية والشركات الخاصة.
ومضى قائلا: "القضية يجب أن تكون حاضرة في الذهن الجمعي للمجتمع المصري، من خلال تبني جميع المؤسسات لها والتوعية بسبل التصدي لها والحماية منها.