216 مليون نازح محتمل بحلول 2050.. كيف سيغير المناخ وجه العالم؟

البشرية بين فيضانات مدمّرة وحرائق لا تنطفئ

216 مليون نازح محتمل بحلول 2050.. كيف سيغير المناخ وجه العالم؟
فيضانات في أوروبا

في كل صباح تصحو الأرض على وجهٍ جديد لكارثة مناخية، يفيض فيه نهر في قريةٍ نائية ليغمر المنازل، أو تشتعل فيه غابة خضراء لتتحوّل رمادًا في لمح البصر، مشاهد متكررة في نشرات الأخبار لم تعد صادمة بقدر ما باتت معتادة، لكنها في الحقيقة إشارات حمراء تضيء مستقبلًا مهددًا بفعل تغيّر المناخ.

تشهد عدة دول فيضانات مدمّرة وحرائق غابات مميتة، في ظاهرة تؤكد للعالم من جديد أن الظواهر المناخية المتطرفة لم تعد مجرد استثناءات موسمية وفق شبكة “يورونيوز”، بل واقع متكرر يطول الإنسان والطبيعة والاقتصاد معًا.

الموت يحصد رجال الإطفاء

في تركيا، حيث عادةً ما يُنظر إلى الصيف على أنه فصل للسياحة والبحر، تحوّل المشهد إلى جحيم مشتعل، فقد لقي ثلاثة من رجال الإطفاء المتطوعين حتفهم عندما انقلبت مركبتهم قرب مدينة بورصة، في حين ارتفع عدد ضحايا الحرائق إلى ما لا يقل عن 17 شخصًا منذ نهاية يونيو الماضي. 

ووفق تصريحات وزير الغابات التركي إبراهيم يوماكلي، فإن فرق الإطفاء واجهت أكثر من 44 حريقًا في مختلف أنحاء البلاد خلال يوم واحد، وسط درجات حرارة مرتفعة بشكل غير طبيعي ورياح عاتية غذّت النيران.

وأعلنت الحكومة التركية ولايتي إزمير وبيلجيك مناطق كوارث، في حين جرى إجلاء أكثر من 3500 شخص حول بورصة. وعلى الرغم من محدودية الأضرار التي لحقت بالمنازل، فإن الثمن الحقيقي كان فقدان مساحات شاسعة من الغابات التي استغرقت عقودًا لتتشكل.

وحذّر الوزير التركي من أن البلاد تمرّ "بأسبوع محفوف بالأخطار"، في وقت يخضع فيه 97 شخصًا في 33 ولاية للتحقيق بتهم محتملة تتعلق بإشعال الحرائق عمدًا أو الإهمال الجسيم.

فيضانات تغمر رومانيا

وفي رومانيا، اجتاحت أمطار غزيرة شمال شرق البلاد ليلًا، لتتسبب في فيضانات مفاجئة غمرت المنازل وجرفت المركبات وأرغمت مئات الأشخاص على الفرار.

وأعلنت السلطات وفاة رجل يبلغ من العمر 66 عامًا عُثر عليه في قاع جدول مائي ببلدة نياجرا، وكانت مقاطعتا نيامتس وسوتشيافا الأكثر تضررًا، حيث جرى استخدام مروحيات وطواقم إطفاء لإنقاذ السكان المحاصَرين.

المشاهد المأخوذة من مقاطع الفيديو التي نشرتها السلطات تضمنت: مياهاً موحلةً، مبانيَ مدمَّرةً، ووجوهاً مذهولةً لأشخاص خسروا كل شيء في غضون ساعات.

ألبانيا.. الحرائق تمتد شمالاً وجنوباً

أما في ألبانيا، فقد اندلعت ستة حرائق غابات منفصلة بعد أسبوعين فقط من موجة حرائق أتت على آلاف الهكتارات. المناطق الجبلية في الشمال الشرقي شهدت أعنف الحرائق، في حين أسهمت الرياح القوية في إشعال جبهات جديدة في الجنوب، تحديدًا في منطقتي دلفيني وكونيسبول على طول الساحل الأدرياتيكي.

