«نيويورك تايمز»: تشديد القيود على الطلاب الأجانب في أستراليا
«نيويورك تايمز»: تشديد القيود على الطلاب الأجانب في أستراليا
تعهد الحزبان الرئيسيان في أستراليا بإجراء تخفيضات كبيرة في أعداد الأجانب المسموح لهم بالدراسة، سعياً لكبح جماح أسعار المساكن التي شهدت ارتفاعًا حادًا خلال السنوات الماضية.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، اليوم الأحد، اتخذ السياسيون من هذه القضية أداة رئيسية لاستقطاب الناخبين، متذرعين بأن تقليص أعداد الطلاب الدوليين سيخفف من الضغط عن سوق الإيجارات ويُسهم في خفض أسعار المنازل.
واختار علي باجوا، الطالب الباكستاني الأصل، أستراليا قبل عشرة أعوام للحصول على درجة الدكتوراه في العلوم الزراعية، مدفوعًا بسمعة البحث العلمي المتقدم وتصنيف الجامعات المرتفع وحفاوة استقبال الطلاب الأجانب.
وصل السيد باجوا مع أسرته إلى أستراليا، ونال لاحقًا الجنسية، واستقر في بلدة واجا واجا الريفية، حيث عمل في الأبحاث الحكومية بمجال مكافحة الأعشاب الضارة، واستكمل مسيرته لاحقًا بالتدريس في جامعة لا تروب بمدينة ملبورن، وامتلك منزله الخاص، في قصة نجاح كانت شائعة حينها.
تشديد القيود على الطلاب
واجه الطلاب الطامحون للسير على خطى باجوا واقعًا جديدًا، مع إعلان الحكومة والمعارضة خططًا صارمة للحد من أعداد الطلاب الدوليين بهدف التصدي لأزمة السكن، حيث سعت حكومة رئيس الوزراء أنتوني ألبانيز العام الماضي إلى وضع حد أقصى لأعداد الطلاب الدوليين، لكنها فشلت في تمرير التشريع.
واتجهت السلطات منذ ذلك الحين إلى رفع رسوم تأشيرات الطلاب وإبطاء إجراءات إصدارها، ما قلل من أعداد القادمين الجدد.
خطط المعارضة
تعهد زعيم المعارضة، بيتر داتون، بفرض قيود إضافية عبر خفض عدد الطلاب الدوليين بمقدار 30 ألف طالب، ليصل الحد السنوي إلى 240 ألف طالب، كما وعد بزيادة رسوم التأشيرات أكثر من ثلاثة أضعاف، لتصل إلى 5000 دولار أسترالي، أي نحو 3200 دولار أمريكي.
جاءت هذه الإجراءات وسط تصاعد المخاوف من ارتفاع الأسعار المرتبط بالطلب الكبير على المساكن المؤجرة.
وأدت القيود الصارمة التي فرضتها أستراليا على الحدود خلال جائحة كورونا إلى تراجع كبير في أعداد الطلاب الدوليين، وبادرت الحكومة لاحقًا إلى تسهيل عودتهم عبر تقديم حوافز مثل رفع قيود العمل مؤقتًا وخفض رسوم التأشيرات.
وأسهمت هذه السياسات في ارتفاع غير مسبوق في أعداد الطلاب بين عامي 2023 و2024، حيث تجاوز عدد المسجلين مليون طالب دولي لأول مرة في تاريخ البلاد.
تشبيه الطلاب بطالبي اللجوء
أثار بيتر داتون جدلاً واسعًا بتشبيهه الطلاب الدوليين الذين يسعون للبقاء في أستراليا بعد التخرج بـ"النسخة الحديثة من الوافدين بالقوارب"، في إشارة إلى اللاجئين وطالبي اللجوء، أظهرت تصريحاته تحولًا في الخطاب السياسي تجاه الطلاب الدوليين، الذين طالما اعتُبروا أحد أعمدة الاقتصاد الأسترالي.
واستفادت أستراليا تاريخيًا من الهجرة لدعم سوق العمل والمحافظة على تركيبة سكانية شابة، حيث وُلد نحو 30% من السكان في الخارج، وينتمي نصف السكان تقريبًا إلى عائلات مهاجرة، غير أن المزاج العام تغيّر مع تصاعد أزمات السكن، ما دفع الساسة إلى إعادة النظر في سياسات استقبال الأجانب، بما يشمل الطلاب الدوليين.
واتبعت دول أخرى مسارًا مشابهًا، حيث شددت الولايات المتحدة قيودها على تأشيرات الطلاب، وفرضت كندا قيودًا على تدفق الطلاب من الخارج، بينما أعلنت بريطانيا عن إجراءات تمنع استخدام تأشيرات الطلاب للعمل بعد التخرج.
وعكست هذه السياسات تحولًا عالميًا في النظرة إلى التعليم الدولي، باعتباره ميزة اقتصادية أكثر منه حقًا مضمونًا.
مصدر دخل رئيسي
واعتمدت الجامعات الأسترالية الكبرى طويلًا على الطلاب الدوليين، الذين يدفعون رسومًا دراسية أعلى بكثير من الطلاب المحليين، ما وفر مصدر دخل رئيسياً للمؤسسات الأكاديمية.
قال أستاذ سياسات التعليم بجامعة فيكتوريا، بيتر هيرلي، إن الطلاب الدوليين استُخدموا وسيلة لدعم الاقتصاد، شبيهًا بالترويج لصناعة الأغنام أو الصادرات الزراعية الأخرى.
وتزامن ارتفاع أعداد الطلاب الدوليين مع تصاعد أزمة السكن، حيث ارتفعت أسعار المنازل بنسبة 45% منذ عام 2020، وفقًا لبيانات رسمية، حيث احتلت سيدني المرتبة الثانية عالميًا بعد هونغ كونغ كأقل مدينة يمكن تحمل تكاليف السكن فيها في عام 2023، بناءً على مقارنة متوسط أسعار المنازل بمتوسط الدخل.
ولم تقتصر أزمة السكن على زيادة أعداد الطلاب الدوليين فقط، بل أسهمت فيها عوامل أخرى مثل نقص العمالة في قطاع البناء وارتفاع تكاليف الإنشاء والتحديات التنظيمية، غير أن الطلاب الأجانب، كونهم شريحة غير ناخبة، شكلوا هدفًا سهلًا للسياسيين الراغبين في تهدئة قلق الناخبين.
مناظرة انتخابية
طرح قلق الإسكان خلال أول مناظرة انتخابية بين رئيس الوزراء ألبانيز وزعيم المعارضة داتون، سألت جانين، سيدة تبلغ من العمر 74 عامًا، عن تأثير الطلاب الدوليين في فرص امتلاك المساكن، متسائلة: "متى ستأتي حكومة تقول إن أستراليا للأستراليين؟".
من جانبه أكد أستاذ سياسات التعليم العالي في كلية موناش للأعمال، أندرو نورتون، أن الطلاب الدوليين يُسهمون في زيادة الطلب على السكن، لكنه أشار إلى أن الارتفاع الحاصل مؤخرًا يُعدّ ظاهرة مؤقتة ناجمة عن تراكم الطلب بسبب الجائحة، شدّد على أن فرض حدود جديدة لن يكون حلاً مستدامًا، بل يلزم إجراء إصلاح شامل في سياسات الهجرة والسكن.
وبيّن الخبراء أن الطلاب الدوليين عادةً ما يسكنون في شقق صغيرة قريبة من الجامعات، وهي ليست الفئة السكنية المطلوبة عادةً من قبل مشتري المنازل لأول مرة، ما يجعل إسهامهم في أزمة الإسكان معقداً ومركباً.
طلاب يدافعون عن إسهامهم الإيجابي
قال كليفورد سوريانا، طالب قانون وتجارة في جامعة سيدني وأحد طلاب إندونيسيا، إن الطلاب الأجانب يدعمون المجتمع الأسترالي بطرق كثيرة تتجاوز الرسوم الدراسية.
وأوضح أن معظم زملائه إما يرغبون في العمل في أستراليا بعد التخرج أو يسعون لاستخدام معارفهم المكتسبة لدعم بلدانهم الأصلية، ما يحقق فائدة متبادلة للجانبين.