الأمم المتحدة تدعو لتحرك دولي لوقف العنف والانتهاكات الإنسانية في الكونغو الديمقراطية
على هامش الدورة الـ58 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف
دعت نائبة مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ندى الناشف، المجتمع الدولي إلى إرسال "رسالة قوية وواضحة" إلى جميع الأطراف في جمهورية الكونغو الديمقراطية، مفادها أن "الانتهاكات والتجاوزات، التي يرقى العديد منها إلى جرائم دولية، يجب أن تتوقف وأن تتم معالجتها بفعالية".
جاء ذلك خلال جلسة الحوار التفاعلي حول الكونغو الديمقراطية، التي عُقدت الجمعة على هامش الدورة الثامنة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.
سلطت الناشف الضوء على تدهور الوضع الإنساني وحقوق الإنسان في الكونغو مشيرةً إلى تصاعد العنف بسبب هجمات حركة "23 مارس" (M23) المدعومة من رواندا في إقليمي كيفو الشمالي والجنوبي، وأوضحت أن مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان سعى لدعم السلطات في تعزيز سيادة القانون وتحقيق العدالة الانتقالية ومكافحة الإفلات من العقاب، رغم تصاعد العنف.
وأضافت أن تصاعد النزاع أدى إلى تعطيل قدرة المكتب على تنفيذ مهامه بشكل كامل، لكن برغم ذلك، تمكن من دعم محاكمات أسفرت عن إدانة زعماء حرب ومقاتلين سابقين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل والتعذيب والاغتصاب والاستعباد الجنسي.
إعدامات ميدانية وانتهاكات واسعة
أعربت الناشف عن قلقها البالغ إزاء توثيق الأمم المتحدة لـ 602 ضحية للإعدام خارج نطاق القضاء والإعدام بإجراءات موجزة، ارتكبتها جميع أطراف النزاع في إقليمي كيفو الشمالي والجنوبي منذ بداية العام، كما وثّقت استمرار الجرائم الوحشية في إقليم إيتوري، حيث تواصل الجماعات المسلحة قتل المدنيين وتشويههم واختطافهم.
وأشارت إلى أن القوات الكونغولية وحلفاءها استهدفوا المدنيين أيضًا، كما ارتفعت وتيرة العنف الجنسي المرتبط بالنزاع بشكل مقلق، إذ زادت الحالات بأكثر من 270% بين شهري يناير وفبراير، وفي المناطق الخاضعة لسيطرة حركة "إم 23"، تعرض الفضاء المدني للقمع العنيف.
أوضحت الناشف أن 26 مليون شخص، أي ربع سكان البلاد، يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد، في حين نزح 7.8 مليون شخص داخل الكونغو الديمقراطية، من بينهم 3.8 مليون في إقليمي كيفو وحدهما، كما أدى العنف إلى إغلاق آلاف المدارس وتدميرها أو تحويلها إلى ملاجئ طارئة، ما حرم أكثر من 1.6 مليون طفل من حقهم في التعليم.
هروب مجرمين وتصاعد الفوضى الأمنية
من جهتها، أعربت بينتو كيتا، الممثلة الخاصة للأمين العام في الكونغو الديمقراطية ورئيسة بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام هناك، عن قلقها العميق إزاء عمليات اقتحام السجون في غوما وبوكافو ومناطق أخرى منذ يناير 2025، والتي تزامنت مع توسع نفوذ حركة "إم 23"، وذكرت أن "العديد من المجرمين الخطرين، ومنهم مدانون بجرائم دولية، أصبحوا طلقاء"، ما يهدد بمزيد من العنف والفوضى.
كما نبهت كيتا إلى أن الأطفال يتحملون العبء الأكبر للنزاع، مشيرة إلى ارتفاع الانتهاكات الجسيمة بحق الأطفال بنسبة 137% في فبراير وحده.
دعوات للمحاسبة الدولية
طالبت كيتا مجلس حقوق الإنسان بتذكير "جميع المسؤولين عن استمرار معاناة المدنيين بأنهم سيخضعون للمساءلة أمام المؤسسات القضائية المحلية والدولية"، وأكدت أن الوضع الإنساني في شرق الكونغو الديمقراطية لا يزال "حرجًا للغاية"، حيث تتسبب هجمات "إم 23" المدعومة من رواندا في موجات نزوح جديدة.
وأشارت إلى أن العائلات النازحة تُجبر على العودة إلى مناطقها دون توفر الأمن أو الخدمات الأساسية، مما يزيد من تعقيد الأزمة. كما شددت على أن استمرار إغلاق مطاري غوما وكافومو يعرقل جهود الإغاثة، مما يستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا لإنهاء هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة.
يذكر أنه لا تقتصر التحديات الأمنية في الكونغو الديمقراطية على حركة "إم23"، إذ تنشط في شرق البلاد أكثر من 120 ميليشيا مسلحة منذ نحو ثلاثة عقود، من بينها "القوات الديمقراطية المتحالفة" التي يتبناها تنظيم داعش فرعًا له في وسط إفريقيا.
ورغم العمليات العسكرية المشتركة التي ينفذها الجيش الكونغولي بالتعاون مع أوغندا منذ عام 2021، لم تتمكن هذه الجهود من وقف العنف المستمر أو منع المجازر التي ترتكبها الجماعات المسلحة.
تجدر الإشارة إلى أن الدورة الثامنة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف تُعقد في الفترة بين 24 فبراير و4 أبريل 2025، ويقدم خلالها المقررون الخاصون والخبراء تقاريرهم إلى المجلس، كما تُعقد فعاليات وجلسات حوار تفاعلية حول عدد من أهم القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان.