ألبانيا أمام مجلس حقوق الإنسان.. تقدم في حقوق الروما ورفض للضغوط الإيرانية
في إطار انعقاد الدورة الـ58 لمجلس حقوق الإنسان
تشهد ألبانيا، الدولة الواقعة بمنطقة البلقان في جنوب شرق أوروبا، استعراضًا حقوقيًا خلال الدورة الـ58 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والتي تستمر حتى 4 أبريل المقبل، ويأتي هذا الاستعراض في ظل تحركات مكثفة في عدد من الملفات الحقوقية، لا سيما فيما يتعلق بأقلية الروما، بالإضافة إلى طلب إيراني لطرد منظمة مجاهدي خلق من أراضيها.
ووفقًا لخبراء في الشأن الأوروبي والإيراني، تحدثوا إلى "جسور بوست"، فقد أحرزت ألبانيا تقدمًا ملحوظًا في بعض الملفات، وخاصة المتعلقة بحقوق أقلية الروما، لكنها لا تزال بحاجة إلى مزيد من الإصلاحات واستكمال الملاحظات الحقوقية. في المقابل، يُستبعد أن تستجيب ألبانيا للطلب الإيراني بإبعاد مجاهدي خلق، نظرًا لوجودهم بموجب طلب دولي.
وتقع ألبانيا جنوب شبه الجزيرة البلقانية، وتطل على البحرين الأدرياتيكي والأيوني، بشريط ساحلي يبلغ طوله 362 كلم، وتحدها اليونان ومقدونيا من الشرق، بينما تشترك في حدودها الغربية مع جمهورية الجبل الأسود.
وانضمت ألبانيا إلى حلف الناتو عام 2009، وفي العام نفسه وقّعت معاهدة الاستقرار والتعاون مع الاتحاد الأوروبي. وفي 24 يونيو 2014، حصلت على وضع المرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي، وبدأت محادثات الانضمام رسميًا في عام 2020، وإلى جانب ألبانيا، تتنافس 5 دول من غرب البلقان (البوسنة، مقدونيا الشمالية، الجبل الأسود، وصربيا) بالإضافة إلى أوكرانيا ومولدافيا على عضوية الاتحاد الأوروبي.
وفي أواخر 2024، أكد وزير خارجية النمسا، ألكسندر شالينبرج، دعمه لانضمام ألبانيا إلى الاتحاد الأوروبي، مشيدًا بالتقدم الذي أحرزته البلاد في هذا المسار، وداعيًا إلى الحفاظ على الزخم الإصلاحي.
التحديات الحقوقية
على الرغم من التقدم الملحوظ نحو الانضمام للاتحاد الأوروبي، لا يزال الملف الحقوقي الألباني يواجه تحديات وملاحظات دولية. ففي نوفمبر 2024، عقد الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل للأمم المتحدة جلسته الـ47، حيث استعرض حالة حقوق الإنسان في ألبانيا واعتمد تقريرها، إذ تم اختيار مقررين من بلغاريا وغانا واليابان لمتابعة هذا الملف.
وبحسب التقرير الذي اطلعت عليه "جسور بوست"، فقد وضعت ألبانيا خطة وطنية جديدة لحماية الأطفال المعرضين للفقر والإقصاء الاجتماعي والعنف الجنسي، تضمنت زيادة عدد ضباط الأمن في المدارس، مع الإشارة إلى الحاجة لزيادة الموارد المالية والبشرية لحماية الأطفال، بما في ذلك الحماية على الإنترنت.
أما بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة، فقد أعلنت ألبانيا عن خطط لمواءمة تشريعاتها الوطنية مع اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، واعتماد قانون جديد يهدف إلى تسهيل إدماجهم وتمكينهم من الوصول إلى الأماكن العامة. كما أطلقت خطة عمل وطنية للأعوام 2021-2025، وأنشأت مجلسًا وطنيًا لتقديم المشورة بشأن الإدماج الاجتماعي.
وفي إطار مكافحة الاتجار بالبشر، تبنت ألبانيا خطة عمل وطنية لمكافحة هذه الظاهرة، بالإضافة إلى خطة وطنية للطاقة والمناخ، وأنشأت نظامًا وطنيًا للرصد والإبلاغ للتحقق من الانبعاثات البيئية، في خطوة لتعزيز الشفافية والمساءلة.
والاستفسارات المطروحة خلال الدورة الـ58 لمجلس حقوق الإنسان، من بين المسائل التي يتعين على ألبانيا تقديم إجابات عنها خلال الدورة الحالية لمجلس حقوق الإنسان، أبرزها التصديق على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
يأتي ذلك إلى جانب تنفيذ إصلاحات شاملة في النظام القضائي، خاصة في سياق مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والتصديق على اتفاقية مجلس أوروبا بشأن تفادي حالات انعدام الجنسية في سياق خلافة الدول، وتعزيز الالتزامات الحقوقية ومواءمة القوانين المحلية مع المعايير الدولية.
أبرز التقرير الحقوقي اعتماد ألبانيا لخطة وطنية لتحقيق المساواة وإدماج أقلية الروما، وتعزيز مشاركتهم في المجتمع، بالإضافة إلى تعديل قانون مكافحة التمييز في عام 2020 لتعزيز أشكال الحماية القانونية. كما بدأت الدولة بتطبيق نظام حصص يضمن توفير الطعام في المقاصف والمهاجع، إلى جانب تقديم منح دراسية للأطفال المنتمين إلى هذه الأقلية.
ويُعد الروما من أكبر الأقليات العرقية في أوروبا، ورغم تحقيق البعض منهم نجاحات مهنية ومدنية، إلا أن الأغلبية لا تزال تعاني من الفقر، الإقصاء الاجتماعي، والتمييز. ووفقًا لتقرير سابق للبنك الدولي، فإن تحقيق المساواة في الفرص يعد ضروريًا لضمان ازدهار المجتمعات الأوروبية بشكل مشترك.
تعزيز الإصلاحيات
يرى الخبير الفرنسي في الشؤون الأوروبية، بيير لويس ريموند، أن تحسين الصورة الحقوقية لألبانيا، التي تخضع لاستعراض ملفها في مجلس حقوق الإنسان، يعتمد على تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الاجتماعية والقانونية والقضائية والمؤسساتية. وأكد أن "ألبانيا تسير في هذا الاتجاه وتواصل تعزيز خطواتها الإصلاحية".
وحول أسباب استمرار الأزمات الحقوقية رغم التقدم الذي أحرزته ألبانيا في مسار الانضمام للاتحاد الأوروبي، أوضح ريموند في تصريح لـ"جسور بوست" أن المشكلة تكمن في أن بعض الدول الأوروبية، مثل ألبانيا، تفضل مواءمة القوانين الدولية وفق منظومتها التشريعية الخاصة، بدلاً من اعتماد اللوائح الدولية كما هي. وأضاف أن الحل النهائي لهذه الأزمة يتحقق عندما تصبح القوانين الداخلية لكل دولة قابلة للاندماج التام مع المعايير الدولية.
وأشار الخبير الفرنسي إلى أن قضية أقلية الروما تمثل نقطة تحول أساسية في أوروبا، حيث يعد تعزيز حقوقهم أمرًا جوهريًا، لكنه جزء من قضية أوسع.
وأضاف: "الروم، بشكل عام، يواجهون تحديات في الاندماج المجتمعي، نظرًا للصورة النمطية السلبية المرتبطة بهم، والتي تشمل اتهامات بالسرقة والاعتداءات. ورغم أن هذه السلوكيات لا تمثل سوى نسبة ضئيلة منهم، إلا أنها تؤثر سلبًا على صورتهم ككل".
وتابع قائلًا: "لدينا هنا في فرنسا مطرب شهير من أصول رومانية يعمل جاهدًا لتعزيز صورة إيجابية لأبناء هذه الأقلية ودفعهم نحو اندماج أوسع في المجتمع".
يتزامن استعراض ألبانيا لملفها الحقوقي مع مطالبة إيران بإنهاء أنشطة منظمة مجاهدي خلق المعارضة، التي تتخذ من الأراضي الألبانية مقرًا لها، وتعتبرها طهران منظمة إرهابية.
وكانت ألبانيا قد وافقت في عام 2013، بناءً على طلب الولايات المتحدة والأمم المتحدة، على استضافة 200 عضو من مجاهدي خلق بعد تعرض معسكرهم في العراق للقصف. ومنذ ذلك الحين، ارتفع عدد أفراد المنظمة في البلاد ليصل حاليًا إلى نحو 2800 شخص يقيمون في "أشرف 3"، الواقعة شمال غرب تيرانا.
شهدت العلاقات بين طهران وتيرانا توترًا متزايدًا خلال السنوات الأخيرة بسبب استضافة ألبانيا لمجاهدي خلق، وعلى الرغم من ذلك، لم تتخذ السلطات الألبانية خطوات جذرية لطردهم.
وفي عام 2023، نفذت الشرطة الألبانية عمليات بحث داخل معسكر المنظمة، حيث وُجهت اتهامات لبعض أعضائها بالتورط في هجمات إلكترونية ضد مؤسسات أجنبية. حينها، صرح مسؤول في الرئاسة الإيرانية بأن ألبانيا سلمت إيران أجهزة كمبيوتر صادرتها خلال المداهمة.
وفي عام 2021، استضافت ألبانيا مؤتمرًا غير مسبوق لمنظمة مجاهدي خلق، شهد دعوات صريحة لتغيير النظام الإيراني، ما زاد من حدة التوتر بين البلدين.
في هذا السياق، يرى المحلل السياسي المتخصص في الشأن الإيراني، وجدان عفراوي، أن ألبانيا لن تتعامل مع الطلب الإيراني بجدية، إذ قال لـ"جسور بوست": "إيران تُعد الراعي الأول للإرهاب عالميًا، وتحتل المرتبة الأولى في عدد الإعدامات، كما أنها واحدة من أكثر الدول قمعًا، منذ تأسيس نظامها وحتى اليوم، وأشعلت المنطقة بالصراعات منذ مجيء الخميني إلى السلطة، وما تزال تمارس نفس السياسات حتى الآن، بحسب عفراوي.
وأضاف: "ألبانيا لم تتخذ قرار استضافة مجاهدي خلق بشكل فردي، بل تم ذلك بموافقة دولية، ولذلك لا أعتقد أنها ستتعامل مع هذا الطلب بجدية، كما أن إيران نفسها لا تستطيع فرض أي شيء في هذا الملف".
وأشار عفراوي إلى أن إيران لم تتمكن حتى من فرض إرادتها في العراق، رغم نفوذها الواسع هناك، حيث قال: "إيران حاولت مرارًا إجبار الحكومة العراقية على طرد مجاهدي خلق، لكنها فشلت. حتى في ذروة نفوذها، لم تستطع إجبار العراق على اتخاذ هذا القرار، بل تم نقل أعضاء المنظمة إلى مواقع أكثر أمانًا بناءً على طلبهم، وليس بسبب الضغوط الإيرانية، وإنما نتيجة التهديدات التي تعرضوا لها من قبل الميليشيات المدعومة من إيران".