وزارة الدفاع الألبانية أعلنت القبض على 12 شخصًا خلال عطلة نهاية الأسبوع للاشتباه بتورطهم في إشعال الحرائق عمدًا، في مؤشر على تداخل الكارثة المناخية مع المسؤولية البشرية.

أرقام صادمة من تقارير دولية

بحسب تقرير حديث صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، ارتفعت حوادث الظواهر المناخية المتطرفة -مثل موجات الحر، الفيضانات، والجفاف- بنسبة تفوق 83% خلال العقود الأربعة الماضية، وفي عام 2023 وحده، شهد العالم أكثر من 600 كارثة طبيعية كبرى، أسفرت عن مقتل أكثر من 30 ألف شخص وتشريد الملايين.

تقرير صادر عن البنك الدولي حذّر أيضًا من أن تغيّر المناخ قد يُرغم نحو 216 مليون شخص حول العالم على النزوح الداخلي بحلول عام 2050، نتيجة فقدان سبل العيش بسبب الجفاف وارتفاع مستوى البحر والفيضانات.

أما "الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر" فأشار إلى أن الكوارث المرتبطة بالمناخ والطقس تمثل أكثر من 90% من إجمالي الكوارث المسجلة خلال العقدين الأخيرين.

من تحذيرات إلى واقع

قبل أكثر من ثلاثة عقود، في عام 1992، اجتمع قادة العالم في "قمة الأرض" بريو دي جانيرو ليتفقوا على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ. منذ ذلك الحين، عُقدت عشرات المؤتمرات الدولية، وصيغت اتفاقيات طموحة مثل بروتوكول كيوتو (1997) واتفاق باريس (2015) الذي تعهدت فيه الدول بحصر الاحترار العالمي في حدود 1.5 درجة مئوية.

لكن بعد سنوات من التعهدات، تبيّن أن الانبعاثات لم تنخفض بالمستوى المطلوب. وفقًا لتقرير "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" (IPCC)، تجاوز متوسط درجات الحرارة العالمية بالفعل 1.1 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، مع توقعات ببلوغه 1.5 درجة في غضون عقد.

وخلف هذه الأرقام القاتمة وجداول البيانات تكمن مآسٍ إنسانية حقيقية: أسر فقدت منازلها في لحظة، مزارعون خسروا مواسم بأكملها بسبب الجفاف أو الفيضانات، وأطفال يواجهون خطر سوء التغذية في مناطق النزاعات التي زاد تغيّر المناخ من حدتها.

تقرير صدر هذا العام عن منظمة "أوكسفام" أشار إلى أن الجفاف وحده تسبب في تراجع الأمن الغذائي لدى أكثر من 48 مليون شخص في شرق إفريقيا، مع تفاقم معدلات النزوح والفقر المدقع.

ما الذي يمكن فعله؟

تتفق المنظمات الأممية والخبراء على أن الحلول يجب أن تجمع بين التكيّف مع الواقع الحالي والتخفيف من الانبعاثات، ويعني ذلك تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية، تحسين البنية التحتية لمواجهة الفيضانات والحرائق، والتوسع في مصادر الطاقة المتجددة.

الدول الأكثر تضررًا، خاصةً في إفريقيا وجنوب آسيا، تطالب المجتمع الدولي بزيادة التمويل المناخي، فبينما تُقدر الحاجة إلى نحو 300 مليار دولار سنويًا لمشروعات التكيّف، لم تتجاوز الإسهامات الفعلية 29 مليار دولار في عام 2020، وفق تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

تغير المناخ لم يعد مجرد نقاش علمي أو احتمال مستقبلي، بل واقعٌ يفرض نفسه يوميًا على شاشات الأخبار وفي حياة ملايين البشر، فالفيضانات في رومانيا، والحرائق في تركيا وألبانيا، والعواصف التي تجتاح مناطق جديدة، كلها رسائل صارخة بأن الوقت لم يعد في صالحنا، فكوارث تغير المناخ لا تنتظر، والخسائر الأكبر دائمًا يدفع ثمنها من لا ذنب لهم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية