السيناريست المغربية بشرى ملاك لـ«جسور بوست»: بالدراما أناضل من أجل حقوق المهمشين

مسلسل "رحمة".. صرخة درامية لأجل أطفال تُنكرهم أسرهم

السيناريست المغربية بشرى ملاك لـ«جسور بوست»: بالدراما أناضل من أجل حقوق المهمشين
السيناريست المغربية بشرى ملاك

 

بشرى ملاك، سيناريست مغربية كتبت أفلاماً ومسلسلات عدة حققت نجاحاً جماهيريّاً واسعاً في المغرب، وتُفضل الاشتغال على مواضيعَ إنسانية، معدةً ذلك طريقة نضالها الخاصة، وفي حين أن هناك من يناضل بشكل مباشر في الجمعيات، فهي تناضل بقلمها، وبقرع جرس الخطر بشأن بعض المواضيع، ووضع الأصبع عليها، وتوعية الناس، وتنبيه ذوي الاختصاص إلى المشكلات الموجودة.

أحدث نجاحات ملاك الجماهيرية هو مسلسل "رحمة"، الذي يعرض في رمضان الجاري على قناة 5MBC، ويسلط الضوء على قضية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يتخلى عنهم الآباء، متملصين من المسؤولية، لرفضهم أن يكونوا آباءً لأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، ما يجعل هؤلاء الأطفال يواجهون التهميش، وفي المقابل معاناة الأمهات وكفاحهن، لتربية وإعالة أطفالهن.

في هذا الحوار، تتحدث ملاك لـ"جسور بوست" عن أسباب اختيارها التطرق في مسلسل "رحمة" إلى تيمة أمهات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، من بين مختلف القضايا الإنسانية الموجودة داخل المجتمع المغربي، وعن الاختلاف الذي تقدمه في المسلسل مقارنة بالأعمال الدرامية والسينمائية المغربية التي سبق وتناولت القضايا نفسها التي يطرحها مسلسلها، والأسباب الإنسانية التي دفعتها إلى اختيار اسم "رحمة" لإطلاقه على بطلة العمل، وتعلق على البيان الاستنكاري الذي أصدرته المنظمة الوطنية المغربية لحقوق النساء في وضعيات إعاقة ضد بعض ما جاء في المسلسل.

كما تبدي ملاك رأيها في تعاطي الدولة المغربية مع قضايا وحقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وتوضح أسباب تركيزها على الاشتغال على المواضيع ذات الطبيعة الاجتماعية الإنسانية، وأسباب تطور الدراما المغربية في السنوات الأخيرة، وجذبها الجمهور المغربي عكس السابق، وتبرز عوامل ظاهرة تكرار الوجوه في المسلسلات الرمضانية المغربية التي تثير جدلاً هذه الأيام في المغرب.

وإلى نص الحوار:

-بدايةً، المجتمع المغربي فيه قضايا إنسانية عدة يمكن تناولها من خلال الدراما، فلماذا اخترتم تحديداً تسليط الضوء -عبر مسلسل “رحمة”- على قضية “الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يتخلى عنهم الآباء فيواجهون التهميش، ومعاناة الأمهات وكفاحهن لتربيتهم؟”

اخترت تيمة أمهات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، لأنها أولاً تيمة تحتاج ألا تُهمش، ليس فقط في أرض الواقع، ولكن حتى في تعاملنا الأدبي أو التلفزي أو في الدراما، يعني أن يكون هذا الموضوع أيضاً ضمن المواضيع التي نتناولها في الدراما.

ولأن الموضوع يعد واسعاً وتحته تيمات كثيرة، لأنه إذا كانت التيمة الكبيرة في مسلسل "رحمة" هي نضال امرأةٍ أم لطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، فقد تناول (المسلسل) تيمات كثيرة وسط المجتمع؛ مثلاً تيمة الجهل وعدم الإيمان وعدم الثقافة عند الأب، لأنه لو كان هذا الأب مثقفاً، أو مؤمناً، أو غير جاهل، لكانت كل هذه المسائل تغيرت. هناك تيمة أن المرأة من اللازم ألا تكون عاطلة عن العمل وتفكر دائماً بأن وجودها مكفول بزواج لا غير، لأن رحمة لو كانت امرأة قادرة على إعالة نفسها ودرست وحصلت على عمل، لما كانت لتعاني بهذا الشكل. هناك تيمة تلك البنت الصغيرة ابنة رحمة التي تعيش في أسرة جوها مسموم وكلها عُقد، وذلك يظهر جلياً من خلال بعض المشاهد وسط المسلسل التي تظهر التبول اللاإرادي، ما يعني أن هناك مواضيع كثيرة وسط تيمة أم لواحد من ذوي الاحتياجات الخاصة. سبب اختياري هو أنني كنت أبحث عن موضوع يشمل مواضيع كثيرة نراها وواقعية، ليس فقط في المغرب، بل في بلدان أخرى كثيرة.

-صرحتم في وقت سابق بأن مسلسل "رحمة" "سيسلط الضوء على قصص إنسانية مؤثرة، ستلمس فئة كبيرة من الجمهور، خاصة أنه لم يسبق التطرق إليها في الدراما المغربية بهذه الطريقة"، فما الاختلاف الذي تقدمونه في مسلسل "رحمة"، مقارنة بالأعمال الدرامية وحتى السينمائية المغربية التي سبق وتطرقت إلى تلك القضايا نفسها؟

أنا لن أتحدث عن الاختلاف، لأنني -للأسف- لم أشاهد جميع الأعمال الدرامية التي تطرقت إلى التيمة نفسها، وإن كنت قد شاهدت بعضها، ولكن الشيء الإضافي هو أن مسلسل (رحمة) ليس سينما، يعني ليس فيلماً، فهو مسلسل مكون من 30 حلقة، سيدخل البيوت لمدة 30 يوماً هذا أولاً.

ثانياً، نرى الطفل (من ذوي الاحتياجات الخاصة) وهو جنين، وبعد ذلك عندما يولد، ثم عندما يكبر، ما يعني معالجة القضية في مدة زمنية طويلة، بالإضافة إلى رؤية الشخصية من كل الجوانب، فلم ينصب التركيز على الجانب المظلم فقط، ففي الحلقات القادمة سنرى حتى ما قدمته بلادنا لهؤلاء الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال المراكز التي تعتني بهم، ونلاحظ في الحلقة التي دخلت فيها رحمة إلى السجن، جاءت على لسانها جمل تقول فيها: إن ما وجدته في السجن على يد المندوبية السامية المكلفة بالسجن، وما وجده ذلك الطفل (ابنها من ذوي الاحتياجات الخاصة) هناك، إذ منحوه العناية والتمريض، لم يجده عند والده. فهناك تسليط للضوء على كل ما تم الاشتغال عليه في بلادنا لأجل هؤلاء الأطفال، ولأجل ذويهم.

بالإضافة إلى ذلك، حاولنا هذه المرة أن يكون لدينا فريق عمل “كاستينغ” كبير، يضم ممثلين من جميع الفئات العمرية، وهذا لم نره كثيراً -على حد علمي- في السينما، فلم أشاهد أفلامًا مغربية كثيرة عالجت موضوع ذوي الاحتياجات الخاصة، وأظن أنني شاهدت فيلمين، هما ما أسعفتني الذاكرة على تذكرهما.

-اسم “رحمة” الذي اخترتموه لبطلة العمل (الممثلة منى فتو) له دلالات إنسانية، هل اختياركم هذا الاسم وراءه رغبة في إيصال رسائل إنسانية معينة، أم أنه اسم كأي اسم آخر؟

لا طبعاً، كان يمكن أن تُسمَّى كنزة، أو زينب مثلًا، بل اختياري اسم “رحمة” كان من خلال دراسة، ووراءه بعض الرسائل، فالله -سبحانه وتعالى- ذكر كثيرًا في القرآن الكريم كلمة “رحمة”، الذي هو المبتغى الإنساني، ولأن ما آلت إليه الأمور الآن في واقعنا يستوجب استحضار الرحمة، وما أكثر حاجتنا إليها الآن من أي وقت مضى، ولهذا أطلقت على البطلة اسم رحمة.

-استنكرت المنظمة الوطنية المغربية لحقوق النساء في وضعيات إعاقة بعض ما قالته شخصية "داوود"، التي يلعبها الممثل عبد الله ديدان، في الحلقة الأولى من مسلسل "رحمة"، بعدما أخبره الطبيب بأن ابنه "يزيد" من ذوي الاحتياجات الخاصة، معدة (أي المنظمة) تلك التصريحات "غير مقبولة، وتنم عن نظرة تمييزية تجاه الأشخاص الذين هم في وضعية إعاقة"، ما تعليقكم؟

في الحقيقة، إذا أردت أن أكون واقعية وجادة في تعليقي، فماذا سأقول لك؟! "خُزَعْبَلَة"، فكيف تريد أن أقدم لك هذه الشخصية (تقصد داوود)؟! فهو شخصية سلبية وهي التي تمثل عقدة المسلسل، إنسان جاهل، غير متمدرس، غير مؤمن، غير مثقف، صاحب عقد كبيرة في حياته، كيف سيكون لسانه؟! كيف ستكون حواراته؟! بطبيعة الحال لا يمكن أن تصدر عنه إلا تلك الحوارات.

وشيء آخر، كلمة "إعاقة" لا أراها نقصاً، وإن هذه الجمعية نفسها وقعت فيما استنكرته علينا؛ فالإمضاء في الأخير مكتوب فيه أنها فلانة من جمعية نساء في حالة إعاقة، الإعاقة هي مجرد اختلاف، ولا تنقص نهائيّاً من المستوى، أو من شيء آخر لدى الإنسان الذي يحمل هذا الاختلاف. وعوضاً عن ذلك البيان الاستنكاري، كنت أنتظر بيان شكر؛ إذ إنني تطرقت إلى موضوعهم. يهمني موضوع هذه المنظمة وتهمني هذه القضية؛ فأنا أخوض نفس نضال هؤلاء الناس (تقصد المنظمة المذكورة)، غريب رؤيتهم يتحدثون بالنقد مبكراً ونحن ما نزال في الحلقات الأولى. في بعض المرات يكون هناك ركوب على الأمواج، وهذا (أي ما قالته المنظمة) لم أحس به نهائيّاً، أجبتُ لأن بعض الزملاء الصحفيين طلبوا مني أن أرد، أما الأمر فلا يستحق الإجابة؛ لأن الجواب واضح، وهم يستطيعون أن يجيبوا بأنفسهم.

-كيف تقيمون تعاطي الدولة المغربية مع قضايا وحقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، سواء كانوا أطفالاً، أو كباراً؟

أرى أن المغرب خطا شوطاً كبيراً في هذا المجال، لأنني زرت أخيراً، في أيام تصويرنا لـ"رحمة"، مركزاً متخصصاً في سَلَا (مدينة بجوار العاصمة الرباط)، ما شاء الله فيه أعداد كبيرة، وعندهم وسائل التمريض، وحتى وسائل الترفيه، أنا فرحة في الحقيقة بهذه المسائل، بالإضافة إلى أن هناك إعانات.

المهم عندنا الآن هو التوعية وسط الأسر، أما الدولة فتقوم بما عليها، أنا أعالج المسألة من الناحية الداخلية الأسرية، أما الولد (تقصد الطفل يزيد في المسلسل) فسيجد العناية خارج الأسرة، ولكن حبذا لو وجدها عند أبيه، لأن العُقد تأتي من الداخل؛ فعندما تعرف أن والدك رماك في يوم من الأيام، لأنه لم يقبلك، فذلك أمر يصعب على النفس تحمله!

-لديكم أعمال عدة -كتبتم السيناريو الخاص بها- ذات طبيعة اجتماعية إنسانية، ما السبب وراء تركيزكم على الاشتغال على هذا النوع من القضايا؟

أرى أن التوعية من جملة غايات التلفزة، وأنا فضلت الاشتغال على مواضيع إنسانية، كما اشتغلت على مسلسل "كَايْنَة ظروف" (هناك ظروف)، الذي يتحدث عن معاناة النساء بعد خروجهن من السجن، تطرقت إلى مواضيع إنسانيّة كثيرة؛ لأنني أرى أن هذه هي طريقة نضالي، هناك من يناضل بشكل مباشر في الجمعيات، وطريقة نضالي مجسدة في قلمي الذي يقرع جرس الخطر بشأن بعض المواضيع، لنضع الأصبع عليها، ونوعي الناس، وحتى إذا لم نقدر على القيام بشيء، على الأقل نقول إن المشكلة موجودة؛ لكي ينظر إليها ذوو الاختصاص، ونوعي الناس قليلاً؛ لأن الأسرة مهمة، ونحن عبر التلفزة ندخل إلى الأسر، إذن هذه هي مهمتنا، التي يجب أن تكون رقم 1.

وربما لأن هذا هو النمط الكتابي الذي أجيده، فربما لا أتقن الكتابة في التاريخي، أو البوليسي، وهناك من يكتبون فيهما، أنا أحب كل ما هو إنساني واجتماعي، وأرى أن هذا جزء لا يتجزأ من الخدمة التي يجب أن أقدمها لوطني.

-في السنوات الأخيرة حدث تطور في الدراما المغربية؛ أصبحت هناك إنتاجات كبيرة -مقارنة بالسابق- تراعي الجودة على مستوى القصة، والمعالجة الدرامية، والصورة أيضاً، وتجذب الجمهور المغربي عكس السابق، ما الأسباب -في نظركم- وراء هذا التحول؟

الجمهور المغربي أصبح مستهلكاً للمادة والمنتوج المغربيين بالدرجة الأولى، ربما لأنه أصبح هناك أخيراً وعي كبير بأن نقدم واقعنا، وتكون التلفزة هي مرآتنا، بالإضافة إلى أنه لا ننسى أن مدارس كبيرة للإخراج وتقنيات التصوير افتُتحت في المغرب، والآن نجني ثمارها، إذ إن هناك الآن تقنيين في المستوى، يعتمد عليهم حتى الأجانب؛ حتى الأوروبيون والأمريكيون يأتون ويعتمدون على شباننا خريجي "لِيسَاڤْ" (المدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش)، و"لِيسْمَاكْ" (المعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما بالرباط).

إذن أقول إنه حان الوقت لنخطو خطا الأغنية المغربية، والكرة المغربية، في تسويق منتوجنا، وربما جاء وقت الدراما، والحمد لله عندنا باقة كبيرة من الممثلين، ينقصنا القليل من الاستثمار في المجال الفني، ما زلنا نتعثر، ما يزال المستثمر بعيداً عن الاستثمار في الثقافة، ولكن نتمنى الخير، ونحن نسير، فقط قبل 12 أو 13 عاماً كان استهلاك المغاربة في شهر رمضان 100% مسلسلات مصرية، في حين يحظى المسلسل المغربي الآن باهتمام وتنافسية كبيرين، والناس يتحدثون عنه، إذن أنا أقول نحن نسير في الطريق الجيد، وإن شاء الله سيكون خيراً مستقبلاً.

-هناك جدل هذه الأيام في المغرب حول "تكرار الوجوه"؛ مثلاً أنتم في رمضان الجاري يُعرَض لكم مسلسلان، "رحمة" و"يوم ملقاك"، وفيهما وجوه -من دون ذكر أسماء- توجه إليها انتقادات بسبب ظهورها الكثير هنا وهناك، ما السبب وراه تكرار الوجوه؟ هل قلة الفنانين، أم احتكار، أم ماذا بالضبط؟

أولاً: هناك إشكالية يجهلها الناس الذين هم خارج المجال، وهي أن هؤلاء الممثلين لا يد لهم في البرمجة، هناك ممثلون -وكما قلتَ لا داعي لذكر الأسماء- ظهروا في رمضان الجاري في مسلسلات صُورت قبل سنتين مثلاً، أو في السنة الفارطة، ولكن لم تتم برمجتها إلا هذا العام، تصور أن ممثلاً كل سنة يشتغل مسلسلاً، ولكن لم تعرض مسلسلاته، ثم عُرضت كلها في رمضان! هو لا ذنب له في هذه المسألة.

بالإضافة إلى أن مهنته ممثل، وخُلق ليمثل، لا يمكن أن يقول لا، لأنه عندما يغيب لا يوجد من يفكر أين هو، وعندما يمرض لا يأبه له الناس، وعندما لا يمثل لا أحد يدق بابه، ويقول له هل لديك أكل أم لا، إذن ما دام لديهم نجومية وقبول، فإنهم يستغلون الظرف.. الله يعينهم.

أنا أعاتب على شيء؛ إذا أردتَ الظهور في مسلسل، أو اثنين، أو ثلاثة، مرحباً، ولكن ليس بصورة نمطية، يجب أن تكون حربائيّاً، يجب أن تتبدل 180 درجة، ما مثلتَه هنا يجب ألّا يشبه ما مثلته هناك، وهذا لمصلحة الممثل.

-الممثل عبد الله ديدان يشارك في رمضان الجاري في عدد من المسلسلات منها “رحمة”، والممثلة دنيا بوطازوت تشارك معكم في مسلسل “يوم ملقاك”، وأيضاً في مسلسلات أخرى، والناس يقولون "أليس لدينا في المغرب ممثلون آخرون، لنرى تنوعاً في الوجوه؟!".

لكل مجتهد نصيب، هذان الممثلان اللذان ذكرتهما: دنيا بوطازوت، وعبد الله ديدان، من خيرة الناس عندنا، يعني نحن لم نأتِ باثنين فاشلين وجعلناهما يمثلان في الكثير من المسلسلات، هذان الممثلان جعلا دُور الإنتاج والقنوات تتهافت عليهما؛ لأنهما -ما شاء الله عليهما- ممثلان راقيان، وأينما وضعتهما يُشرِّفان، هذا ما في الأمر، هذا ما أعرفه، رغم أنني في الحقيقة بعيدة كل البعد عن هذه المسألة، ولكن أقول لك ليس ذنبهم (أي الممثلين)، هم غير متدخلين في البرمجة، ولكن عندما يأتيك الخبز (العمل) لن تقول له لا، إنهم يشتغلون من أجل أبنائهم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية