على حافة الموت.. انهيار الخدمات الصحية باليمن يهدد حياة نحو مليون امرأة
على حافة الموت.. انهيار الخدمات الصحية باليمن يهدد حياة نحو مليون امرأة
يواجه اليمن واحدةً من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، لكن مأساة النساء، خاصة في مجال الصحة الإنجابية، تبدو وكأنها تتوارى خلف عناوين الحرب والجوع، فمع الانهيار شبه الكامل للقطاع الصحي، وتراجع التمويل الدولي، تجد ملايين النساء اليمنيات أنفسهن دون أي شكل من أشكال الرعاية الطبية أثناء الحمل والولادة.
وفي ظل تصاعد معدلات وفيات الأمهات وانقطاع الدعم عن مئات المرافق الصحية، يطلق صندوق الأمم المتحدة للسكان تحذيراً من مستقبل قاتم ينتظر الأمهات والمواليد على حد سواء، ما لم يتحرك المجتمع الدولي سريعاً.
وأطلق صندوق الأمم المتحدة للسكان أمس الأربعاء، تحذيراً شديد اللهجة من خطر مضاعف يهدد حياة النساء في اليمن، بسبب النقص الحاد في التمويل المخصص لخدمات الصحة الإنجابية، وهو ما تسبب بالفعل في إغلاق أو تقليص الدعم عن عشرات المرافق الصحية.
وقال الصندوق في بيان رسمي (UNFPA, 2025): "معدلات وفيات الأمهات في اليمن مرتفعة أصلاً، ومع استمرار هذا التراجع في التمويل، فإن الحمل والولادة سيصبحان أكثر خطورة من أي وقت مضى".
وأوضح أن نحو 60% من الولادات في البلاد تتم حالياً دون وجود قابلات مؤهلات، مما يعرض حياة الأمهات والمواليد لخطر كبير.
وأشار البيان إلى أن أكثر من 600 ألف امرأة معرضات لخطر فقدان خدمات القبالة بشكل تام، إذا لم يُؤمَّن تمويل عاجل لاستمرار هذه الخدمات الأساسية، كما حذر من أن أكثر من 7 ملايين امرأة وفتاة مهددات هذا العام بفقدان الرعاية الصحية الأساسية.
انهيار البنية التحتية الصحية
لم تعد المستشفيات والمراكز الصحية في اليمن قادرة على تلبية الحد الأدنى من خدمات الصحة الإنجابية، فمن أصل 1,200 مرفق صحي يدعمها صندوق الأمم المتحدة للسكان، تم تعليق التمويل عن 50 منها بالفعل هذا العام، ما حرم ما لا يقل عن 1.5 مليون امرأة من خدمات طبية منقذة للحياة، وفق بيان الصندوق.
وحذّر المسؤول الإعلامي لصندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن، علي القباطي، في تصريحات لوكالة "رويترز"، من أن 700 مرفق صحي آخر معرض للإغلاق خلال الأشهر المقبلة في حال لم يتم توفير الدعم المالي الكافي.
وأكد القباطي أن الأزمة تتركز بشكل أكبر في المناطق النائية والأشد فقراً، حيث لا توجد بدائل أخرى للحصول على الرعاية الطبية.
نقص التمويل يهدد الأرواح
كشف صندوق الأمم المتحدة للسكان أن خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن لعام 2025 بحاجة إلى 70 مليون دولار لتمويل برامج الصحة الإنجابية، إلا أن المجتمع الدولي لم يوفر حتى الآن سوى 36% من هذا التمويل المطلوب، ويهدد هذا النقص الخطير بحدوث "انهيار كامل للمنظومة الصحية" بحسب تعبير الصندوق.
وكانت منظمة "أطباء بلا حدود" قد أصدرت بدورها تقريراً في يونيو 2025، أشارت فيه إلى أن أكثر من نصف النساء الحوامل اللاتي تستقبلهن مرافق المنظمة يصلن في مراحل خطيرة من مضاعفات الحمل، بسبب بُعد المسافة عن المرافق الطبية أو عدم قدرتهم على تحمل تكاليف النقل.
الانهيار الصحي لا يُؤثر فقط على النساء الحوامل، بل يمتد إلى جميع النساء والفتيات في سن الإنجاب، فمع غياب الرعاية، تزداد حالات الإجهاض غير الآمن، والتهابات ما بعد الولادة، ومضاعفات الحمل غير المكتشف.
الوصول إلى خدمات صحية
وتُحرم النساء من حق أساسي من حقوق الإنسان، وهو الوصول إلى خدمات صحية تحفظ كرامتهن وتؤمن سلامتهن.
وأوضحت المسؤولة في "اليونيسف" ليلى زيدان، في تصريح لموقع ReliefWeb، أن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الولادة في المنزل دون إشراف طبي، ما أدى إلى مضاعفة معدلات وفيات الأمهات والمواليد في مناطق مثل الحديدة وتعز وحجة.
وفي ظل هذا التدهور المتسارع، دعا صندوق الأمم المتحدة للسكان والمجتمع الدولي إلى ضرورة التدخل العاجل لإنقاذ ما تبقى من خدمات الصحة الإنجابية في اليمن، وطالب بإعادة تمويل المرافق الصحية وتوفير الدعم الطارئ للقابلات والكوادر الطبية.
وشدد البيان على أن "الاستثمار في صحة النساء ليس رفاهية، بل ضرورة إنسانية، وأي تأخير في التمويل سيؤدي إلى نتائج كارثية، لا تقتصر على النساء فقط، بل تشمل المجتمع بأسره".
سنوات من الحرب والتجويع
دخل اليمن في حالة حرب مفتوحة منذ عام 2015، ما أدى إلى انهيار شبه تام في الاقتصاد والنظام الصحي، ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، فإن 80% من سكان اليمن (نحو 24 مليون شخص) يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، ويمثل النساء والأطفال غالبية هؤلاء المحتاجين.
وأشار تقرير حديث لمنظمة "إنقاذ الطفولة" (Save the Children) إلى أن تدهور الخدمات الصحية وتفشي الأمراض مثل الكوليرا وسوء التغذية، جعل من الحمل والولادة معركة حياة أو موت للنساء اليمنيات.
وبينما تستمر الحرب، ويُغيب الدعم الدولي، تجد النساء اليمنيات أنفسهن ضحايا صامتات لصراع لا نهاية له، الصحة الإنجابية، بما تحمله من رمزية لاستمرار الحياة، باتت رفاهية نادرة في اليمن المنكوب، والسكوت عن هذا الوضع ليس فقط تجاهلاً للنساء، بل تخلياً عن مستقبل أمة بأكملها.