أحمد الطيب.. شيخ الأزهر الأكثر حضوراً في دعم القضايا الحقوقية ومناصرة المستضعفين

بالتزامن مع يوم ميلاده

أحمد الطيب.. شيخ الأزهر الأكثر حضوراً في دعم القضايا الحقوقية ومناصرة المستضعفين
الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب

كواحد من أبرز العلماء والمفكرين في العالم الإسلامي، استطاع الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب، أن يحتفظ لنفسه بمكانة مرموقة وسط كبار رجال الدين والفكر الإسلامي.

ويستقبل اليوم الاثنين الموافق 6 يناير الشيخ أحمد الطيب عامه الـ79، وسط حضور واحتفاء غير مسبوقين بسبب مواقفه المعتدلة ومناصرته للعديد من القضايا الحقوقية، لا سيما في ظل توليه مشيخة الأزهر قبل نحو 15 عاما، إذ خلّدت جوائز عربية اسمه باعتباره شخصية إسلامية مستنيرة.

وعلى غير مسيرة مشايخ الأزهر السابقين، كان للشيخ الطيب حضور لافت على الصعيدين الإعلامي والإنساني والحقوقي، حيث شهد عهده جولات خارجية عديدة لم يقم بها أسلافه بالمشيخة، وتبلورت خلال رئاسته للمشيخة مواقف عديدة بارزة.

ولد الإمام الأكبر أحمد محمد أحمد الطيب الحسَاني بقرية القُرنةِ التابعة لمحافظة الأَقْصُر في صعيد مصر، في 6 يناير عام 1946 لأسرةٍ صوفية زاهدة، والتحقَ بمعهدِ (إسنا الدينيِّ)، ثم بمعهدِ (قنا الدينيِّ) ثم التحق بقسم العقيدةِ والفلسفةِ بكليةِ أصولِ الدينِ بالقاهرةِ، حتى تخرَّجَ فيها بتفوقٍ عامَ 1969.

وتدرج الطيب في سلم التعليم الأزهري حتى حصل على العالمية (الدكتوراه) من كلية أصول الدين بالقاهرة، ودرس اللغة الفرنسية في المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة بعدما تخرج في كلية أصول الدين وقضى به قرابة 5 سنوات، وكان يعرف الإنجليزية من دراستها في المرحلة الثانوية الأزهرية (1960-1965) والكلية، وترجم عددًا من المراجع الفرنسية إلى اللغة العربية.

وحسب رصد "جسور بوست"، كانت المواقف المناصرة لحقوق الإنسان التي اتخذها الشيخ أحمد الطيب، حاضرة في ملفات عديدة أبرزها التعايش بين الأديان، ومناصرة حقوق المرأة، ودعم الفئات الأكثر احتياجا، ودعم المظلومين والأقليات.

التعايش بين الأديان

أولى الإمام الأكبر أهمية كبرى للحوار بين الحضارات والثقافات والأديان المختلفة، مع الإيمان بخصوصية كل منها وضرورة احترام الاختلاف بين الأمم وأتباع الديانات، كما وهب حياته لنشر ثقافة التعايش والسلام والاندماج الإيجابي والأخُوة الإنسانية.

وفي عام 2016، تم استئناف الحوار بين الأزهر والفاتيكان على يد الشيخ أحمد الطيب، وذلك لتحقيق التعاون المشترك بين أتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية وتفعيل القيم المشتركة لتحقيق التعايش السلمي والتعاون والتضافر للتصدي لخطر الإرهاب الذي يهدد الإنسانية ويعمل على ضرب الاستقرار في العالم.

ونتج عن ذلك ثلاث قمم ثنائية بين شيخ الأزهر الشريف والأب فرانسيس بابا الفاتيكان، وكانت أولى الزيارات في روما، والثانية في القاهرة، والثالثة في دولة الإمارات حيث وقع الطرفان في عام 2019، على وثيقة "الأخوة الإنسانية" في العاصمة الإماراتية أبوظبي، خلال فعاليات لقاء الأخوة الإنسانية الذي احتضنه "صرح زايد المؤسس".

وقال شيخ الأزهر آنذاك إن العالم كله يشهد إطلاق وثيقة الأخوة الإنسانية وما تتضمنه من دعوة لنشر ثقافة السلام واحترام الغير وتحقيق الرفاهية بديلا عن ثقافة الكراهية والظلم والعنف، مؤكدا أن الوثيقة تطالب قادة العالم وصناع السياسات ومن بأيديهم مصير الشعوب بالتدخل الفوري لوقف نزيف الدماء وإزهاق الأرواح ووضع نهاية فورية لما تشهده من صراعات وفتن وحروب عبثية.

وأضاف "الوثيقة المشتركة نداء لكل ضمير حي ينبذ التطرف ولكل محب للتسامح والإخاء"، موجها نداءه إلى من يحملون في قلوبهم إيمانا بالله وبالإنسانية للعمل معا حتى تصبح الوثيقة دليلا للأجيال القادمة يأخذهم إلى ثقافة السلام والاحترام المتبادل.

واعتاد الشيخ الطيب أن يقدم التهنئة لبابا أقباط مصر تواضروس الثاني في الأعياد المسيحية، مقابل انتقاد الشيوخ الراديكاليين الذين يقدمون فتاوى بعدم جواز تهنئة المسيحيين في أعيادهم. 

مناصرة حقوق المرأة 

حمل الإمام الأكبر أحمد الطيب راية الدفاع عن حقوق المرأة، حيث رفض زواج القاصرات بشكل قاطع، وأعلن عن تأييد الأزهر للقانون الذي يحدد سن زواج الفتيات بـ18عامًا، كما دافع عن حق الأم المطلقة في رعاية أبنائها وعدم حرمانها منهم.

وأوضح شيخ الأزهر أن تحديد انتهاء حق الحضانة ببلوغ سن الخامسة عشرة لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، كما دعا إلى ضبط "ظاهرةِ فوضى تعدُّدِ الزواجِ وفوضى الطلاقِ"، وشدد على أن إجبار الفتاة على الزواج ممن لا تريده أمر مرفوض، وخصص حلقات تلفزيونية من برنامجه "الإمام الطيب" المذاع في شهر رمضان للدافع عن حقوق المرأة وقضاياها.

واهتم بقضية تمكين المرأة بالأزهر الشريف، حيث أصدر قرارًا في سابقة لأول مرة بتعيين كل من الدكتورة نهلة الصعيدي مستشارا لفضيلته لشؤون الوافدين، والدكتورة إلهام شاهين أمينا عاما مساعدا لشؤون الواعظات بمجمع البحوث الإسلامية، والدكتورة فاطمة الأحمر رئيسا للإدارة المركزية لمنطقة الجيزة الأزهرية، إضافة إلى تكليف 1300 امرأة بتولي منصب "شيخ المعهد" بمختلف المناطق الأزهرية، وهو العدد الأكبر في تاريخ الأزهر الشريف.

وبعهد الطيب، اتخذ الأزهر الشريف في عام 2018 موقفًا حاسمًا تُجاهَ ظاهرة التحرش الجنسي كأحد أخطرِ الظواهر الاجتماعية ضد المرأة، مُنتصِرًا لكرامتها وحريتها وحقوقها، حيث أعلن الرفض القاطع لتلك الظاهرة غير الأخلاقية، مشدّدًا على تجريم التحرش إشارةً أو لفظًا أو فعلًا، مؤكّدًا أنه فِعلٌ يأثم فاعلُه شرعًا، ولا يجوز تبريره بسلوكِ أو ملابسِ الفتاة. 

ودأب "مرصد الأزهر" على إصدار بيانات بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، يدعو فيها إلى نبذ كل أشكال العنف الموَجَّه ضد المرأة، باعتباره عملًا يتنافى مع ما دعا له الدين الإسلامي الحنيف الذي كرّم المرأة، ومنَحها العديدَ من الحقوق التي لم تحصل عليها من قبلُ.

دعم الفئات المتضررة

منذ وصوله لمشيخة الأزهر، وجه فضيلة الإمام الأكبر بتسيير عدد من القوافل الطبية والإغاثية خارج مصر لرفع المعاناة عن الناس في الدول والمناطق الأشد احتياجًا، فكانت أولى القوافل إلى دولة النيجر ثم تبعها 26 قافلة طبية وإغاثية إلى 11 دولة أخرى.

وبدأت القوافل الطبية والإغاثية داخل مصر عام 2013، عندما وجه فضيلته بتيسير قافلة طبية إلى أسوان وشلاتين ثم تبعها 68 قافلة أخرى في مناطق أخرى، ليصبح عدد القوافل الداخلية 69 قافلة طبية، قدمت أطنانا من السلع والمواد الغذائية.

ولعب بيت الزكاة والصدقات المصري، الذي أنشأه الطيب في عام 2014، دورا حيويا في بث روح التكافل والتراحم بين أفراد المجتمع، ومد يد العون إلى الفقراء والمحتاجين الذين يجدون صعوبة في تحمل نفقات الحياة أعبائها، وذلك من خلال إعانات مالية تقدم لهم بصفة شهرية، إلى جانب العديد من المساعدات الأخرى المتنوعة أبرزها سداد ديون الغارمين والغارمات.

وتبرع الشيخ أحمد الطيب بخمسة ملايين جنيه لصالح صندوق "تحيا مصر" في مواجهة جائحة فيروس كورونا، وتكفّل بتعليم أبناء الأطباء الذين كانوا في صفوف المواجهة الأولى ضد الفيروس وكانوا ضمن ضحاياه، فيما تبرع بقيمة جائزة الأخوة الإنسانية، لبيت الزكاة والصدقات المصري وصندوق تحيا مصر.

دعم حقوق الأقليات

وللشيخ أحمد الطيب مواقف متواصلة في دعم المظلومين والأقليات، أبرزها في عام 2015 عندما استقبل المواطنة العراقية الإيزيدية "نادية مراد"، أثناء زيارتها القاهرة ولقائها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي؛ للتخفيف عنها والوقوف بجانبها وتقديم الدعم النفسي والمعنوي لها، بعد ما شهدته من إرهابٍ ومعاناةٍ على يد تنظيم داعش الإرهابي في بلادها. 

وفي 2017 رفض الشيخ أحمد الطيب لقاء نائب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ردا على قرار الأخير الاعتراف بأن القدس عاصمة إسرائيل ونقل سفارة واشنطن إليها، إذ قال في خطابه آنذاك: "كيف لي أن أجلس مع من منحوا ما لا يملكون لمن لا يستحقون؟! ويجب على الرئيس الأمريكي التراجع فورا عن هذا القرار الباطل شرعا وقانونا".

وأعلن الإمام الأكبر التضامن مع قضية الفتاة الفلسطينية "عهد التميمي" والتي اعتقلتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في عام 2017، عقب تصديها لجنديين من قوات الاحتلال الصهيوني مدججين بالسلاح كانا في باحة منزلها في بلدة النبي صالح الفلسطينية المحتلة منذ أكثر من خمسين عامًا.

وكان لخطاب شيخ الأزهر التاريخي أمام مجلس الأمن في يونيو عام 2023 تأثير واسع إذ قدم الدعم للمظلومين وتحدث أمام العالم عما يكابده الشعب الفلسطيني من غطرسة القوة وقسوة المستبد، وسط صمت المجتمع الدولي عن حقوق هذا الشعب الفلسطيني، موجها الدعوة آنذاك إلى مجلس الأمن والمجتمع الدولي للإسراع بإقرار دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وحماية المسجد الأقصى الشريف من الانتهاكات التي يتعرض لها.

ومنذ حرب غزة في أكتوبر 2023، سطع نجم الطيب في الدفاع عن غزة، ووصف ما ترتكبه إسرائيل بأنها "جرائم إبادة جماعية"، مطالبا المجتمع الدولي بحلٍّ عاجل لوقف شلالات الدماء التي يعلم الله والناس جميعًا في الشرق والغرب أنها بريئة، ووضع حد لهذه القسوة التي لا تحتملها طاقة بشر.

وكان للشيخ أحمد الطيب دور بارز في دعم أقلية مسلمي الروهينغا في ميانمار، حيث دعا في بيان تاريخي عام 2017 إلى التصدي بكل السبل لسلطات ميانمار التي ترتكب أبشع أشكال الإبادة الجماعية والتهجير القسري بحق المسلمين في بورما، منتقدًا الصمت الدولي إزاء القضية.

وفي العام نفسه أرسل الطيب قافلة إغاثية كبيرة إلى مخيمات اللاجئين الروهينغا في بنغلاديش، لتوزيع المساعدات الإغاثية والإيوائية والصحية، وكان من المقرر أن تعمل القافلة لمدة أسبوع واحد لكنه قرر مد عمل القافلة لمدة أسبوع آخر لتوزيع أكبر قدر من المساعدات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية