عودة الموسيقى إلى دمشق.. الأوبرا تحتضن أولى أمسياتها منذ رحيل الأسد (صور)
عودة الموسيقى إلى دمشق.. الأوبرا تحتضن أولى أمسياتها منذ رحيل الأسد (صور)
استعاد بهجت أنطاكي أنفاسه قبل أن يصعد إلى مسرح دار أوبرا دمشق، وسط تصفيق حار من جمهور متعطش للفن، في أول حفل للأوركسترا السيمفونية الوطنية السورية بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد.
وأتى الحفل بعد أسابيع من التوقف جراء سيطرة فصائل معارضة بقيادة هيئة تحرير الشام على العاصمة دمشق في الثامن من ديسمبر الماضي، بحسب وكالة "فرانس برس".
ومع عودة العازفين إلى المسرح، برزت مؤشرات على أن الحياة الثقافية والفنية في دمشق، التي كانت جزءًا من هوية المدينة، بدأت تستعيد زخمها رغم ضبابية المرحلة الانتقالية.
قلق من التوجهات الجديدة
وبينما تحرر السوريون من قبضة النظام السابق، يزداد القلق من أن السلطة الجديدة قد تتجه نحو حكم ديني يقيد الفنون والموسيقى، لكن المسؤولين الجدد يسعون إلى طمأنة المجتمع المحلي والدولي عبر السماح بإقامة مثل هذه الفعاليات.
يقول بهجت أنطاكي (24 عامًا): "لم تكن سوريا يومًا بلدًا متشددًا، بل كانت دائمًا مزيجًا ثقافيًا غنيًا، لكن اليوم، مشاعرنا ممتزجة، فنحن نكرّم شهداء ثورتنا من خلال الموسيقى".
ويضيف العازف الشاب: "حفلتنا اليوم هي رسالة أننا موجودون، وقادرون على الإبداع رغم كل شيء"، مشددًا على أن الفن سيستمر، بل "سيكون أقوى وأجمل".

إحياء الفنون رغم التحديات
في سياق متصل، شهدت دار أوبرا دمشق أمسيتي إنشاد ديني، إحداهما للمنشد محمد أبو راتب، الذي عاد إلى سوريا بعد أربعة عقود من المنفى بسبب مواقفه المعارضة للنظام منذ عهد حافظ الأسد.
وفي هذه الأمسية، تطوع عازفو الأوركسترا الوطنية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان لعزف ثماني مقطوعات لمؤلفين سوريين وعالميين، على مدار ساعة كاملة، داخل المسرح الذي كان يُعرف سابقًا باسم "دار الأسد للثقافة والفنون" قبل سقوط النظام.
تقول عازفة الكمان راما البرشا (33 عامًا): "لا أعرف شيئًا في الحياة غير الموسيقى، وهي لغة لا تحتاج إلى ترجمة، يفهمها الجميع بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو العرق".
وتعترف بأن هناك قلقًا مشروعًا بين الموسيقيين، لكنها تأمل في أن يحظوا بدعم حقيقي، لا سيما بعدما كان النظام السابق يستغلهم لتحسين صورته.
رسائل فنية بصرية
أقيم الحفل تحت عنوان "للشهداء ولمجد سوريا"، وافتُتح بدقيقة صمت على أرواح الضحايا، وعلى خلفية المسرح، عُرضت مشاهد غرافيكية تلخص محطات مفصلية من النزاع السوري منذ عام 2011، مثل صورة الطفل إيلان الكردي، الذي غرق أثناء محاولة عائلته الفرار إلى أوروبا، ليصبح رمزًا لأزمة المهاجرين السوريين.
وفي واحدة من أكثر اللحظات تأثيرًا، عزف الموسيقيون مقطوعة "الدوامة" للمؤلف عاصم مكارم، بينما عُرضت خلفهم صور لأيدي معتقلين خلف القضبان، ومشاهد لنازحين في المخيمات.
ومع تصاعد الإيقاع الموسيقي، تأثر الجمهور، وبكى بعض الحاضرين عند رؤية صور مهاجرين غرقى في البحر.
وسط القاعة الحاشدة، جلس عدد من الدبلوماسيين العرب والغربيين، إلى جانب مسؤولين محليين، بينهم ماهر الشرع، وزير الصحة، وشقيق الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، الذي حضر برفقة عائلته.

صعوبات مادية
تعاني دار أوبرا دمشق من ضائقة مالية، حيث أدى ارتفاع أسعار المحروقات إلى تعطل التدفئة المركزية خلال الحفل، كما لم يتقاضَ العازفون أي أجر، بينما تطوع فنيو الصوت والإضاءة بتقديم خدماتهم مجانًا.
لكن ذلك لم يقلل من أهمية الأمسية، كما يعبّر عمر حرب (26 عامًا)، الذي حضر للمرة الأولى إلى الأوبرا، قائلاً: "هذه أول مرة أزور هذا المكان، وصراحة انبهرّت.. آمل أن تستمر هذه الفعاليات، فالموسيقى هي وجه سوريا الثقافي".
أما يمامة الحو (42 عامًا)، التي اعتادت حضور الفعاليات الموسيقية في الدار، فقد غادرت بابتسامة وعيون لامعة بالسعادة، مؤكدة أن الموسيقى هي تحية لكل من صمد في سوريا، وأضافت: "أنا متفائلة جدًا، وأرى في هذا الحفل بداية لغد أجمل".