«اللباس الشرعي».. حملات تفرض الوصاية وتهدد حرية النساء في سوريا
«اللباس الشرعي».. حملات تفرض الوصاية وتهدد حرية النساء في سوريا
فوجئ السوريون خلال الأيام القليلة الماضية بملصقات تحث النساء على ارتداء الحجاب أو النقاب، ما يطلق عليه "اللباس الشرعي"، والتي ظهرت في بعض الشوارع والميادين السورية، وانتقلت منها إلى مواقع التواصل الاجتماعي، لتقابلها حملة أخرى تطالب بعدم استهداف الحرية الشخصية للنساء، معتبرة أن المرأة حرة في اختيار الزي الذي تراه.
وشهدت العاصمة دمشق خلال الأيام الماضية، انتشار ملصقات على أبواب وجدران المنازل والأسواق التجارية، بعنوان "حجاب المرأة المسلمة"، تتضمن شروط الحجاب الشرعي، وتظهر فيه امرأة مغطاة بالكامل بثوب أسود لا يظهر منها أي شيء ويحدد معايير "الحجاب الشرعي".
وحتى الآن لم تعلق أو تتبنَ السلطة الحاكمة في سوريا هذه الحملات، كما تم الرد عليها بحملة مضادة شعارها "لباس المرأة الحرة"، ظهرت فيها المرأة ترتدي "قميصاً أبيض يحمل علم الثورة السورية" وتدعو إلى حرية النساء في اختيار ملابسهن.
وباتت أوضاع النساء في سوريا محل تحليل وتفنيد على جميع الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، متأثرة بالصراع المستمر منذ عام 2011، لا سيما بعد التطورات الأخيرة التي أعقبت انتهاء نظام حكم الرئيس السابق بشار الأسد وتولي الفصائل المعارضة مقاليد الحكم في البلاد.
معركة افتراضية
قال أبو إسحاق المَوصلِيّ، عبر تغريدة على منصة إكس: "بعد مبادرة نسائية بسيطة من الأخوات، 5 أخوات في حلب، لبسن اللباس الشرعي الكامل لأول مرة في حياتهن، وتعهدن بعدم خلعه حتى يلقين الله؛ بعد أن ارتدت أصغرهن سنًّا ذلك اللباس المبارك؛ فكانت الصغيرة قدوة للكبيرات من أخواتها، نسأل الله أن يثبتهنَّ ويجعله حجة لهنَّ يوم القيامة".
وقالت الممثلة السورية علياء سعيد، عبر منصة إكس: "غريب جدًا طرح هذا النوع من التدخل الجارح والقاسي في حرية المرأة بأحد أبسط حقوقها، وهو اختيار لباسها، فهو شيء شخصي للغاية، ولا يحق لأي أحد كائنًا من كان التدخل به، أنا أنظر للموضوع محاولة لتحجيمها وإلهائها بحقوقها البديهية، حتى تفكر أنها أمام حرب لتأخذ أبسط حقوقها، والنتيجة ألّا تفكر في المطالبة بحقها الطبيعي بالمواطنة بدولة قانون تحميها".
فيما قالت كاتيا الخطيب، في منشور الخميس بمنصة إكس: "عندما يحاول المقاتلون الملثمون فرض ما يسمونه "الحجاب الشرعي"، تنتفض النساء ضدهم وانتشار الملصقات المضادة على الجدران يمثل وجهاً جديداً للمقاومة - نساء يتحدين الترهيب ويطالبن بحقهن في حرية اللباس. ثورة صامتة تتجلى على جدران سوريا"، وأرفقت التغريدة بوسم #لباس_المرأة_الحرة
ورد عليها منتصر أحمد الصوالحة، قائلا: عندما يحاول الفتانون العلمانيون فرض ما يسمونه “اللباس الحر”، تنتفض النساء ضدهم. انتشار الملصقات المضادة على الجدران يمثل وجهاً جديداً للمقاومة.. نساء يتحدين الفسق ويطالبن بحقهن في الحجاب الشرعي. ثورة تتجلى على جدران سوريا"، ودشن هاشتاج #الحجاب_الشرعي.
وقالت آلاء هاشم في منشور عبر منصة إكس: "أنا في سوريا منذ أسبوعين، لم أسمع ولم أرَ ولم ألمح شيئاً بخصوص ما يقال عنها حملات الزي الشرعي، فيما عاينته وأعاينه لا يوجد شيء بهذا الخصوص".
محاولة للإلهاء
قال المحامي والناشط السوري، أنس جودة لـ"جسور بوست": "يمكن تسمية هذه الأمور بأنها محاولة لإلهاء المجتمع وإبعاده عن مناقشة القضايا الأساسية التي يجب الحديث عنها كالدستور وشكل الحكم والاقتصاد والعقوبات والأمن والمجتمعات المحلية، لا سيما في ظل أهمية التركيز على القضايا الأساسية والابتعاد عن الشقاق".
وأضاف جودة: "الحملات التي تدعو للباس الزي الشرعي لا يمكن أن تؤثر على المجتمع السوري المتعدد والمتنوع، لأنه مجتمع محافظ لديه تقاليد طبيعية وليس بحاجة لحملات تفرض على النساء أمورا محددة، كما أنها حملات غير منطقية تثير رفض قطاع واسع من المجتمع السوري".
ومن جانبها، قالت الناشطة النسوية السورية، آلاء عامر لـ"جسور بوست": "بخصوص حملة لباس المرأة الحرة بدأت من دمشق ثم إلى حمص وبعدها إلى حماة واللاذقية، وهي في انتشار مستمر وهدفها فقط التأكيد على الحرية، كما أنها جاءت ردا على الحملات التي تحاول الضغط على المرأة السورية وممارسة عنف غير مباشر".
وترى آلاء أن "حملة الزي الشرعي كانت محبطة للمرأة السورية المعروفة باستحقاقها وتنوع زيها وتلونه، خاصة أنها استهدفت النساء من الطبقة المعدومة اقتصاديا حيث كان الترويج ينص على أن الكثير من النساء يردن ارتداء الزي الشرعي لكن لا يملكن ثمن شرائه".
وبرأي الناشطة النسوية السورية، فإنه "منذ بداية الثورة السورية كان هناك تنافس بين النظام والمتظاهرين على امتلاك الشارع واليوم عاد هذا التنافس عندما بدأت حملات الدعوة تنتشر في الشوارع"، لافتة إلى أن "حملة لباس المرأة الحرة اعتمدت نفس تصميم حملة الزي الشرعي بهدف التأكيد على أنها رد على الحملة الأولى وإثبات أن الشارع السوري ليس ملكا لأحد".
وأشارت إلى أن "حملة الزي الشرعي إضافة إلى كونها وصاية على المرأة السورية فإن أحد بنودها يشير إلى عدم التشبه بلباس الكافرات وهذا يشكل شرخا خطيرا جدا على السلم الأهلي في بلد متنوع مثل سوريا".
مخاوف وتهديدات
وقالت الناشطة المدنية السورية، ومديرة العمليات في حركة البناء الوطني تيماء عيسى لـ"جسور بوست"، إن "الحملات التي انتشرت في الشهر المنصرم وتدعو النساء السوريات لارتداء اللباس الإسلامي الشرعي بتجرد عن السياق السوري لا تثير القلق نظرياً".
وأوضحت تيماء عيسى، أنه "لا ضرر اليوم بأن تروج كل جماعة للأفكار التي تعتنقها وتحاول الامتداد والانتشار في أوسع طيف، لكن ما يثير القلق في عمق القضية هو ارتباط هذه الحملات مع سلطة دينية مسلحة وبغياب دستور وآليات الرقابة المجتمعية".
وأكدت أنه "يمكن لأي إنسان رفض أي دعوة تقدم له أو يدعو الناس بطريقة سلمية لأي فكر وهذا حق مشروع في كلتا الحالتين ولكن في المشهد السوري لا يوجد حقاً حرية اتخاذ القرار".
وأرجعت مديرة العمليات في حركة البناء الوطني تيماء عيسى ذلك إلى أنه "ليس خوفاً من السلاح والتيار الإسلامي المسلح الذي في الواقع لم يجبر أي امرأة سورية على ارتداء الحجاب عنوةً حتى الآن، إنما سنوات الانغلاق على النفس والخوف الهستيري من قول كلمة لا التي زرعها النظام السابق بأنفس السوريين سلبتهم الحرية الحقيقية للاختيار رغم عدم إقران هذه الحملات بمظاهر مسلحة، ولكن التمكين الذي حُرم منه السوريون عموماً والسوريات خصوصاً جعل الرفض مستبعداً ومليئاً بالخوف".
وهذا ما يفسر تأخر "الحملات المضادة إن صحت التسمية، والتي تدعو النساء السوريات إلى اللباس الحر والذي يتضمن اللباس الإسلامي الشرعي بالتأكيد ليشكل حالة متوازنة وصحية من الخيارات"، وفق الناشطة المدنية السورية، ومديرة العمليات في حركة البناء الوطني تيماء عيسى.
ولا تخشى تيماء عيسى "امتداد التيار الديني أو وصوله إلى السلطة"، مستدركة: "لكن ما أخشاه هو إعادة تكوين حلقة "الاستماع إلى الذات فقط" الذي أسسها النظام السابق في مؤسسات صنع القرار السوري".
وأضافت: "لا بأس بالتمثيل الديني عقب ما أحرزه الإسلاميون لسوريا، إنما نحن أمام خطر عالٍ لإعادة الاقتتالات السورية في حال الاستحواذ على المساحات وعدم وضع إطار وطني للهوية السورية الجامعة لكل مكونات المجتمع السوري"، مشددة على أن "هذه المرحلة يجب أن تكون بالشراكة الكاملة والحقيقية والعميقة لا التمثيلية أو المحاصصة أو انتقاء الأصوات التي تُحدث صدىً لصوت السلطة الحاكمة فقط".
فريضة الاعتدال
بدوره، قال أستاذ العلاقات الدولية السوري، الدكتور عبدالقادر عزوز: "سوريا مجتمع متدين عموما، ولكن فهم السيكولوجية الاجتماعية في سوريا تتجه إلى أن تميل لعدم أسلمة المجال العام، وبالتالي هناك ضرورة لتنظيم العلاقة أو تحديد دور الدين في المجال العام، ويجب أن تكون المسألة الدينية أو الشعائر عموما وحتى الزي مثلا من الحرية الشخصية، خاصة ونحن في سوريا لم تكن لتحدث حوادث اعتداء أو غير ذلك للمرأة بسبب الزي مثلا".
وأوضح الدكتور عبدالقادر عزوز، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن "كل القوانين والتشريعات في سوريا تسمح بالحريات الشخصية وحرية المعتقد"، مستدركا: "لكن بالواقع يجب أن نعمل على تكريس الدولة العصرية العادلة العابرة للأيدلوجيات والانتماءات الفرعية بما لا يخل بالنظام العام وبحقوق المجتمع".
وعن رأيه بشأن مستقبل الحملات المنتشرة للباس الشرعي، أكد أهمية أن يكون هناك فهم بأن الانتقال الديمقراطي والسياسي والمجتمعي يحتاج لوعي واحترام حريات الآخرين والمعتقد والبعد عن الممارسات الغوغائية أو المتطرفة التي عادة تواجه بتطرف مضاد".
وشدد على أن "ما يحقق الانتقال السياسي أو التعافي الاقتصادي هو الاعتدال والابتعاد عن التطرف الديني أو القومي أو الأيدلوجي، خاصة وهو لا يبني مجتمعا، خاصة ونحن نتحدث عن إعادة بناء سوريا الجديدة التي يجب أن يكون التنوع فيها عنوانا رئيسا".