«فايننشال تايمز»: أوكرانيا تتصدى لضغوط واشنطن بشأن المعادن النادرة
«فايننشال تايمز»: أوكرانيا تتصدى لضغوط واشنطن بشأن المعادن النادرة
رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عرضًا أمريكيًا يمنح واشنطن حقوقًا لنحو 50% من احتياطات بلاده من المعادن النادرة، سعيًا للحصول على اتفاق أكثر إنصافًا، وفقًا لمصادر مطلعة على المفاوضات.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز"، السبت، قدم وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، العرض خلال زيارته إلى كييف يوم الأربعاء، عقب تصريحات للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أشار فيها إلى أن الولايات المتحدة تستحق موارد أوكرانية بقيمة نصف تريليون دولار، مقابل الدعم العسكري الذي قدمته لكييف خلال الحرب.
وطالب زيلينسكي بأن ترتبط أي اتفاقية بشأن الموارد الطبيعية بضمانات أمنية أمريكية وأوروبية، مؤكدًا رغبته في إشراك دول أخرى، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي، في عمليات استخراج المعادن مستقبلاً.
لكن العرض الأمريكي، الذي عرضه بيسنت على الرئيس الأوكراني، اقتصر على منح واشنطن حقوقًا حصرية لاستخراج الموارد دون أي التزامات واضحة بتقديم دعم عسكري أو أمني مستقبلي، وفقًا لمصدر مطلع على الوثيقة.
زيلينسكي يعبر عن تحفظاته
أكد زيلينسكي، خلال حديثه في مؤتمر ميونيخ للأمن يوم السبت، أن الاتفاق المقترح "لا يخدم مصالح أوكرانيا السيادية"، مشيرًا إلى استمرار المفاوضات حول بنود الصفقة.
وقال مسؤول أوكراني بارز لصحيفة "فايننشال تايمز" إن كييف تسعى إلى تحسين الشروط التفاوضية، مشددًا على أهمية ربط أي صفقة مستقبلية بمصالح أمنية واضحة.
وقدم بيسنت إلى زيلينسكي وثيقة صاغها فريق ترامب، مطالبًا بتوقيعها قبل عودته إلى واشنطن، وفقًا لما نقلته 5 مصادر مطلعة على الاجتماع.
وصف بيسنت الاتفاق بأنه "شراكة اقتصادية لتعزيز العلاقات بين البلدين"، زاعمًا أن الصفقة ستعزز التزام واشنطن تجاه أوكرانيا بعد انتهاء الحرب، لكن مسؤولًا أوكرانيًا راجع الوثيقة أكد أنها لم تتضمن أي التزامات أمنية مستقبلية واضحة.
عند سؤاله عن تقييمه للصفقة، وصف مسؤول أوكراني ثالث المقترح بأنه "صفقة بأسلوب ترامب"، مضيفًا: "إنه تفاوض صعب".
مخاوف أوكرانية
أعربت أوكرانيا عن قلقها بشأن غياب أي ارتباط بين الاتفاق والضمانات الأمنية، وفقًا لثلاثة مصادر راجعت الوثيقة.
وطرح المسؤولون الأوكرانيون تساؤلات حول كيفية مساهمة الاتفاق في تعزيز أمن بلادهم على المدى الطويل، لكن الرد الأمريكي اقتصر على الإشارة إلى "وجود أمريكي" في مواقع استخراج المعادن، وهو ما اعتبره الأوكرانيون إجابة غير كافية، بحسب المصادر.
وجادل بيسنت بأن مجرد وجود الأمريكيين في مواقع التعدين الأوكرانية سيشكل رادعًا لموسكو، إلا أن كييف لم تقتنع بهذه الحجة.
اعتراضات على التحكيم القانوني
أثارت الوثيقة المقترحة مسألة خضوع أي نزاعات قانونية إلى اختصاص محاكم نيويورك، وهو ما رفضته كييف، وفقًا لمصدرين مطلعين.
وقال مصدر مقرب من زيلينسكي إن السفيرة الأمريكية لدى أوكرانيا، بريدجيت برينك، عرضت عليه الوثيقة قبل وصول بيسنت بساعات، دون سابق إنذار، وأوضح المصدر أن كييف لم تعتبر العرض ملزمًا قانونيًا بموجب التشريعات الأمريكية.
كُتب على رأس الوثيقة عبارة "مسودة بتاريخ 7 فبراير 2025"، وأُبلغ فريق زيلينسكي بأن عليه التوقيع عليها خلال اجتماع بيسنت في كييف.
رغم التحفظات، أكدت أوكرانيا دعمها لمبدأ مقايضة الموارد المعدنية بضمانات أمنية مستقبلية، لكن العرض الأمريكي لم يتضمن سوى الإشارة إلى الدعم العسكري السابق، مما دفع كييف إلى المطالبة باتفاق ثنائي رسمي يضمن حقوق الطرفين.
بعد الاجتماع، أعلن زيلينسكي أنه سيُجري مراجعة شاملة للوثيقة قبل اتخاذ أي قرار نهائي، مؤكدًا التزام أوكرانيا بالشراكة الاستراتيجية مع واشنطن، لكنه شدد على ضرورة التوصل إلى اتفاق متوازن يحمي المصالح الأوكرانية.
ترامب يسعى لإتمام الصفقة سريعاً
أكد بيسنت، بعد لقائه زيلينسكي، أن ترامب يعتبر الاتفاق "أساسيًا" لإنهاء النزاع مع روسيا في أقرب وقت.
وقال: "سنوفر ضمانات للدعم الأمريكي للشعب الأوكراني، وهذا يمثل رسالة قوية لموسكو بشأن نوايانا".
وأبدى زيلينسكي رغبته في مناقشة ملف حقوق التعدين خلال مؤتمر ميونيخ للأمن، حيث طرح مقترحًا مضادًا خلال لقائه نائب الرئيس الأمريكي، جي دي فانس، يوم الجمعة، كما ناقش الملف مع عدد من المشرعين الأمريكيين على هامش المؤتمر.
وأعلن زيلينسكي أن فريقه القانوني سيُراجع الوثيقة الأمريكية ويقدم تعديلات مقترحة، واصفًا إياها بأنها "مذكرة تفاهم" وليست اتفاقًا أمنياً ملزمًا.
وقال مسؤول أوروبي مطلع على المحادثات إن زيلينسكي لم يوقّع الاتفاق لأنه يسعى لإشراك دول أوروبية في عمليات استخراج المعادن، مضيفًا أن كييف تتعرض "لضغوط أمريكية كبيرة" للموافقة على الصفقة.
المعادن النادرة في قلب الخطة
انسجم العرض الأمريكي مع خطة "النصر" التي تعمل عليها إدارة زيلينسكي منذ صيف 2024، والتي تهدف إلى تعزيز العلاقات مع إدارة ترامب عبر منح واشنطن حق الوصول إلى المعادن الأوكرانية الاستراتيجية المستخدمة في الصناعات التكنولوجية المتقدمة.
يذكر أن أوكرانيا تمتلك احتياطات ضخمة من المعادن تقدر قيمتها بعدة تريليونات من الدولارات، بما في ذلك الليثيوم، والتيتانيوم، والجرافيت، وهي عناصر أساسية في الصناعات المتقدمة، لكن معظم هذه الموارد تقع في مناطق إما خاضعة لسيطرة روسيا أو قريبة من جبهات القتال في شرق أوكرانيا، مما يزيد من تعقيد عمليات استخراجها واستثمارها.