«فرحة لم تكتمل».. نازحون سوريون صدمتهم مشاهد دمار منازلهم فور عودتهم
«فرحة لم تكتمل».. نازحون سوريون صدمتهم مشاهد دمار منازلهم فور عودتهم
بعد سقوط نظام حكم الرئيس السوري السابق، بشار الأسد، سارع الكثير من النازحين السوريين بالعودة إلى قراهم أملا في العيش مجددا في بيوتهم التي تركوها، إلا أن الواقع الذي رأوه كان صادما، حيث دمرت بيوتهم وبقيت آثارها وبعض من جدرانها.
النازح مهدي الشايش ظنّ أن الفرصة قد حانت للعودة إلى قريته التريمسة وسط سوريا، لكن خيبته كانت كبيرة عندما اكتشف أن منزله لم يعد صالحًا للسكن، مثل آلاف النازحين الذين دمرت الحرب ممتلكاتهم، وفق وكالة "فرانس برس".
داخل مخيم أطمة، أحد أكبر مخيمات النازحين في شمال غرب سوريا، حيث يعيش منذ عام 2012، قال الشايش (40 عامًا): “فرحتنا بسقوط النظام لا توصف.. لكنها لم تكتمل”.
وأضاف: "عندما وصلنا إلى القرية شعرنا بخيبة أمل، كان منزلنا أشبه بجنة مصغرة عندما كنا نقطن فيه، لكنه تعرض للقذائف وتضرر بشكل كبير، ولم يعد قابلًا للسكن".
رغم رؤيته لأقاربه الذين ظلوا في مناطق النظام، فإن العودة إلى التريمسة لم تكن خيارًا، فالمنازل مدمرة ولا توجد مساحة كافية لأشقائه الذين تزوجوا خلال النزوح.
ظروف قاسية في المخيمات
في مخيم أطمة، حيث تمتد الغرف المتجاورة المبنية من الطوب، يواجه النازحون ظروفًا صعبة مع حلول فصل الشتاء، إذ تنتشر ألواح الطاقة الشمسية فوق المساكن المتواضعة، بينما يتصاعد دخان المدافئ وسط الأجواء الباردة.
ورغم أن سقوط نظام الأسد، في 8 ديسمبر الماضي، أعاد الأمل لملايين النازحين واللاجئين، فإن الدمار الهائل الذي طال الوحدات السكنية والبنى التحتية يجعل العودة الفورية شبه مستحيلة قبل بدء عمليات إعادة الإعمار.
وتعوّل السلطة الانتقالية في دمشق على الدعم العربي والدولي، خصوصًا من دول الخليج، للمساعدة في إعادة بناء سوريا بعد 13 عامًا من النزاع.
بالقرب من مدفأة تعمل على المازوت، تصفح الشايش صورًا على هاتفه، متحسرًا: “غادرت قريتي مع أشقائي الخمسة قبل سنوات، والآن كلهم تزوجوا، لكن لا منازل لهم ولا أرض نبني عليها.. العودة مستحيلة في الوقت الحالي”.
وتابع: “كما بقينا نأمل أن يسقط النظام، ونالنا ذلك، نأمل الآن أن تساعد الدول الداعمة في إعادة الإعمار لنتمكن من العودة إلى ديارنا”.
النازحون يواجهون الواقع المرير
قبل سقوط الأسد، كان أكثر من خمسة ملايين شخص يعيشون في مناطق سيطرة المعارضة في إدلب ومحيطها، نصفهم من النازحين، ورغم التغييرات السياسية، لم يتمكن من العودة إلا القليل، بينما بقي الملايين في المخيمات.
وأفاد ديفيد كاردن، نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا، بأن: “أكثر من 71 ألف شخص غادروا المخيمات في شمال غرب سوريا خلال الشهرين الماضيين، لكن هذا لا يزال عددًا ضئيلًا مقارنة بمليوني شخص يعيشون في 1500 مخيم ويحتاجون إلى مساعدات إنسانية لإنقاذ حياتهم”.
وأضاف: “العديد من النازحين غير قادرين على العودة بسبب الدمار الواسع لمنازلهم، إضافة إلى غياب الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، فضلًا عن خطر حقول الألغام المنتشرة في مناطق القتال السابقة”.
حياتنا لم تتغير.. والمعاناة مستمرة
في إحدى زوايا المخيم، كانت مريم عوض عنبري (30 عامًا)، وهي أم لثلاثة أطفال، تغسل الأطباق بماء بارد، بينما ينام رضيعها ملفوفًا ببطانية سميكة.
تقول عنبري، التي نزحت من كفرنبودة في ريف حماة الشمالي الغربي قبل 7 سنوات، إنها لا ترى تحسنًا في حياتها رغم التغيير السياسي: “سقوط النظام لا يعني لي شيئًا، لأن أوضاعنا لم تتحسن سواء كان بشار الأسد أو أحمد الشرع رئيسًا”.
وتضيف: “كلنا نرغب في العودة إلى بيوتنا، لكنها مدمرة تمامًا. أتمنى أن يساعدنا العالم، خاصة من أجل أطفالنا، فحياتنا في المخيم صعبة جدًا”.
لا مكان نذهب إليه
تعتمد غالبية النازحين في المخيمات على المساعدات الإنسانية التي تراجعت بشكل ملحوظ خلال العام الماضي. في ظل الفقر المدقع، يعمل زوج عنبري كعتّال بأجر زهيد لا يكفي حتى لشراء الخبز والمياه.
وتوضح: “نقيم هنا رغمًا عنّا.. لا مكان آخر نذهب إليه”.
بينما في زاوية أخرى من المخيم، تدير صباح الجاسر (52 عامًا) مع زوجها متجرًا صغيرًا. نزحا مع أولادهما الأربعة قبل 7 سنوات من قرية النقير قرب خان شيخون.
تقول صباح، وهي ترتدي عباءة سوداء، متأملة في واقعها الصعب: "فرحنا لأن النظام سقط، لكن حزنا لأننا وجدنا منازلنا مدمرة وأشجارنا محروقة.. أين كنا وأين أصبحنا؟".
ورغم ذلك، تحلم بالعودة إلى قريتها، مؤكدة: “سنعود يومًا ما، حتى لو اضطررنا لبناء خيمة هناك”.
ومع استمرار التحديات، يبقى مصير النازحين معلقًا، بانتظار مشاريع إعادة الإعمار التي ستحدد إمكانية عودتهم إلى ديارهم، أو استمرارهم في حياة التشرد داخل المخيمات.