من القرن الإفريقي إلى اليمن.. رحلات المهاجرين محفوفة بالغرق والقصف والطرد

من القرن الإفريقي إلى اليمن.. رحلات المهاجرين محفوفة بالغرق والقصف والطرد
مهاجرون أفارقة أمام سواحل اليمن

قُتل 68 شخصًا، بينهم عشرات المهاجرين الأفارقة، إثر غارة جوية أمريكية استهدفت مركز احتجاز في محافظة صعدة شمال اليمن، وفق ما أكدته منظمة "هيومن رايتس ووتش".

وفق تقرير نشرته وكالة "يورونيوز"، اليوم الأربعاء، وصفت المنظمة الحقوقية ما جرى بـ"جريمة حرب محتملة"، معتبرة أن الولايات المتحدة قد تكون متواطئة في هذه الانتهاكات، لا سيما أن الغارة الأخيرة استهدفت موقعًا معروفًا بأنه مخصص لاحتجاز مهاجرين فارين من أزمات إنسانية واقتصادية في بلدانهم.

اليمن محطة عبور دامية

تحوّلت اليمن خلال السنوات الماضية إلى إحدى أهم نقاط العبور في مسارات الهجرة غير الشرعية عالميًا، خاصة بالنسبة للمهاجرين من دول القرن الإفريقي، وعلى رأسها إثيوبيا.

ويقصد هؤلاء المهاجرون اليمن بهدف العبور إلى دول الخليج، أو كمحطة مؤقتة بعد نجاتهم من رحلة بحرية محفوفة بالموت.

ويعزز موقع اليمن الجغرافي، القريب من القرن الإفريقي والمطل على خليج عدن، من مكانته كبوابة جنوبيّة غربية للخليج. وبهذا أصبح ما يُعرف بـ"طريق الهجرة الشرقي" واحدًا من أخطر مسارات الهجرة حول العالم.

الغرق قبل الوصول

كشفت المنظمة الدولية للهجرة أن عام 2024 شهد ارتفاعًا غير مسبوق في عدد الوفيات على هذا الطريق، حيث لقي 337 مهاجرًا حتفهم غرقًا أثناء محاولتهم الوصول إلى الشواطئ اليمنية، ومن بين الحوادث المأساوية، أرغم مشغلو أحد القوارب مجموعة من المهاجرين على القفز في المياه العميقة، بعيدًا عن الساحل، ما أدى إلى غرق العشرات.

لم تنتهِ مآسي المهاجرين بعد الوصول إلى اليمن، إذ يواجه الناجون احتمالات الطرد القسري أو العنف من قبل المجموعات المسلحة المنتشرة على امتداد الساحل اليمني. 

ويقع كثيرون منهم ضحية للاحتجاز القسري، أو الاستغلال الجنسي والعمالي، في ظل غياب الحماية القانونية.

ورغم قصر المسافة البحرية بين القرن الإفريقي واليمن، والتي تستغرق بين 18 إلى 24 ساعة، وبتكلفة تصل إلى 200 دولار، فإن الأخطار التي تحفّ بها تفوق الوصف.

إثيوبيون في الصدارة

شهدت تركيبة المهاجرين المتدفقين إلى اليمن تغيرًا واضحًا، فبعدما شكّل الصوماليون الغالبية في تسعينيات القرن الماضي، بات الإثيوبيون يشكلون اليوم أكثر من 85% من المهاجرين غير النظاميين.

وفي أكتوبر 2024 وحده، سجلت المنظمة الدولية للهجرة وصول 6,350 مهاجرًا من القرن الإفريقي إلى اليمن، بزيادة قدرها 136% عن شهر سبتمبر، ليبلغ عدد المهاجرين الإجمالي في اليمن بين 200 و308 آلاف شخص.

سجّل مركز البيانات الإقليمي للمنظمة الدولية للهجرة نحو 446 ألف حركة عبور على امتداد الطريق الشرقي عام 2024، وكان لافتًا أن الأطفال شكّلوا 10% من هذا العدد، ما يعكس عمق المأساة التي تطول فئات هشّة من المجتمع.

خارطة المهاجرين

يتوزع المهاجرون بحسب وجهاتهم وخطوط عبورهم داخل اليمن: ففي تعز يتمركز القادمون من جيبوتي، في حين يتجه الصوماليون إلى محافظة شبوة. أمّا أولئك الذين ينوون دخول السعودية، فيتجمعون في محافظة صعدة، شمال البلاد.

وتلجأ السعودية إلى تشديد الإجراءات على حدودها الجنوبية، حيث قامت بإعادة نحو 300 ألف مهاجر إثيوبي بين عامي 2018 و2020، وفق دراسة نشرها مركز "فكرة" التابع لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

تُظهر بيانات المنظمة البحرية الدولية أن 48% من المهاجرين الأفارقة في اليمن بلا مأوى، و17% يعيشون في مساكن مؤقتة، في حين يعتمد 42% منهم على أعمال موسمية غير مستقرة، ويُحرم 35% من أي دخلٍ ثابت.

العودة المستحيلة

أمام هذه الظروف، يحاول البعض العودة إلى بلدانهم عبر القوارب نفسها التي حملتهم في البداية. وقد سجلت المنظمة الدولية للهجرة عودة أكثر من 3,500 مهاجر إلى بلدانهم، وهو رقم ضئيل مقارنة بحجم المأساة، ولا تزال المنظمة عاجزة عن تنظيم رحلات كافية للعودة الطوعية، في ظل ازدياد الطلب وتفاقم الأزمة.

تحوّلت اليمن منذ سنوات إلى نقطة محورية في مسار الهجرة من القرن الإفريقي إلى الخليج، بسبب موقعها الجغرافي، وسهولة الوصول إليها عبر البحر. 

ومع تصاعد الأزمات في إثيوبيا ودول أخرى، ارتفعت أعداد المهاجرين بشكل لافت، في حين استمر غياب الحلول السياسية والإنسانية المستدامة لهذه الظاهرة، وقد تفاقمت الانتهاكات بحق المهاجرين في ظل النزاع اليمني الداخلي، وتعدد الجهات المسيطرة، ما جعل من اليمن بيئة خطِرة لهؤلاء المهاجرين الباحثين عن حياة أفضل، ولكنهم غالبًا ما يصطدمون بالموت.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية