أتول فيوغارد.. «أحتاج إلى قلم حبر وورقة حتى أحارب الفصل العنصري»

أتول فيوغارد.. «أحتاج إلى قلم حبر وورقة حتى أحارب الفصل العنصري»
الكاتب أتول فيوغارد

آمن الكاتب أتول فيوغارد بأن القلم أقوى من السيف؛ فحارب به العنصرية في جنوب إفريقيا التي شهدت أحد أسوأ أنظمة الفصل العنصري بالعالم تاريخياً وما فيه من سياسات متحيزة وممارسات غير إنسانية.

في الثامن من مارس رحل فيوغارد عن عمر ناهز 92 عاماً، ليكتب هذا اليوم نهاية رجل من أبرز وجوه الحركة النضالية في جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصري الذي واجهه بكتاباته ومسرحه، ودفع في سبيل ذلك ثمناً باهظاً وصل إلى حد منعه من مغادرة البلاد أو ممارسة أي عمل فني.

وُلِد فيوغارد في ميدلبورغ، بجنوب إفريقيا، عام 1932 لأب إنجليزي مهاجر من أصل أيرلندي كان عازفاً وأم من عائلة أفريكانية كانت تدير متجراً عاماً حيث تفتحت عيناه على واقع نظام الفصل العنصري.

والتحق فيوغارد بكلية بورت إليزابيث التقنية للحصول على تعليمه الثانوي في عام 1946 إلى عام 1950 وبعدها قرر دراسة الفلسفة والأنثروبولوجيا الاجتماعية في جامعة كيب تاون بمنحة دراسية إلا أنه ترك الجامعة في عام 1953، قبل بضعة أشهر فقط من الامتحانات النهائية. 

صداقة مع أقرانه من السود

لم يكن الواقع المجتمعي مرضياً لذلك الشاب الذي آمن منذ طفولته بأنه لا فرق بين أبيض وأسود وساعده على تعزيز ذلك الصداقة التي جمعته في طفولته مع أقرانه من السود. 

ومن هذا المنطلق غادر بلاده إلى شمال إفريقيا في القاهرة ومنها إلى العمل مع طاقم سفينة شحن، وقضى السنوات التالية يبحر ذهاباً وإياباً بين موانئ آسيا كبحار تجاري، وهي تجربة كتب عنها في سيرته الذاتية.

لكن سرعان ما عاد إلى بلاده ليكون جزءاً من حركة مقاومة نظام الفصل في جنوب إفريقيا التي وجدت لنفسها مكاناً على المسرح.

وعندما استقر في جوهانسبرغ بعد زواجه عمل في وظيفة عامة ساعدت في زيادة كراهيته لنظام الفصل العنصري، حيث وصل إلى بيانات تظهر القيد القمعي المستخدم للسيطرة على تحركات المواطنين السود في البلاد، والحد من وصولهم إلى فرص السكن والعمل.

قصة امرأة سوداء

في عام 1956 بدأ فيوغارد التوجه نحو المسرح، وكانت "الزنزانة" أول أعماله تحكي قصة امرأة سوداء من جنوب إفريقيا اعتقلتها الشرطة لأنها لم تمتلك بطاقة مرور، وهي بطاقة كانت تصدرها الشرطة في جنوب إفريقيا ضمن سياسات الفصل العنصري.

بعدها قدّم أول مسرحية تُعرض في جنوب إفريقيا بمشاركة ممثلين من مختلف الأعراق "رباط الدم"، والتي ضمنت له شهرة واسعة وكبيرة بين كتاب وصناع المسرح في جنوب إفريقيا.

بعد عرض "رباط الدم" بدأت الأزمات تواجهه عندما صادرت الحكومة جواز سفره، لكنه قرر الاستمرار في طريقه، أو كما وصف هو بعد ذلك خلال محاضرة ألقاها بجامعة رودس عام 1991: "لم يكن من الممكن سرد قصة جنوب إفريقية بدقة وصدق دون أن يكون لها أي تداعيات سياسية".

واستمر فيوغارد في تقديم أعماله الفنية ومنها "بوسمان ولينا"، التي تناولت الظروف الصعبة لزوجين من عرقين مختلفين وعُرضت لأول مرة عام 1969، ثم حُوِّلت إلى فيلم عام 2000، إلى جانب روايته "تسوتسي" التي فازت بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية في عام 2006.

منع أعماله الفنية

من أعماله المهمة مسرحية "الجزيرة" التي أثارت جدلاً، حيث اعتبرته الحكومة يلمح إلى جزيرة روبن، حيث سُجن نيلسون مانديلا، لتمنع بعدها أعماله الفنية ويتم وضعه تحت الرقابة الحكومية الشديدة.

ومع كسر شوكة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وإطلاق سراح مانديلا أصبحت مسرحياته أكثر هدوءاً، لكن في إطار سياسي، ومنها "أطفالي! إفريقيا!" و"أرض اللعب".

ومع انتخاب مانديلا رئيساً، أعرب فيوغارد عن ارتياحه لتخلصه من المسؤولية التي كان يشعر بها ككاتب.
ويعتبر فيوغارد صاحب مذكرات فنية نادرة هي "مذكرات 1960-1977"، وكتاب "أبناء العم: مذكرات" وصفتهما الغارديان أنهما من أكثر الأعمال الفنية جرأةً وإشراقاً في عصرنا.

قلم حبر وورقة

وظل فيوغارد إلى وفاته متبنياً طريقة خاصة لحياته، والتي قال عنها "أحتاج إلى مساحتي الخاصة، وأحتاج إلى الاستيقاظ في السادسة صباحاً والاستماع إلى صوت الحديقة... بعد بعض التمارين الرياضية وفطور من حبوب الموسلي الجنوب إفريقية.. أعمل من الثامنة صباحاً حتى الواحدة ظهراً.. لا تناسبني معالجات النصوص والآلات الكاتبة وأقلام الحبر.. أنا كاتب شهواني أحتاج إلى قلم حبر وورقة".

وفي عام 2011 نال جائزة توني، وهي أرفع جائزة برودواي للإنجاز مدى الحياة، وفي 2015 انفصل عن زوجته الأولى وتزوج مرة أخرى.

وعلى الرغم من ذلك استمر فيوغارد في الإنتاج الفني حتى تجاوز الثمانينيات من عمره، فكتب مسرحية "ظل الطائر الطنان" وشارك في بطولتها عام 2014، وهو في الحادية والثمانين من عمره، وتجاوزت أعماله المسرحية الثلاثين عملاً.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية