"الإيكونوميست": صفقات ترامب المؤقتة تُبقي الاقتصاد العالمي رهينة حرب تجارية مفتوحة

"الإيكونوميست": صفقات ترامب المؤقتة تُبقي الاقتصاد العالمي رهينة حرب تجارية مفتوحة
الولايات المتحدة والصين - أرشيف

اتّفقت الولايات المتحدة والصين، في 11 مايو، على خفض الرسوم الجمركية المتبادلة لفترة مؤقتة تمتد لتسعين يومًا، بهدف استئناف المحادثات التجارية، سارع المستثمرون إلى الترحيب بهذه الخطوة، وعدوها بارقة أمل في تخفيف التوترات.

ووفقًا لتقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست"، اليوم الخميس، بدا أن مستشاري الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من ذوي التوجهات المعتدلة نجحوا في كبح جماح التصعيد، في حين رأى آخرون هذا الاتفاق لا يعدو كونه تمهيدًا لعقد صفقات جديدة.

ومع ذلك، لا يمكن اعتبار هذا الاتفاق المؤقت انتصارًا للعقلانية، فالسياسات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم لا تزال تتسم بالتوتر الشديد، وتفتقر إلى الاستقرار، قد يكون الانهيار المفاجئ قد أُجّل، لكن تبعات هذه السياسات الحمائية ستستمر في التأثير على الاقتصاد العالمي.

تصاعد في الرسوم والتوترات

فُرضت على الصين رسوم جمركية شاملة بنسبة 10%، إلى جانب رسوم إضافية تبلغ 20% على بعض المنتجات، بحجة معاقبة بكين على تصدير الفنتانيل، خضعت السلع الرخيصة التي تُرسل مباشرة من الصين إلى المستهلكين الأمريكيين إلى تغييرات كبيرة، إذ أصبحت تُفرض عليها رسوم تصل إلى 54%، أو رسم ثابت قيمته 100 دولار.

وشملت الرسوم أيضًا واردات الصلب والألمنيوم والسيارات وقطع الغيار، مع خطط لفرض رسوم على الأدوية والمعادن الأساسية وأشباه الموصلات في المستقبل القريب.

وسعت واشنطن إلى الضغط على حلفائها لتقليص تعاملاتهم التجارية مع بكين، في خطوة تهدف إلى عزل الصين اقتصاديًا، لا يشير ذلك إلى عودة للوضع السابق، بل يعكس توجهًا أمريكيًا نحو فرض نظام تجاري أكثر انغلاقًا.

ارتفاع مستويات الحماية

بلغ متوسط الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات إلى الولايات المتحدة، بعد التعديلات، ما بين 15% و20%، أي ما يعادل نحو خمسة أضعاف ما كانت عليه في يناير، وهو أعلى مستوى منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

تُظهر إحدى القواعد الاقتصادية أن فرض رسوم بنسبة 30% على الصين كفيل بتقليص حجم التجارة بين البلدين على المدى الطويل بنسبة تصل إلى 50%.

ورغم أن الاقتصاد الأمريكي يتمتع بضخامة وتنوع يجعلانه أكثر قدرة على امتصاص الصدمات الجمركية، فإن هذه السياسات من المتوقع أن تخفّض من وتيرة النمو إلى النصف تقريبًا خلال العام الجاري، إضافة إلى ارتفاع مستويات التضخم. وفي المقابل، سيتأثر الاقتصاد الصيني بشكل أقل حدة، لكنه كان يواجه تباطؤًا بالفعل قبل هذه الإجراءات.

الضبابية تضعف الاستثمار

أثّر الغموض المحيط بالسياسات التجارية على قرارات الاستثمار، حيث أشارت شركات الشحن إلى أن الهدنة المؤقتة البالغة 90 يومًا قد توفر لها متنفسًا محدودًا للتخطيط، ولكن في ظل غياب رؤية واضحة طويلة الأجل، تجد الشركات صعوبة في توجيه استثماراتها نحو بناء سلاسل توريد جديدة أو توسيع القدرات التصنيعية داخل الولايات المتحدة.

وتخشى العديد من الشركات أن تُفاجأ برسوم جديدة أو قيود إضافية، ما يدفعها إلى تأجيل المشاريع أو إلغائها، يُعد هذا التردد في اتخاذ قرارات استثمارية استراتيجية من أبرز الآثار غير المباشرة للحرب التجارية، إذ يتجاوز تأثيره الآني تأثير الرسوم الجمركية نفسها.

اتفاقات مؤقتة دون ضمانات

شهدت فترة رئاسة ترامب الأولى إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) مع كندا والمكسيك، وسط صخب إعلامي كبير، لكنها انتهت بنسخة لا تختلف كثيرًا عن الاتفاقية الأصلية.

وأُبرم ما سُمي بـ"المرحلة الأولى" من الاتفاق التجاري مع الصين، الذي نصّ على التزام بكين بشراء مزيد من المنتجات الأمريكية، لكن هذه التعهدات لم تُنفذ بالكامل.

ولا تزال الاتفاقيات التجارية تحت إدارة ترامب تفتقر إلى الاستمرارية، وغالبًا ما تُفسَخ أو يُعاد التفاوض بشأنها من طرف واحد، تؤدي هذه النزعة إلى تقويض الثقة في قدرة الطرفين على الالتزام بالتعهدات، ما ينعكس سلبًا على استقرار العلاقات التجارية.

خطر العودة إلى التصعيد

رغم التفاؤل الحذر، لا يمكن استبعاد احتمال اندلاع جولة جديدة من النزاع التجاري، فالرئيس ترامب، الذي لا يزال أمامه 3 سنوات ونصف السنة في البيت الأبيض، يتمسك برؤيته التي تعد الرسوم الجمركية وسيلة لإعادة إحياء القطاع الصناعي الأمريكي، ويستند في ذلك إلى قلقه المستمر من العجز التجاري.

وتُشير خطط الجمهوريين في الكونغرس لزيادة الإنفاق الحكومي إلى احتمال اتساع العجز التجاري، ما قد يدفع ترامب إلى فرض مزيد من الرسوم كخطوة "تصحيحية"، من جهة أخرى، لم تُنفذ الصين معظم التزاماتها في الاتفاقيات السابقة، ما يُفاقم من مناخ الشك المتبادل بين الجانبين.

وطالما بقيت هذه العوامل قائمة، فإن خطر اندلاع حرب تجارية جديدة يظل واردًا في أي لحظة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية