إعلان الأمم المتحدة لحقوق المرأة.. وعود متكررة أم بداية لإصلاح حقيقي؟

إعلان الأمم المتحدة لحقوق المرأة.. وعود متكررة أم بداية لإصلاح حقيقي؟
الأمم المتحدة

في ظل عالم يشهد تراجعًا ملحوظًا في مكاسب حقوق المرأة، أقرت لجنة وضع المرأة التابعة للأمم المتحدة خلال دورتها التاسعة والستين، التي تعقد خلال الفترة من 10 إلى 21 مارس الجاري، إعلانًا سياسيًا يهدف إلى تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.

يأتي هذا الإعلان بعد ثلاثة عقود من إعلان بكين التاريخي، الذي كان بمنزلة حجر الزاوية في النضال العالمي من أجل حقوق المرأة، ومع ذلك فإن الإعلان السياسي الجديد يُقرأ في سياق عالمي متشابك، حيث تتصاعد كراهية النساء، وتتراجع الحقوق المكتسبة، وتتفاقم الأزمات الاقتصادية والمناخية التي تثقل كاهل النساء بشكل غير متناسب. 

بين الالتزامات والواقع المرير

الإعلان السياسي الذي أقرته اللجنة يؤكد مجددًا  التزام الدول الأعضاء بتحقيق المساواة بين الجنسين، مع التركيز على محاور رئيسية مثل التعليم، الصحة، المشاركة السياسية، ومكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي.

ومع ذلك فإن هذه الالتزامات تتعارض مع واقع تُظهره الأرقام بوضوح، حيث إن النساء ما زلن يشكلن 70% من الفقراء عالميًا، وفقًا لتقارير هيئة الأمم المتحدة للمرأة، كما أن نسبة تمثيلهن في البرلمانات العالمية لا تتجاوز 26%، وفقًا للاتحاد البرلماني الدولي. 

وتثير هذه الفجوة بين الخطاب السياسي والواقع تساؤلات حول مدى قدرة الإعلان على تحقيق أهدافه في ظل تصاعد الخطابات المعادية للمرأة، وتراجع الدعم السياسي لحقوق المرأة في العديد من الدول، ففي الوقت الذي تُعيد فيه اللجنة تأكيد التزاماتها، تُظهر الأحداث الأخيرة في دول مثل أفغانستان وإيران أن حقوق المرأة يمكن أن تتراجع بشكل دراماتيكي في غضون أشهر.

تصاعد كراهية النساء 

أحد أبرز التحذيرات التي أطلقتها سيما بحوث، رئيسة هيئة الأمم المتحدة للمرأة، خلال الجلسة الافتتاحية، هو تصاعد كراهية النساء على مستوى العالم. 

وأشارت إلى أن النساء يتحملن العبء الأكبر للأزمات المتعددة، بما في ذلك الصراعات المسلحة وتغير المناخ والأزمات الاقتصادية، فمثلًا تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن 80% من النازحين بسبب تغير المناخ هم من النساء، وأن النساء والفتيات يتعرضن للعنف بنسبة أعلى في مناطق النزاع.

وحذرت بحوث من أن التقدم المحرز في تعزيز حقوق المرأة مهدد بالتراجع بسبب تصاعد الخطابات المعادية للمرأة، خاصة عبر الإنترنت.

وفقًا لتقرير صادر عن منظمة "بلان إنترناشونال"، فإن 58% من الفتيات والنساء الشابات تعرضن للإساءة عبر الإنترنت، بما في ذلك التهديدات بالعنف الجنسي والتحرش. 

وتشير هذه الظاهرة إلى أن الفضاء الرقمي، الذي كان يُفترض أن يكون أداة لتمكين المرأة، تحول إلى ساحة جديدة لاستهدافها.

حقوق المرأة “تحت الحصار”

كان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أكثر وضوحًا في تحليله لوضع المرأة العالمي، حيث وصف حقوق المرأة بأنها "تحت الحصار" وأشار إلى أن "سم النظام الأبوي" ما زال واضحًا في العديد من المجتمعات، وأن “سادة كراهية النساء يكتسبون القوة”.

وأضاف غوتيريش أن النساء يتعرضن لكراهية ممنهجة، خاصة عبر الإنترنت، حيث يتم استهدافهن بشكل متزايد من قبل المجموعات المعادية للمساواة.

وأشار إلى أن بعض القادة السياسيين "سعداء بإلقاء المساواة للذئاب"، في إشارة إلى التراجع في دعم حقوق المرأة في بعض الدول. فعلى سبيل المثال، في أفغانستان، تم إقصاء النساء بشكل كامل تقريبًا من الحياة العامة منذ استيلاء طالبان على السلطة عام 2021، وفقًا لتقارير منظمة العفو الدولية هذه الحالة تُظهر كيف يمكن أن تتحول المكاسب الحقوقية إلى تراجعات سريعة في ظل تغييرات سياسية.

توصيات غوتيريش

في مواجهة هذه التحديات، دعا غوتيريش إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز حقوق المرأة، مؤكدًا أن "الترياق هو العمل"، وقدم عدة توصيات، منها زيادة الاستثمارات في التعليم، حيث تشير بيانات اليونسكو إلى أن 132 مليون فتاة في العالم ما زلن خارج المدرسة.

ودعا إلى معالجة العنف ضد النساء والفتيات، الذي يؤثر في واحدة من كل ثلاث نساء عالميًا، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.

وشدد غوتيريش على أهمية دعم المنظمات النسائية والمدافعين عن حقوق الإنسان، الذين يتعرضون للتهديدات والاعتقالات في العديد من الدول وفقًا لتقرير صادر عن "فرونت لاين ديفندرز"، فإن 40% من المدافعين عن حقوق الإنسان الذين قُتلوا في عام 2022 كانوا من النساء، هذه الأرقام تُظهر أن النضال من أجل حقوق المرأة لا يزال محفوفًا بالأخطار.

تحديات وفرص

أحد المحاور الرئيسية التي ركز عليها الإعلان السياسي هو تشجيع قيادة المرأة في التكنولوجيا والسياسة، ومع ذلك فإن الواقع يُظهر أن النساء ما زلن يواجهن عقبات كبيرة في هذه المجالات.

ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة العمل الدولية، فإن النساء يشكلن فقط 22% من العاملين في مجال الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم. كما أن نسبة تمثيل المرأة في المناصب القيادية في قطاع التكنولوجيا لا تتجاوز 25%.

في المجال السياسي، تشير بيانات الاتحاد البرلماني الدولي إلى أن نسبة النساء في البرلمانات العالمية ارتفعت من 11% في عام 1995 إلى 26% في عام 2023، لكن هذا التقدم يظل بطيئًا وغير كافٍ. كما أن النساء ما زلن يواجهن تحديات كبيرة في الوصول إلى مناصب صنع القرار، خاصة في مناطق مثل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث لا تتجاوز نسبة تمثيل المرأة في البرلمانات 17%.

بين الأمل والتشكيك

الإعلان السياسي للجنة وضع المرأة يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز حقوق المرأة، لكنه يطرح أيضًا تساؤلات حول مدى فعاليته في ظل التحديات المتزايدة فمن ناحية، يؤكد الإعلان التزام الدول بتحقيق المساواة بين الجنسين، لكن من ناحية أخرى، فإن الواقع يُظهر أن العديد من الدول ما زالت تتراجع في هذا المجال.

وعلى سبيل المثال، في الولايات المتحدة، أظهرت دراسة صادرة عن مركز بيو للأبحاث أن 57% من النساء يعتقدن أن البلاد ما زالت بعيدة عن تحقيق المساواة بين الجنسين، وفي أوروبا، تشير بيانات المفوضية الأوروبية إلى أن الفجوة في الأجور بين الجنسين ما زالت تصل إلى 14% في المتوسط.

ويمثل الإعلان السياسي للجنة وضع المرأة فرصة لإعادة تركيز الجهود العالمية على تعزيز حقوق المرأة، لكنه يحتاج إلى دعم سياسي ومالي قوي لتحقيق أهدافه في ظل التحديات المتزايدة، من تصاعد كراهية النساء إلى تراجع الحقوق في بعض المناطق، فإن العمل الجماعي والالتزام الدولي يظلان المفتاح لضمان مستقبل أكثر إنصافًا للنساء والفتيات في جميع أنحاء العالم. كما قال غوتيريش: "الترياق هو العمل"، والعمل يجب أن يبدأ الآن.

تحديات كبيرة

وفي السياق، قالت الناشطة الحقوقية التونسية، مريم عبد الجواد، إن الإعلان السياسي الذي أقرته لجنة وضع المرأة التابعة للأمم المتحدة يمثل محطة حاسمة في مسيرة النضال من أجل حقوق النساء والفتيات على مستوى العالم، حيث يأتي هذا الإعلان بعد مرور ثلاثين عامًا على إعلان ومنهاج عمل بكين، الذي كان بمنزلة حجر الأساس في ترسيخ حقوق المرأة ضمن أجندة التنمية والعدالة الاجتماعية، غير أن مرور العقود لم يكن كافيًا لضمان التنفيذ الكامل لما جاء في تلك الوثيقة التاريخية، حيث ما تزال النساء في جميع أنحاء العالم يواجهن تمييزًا ممنهجًا، وعنفًا مستمرًا، وإقصاءً هيكليًا يمنعهن من التمتع بحقوقهن الأساسية على قدم المساواة مع الرجال. 

وتابعت في تصريحات لـ"جسور بوست"، قراءة متأنية للإعلان الجديد تكشف عن إدراكٍ دولي متزايد لحجم التحديات التي تواجهها النساء، خاصة في ظل تصاعد النزاعات المسلحة، وتغير المناخ، والتراجع عن بعض المكتسبات الحقوقية في عدد من الدول. يؤكد الإعلان التزام الدول الأعضاء بضمان تمتع النساء بجميع حقوق الإنسان دون تمييز، ويطالب الحكومات بتسريع تنفيذ التشريعات والسياسات التي تحمي المرأة وتعزز مساواتها الفعلية، لا الشكلية، في مختلف مناحي الحياة، ومع ذلك يظل السؤال الأهم: هل يكفي إعلان سياسي آخر لحماية النساء من الانتهاكات اليومية التي يتعرضن لها؟ 

واسترسلت، تشير أحدث التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن واحدة من كل ثلاث نساء حول العالم تتعرض للعنف الجسدي أو الجنسي خلال حياتها، وغالبًا ما يكون المعتدي شخصًا مقربًا، وعلى الرغم من تزايد الوعي بهذه الظاهرة، فإن نسبة الإدانة ما تزال منخفضة، فيما تفتقر العديد من الدول إلى سياسات فعالة لمعالجة هذه الانتهاكات، كما أن الفجوة الاقتصادية بين الجنسين لم تغلق بعد، حيث تكسب النساء في المتوسط 20% أقل من الرجال، حتى عند القيام بالعمل ذاته، فيما تواجه النساء تمييزًا في الترقيات والوصول إلى المناصب القيادية، ما يعزز استمرار التفاوتات البنيوية بين الجنسين. 

ونوهت إلى أن الإعلان السياسي يدعو إلى إزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وهي دعوة تعكس أحد المبادئ الأساسية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي ينص في مادته الأولى على أن "جميع الناس يولدون أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق" ومع ذلك، فإن ترجمة هذا المبدأ إلى واقع ملموس ما تزال تواجه عقبات سياسية واقتصادية واجتماعية، حيث تصطدم حقوق النساء في كثير من الأحيان بالموروثات الثقافية والنظم القانونية التمييزية التي تعطي الأولوية لسلطة الذكور، كما أن بعض الدول لم تصادق حتى اليوم على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، ما يثير تساؤلات حول جدية الالتزامات الدولية تجاه حقوق النساء. 

وذكرت أن الإعلان لا يكتفي بالتركيز على جوانب الحماية القانونية، بل يتطرق إلى أهمية تمكين النساء اقتصاديًا وتعزيز مشاركتهن السياسية، وهي مطالب جوهرية لضمان استقلالية المرأة وحقها في اتخاذ القرارات التي تؤثر في حياتها، فمن دون تمكين اقتصادي، ستظل المرأة رهينة الهياكل الأبوية التي تضعف قدرتها على الخروج من دوائر الفقر والعنف، ومن دون تمثيل سياسي حقيقي، ستظل التشريعات والسياسات تصاغ من منظور يغفل احتياجات نصف السكان. 

وأكدت الناشطة الحقوقية أن أحد أكثر الجوانب المثيرة للقلق في الإعلان هو اعترافه بوجود "هجوم متزايد" على حقوق المرأة في بعض الدول، في إشارة إلى التوجهات السياسية المحافظة التي تسعى إلى تقليص المكتسبات النسوية، سواء من خلال القيود المفروضة على الحقوق الإنجابية أو من خلال التمييز في قوانين الأحوال الشخصية، وهذه التوجهات تتعارض بشكل مباشر مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي ينص على عدم جواز انتقاص أي حق من الحقوق الإنسانية المكتسبة كما أن تصاعد خطاب الكراهية ضد النساء، خاصة على المنصات الرقمية، يمثل تهديدًا حقيقيًا للنساء الناشطات في المجال الحقوقي، حيث يتعرضن لحملات تشهير وترهيب تهدف إلى إسكات أصواتهن. 

وقالت: في ظل كل هذه التحديات، يبقى التساؤل المطروح هو كيف يمكن ضمان تنفيذ ما جاء في الإعلان السياسي؟ التجارب السابقة أظهرت أن البيانات السياسية وحدها لا تكفي، وأن الالتزام الفعلي بحقوق النساء يتطلب آليات متابعة ومساءلة حقيقية، تضمن عدم تراجع الدول عن التزاماتها، إن إنشاء لجان وطنية مستقلة لمراقبة تنفيذ السياسات المتعلقة بالمساواة بين الجنسين، وتعزيز مشاركة النساء في عمليات صنع القرار، وضمان تمويل مستدام للمبادرات الداعمة للمرأة، هي خطوات ضرورية لضمان ألا يبقى الإعلان السياسي مجرد وثيقة رمزية تُضاف إلى أرشيف المؤتمرات الأممية. 

وأتمت، لا يمكن الحديث عن حقوق الإنسان بشكل جاد دون وضع حقوق المرأة في صلب الأجندة الحقوقية العالمية. إن تحقيق المساواة بين الجنسين ليس ترفًا، بل هو شرط أساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة وإذا كان الإعلان السياسي للجنة وضع المرأة يمثل خطوة إلى الأمام، فإن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل هذه الالتزامات إلى واقع ملموس، تلمسه النساء في حياتهن اليومية، بعيدًا عن الخطابات البروتوكولية والتعهدات غير الملزمة، فإما أن يكون هذا الإعلان بداية لمرحلة جديدة من العمل الجاد من أجل حقوق النساء، أو أن يبقى مجرد إعلان آخر يُضاف إلى قائمة التعهدات غير المنفذة.

تصحيح الاختلالات

وبدورها، قالت الخبيرة النفسية والاجتماعية، آية حسين، إن الإعلان السياسي الذي أقرته لجنة وضع المرأة التابعة للأمم المتحدة يعكس محاولة جادة لتصحيح الاختلالات التاريخية في ميزان العدالة الاجتماعية، لكنه في الوقت ذاته يكشف عن التحديات العميقة التي ما تزال تعوق تحقيق المساواة بين الجنسين، فالمجتمع بمكوناته كافة، لا يمكنه تحقيق تنمية حقيقية إذا بقي نصفه يعاني التهميش والإقصاء الممنهج، ولذا فإن تداعيات هذا الإعلان تتجاوز مجرد كونه وثيقة أممية، لتصل إلى البنية الاجتماعية نفسها، حيث تتجلى في إعادة تعريف دور المرأة في المجالين الخاص والعام، وتأثيرها في مختلف المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية. 

وأوضحت في تصريحاتها لـ"جسور بوست"، أنه على المستوى الفردي، يشكل هذا الإعلان بارقة أمل للنساء اللواتي ما زلن يعانين العنف والتمييز، سواء كان ذلك في الأسرة، أو في سوق العمل، أو في الفضاء العام، إذ إن الاعتراف الرسمي بهذه التحديات هو خطوة نحو تحريك عجلة التغيير، ولكن التحدي الحقيقي يكمن في مدى التزام الحكومات والمجتمعات بتنفيذ الإجراءات التي تترجم هذه المبادئ إلى سياسات ملموسة، فالمرأة التي ما تزال في العديد من المجتمعات محرومة من الوصول المتساوي إلى الموارد، تحتاج إلى ما هو أكثر من وعود سياسية؛ تحتاج إلى آليات تنفيذية تحمي حقوقها في التعليم، والتوظيف، والمشاركة السياسية، واتخاذ القرار. 

واسترسلت، الإعلان السياسي -على المستوى الأسري- يعيد تسليط الضوء على أهمية المساواة داخل المنزل، حيث تبدأ الكثير من أنماط التمييز التي تستمر لاحقًا في المجال العام، فالثقافة السائدة التي تضع المرأة في إطار الأدوار النمطية التقليدية، وتجعل من عملها في المنزل غير معترف به اقتصادياً، تخلق بيئة يستمر فيها التمييز بشكل غير واعٍ حتى من قبل النساء أنفسهن ومن هنا، فإن أي تغيير في وضع المرأة يستدعي تحولًا جذريًا في التصورات الاجتماعية التي تحكم العلاقة بين الجنسين، وهو أمر لا يمكن تحقيقه دون دور فعال للتعليم والإعلام في نشر ثقافة المساواة. 

ونوهت أنه يمكن أن يكون لهذا الإعلان تأثير مباشر في سوق العمل، حيث إن تعزيز مشاركة المرأة في القوى العاملة لن يؤدي فقط إلى تحسين وضعها الفردي، بل سيخلق دفعة اقتصادية للمجتمعات ككل، فقد أظهرت الدراسات أن تقليل الفجوة بين الجنسين في سوق العمل يمكن أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي للدول بشكل ملحوظ، حيث إن الاستفادة من قدرات النساء في الإنتاج والابتكار تفتح آفاقًا جديدة للنمو الاقتصادي، ولكن هذا يتطلب سياسات تضمن بيئة عمل عادلة، مثل المساواة في الأجور، وإجازات الأمومة المدفوعة، وحماية المرأة من التحرش الوظيفي، وهي نقاط ما تزال غائبة عن العديد من الدول، حتى تلك التي تتبنى خطابًا داعمًا لحقوق المرأة. 

وأشارت الخبيرة النفسية والاجتماعية إلى أن -رغم كل هذه التداعيات الإيجابية المحتملة- تنفيذ هذا الإعلان سيواجه مقاومة من التيارات التقليدية التي ترى في المساواة تهديدًا للهيكل الاجتماعي القائم، فالتغيير مهما بدا ضروريًا، يظل محفوفًا بالصراعات بين قوى التقدم وقوى المحافظة، ومع ذلك فإن التاريخ يُظهر أن التغيير الاجتماعي قد يكون بطيئًا لكنه حتمي، خاصة عندما يكون مدعومًا بضغط شعبي ووعي متزايد بحقوق الإنسان. 

وأتمت، يبقى السؤال الأهم: هل سيكون هذا الإعلان مجرد خطوة أخرى في مسار الوعود غير المنفذة، أم سيكون نقطة تحول حقيقية في مسيرة تحقيق العدالة الجندرية؟ لافتة أن الإجابة لن تعتمد فقط على الحكومات، بل على المجتمعات نفسها، ومدى استعدادها لتقبل حقيقة أن تحقيق المساواة بين الجنسين ليس رفاهية، بل ضرورة لبناء مستقبل أكثر إنصافًا واستدامة للجميع.
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية