تراويح في الظل وإفطار بلا مدفع.. المسلمون يتمسكون بشعائرهم رغم التحديات

في مختلف دول العالم من المغرب إلى الخليج ومن المشرق العربي إلى أوروبا وآسيا

تراويح في الظل وإفطار بلا مدفع.. المسلمون يتمسكون بشعائرهم رغم التحديات
فانوس رمضان- أرشيف

يحلُّ شهر رمضان المبارك كل عام، حاملاً معه أجواءً روحانية وعادات متوارثة تختلف من بلدٍ إلى آخر، لكنه يبقى شهر الإيمان والتقوى والتواصل الاجتماعي، حيث تجتمع الأسر حول موائد الإفطار، وتُضاء المساجد بالصلوات، بينما تزدان الشوارع بالفوانيس والزينة، في مشهد يعكس روح الشهر الفضيل.

ويعيش المسلمون رمضان في مختلف دول العالم، من المغرب إلى الخليج، ومن المشرق العربي إلى أوروبا وآسيا، حيث تمتزج التقاليد المحلية بتعاليم الدين، ما يمنح كل مجتمع طابعه الخاص في استقبال الشهر المبارك.

ويمارس المغاربة عادات رمضانية غنية تمتزج فيها الروحانية بالكرم الاجتماعي، تُنظَّم موائد الإفطار الجماعية في الأحياء الشعبية والمساجد، حيث يجتمع الجيران والمحتاجون في أجواء مفعمة بالألفة والتكافل.

وأظهرت إحصائية صادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية لعام 2023 أن أكثر من 80% من الأسر تشارك في هذه الموائد الجماعية، التي تُنظم من خلال تبرعات أهلية أو دعم من الجمعيات الخيرية، وتتصدّر الحريرة والتمر والشباكية مائدة الإفطار المغربية، حيث يُكسر الصيام بها قبل الانتقال إلى باقي الأصناف التقليدية.

وتمتد ليالي رمضان في المغرب بأنشطة دينية وثقافية متنوعة، حيث تُقام صلوات التراويح حتى ساعات متأخرة، بينما يتوافد الناس إلى المقاهي والساحات العامة لتبادل الحديث والاستمتاع بالأجواء الرمضانية، وتشير البيانات إلى أن 60% من المغاربة يعتبرون هذه التجمعات عنصرًا أساسيًا في تعزيز الروابط الاجتماعية خلال الشهر الفضيل.

روحانية الصلاة وروابط الأسرة

تتجلّى العادات الرمضانية في المشرق العربي بطابع عائلي وروحاني، حيث تبرز الطقوس الدينية كجزء أساسي من الحياة اليومية، ففي الأردن، أوضحت دراسة أجرتها جامعة اليرموك عام 2023 أن 75% من الأسر تفضّل إقامة صلوات التراويح داخل المنزل بمشاركة أفراد العائلة، مما يعكس عمق الروابط الأسرية.

وتجمع الموائد الرمضانية الأقارب بشكل يومي، حيث يتم تحضير أطباق شهيرة مثل المنسف والمقلوبة والكنافة النابلسية، وتكشف الإحصائيات أن 90% من العائلات الأردنية تحرص على دعوة الأقارب والأصدقاء لمشاركة وجبة الإفطار مرة واحدة على الأقل أسبوعيًا، ما يعكس أهمية التواصل الاجتماعي خلال الشهر الفضيل.

وفي العراق وسوريا ولبنان، تكتسي الأسواق والمحال التجارية بحلّة رمضان، بينما تزدهر الأكلات التقليدية مثل الكبة والمشاوي والحلويات الشرقية.. وتحظى الأجواء الليلية بالحيوية، حيث تُقام جلسات السمر والتسلية داخل المنازل أو في المقاهي الشعبية.

التراث والحكايات الشعبية

يُحافظ سكان الخليج العربي على طقوس رمضانية تمزج بين التقاليد الدينية والموروث الثقافي، وتُروى الحكايات الشعبية للأجيال الجديدة كجزء من العادات الرمضانية، حيث أظهر مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية لعام 2023 أن 70% من الأسر تحرص على مشاركة قصص مثل "الشاطر حسن" و"أم السعف والليف" مع الأطفال.

وتشهد المجالس الرمضانية حضورًا لافتًا في السعودية وقطر والكويت، حيث يجتمع الرجال في "الديوانيات" بعد صلاة التراويح لتبادل الأحاديث ومناقشة القضايا اليومية، وسط أجواء تتخللها القهوة العربية والتمر.

رمضان في ظل ثقافات مختلفة

يعيش المسلمون في أوروبا أجواءً رمضانية تتكيف مع طبيعة المجتمعات الغربية، حيث تواجههم تحديات تتعلق بمواقيت الصيام الطويلة والعيش كأقلية، ففي فرنسا، كشف المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية (INSEE) أن 60% من المسلمين يحتفلون برمضان عبر موائد إفطار منزلية، بينما يفضل 40% حضور الإفطارات الجماعية التي تنظمها الجمعيات الإسلامية.

وفي ألمانيا، يحرص 50% من المسلمين على إقامة موائد إفطار مفتوحة للجيران، بهدف تعزيز الاندماج مع المجتمع المحلي، أما في المملكة المتحدة، فأوضحت دراسة لجامعة كامبريدج عام 2023 أن 70% من المسلمين البريطانيين يحرصون على أداء صلاة التراويح في المساجد، مما يعكس تعلّقهم بالجانب الروحي لرمضان.

ويستمر رمضان في كونه شهر الإيمان والتضامن، حيث تتنوّع العادات بين الدول، لكنها تظل متحدة في جوهرها الروحي والاجتماعي، وسواء تجسّد رمضان في الاجتماعات العائلية كما في المشرق، أو امتزج بالتراث كما في الخليج، أو تكيف مع تحديات الحياة في أوروبا، فإن قيمه تظل ثابتة، معززةً للمحبة والتآخي في عالم يحتاج لهذه القيم أكثر من أي وقت مضى.

رمضان في السويد

في السياق، سرد سامر طه، سوري لاجئ في السويد تجربته، قائلًا، إن رمضان في السويد تجربة معقدة تحمل في طياتها مزيجًا من الحنين للوطن والتكيف مع بيئة جديدة لا تشبه ما اعتدناه في بلادنا كلاجئ سوري، وجدت نفسي في مواجهة شهر الصيام في بلد حيث ساعات النهار تمتد طويلًا، وأجواء رمضان ليست كما كانت في دمشق حيث صوت الأذان يملأ الشوارع، ورائحة الطعام تفوح من النوافذ قبيل المغرب، والاحتفاء بالشهر الفضيل يبدو أمرًا جماعيًا لا يحتاج إلى جهد.. في السويد، الأمر مختلف تمامًا، وهنا يصبح رمضان تجربة شخصية بامتياز، حيث يسعى كل مسلم، سواء كان لاجئًا حديثًا أو مقيمًا منذ سنوات أو حتى سويديًا مسلمًا، إلى إعادة تشكيل روحانيات الشهر وفق إمكانياته وظروفه.

وتابع طه، في تصريحات لـ"جسور بوست": الساعات الطويلة للصيام هي واحدة من العقبات التي تواجهنا هنا، خصوصا عندما يحل رمضان في الصيف، يمكن أن يمتد النهار إلى 19 أو 20 ساعة، ما يجعل الصيام تحديًا جسديًا ونفسيًا، البعض يختار اتباع توقيت مكة أو أي بلد إسلامي آخر، بينما يلتزم آخرون بالأوقات المحلية رغم صعوبتها، وهناك دائمًا جدل بين الجاليات حول "الصيام الشرعي"، لكن في النهاية، كل شخص يتخذ قراره بناءً على قناعته، ومع ذلك يبقى التحدي الأكبر هو غياب الأجواء الرمضانية التي تجعل الشهر مختلفًا عن بقية أيام السنة في السويد، لا يتغير شيء في الشوارع، لا زينة، لا مدافع إفطار، لا مساجد تكتظ بالمصلين كما اعتدنا، مجرد يوم آخر في حياة الناس الذين يستمرون في أعمالهم ودراستهم بلا أي تغيير يُذكر.

واسترسل: المساجد هنا تحاول قدر الإمكان خلق بيئة رمضانية، لكنها تبقى محدودة التأثير... الجوامع الكبرى في ستوكهولم ومالمو ويوتوبوري تنظم موائد إفطار جماعية، لكنها ليست كافية لتعويض الفارق الهائل بين رمضان هنا ورمضان في بلادنا، بعض العائلات تفتح بيوتها لاستقبال الأصدقاء والجيران من اللاجئين، محاولين بذلك إعادة خلق شيء من روح العائلة الممتدة التي افتقدناها، أما المسلمون السويديون أو الأوروبيون من أصول غير عربية، فغالبًا ما يعيشون رمضان بطريقتهم الخاصة، التي تكون أقرب إلى طقوس روحانية فردية منها إلى احتفالية اجتماعية، كثير منهم يصومون ويصلّون دون أن يغيروا كثيرًا في نظام حياتهم اليومي، لأنهم لم يعرفوا رمضانًا مختلفًا منذ طفولتهم.

وتابع: التحدي الآخر هو العمل والدراسة، حيث تتغير ساعات العمل في رمضان في بلادنا، وتُخفَّف الأعباء، وتقل المطالب الجسدية، بينما هنا لا أحد يعيرك اهتمامًا لأنك صائم، عليك أن تواصل حياتك كما هي، أن تعمل أو تدرس أو تؤدي امتحاناتك وأنت مرهق وجائع، دون أن ينتبه أحد لذلك، بل أحيانًا، قد تجد نفسك في موقف غريب عندما يُعرض عليك الطعام أو يُطلب منك مشاركتهم وجبة الغداء، وعندما تعتذر، يأتي السؤال المعتاد: "لماذا تصوم؟ ألا تجد ذلك متطرفًا؟" هناك جهل واسع برمضان والصيام، وحتى بين أولئك الذين يتقبلونه، يبقى الأمر غريبًا بالنسبة لهم، في بعض الأحيان، أشعر وكأنني أعيش ازدواجية غريبة: في داخلي، أنا في رمضان، لكنه غير موجود في الخارج، وكأنني أعيش في عالمين متوازيين.

وعن الجوانب الإيجابية لهذه التجربة، قال: الغربة تُعيد تشكيل علاقتنا برمضان بشكل يجعله أكثر خصوصية في بلادنا، كان رمضان جزءًا من المجتمع، يأتي إلينا جاهزًا دون أن نبذل جهدًا، لكن هنا علينا أن نخلقه بأنفسنا، هذا يجعلنا نقدّر العادات الرمضانية التي كنا نعتبرها بديهية، مثل الإفطار الجماعي أو صلاة التراويح مع الأصدقاء، أو حتى مجرد المشي في شارع مضاء بالفوانيس الرمضانية، كذلك، فإن تجربة الصيام في بيئة غير إسلامية تجعلنا نرى رمضان ليس فقط كتقليد اجتماعي، بل كاختبار شخصي حقيقي إنها لحظة مواجهة مع الذات، مع القدرة على التحمل، مع معنى الالتزام.

وأتم: رغم ذلك، يبقى هناك شيء مفقود، رمضان في الغربة لا يشبه رمضان في الوطن.. نحاول تعويضه، نخلق مجتمعات صغيرة، نعيد إنتاج الطقوس قدر الإمكان، لكن يظل هناك ذلك الفراغ الذي لا يملؤه شيء، ربما لهذا السبب نجد الكثير من اللاجئين، حتى أولئك الذين اندمجوا تمامًا في الحياة الأوروبية، يعودون إلى بلدانهم الأصلية في رمضان كلما سنحت لهم الفرصة، كما لو أنهم يريدون استعادة الإحساس الحقيقي بالشهر ولو لوقت قصير، قبل أن يعودوا إلى صيام الساعات الطويلة في صمت المدن الباردة.

رمضان في ألمانيا

وشارك عاصم نبيل، طالب مصري يدرس في ألمانيا تجربته، قائلا، إن الحياة اليومية هنا لا تتغير في رمضان، فالشوارع تظل مزدحمة بنفس الوتيرة، والمحال التجارية تعمل بشكل طبيعي، والمواصلات لا تتوقف عن الحركة، وكأن شيئًا لم يتغير، لكن داخل الجالية المسلمة، هناك عالم آخر ينبض بروح مختلفة، حيث يحاول كل شخص أن يخلق أجواء رمضان بطريقته، سواء كان لاجئًا وصل حديثًا أو طالبًا مغتربًا أو مسلمًا من الجيل الثاني أو الثالث نشأ في ألمانيا.

وتابع نبيل، في تصريحات لـ"جسور بوست": الطلاب الذين يدرسون في ألمانيا يواجهون تحديات خاصة في رمضان، حيث تتزامن الدراسة والعمل مع ساعات الصيام الطويلة، التي قد تتجاوز 17 ساعة في بعض المدن، ليس هناك استراحة للصائم، ولا أحد يكترث إن كنت متعبًا أو فاقدًا للتركيز بسبب الجوع والعطش، الامتحانات قد تأتي في رمضان، والمحاضرات تستمر بنفس النسق، والعمل لا يمنحك أي امتيازات، كل ذلك يجعل من رمضان هنا اختبارًا حقيقيًا للصبر والانضباط.. لكن رغم ذلك، هناك إحساس خاص بالإنجاز عندما تنجح في إتمام يوم طويل من الصيام وأنت تعمل وتدرس، وكأنك تثبت لنفسك أن روح رمضان لا تُقاس بالبيئة المحيطة، بل بقوة الإرادة.

واسترسل: أما اللاجئون المسلمون فقد يكون وضعهم مختلفًا، إذ يحاولون التمسك بعادات رمضان كما عاشوها في أوطانهم.. في الأحياء التي يقطنها عدد كبير من اللاجئين تجد بعض الشوارع تتغير قليلًا مع اقتراب وقت الإفطار، حيث تبدأ بعض المحال العربية أو التركية في توزيع التمر والشوربة مجانًا، وتفتح بعض المساجد أبوابها للإفطارات الجماعية، لكن في الوقت نفسه يعاني الكثير منهم من العزلة، حيث فقدوا ذلك الشعور الجماعي الذي كان يجعل رمضان مميزًا في بلدانهم الأصلية، البعض يقضي الإفطار وحده في شقته الصغيرة، متذكرًا الموائد الكبيرة والعائلة التي لم يعد بمقدوره أن يجلس معها.

وتابع: بالنسبة للمسلمين من الجيلين الثاني والثالث، رمضان هو مزيج من التقاليد التي حملها آباؤهم من بلادهم الأصلية، وتأثير المجتمع الألماني الذي نشؤوا فيه، بعضهم يصوم لكنه لا يلتزم بالصلاة، وآخرون يحافظون على كل التفاصيل، بينما هناك من يشعر بأن رمضان مجرد ذكرى ثقافية أكثر منه التزامًا دينيًا، ومع ذلك، تبقى المساجد والمراكز الإسلامية نقاط التقاء مهمة، حيث يذهب الكثيرون لصلاة التراويح، حتى لو لم يكونوا ملتزمين دينيًا طوال العام، فقط لاستعادة شيء من أجواء رمضان التقليدية.

وأتم: إحدى المفارقات المثيرة في رمضان بألمانيا هي كيف ينظر الألمان إلى هذا الشهر.. البعض يُبدي فضولًا واحترامًا، خاصة في بيئات العمل والجامعات، فتجد زملاء ألمان يسألون عن معنى الصيام ويعبرون عن إعجابهم بقدرة المسلمين على الامتناع عن الطعام والماء لساعات طويلة، في المقابل، هناك من لا يفهم الفكرة على الإطلاق، ويرى في الصيام مجرد حرمان غير ضروري، ما يضع المسلمين في مواقف محرجة أحيانًا.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية