في غزة.. البرد والجوع يفاقمان معاناة النازحين وسط شح المساعدات
في غزة.. البرد والجوع يفاقمان معاناة النازحين وسط شح المساعدات
في حضن والدته، يجلس ماهر الصغير ممسكاً بأطراف وشاحها، وعيناه تحدقان في الخيمة التي تأويه بقطاع غزة قائلاً: "أنا لا أحب هذه الخيمة"، بعبارة تحمل براءة الطفولة ومرارة الواقع، وتتفهم والدته مها، إحساسه، متسائلة أنه كيف يمكن لطفل اعتاد العيش في منزل آمن أن يتقبل الإقامة في مأوى هش لا يقيه من البرد والمطر؟
نزوح مؤلم وذكريات لا تُمحى
اضطرت مها للنزوح من شمال غزة بعد إصابة تعرضت لها، ورحلة الهروب المتأخرة جعلتها شاهدة على فظائع لا ينبغي لأحد أن يراها، وتقول بحزن: "رأينا جثثاً في الشوارع.. أمواتاً التهمتهم الكلاب والقطط الضالة" وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.
اليوم، تجد نفسها محاصرة في دائرة لا تنتهي من الألم، عاجزة عن حماية أطفالها من البرد القارس، فيما تتسرب الأمطار عبر قماش الخيمة الرقيق، وتجعل الأرض تحتها موحلة، مضيفة طبقة أخرى من المعاناة إلى واقعها القاسي جراء الحرب في غزة.
الشتاء يضاعف الأزمة
مثل مها، تعيش آلاف العائلات الفلسطينية في ملاجئ مؤقتة، تحاول التكيف مع ظروف قاسية في ظل شح الموارد وانعدام الأمن الغذائي، ومع استمرار النزاع، أصبح العثور على مأوى آمن ترفاً بعيد المنال للكثيرين.
تروي مها قصتها قائلة: "بعد نزوحنا، لجأنا إلى مدرسة طلباً للأمان، لكنها تعرضت للقصف، فقدت كل شيء، وانفصلت عن زوجي عند أحد الحواجز، ولا أعلم عنه شيئاً منذ ذلك الحين".
وجدت مها نفسها وحيدة، مسؤولة عن أطفالها بلا مأوى أو ملابس كافية، وتقول بحسرة: "أنا أدور في حلقة مفرغة، غير قادرة حتى على توفير أبسط احتياجات أطفالي".
بين المساعدات والأمل
مع تصاعد الأزمة، تحاول المنظمات الإنسانية تقديم المساعدة للأسر المتضررة، وقد حصلت مها على خيمة وفرشات وبطانيات، ما وفر لها الحد الأدنى من الحماية، تقول: "الخيمة نعمة، على الأقل أصبح لدي مكان يأوي أطفالي، بعد أن قضينا أياماً في الشوارع".
لكن الاحتياجات لا تزال هائلة، ففي غزة أكثر من 1.9 مليون نازح، وفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، ولا يزال المأوى أحد أكبر التحديات، خاصة مع اشتداد البرد واستمرار شح الموارد.
تعمل المنظمة الدولية للهجرة على تقديم الدعم عبر توفير المأوى الطارئ والإمدادات الأساسية، وتمكنت منذ أكتوبر 2023 من تسليم أكثر من 1.5 مليون مادة إغاثية، تشمل مستلزمات الإيواء والمياه والصرف الصحي، لكن استمرار النزاع وقيود وصول المساعدات يهددان حياة أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع.
دعوات لاستعادة وقف إطلاق النار
مع تفاقم الأوضاع، تطالب المنظمات الإنسانية، ومن بينها المنظمة الدولية للهجرة، بضرورة استعادة وقف إطلاق النار واستدامته، وضمان وصول المساعدات دون انقطاع لإنقاذ حياة المدنيين.
تقول مها، بينما تحتضن أطفالها في زاوية خيمتها: "أتمنى أن تعود الأمور إلى طبيعتها.. أحلم بانتهاء هذه الحرب حتى نتمكن من العودة إلى منزلنا في الشمال".
يذكر أن الحرب أسفرت عن استشهاد أكثر من 50 ألف شخص وإصابة أكثر من 113 ألفًا، معظمهم من المدنيين النساء والأطفال، وفقًا لبيانات وزارة الصحة في غزة، والتي تعدها الأمم المتحدة موثوقة وسط أزمة واحتياجات إنسانية هائلة.