«نيويورك تايمز»: الحرب الأهلية تحوّل ميانمار إلى مركز عالمي للجريمة
«نيويورك تايمز»: الحرب الأهلية تحوّل ميانمار إلى مركز عالمي للجريمة
كشف تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، عن أن ميانمار، التي تشهد حربًا أهلية منذ ما يقرب من 4 سنوات، أصبحت نقطة جذب رئيسية للعصابات الإجرامية على مستوى العالم، خاصة من الصين، ما يزعزع استقرار القانون في معظم أنحاء آسيا.
ووفق تقرير للصحيفة الأمريكية، اليوم الثلاثاء، أصبحت ميانمار الآن أكبر مصدر للمخدرات في العالم، حيث تمتد حقول الأفيون في شمال شرق البلاد، وتحديدًا في ولاية شان، على طول الطرقات القروية، وتنمو أزهار الخشخاش التي تُستخدم لصناعة الأفيون، منذ الانقلاب العسكري في عام 2021.
وقالت الصحيفة، إن ميانمار استمرت في إنتاج الأفيون بنسبة كبيرة، حيث تحولت البلاد إلى أكبر منتج للأفيون في العالم، زادت معها أيضًا صناعة المخدرات الاصطناعية مثل الميثامفيتامين والكيتامين، التي تُصنع في مصانع غير قانونية باستخدام مواد كيميائية تأتي من الصين والهند المجاورة، تتغذى هذه الأنشطة الإجرامية على استقرار أمني ضعيف، مما سمح بزيادة الإنتاج وتهريبه إلى أسواق عالمية.
الصراع الداخلي والجريمة
وقالت “نيويورك تايمز”، إنه منذ انقلاب الجيش على الحكومة المنتخبة، شهدت ميانمار حربًا أهلية أدت إلى تدهور أوضاع الأمن في أنحاء مختلفة من البلاد، ساهمت الجريمة المنظمة في تفاقم هذه الأزمة، حيث أصبحت ميانمار مرتعًا لأمراء الحرب وتجار الأسلحة والمتاجرين بالبشر، بالإضافة إلى تجار المخدرات.
وتُعد ميانمار الآن واحدة من أكبر مراكز الجريمة المنظمة عالميًا، حيث تساهم العصابات الإجرامية في تمويل العمليات العسكرية والتوسع في تجارة المخدرات.
وتؤثر الجريمة المنظمة في ميانمار بشكل مباشر على حياة 55 مليون نسمة، حيث تساهم في تقويض الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، وتجلب هذه الأنشطة الإجرامية عواقب وخيمة على المنطقة، حيث تُغذي أسواق المخدرات العالمية من أستراليا إلى أوروبا، مما يزيد من معاناة الدول التي تتعرض لتدفق هذه المواد.
وعلى الرغم من الجهود الدولية للحد من هذه الجريمة، فإن الاستمرار في الصراع الداخلي في ميانمار يساهم في استمرار ازدهار هذه الأنشطة.
تأثير العصابات الصينية
تتزايد العصابات الإجرامية الصينية التي تعمل في ميانمار منذ فترة، حيث تسعى للسيطرة على تجارة المخدرات والأسلحة في المنطقة، رغم بعض الحملات القمعية التي تقوم بها الحكومة الصينية، فإن العصابات تواصل عملها بحرية في ميانمار، حيث تدفق الأسلحة إلى كل من المجلس العسكري الحاكم وقوات المقاومة.
وتجني هذه العصابات أرباحًا طائلة من التجارة غير المشروعة، وهو ما يعمق من حدة الأزمة في البلاد.
ولم تقتصر أنشطة ميانمار على المخدرات فقط، بل شملت أيضًا التجارة في الموارد الطبيعية النادرة، حيث يُعتقد أن ميانمار هي أكبر مصدر في العالم لبعض المعادن النادرة التي تستخدم في تكنولوجيا الطاقة النظيفة، مثل العناصر الأرضية النادرة، التي تُرسل إلى الصين عبر طرق التهريب القديمة.
وتُعد ميانمار موطنًا لبعض من أفضل أنواع اليشم والياقوت في العالم، حيث يستخرجها شباب مُدمنون على المخدرات، ويُصدرونها إلى الخارج عبر شبكات تهريب دولية.
ازدهار تجارة الأفيون
في ولاية شان، تواصل تجارة الأفيون ازدهارها وسط الأوضاع الأمنية المتدهورة، حيث يُزرع الخشخاش علنًا في الحقول دون خوف من السلطات، في الوقت نفسه، يستمر مزارعو الأفيون في جني الأرباح الكبيرة من المحصول، الذي يُباع بمبالغ تصل إلى 430 دولارًا للرطل، على الرغم من محاولات سابقة لإقناع الفلاحين بالتحول إلى زراعة محاصيل أخرى، فإن الجدوى الاقتصادية لزراعة الأفيون تظل العامل الحاسم في استمرارية هذه الأنشطة.
ويعتبر الجيش الميانماري والميليشيات العرقية المتحالفة معه من أكبر المحركات للاقتصاد غير المشروع في ميانمار، فمنذ الانقلاب، تعرض المجلس العسكري لعقوبات دولية بسبب سجله في حقوق الإنسان، مما قلل من موارده المالية، لكن هذه القيود لم تمنع الجيش من الاستمرار في تمويل عملياته العسكرية عبر أرباح تجارة المخدرات غير المشروعة، وأصبحت هذه الأنشطة المصدر الرئيسي للتمويل في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية.
وتسهم الحرب الأهلية المستمرة في ميانمار في تعزيز الأنشطة الإجرامية، حيث استفادت العصابات من الفوضى لتعزيز سيطرتها على مناطق جديدة.
وفي ولاية شان، على سبيل المثال، أصبحت المخدرات جزءًا أساسيًا من الاقتصاد المحلي، حيث تعمل الجماعات المسلحة على إنتاج وتهريب المخدرات عبر الحدود إلى دول مجاورة مثل لاوس وتايلاند، مما يعيد تشكيل "المثلث الذهبي" الشهير، يُضاف إلى ذلك أن بعض الجماعات المسلحة تواصل التجارة مع الجيش الميانماري، في حين تتجنبها جماعات أخرى.
المخدرات الاصطناعية
منذ استيلاء الجيش على السلطة، شهدت ميانمار زيادة ملحوظة في إنتاج المخدرات الاصطناعية، التي تُستخدم في النوادي الليلية وأماكن أخرى، وأصبحت المواد مثل الميثامفيتامين، الذي يُصنع في ورش متخصصة في الغابات، تُباع بأسعار منخفضة للغاية، مما جعلها في متناول أيدي العديد من الناس في ميانمار.
وأصبحت صناعة المخدرات جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية في المناطق التي تُسيطر عليها الجماعات المسلحة، مما يعمق من معاناة السكان المحليين.
وفي غياب حكومة مركزية قوية، تزداد حدة الجريمة المنظمة في ميانمار، حيث تسيطر العصابات على الأراضي وتدير الصناعات غير المشروعة، وعلى الرغم من الجهود الدولية لمكافحة هذه الأنشطة، فإن استمرار الصراع الداخلي يجعل من المستحيل فرض النظام في هذه المناطق، هذا الوضع يجعل ميانمار مركزًا رئيسيًا للجريمة المنظمة، وهو ما يعزز من انتشار هذه الأنشطة الإجرامية عبر الحدود.