مأساة في المانش.. مصرع مهاجر ونجاة العشرات وسط تصاعد محاولات العبور

مأساة في المانش.. مصرع مهاجر ونجاة العشرات وسط تصاعد محاولات العبور
قارب هجرة غير شرعية- أرشيف

لم يعد بحر المانش مجرّد ممر بحري بين ضفتي أوروبا وبريطانيا، بل تحوّل إلى ساحة موت معلن، تعبره القوارب الهشة المحمّلة بالبشر بحثًا عن فرصة حياة، لكنها كثيرًا ما تنتهي بكارثة، ففي فجر السبت الماضي، لفظ البحر جثة مهاجر جديد حاول العبور من شمال فرنسا، في مشهد يعيد التذكير بالفشل الذريع للسياسات الأمنية الفرنسية البريطانية في كبح جماح المأساة.

وفيما تواصل السلطات البحرية عمليات الإنقاذ اليومية، تُسجّل أيضًا حالات امتناع بعض المهاجرين عن تلقي المساعدة، خوفًا من إعادتهم إلى فرنسا، وبينما تُسجل حالات الوفاة بصمت، تستمر شبكات التهريب في توجيه قوارب الموت، وتتصاعد الانتقادات للسياسات المتبعة التي تضع الأرواح على هامش الحسابات السياسية.

ولقي مهاجر مصرعه، عقب فشل محاولة لعبور بحر المانش من أحد شواطئ شمال فرنسا، بحسب ما ذكر موقع "مهاجر نيوز"، أمس الاثنين. 

ووفق السلطات المحلية، فقد وقعت المأساة بعد اضطرار قارب غير نظامي إلى العودة نحو شاطئ "إيكويان-بلاج"، القريب من مدينة بولوني-سور-مير، حيث تُوفي رجل خمسيني نتيجة توقف قلبي تنفّسي، رغم محاولات إنعاشه على يد طواقم طبية من منظمة "أطباء بلا حدود" وجمعية "يوتوبيا 56".

وأعربت منظمة "أطباء بلا حدود" عن صدمتها وغضبها حيال الحادث، ووصفت ما حدث بأنه نتيجة مباشرة للسياسات الأمنية "المكلفة وغير الفعالة" على جانبي المانش، داعية كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، إلى مراجعة النهج المعتمد في ضبط الحدود، معتبرة أن "الأرواح تُزهق يوميًا على هذا الطريق".

نقل ضحايا آخرين للمستشفى

وبحسب ما أوردته إذاعة "راديو 6"، فقد تم نقل أربعة مهاجرين آخرين إلى المستشفى بعد وصول القارب إلى الشاطئ، وهم: شاب أفغاني (20 عامًا)، فتاة صومالية (19 عامًا)، وشابان صوماليان يبلغان من العمر 18 و25 عامًا. فيما فُتح تحقيق جنائي بإشراف النيابة العامة لتحديد أسباب وملابسات الوفاة.

وأعلنت السلطات البحرية الفرنسية، يوم الأحد، عن تنفيذ عمليات إنقاذ متفرقة أسفرت عن انتشال 45 مهاجرًا خلال يوم واحد في بحر المانش. ووفقًا لبيان رسمي، فقد جرت العمليات بعد رصد عدة قوارب تنطلق باتجاه السواحل البريطانية، فيما تولى المركز الإقليمي للمراقبة والإنقاذ (CROSS) تنسيق التدخلات مع الوحدات البحرية.

وأُنجزت أولى العمليات في ميناء كاليه، حيث تم إنقاذ 32 مهاجرًا كانوا على متن قارب غير مستقر، فيما رفض آخرون في نفس القارب تلقي المساعدة وواصلوا الإبحار نحو السواحل البريطانية. 

وفي عملية أخرى قبالة سواحل "غري-ني"، تم إنقاذ أربعة أشخاص في البداية، قبل أن يطلب تسعة آخرون النجدة لاحقًا بعد مواصلة القارب رحلته، ليُنقلوا لاحقًا إلى ميناء كاليه.

وأشارت السلطات إلى أن بعض المهاجرين يرفضون الصعود إلى قوارب الإنقاذ الفرنسية خشية إعادتهم إلى الشواطئ الفرنسية، وهو ما دفع فرق الإنقاذ إلى تجنّب التدخل القسري حفاظًا على سلامة المهاجرين ومنعًا لحوادث السقوط أو التعرض لصدمة حرارية.

محاولات لا تتوقف

تأتي هذه الحوادث في سياق تزايد محاولات العبور غير النظامي خلال فصل الصيف، إذ تستغل شبكات التهريب تحسّن الأحوال الجوية لتكثيف نشاطها، ما يؤدي إلى ارتفاع عدد القوارب المحمّلة بمهاجرين في ظروف خطرة.

وفي الفترة ما بين 18 و19 يوليو فقط، أنقذت السلطات الفرنسية 139 مهاجرًا، بينما نجح 572 مهاجرًا في الوصول إلى السواحل البريطانية. 

وبلغ عدد من وصلوا إلى بريطانيا منذ بداية العام ما يزيد على 23.500 مهاجر، وهو رقم قياسي وفق ما أعلنت عنه الحكومة البريطانية.

اتفاق "واحد مقابل واحد"

ردًا على تزايد العبور، وقعت كل من فرنسا والمملكة المتحدة اتفاقًا جديدًا يوم 10 يوليو، يُعرف باتفاق "واحد مقابل واحد"، ينص على إعادة مهاجر إلى فرنسا مقابل استقبال بريطانيا لمهاجر له روابط أسرية موثقة داخلها. 

وفي المقابل، تطالب باريس بتوسيع صلاحيات الشرطة البحرية لاعتراض قوارب المهربين حتى مسافة 300 متر من الشاطئ.

غير أن منظمات إنسانية انتقدت هذا الاتفاق باعتباره يكرّس الحلول الأمنية ويُقصي البعد الإنساني، ويُبقي المهاجرين بين كماشة المخاطر: إما البحر أو الطرد.

وفي السياق نفسه، أعلنت لندن يوم 23 يوليو عن فرض عقوبات جديدة على 25 فردًا ومنظمة بتهمة الضلوع في تهريب مهاجرين، في خطوة تؤكد تشدد السياسة البريطانية تجاه الهجرة غير النظامية.

مرآة تعكس عمق الأزمة 

يبقى بحر المانش مرآة تعكس عمق الأزمة الإنسانية في أوروبا، حيث يركب اليائسون قوارب الهروب من الحروب والفقر والاضطهاد، متحدّين الخطر، في ظل انسداد المسارات القانونية للهجرة، وارتفاع تكلفة الأمل.

وفاة مهاجر خمسيني بعد عودته من محاولة عبور فاشلة ليست مجرد رقم جديد يُضاف إلى الإحصاءات، بل صفعة على وجه السياسات التي فشلت في وقف المأساة، فكل جسد يطفو على سطح المانش هو نداء استغاثة، وكل قارب يفر من الساحل هو شهادة على نظام يفضّل إدارة الحدود على إنقاذ الأرواح.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية