الحقوقي بوبكر لاركو: حرية التعبير في المغرب مكفولة بالدستور مقيّدة بالقانون (حوار)

الحقوقي بوبكر لاركو: حرية التعبير في المغرب مكفولة بالدستور مقيّدة بالقانون (حوار)
الحقوقي المغربي بوبكر لاركو

يترقب المغاربة إصدار القانون الجنائي الجديد ومدونة الأسرة، لاستكمال نتائج حركة 20 فبراير التي أثمرت دستور 2011 المعروف بدستور حقوق الإنسان في المغرب، في وقت تواجه البلاد موجة قاسية من التغيرات المناخية أثرت على قدرة الدولة على إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وينتج عن تأخر إصدار هذه التشريعات المهمة هدر الزمن التشريعي، وكذلك تعطيل عديد الحقوق الدستورية في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، وحرية التعبير التي تخضع لرؤية القضاة الذين ينظرون قضايا الناشطين والناشطات من هذا النوع.

وتسيطر على نقاشات الوسط الحقوقي والسياسي مسائل شديدة الأهمية تتعلق بحقوق النساء في ما يتعلق بحضانة الطفل وحق المرأة في الإجهاض، في وقت تتعرض المرأة للوصم والتعنيف الأسري أو حتى السجن إذا أقدمت على التخلص من الجنين حال حدوث الحمل خارج إطار الزواج.

وفي حوار مع «جسور بوست» سلط رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان السابق، عضو مجلس أمناء المنظمة العربية لحقوق الإنسان، الحقوقي المغربي البارز بوبكر لاركو، الضوء على أبرز القضايا التي تشغل الوسط الحقوقي المغربي والتشريعات المرتقبة للنهوض بحالة حقوق الإنسان ومواءمة التشريعات الوطنية مع التزامات المغرب الدولية.

وإلى نص الحوار…

لماذا تأخر إصدار القانون الجنائي الجديد في المغرب؟

عندما تم وضع أول قانون جنائي في المغرب سنة 1962 نجده قد أخذ بعين الاعتبار السياق والمناخ الذي تميز بالصراع السياسي، أما اليوم فعلى العكس من ذلك، عرف المغرب انفراجا سياسيا جوهريا تمثل في التطور الديمقراطي ومصادقة المملكة على أغلبية العهود والاتفاقيات الدولية وبعض البروتوكولات المرتبطة بها، إلى جانب مصادقة أغلب المغاربة على الدستور الجديد سنة 2011 الذي يسميه البعض "دستور حقوق الإنسان" بعد تضمينه لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة الدستورية والسياسية التي خلص إليها تقريرها الختامي، وكذا بعض مطالب حركة 20 فبراير، ما حتم ضرورة وضع قانون جنائي يتماشى مع هذه المستجدات المهمة في تاريخ بلادنا.

هكذا وضعت مسودة القانون خلال حكومة حزب العدالة والتنمية وهو ما أثار نقاشا عموميا واسعا، ساهم فيه الحقوقيون بقوة (قدمت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، التي كنت أترأسها، مذكرة في هذا الخصوص خلال شهر مايو 2015) إلا أن مشروع المسودة بقي ما بين رئاسة الحكومة وأمانتها العامة، لتأتي الحكومة الحالية وتدرج هذا القانون ضمن برنامجها الحكومي الذي لم يُطرح بعد للنقاش العمومي.

وكيف يؤثر هذا التأخير على منظومة العدالة المغربية؟

هذا التأخير فيه هدر للزمن التشريعي حيث طال لأكثر من عقد من الزمن، وتعطيل لملاءمة القانون الوطني مع الالتزامات الدولية للمغرب التي تنص عليها العهود والاتفاقيات والبروتوكولات الدولية والإقليمية التي صادق عليها المغرب وذات الصلة بحقوق الإنسان، وكذا للمقتضيات الدستورية التي نعتبرها جد متقدمة وتتماشى مع التزامات المغرب الدولية المشار اليها، وتبخيس للمكتسبات الحقوقية التي راكمها المغرب وكذا التطور الذي عرفه المجتمع المغربي، وعرقلة لبناء دولة الحق، لكون القانون الجنائي وسيلة مهمة التي يمكن أن يقاس بها حكم القانون واحترام حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية لأنه من أسس ضمان مجتمع ينعم فيه المواطنون والمواطنات بالطمأنينة وعلى سلامته البدنية والنفسية والمادية.

كما أن هذا التأخير يعرقل التنمية؛ إذ بدون وجود قضاء عادل وضامن لمناخ الأعمال عبر قوانين عادلة وشفافة فهذا الشيء لا يعزز الانفتاح الاستراتيجي الذي بدأته بلادنا عبر الاتفاقيات التجارية والاقتصادية مع مجموعة من التكتلات كالوضع المتقدم مع الاتحاد الأوروبي والشراكة مع الدول الإفريقية التي تتميز بمبدأ رابح- رابح، ومع الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية والصين وبريطانيا والهند.

وعلى العموم، أي تأخير في إقرار قانون جنائي ستكون له انعكاسات على حقوق الأفراد والجماعات والحق بالتمتع بالكرامة الإنسانية والحق في التنمية الذي يتضمن جميع الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والتنموية.

ومتى تتوقعون الانتهاء من إصدار مدونة الأسرة؟

هناك لجنة مكلفة بمراجعة مدونة الأسرة في 26 سبتمبر 2023 بقرار ملكي، انتهجت في مقاربة اشتغالها إشراك المواطنات والمواطنين في إصلاح مدونة الأسرة عبر التنظيمات الحزبية والنقابية والمجتمع المدني، إلى جانب كل من له مصلحة بالموضوع، وقد تمت هذه المقاربة عبر عقد جلسات استماع واستقبال مذكرات وآراء هذه الهيئات لنحو ثلاثة أشهر.

بعد صياغتها لمسودة المشروع قٌدِم للمجلس العلمي الأعلى من أجل تقديم الرأي الشرعي بخصوص هذه الإصلاحات وبعد أكثر من سنة من تكوين اللجنة المكلفة قَدَّم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية حصيلة الرأي الشرعي بتاريخ 23 ديسمبر 2024 ليعطي الملك أمره بضرورة التفكير واعتماد الاجتهاد البناء في موضوع الإصلاح الذي يستلزم الأخذ بعين الاعتبار التطورات المجتمعية التي يعرفها المغرب والتزاماته الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان ومتطلبات الأسرة حاليا، وكذا مكتسبات المرأة المغربية في جميع الميادين التعليمية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وذلك بعد مرور أكثر من عقدين من إصلاح المدونة، وذلك قبل تقديم مشروع القانون من طرف الحكومة للهيئة التشريعية، البرلمان، لمناقشته والمصادقة عليه، والكرة الآن بين يدي الحكومة والمجلس الأعلى للتدقيق في الإصلاحات التي فاق عدد المرتبط بالشريعة المئة إصلاح، ونتمنى ألّا يأخذ ذلك الكثير من الوقت.

وإلى أي مدى تتواءم مسودة مشروع مدونة الأسرة خصوصا ما أثير من المعارضين لها حول الولاية القانونية للمرأة وإسقاط حضانتها لأطفالها حال الزواج مع التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان؟

 ما أثير حول الولاية الشرعية والحضانة عكس ما ذهب إليه سؤالك، إذ إن المجلس العلمي الأعلى حسم رأيه الشرعي في هاتين القضيتين حيث إنه أجاز أن تكون، النيابة الشرعية مشتركة بين الزوجين، والحضانة للمطلقة إذا تزوجت، وهذا إنصاف مهم ناضلت المرأة المغربية عبر الحركة النسائية والحركة الحقوقية من أجله منذ عدة عقود، وهو بذلك يعتبر خطوة مهمة لإقرار المساواة بين الرجل والمرأة داخل القانون وأمام القضاء.

وما رأيك في تجريم الإجهاض للنساء المغربيات؟

أنا ضد تجريم التوقيف الإرادي للحمل وكل ما هو مرتبط به وأؤكد ضرورة احترام حق المرأة في الاختيار والتقرير بشأن حملها دون عنف أو إكراه خاصة خلال 21 أسبوعا الأولى من الحمل، وإقرار حق المرأة الحامل نتيجة اغتصاب أو تغرير أو علاقة جنسية بمحرم في اللجوء إلى توقيف الحمل، وكذلك إقرار الحق في اللجوء إلى التوقيف في حالة وجود تشوهات في الجنين، وإعمال وإحقاق مبدأ حرية التصرف في الجسد كحرية فردية لكونها لا تلحق أي ضرر بالمجتمع، وأنه لا عقاب على التوقيف الإرادي للحمل إذا استوجبته ضرورة المحافظة على صحة الحامل الجسدية أو العقلية أو الاجتماعية شريطة أن يقوم به طبيب مستشفى عمومي أو مصحة خاصة.

وأؤكد أيضا حق الطفل المولود خارج إطار العلاقة الزوجية في العيش الكريم والصحة الجيدة والتعليم والسكن الملائم، أسوة بأقرانه كلما تم الكشف عن الأب البيولوجي عن طريق الحمض النووي، وعلى أن يكون كل ذلك على حساب هذا الأب إلى حدود 18 سنة بالنسبة للذكر وإلى 23 سنة بالنسبة للأنثى أو حتى تتزوج ومدى الحياة إذا كان طفلا في وضعية إعاقة.

وتأتي هذه المواقف ورؤيتي لها انطلاقا من عدة اعتبارات، منها أن هناك إقرارا بأن آلاف الأطفال يولدون خارج إطار الزواج كل عام، وعدد الأمهات العازبات يزداد سنة بعد أخرى، ومئات الأطفال يلقون في حاويات القمامة والشوارع والغابات، وارتفاع عدد النساء الحاملات اللواتي يوقفن حملهن بطرق تقليدية، ما يعرض بعضهن للموت والانعكاسات الصحية السلبية، وعدد من النساء الحاملات يوقفن حملهن في مصحات وعيادات خاصة ليسرهن أو يسر رفاقهن، وارتفاع عدد النساء الحاملات اللواتي يوقفن حملهن خارج الوطن في دول مسموح فيها بالإجهاض وتفاديا لعقوبات القانون الجنائي المغربي، وارتفاع عدد القضايا المعروضة على المحاكم بسبب الفساد المرتبطة بالعلاقات الجنسية، وارتفاع عدد النساء المعتقلات بسبب العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج.

وهنا نقطة أخرى، فالحمل يتحدد انطلاقا من عدة نقاط تشمل: الحمل غير المخطط له، والحمل غير المعترف به اجتماعيا ودينيا، والتنكر من طرف الشريك، والمتعة العابرة، والحاجة المادية، وزنا المحارم، والاغتصاب، والعلاقات الرضائية.

كما نجد أن الخيارات المتوفرة أمام المرأة تتمثل في التوقيف الإرادي للحمل إذا وجدت الإمكانيات، أو الحمل والولادة ثم التخلي عن الطفل، أو الانتحار، أو السجن، أو العيش داخل الأسرة تحت التعنيف.

وكل هذه الأمور تؤدي لنتائج كارثية، ويتم إلقاء المسؤولية أولا وأخيرا على المرأة، والمجتمع لا يرحم، والمرأة إذا دخلت السجن لا تعود إلى البيت، وهذا تشجيع غير مباشر للدعارة، والفئات الفقيرة من النساء هن الأكثر عرضة للتشرد.

ما الذي تغير في المغرب بعد حركة 20 فبراير على صعيد حقوق الإنسان؟

من أهم التغييرات التي جاءت بعد حركة 20 فبراير في المغرب الدستور الجديد 2011 الذي نص على سمو العهود والاتفاقيات الدولية وبروتوكولاتها المرتبطة بحقوق الإنسان المصادق عليها من طرف المغرب على القوانين الوطنية من جهة، ومن جهة أخرى النص على المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعلى مبدأ المناصفة، وتجريم التعذيب والجرائم ضد الإنسانية والابادة الجماعية وجرائم الحرب، وكل الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان والاختفاء القسري.

والحق في الحياة وحماية الحياة الخاصة وحرية التنقل والفكر والرأي والتعبير والإبداع والنشر والحق في المعلومة وحرية الصحافة والإعلام وحريات الاجتماع والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات والحق في المشاركة السياسية كلها مكتسبات.

كما نص الدستور على سعي الدولة والمؤسسات العمومية لإحقاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة.. إلى جانب النص على الواجبات التي تقع على عاتق المواطنين والمواطنات، وفصل السلطات والمحاكمة العادلة.

هل تحققت كل هذه النصوص الدستورية؟

الدستور نص على إعادة النظر في القوانين التنظيمية للمؤسسات الوطنية ذات العلاقة بحقوق الإنسان ومجموعة من القوانين التنظيمية ذات العلاقة بحقوق الإنسان، وتم تحديد الولاية الأولى للحكومة التي جاءت مباشرة بعد المصادقة الشعبية على الدستور، إلا أنه لم يتسنَ لها أن تقوم بكل ذلك خلال تلك الولاية لتتأخر عملية ملاءمة المقتضيات الدستورية مع القوانين الوطنية، وقد تمت المصادقة على اتفاقية حماية الأشخاص من الاختفاء القسري، والآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، ومصادقة البرلمان على العديد من القوانين التنظيمية كالقانون التنظيمي الخاص بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي أسندت له كلا من الآلية الوطنية لحماية حقوق الطفل وآلية حماية الأشخاص في وضعية إعاقة والآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، إلى جانب الهيئة الوطنية لمكافحة جميع أشكال التمييز ضد المرأة والهيئة الوطنية لمحاربة الرشوة والقانون التنظيمي للصحافة، وإصلاح القضاء والقوانين المنظمة لمشاركة المواطنين.

كما أعدت الحكومة الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان إلا أنه لم تُفعَّل إلى حد الآن، ومن جهة ثانية لم تتم بعد عملية ملاءمة القوانين المرتبطة بالحريات العامة من حرية التعبير والرأي وحرية التجمع والتظاهر السلميين، وكذا بعض القوانين التنظيمية ذات الصلة كالمجلس الوطني للشباب، والتأخير الحاصل في تغيير المدونة الجنائية من قانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي… ما يؤثر سلبا على تمتع المواطنين والمواطنات بكل الحقوق والحريات. 

كيف أثرت التغيرات المناخية التي يعاني منها المغرب على إعمال حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية؟

عرفت بعض المناطق في المغرب، خاصة في الوسط الشرقي، والشرق على العموم، دوام الجفاف لنحو عقد من الزمن، وهو ما أصبح يهدد العديد من الواحات بالانقراض، وقد أثر ذلك على المياه الجوفية التي استنزفت من بعض الفلاحين في إنتاج البطيخ الأحمر مثلا، ومن جهة ثانية، تقلص قطيع الأغنام والماعز في هذه المناطق، وكذا توجهت قطعان الإبل من الجنوب نحو الشمال، ما أدى إلى عدة إشكاليات تخص النزاعات على المراعي، وتهديد الفلاحة في بعض المناطق، خاصة في منطقة سوس، كما انعكس ذلك أيضا على زحف الهجرة القروية نحو المراكز الحضرية من مدن صغرى ومتوسطة، ما زاد من عدد العاطلات والعاطلين.

وقد عمت تأثيرات التغيرات المناخية أغلب مناطق البلاد خلال السنوات الأربع الأخيرة، ما أدى إلى تقلص المساحة المزروعة وشح المياه الصالحة للفلاحة، وحتى للشرب، رغم توجه المغرب الأخضر نحو إنتاج المنتوجات التسويقية الموجهة نحو التصدير، إذ ساهمت في استنزاف خطير للمياه الجوفية والسطحية وتقلص حجم كميات المياه المخزنة في السدود.

وكان لكل ذلك انعكاسات على الميزان التجاري المغربي، وكذا على الناتج الوطني الخام، ما أرهق ميزانية الدولة، إذ زادت قيمة وكميات الواردات المرتبطة بالغذاء، كما تأثرت المدن من الهجرة القروية، وبالتالي تأثر دخل الكثير من الأسر، بل حتى انعدامه في بعض المناطق.

ما رأيك في تعامل الحكومة مع هذه المسألة؟ 

تحاول الحكومة تقليص هذه الآثار الكارثية بنهج سياسة جديدة تتمثل في ربط السدود في ما بينها، وعلى سبيل المثال (الطريق السيار المائي) الذي بدأ في ربط المناطق الأكثر مطرا بالمناطق الأقل، وتشييد محطات ضخمة لتحلية مياه البحر، حيث بدأ بعضها ينتج المياه الصالحة للشرب والزراعة، كما هي الحال في سوس والحسيمة والعيون، وهناك مشاريع كبرى أخرى خاصة في الدار البيضاء والداخلة.

كما تقوم الحكومة بتشغيل العديد من المواطنات والمواطنين في أشغال مؤقتة، وتطلق تمويل مشاريع صغرى ودعم الفلاح بتقليص أثمان الأعلاف ودعمه حتى تنخفض أسعار بعض المنتوجات ذات الاستهلاك الواسع، إذ عرفت بعض المنتوجات ارتفاعا مهما في أسعارها، وقد ساعد على تخفيف هذه المعاناة نهج الدعم المباشر للأسر التي لا دخل لها وكذا العاطلات والعاطلين عن العمل.

ويبقى الإشكال قائما إلى حين تعزيز وترسيخ الحماية الاجتماعية التي تصون كرامة المواطنين والمواطنات.

وخلال العامين الماضيين استفادت بعض المناطق من تساقطات مهمة للأمطار، ما أعاد الروح لأغلب الواحات والمياه الجوفية، كما أن باقي أراضي المغرب عرفت تساقطات مهمة خلال شهري فبراير ومارس الماضي، ما أنعش السدود وكذا المياه الجوفية، لكن يبقى خطر الجفاف قائما باستمرار.

ما تقييمك لوضعية حرية الرأي والتعبير في المملكة المغربية؟

ينص الدستور المغربي لسنة 2011 في الفصل 25 على أن حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها، وحرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الإبداع الأدبي والفني والبحث العلمي والتقني مضمونة.

وفي الفصل 28 ينص الدستور على أن الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، وكذلك للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء بكل حرية ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة.

وفي الفصل 29 ينص الدستور على حرية الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات.

إلا أن هذه الحريات ليست مطلقة كما هو الحال في الكثير من الدول الغربية حماية للأمن العام والأمن القومي وحماية حقوق الآخرين، والقانون المغربي يمنع المس بالدين والملك والوحدة الترابية إلى جانب التحريض على الكراهية والتشهير والقذف، وفي مثل هذه القضايا يبقى المجال فضفاضا، وأركان الجرم أو الانتهاك جد واسع، خاصة أن الكثير من المدونات والمدونين والمواطنات والمواطنون يعتبرون حرية التعبير مطلقة، ولهم مطلق الحرية في ما يعبرون عنه، ما يؤدي إلى اصطدامهم بالقانون، والمغرب ليس بعيدا عن باقي الدول، لأن القاضي إنسان يمكن أن يصيب أو يخطئ أو يشدد أو يتسامح، ما يؤدي إلى بعض المحاكمات أو الاعتقالات غير المنصفة، وهي محدودة تمس بعض النشطاء الحقوقيين والمعارضين مع هامش الحريات التي تعيشها بلادنا.

وتبقى حرية التجمع والتجمهر والتظاهر حبيسة القانون الساري، والذي لم يتم تغييره منذ بداية القرن الحالي، ما يحد من حرية تعبير المنظمات المدنية والحقوقية أساسا.

إذا ابتعدنا قليلا عن الشأن المغربي.. كيف يؤثر انسحاب أمريكا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على منظومة حقوق الإنسان الدولية؟

كانت الولايات المتحدة الأمريكية رقماً وازناً بالنسبة لمنظومة حقوق الإنسان -خاصة عندما يحكمها الحزب الديمقراطي– سواء من الناحية المعنوية ومناصرة حقوق الإنسان أو من الناحية المادية، وبانسحابها من مجلس حقوق الإنسان كقائدة للعالم الغربي وأمام ازدياد الحكومات اليمينية في هذا العالم الغربي سيتقلص دور هذا المجلس وتأثيره ومصداقيته، ما سيشكل تحديات كبرى للذين يؤمنون بحقوق الإنسان وتشبعوا بثقافتها، ويزيد في دفع الدول الاستبدادية إلى قمع شعوبها دون رادع، وأيضا إلى استخدام القوة في السيطرة على العالم من طرف القوى الكبرى، وأساسا الولايات المتحدة من خلال موقفها من غزة وغرينلاند، بل وحتى كندا، وخيرات أوكرانيا، كما أن انسحابها والحد من دعمها المادي للكثير من هيئات الأمم المتحدة سيؤثر على تقديم خدمات هذه الأخيرة، ولعل أول هذه الهيئات المتضررة هي المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التي بدأت بتقليص موظفيها واعتماداتها الموجهة للاجئين وطالبي اللجوء.

وكيف ترى ازدواجية معايير الدول الغربية تجاه الإبادة الجماعية في غزة مقارنة بالحالة الأوكرانية؟

أولا، لا مقارنة بين ما يجري في غزة والضفة الغربية في فلسطين وما يجري في أوكرانيا؛ لأن الغرب لا يوفر المعطيات الواقعية بخصوص أوكرانيا من أجل تأليب رأيه العام ضد روسيا، وهذا ما سجلناه لما كان نظام أوكرانيا يقوم بتصفية وتهجير السكان الموالين لروسيا منذ أكثر من عقد من الزمن، والإعلام الغربي حاليا لا ينقل بموضوعية ما يجري في فلسطين من إبادة جماعية وضرب القانون الدولي الإنساني عرض الحائط، وتزويد القوات الصهيونية بالعتاد والتقنية والخبرات والمعلومات الاستخبارية  للقيام بالانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الشعب الفلسطيني، وهي التي خلقت هذا الكيان الصهيوني، كتعويض للهولوكوست المُجَرَّم إنكاره في فرنسا وألمانيا.

وأصبح القانون الدولي الإنساني الذي عمر طويلا قاب قوسين أو أدنى من التحلل، وكذا منظومة حقوق الإنسان، إذا لم يقف الرأي العام الدولي وشعوب العالم لوقف هذا الهولوكوست الجديد الذي ينقل جزء من صوره عبر وسائل الاتصال الاجتماعي المقيدة أصلا من نقله لباقي شعوب العالم بالصوت والصورة، وهنا يطرح سؤال كبير على كل الدول التي تبنت هذه القوانين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان: إلى متى هذا التواطؤ المكشوف ضد الشعب الفلسطيني؟ أهو تكرار لما حدث في العراق وأفغانستان وغيرها من تقتيل وحصار وتجويع؟ ألا تخاف من نفس المصير إذا تركت الأقوى هو الذي يسود في العالم وكأن قانون الغاب هو الذي سيرجع بعد كل ما حققته الحضارة الإنسانية من تطور وتقدم؟

في تقديرك.. هل تشجع حالة الإفلات من العقاب في جرائم الحرب المرتكبة في غزة على مزيد من جرائم الحرب في أماكن أخرى بالعالم؟

موقف تهديد الولايات المتحدة الأمريكية لقضاة المحكمة الجنائية الدولية واستهتار حكام إسرائيل بقراراتها بل وانسحاب بعض الدول منها بسبب زيارة نتنياهو لها يجعل الأمر أكثر استغرابا، كما تمت الإشارة إلى ذلك أعلاه من إفلات زمام الأمور نتيجة الإفلات من العقاب إزاء الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة، وتصبح بذلك لغة القوة هي المسيطرة على العلاقات الدولية والرجوع إلى عصر الاستعمار للشعوب واستعبادها وضرب عرض الحائط ميثاق الأمم المتحدة وهيئاتها وقراراتها والمنظومة الحقوقية برمتها، وكذا القانون الدولي الإنساني، وهذا ما سيسود من طرف كل دولة ترى أن بإمكانها الاعتداء على هذه الدولة أو تلك.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية