خرق للمواثيق والأعراف الدولية.. استخدام الزي النسائي في عملية خان يونس يفضح انتهاكات إسرائيل
خرق للمواثيق والأعراف الدولية.. استخدام الزي النسائي في عملية خان يونس يفضح انتهاكات إسرائيل
نفذت قوة إسرائيلية من المستعربين في فجر يوم 19 مايو 2025، عملية سرية في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، ارتدت خلالها عناصرها أزياءً نسائية متخفية، لتتسلل إلى أحد المنازل وتغتال قياديًا بارزًا في ألوية الناصر، قبل أن تختطف عائلته تحت قصف جوي مكثف شنّه الطيران الإسرائيلي على المنطقة.
أثار هذا المشهد المأساوي جدلاً واسعًا حول استغلال صورة المرأة كأداة تمويه قتالية، وهو ما يتعارض بشكل صارخ مع المواثيق الدولية التي تحمي المدنيين وتحظر استغلال الرموز الإنسانية في النزاعات المسلحة.
ووفقًا لموقع “واللا” الإسرائيلي، أكّد مصدر عسكري أن العملية جرت دون وقوع أي إصابات بين صفوف القوات الإسرائيلية، مع الإشارة إلى غموض الأهداف الدقيقة للعملية، وأوضح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، عقب تنفيذ العملية، أن القوات الإسرائيلية مستمرة في “ذروة عملية عربات جدعون”، مع تحرك واسع في جميع أنحاء قطاع غزة، ما يضيف طبقة جديدة من التعقيد في المشهد الأمني المتصاعد في المنطقة.
ومع ذلك، تختلف روايات شهود العيان من داخل خان يونس، حيث وصفوا تفاصيل أكثر دقة ومأساوية للعملية، مؤكّدين أن القوة الخاصة تسللت متنكرة بالزي النسائي، واستقلت مركبة مدنية، ثم اقتحمت منزلًا في قلب المدينة وراح ضحية هذه العملية إعدام رب الأسرة، بينما تم اختطاف زوجته وأطفاله، الذين لم يسلموا من بطش القوة العسكرية، حيث قُتل طفل آخر خلال انسحاب القوات.
تزامنت هذه العملية مع حملة مكثفة من الغارات الجوية الإسرائيلية التي استمرت لأكثر من 40 دقيقة، نفذتها الطائرات الحربية، مدعومة بإطلاق نار كثيف من الطائرات المروحية والدبابات، بهدف تأمين انسحاب القوة الخاصة أسفرت هذه الغارات عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى من المدنيين، ما يسلط الضوء على الأثر الإنساني البالغ الذي خلفته العملية.
استغلال النساء كدرع بشرية أو كوسائل تمويه عسكرية
في هذا السياق، يطرح استغلال الزي النسائي كتمويه في عمليات عسكرية تساؤلات قانونية وأخلاقية جوهرية، خاصةً أن هذا الأسلوب يستغل صورة المرأة التي تحظى بحماية دولية واضحة في القوانين والمواثيق الخاصة بحماية المدنيين في النزاعات المسلحة، مثل اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية إن تحوّل رموز إنسانية مثل المرأة إلى أدوات حرب، لا يشكل فقط خرقًا صارخًا لهذه المواثيق، بل يعزز من أخطار استهداف النساء في الميادين والمناطق القتالية، ويزيد من معاناة المدنيين الأبرياء.
المنظمات الدولية الحقوقية، مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، دقت ناقوس الخطر مرارًا بشأن استخدام تكتيكات التمويه التي تنتهك القواعد الأساسية للحرب، خصوصًا تلك التي تستغل النساء كدرع بشرية أو كوسائل تمويه عسكرية، في تقارير سابقة، وثقت هذه الهيئات حالات مشابهة اعتُبرت خرقًا لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، مطالبين بوقف هذه الممارسات فورًا ومحاسبة المسؤولين عنها.
في قطاع غزة، يتفاقم التوتر جراء تصاعد وتيرة العمليات العسكرية الإسرائيلية، التي ترافقها ردود فعل متبادلة من الفصائل الفلسطينية، ما يخلق دوامة عنف لا تنتهي، يعاني منها بشكل مباشر النساء والأطفال والمسنون.
وفقًا للأمم المتحدة، سجلت وزارة الصحة في غزة منذ بداية عام 2025 أكثر من 2500 شهيد و8500 جريح في سلسلة من التصعيدات المتكررة، نصفهم تقريبًا من النساء والأطفال، ما يعكس الأثر المروع لهذه النزاعات على المجتمع المدني.
يأتي استخدام الزي النسائي في عمليات التسلل كتكتيك ميداني يثير تساؤلات كبيرة حول المسائل الأخلاقية والإنسانية، إذ يربك الخطوط الفاصلة بين المدنيين والمقاتلين، ويهدد بتوسيع دائرة العنف، إذ قد يدفع الخصم إلى التعامل بوحشية كبرى مع النساء في ميادين القتال، تخوفًا من التمويه والاستغلال. هذا الأمر يفاقم من معاناة النساء الفلسطينيات اللواتي يعانين أصلاً من الحصار والقيود المفروضة على حركتهن وحقوقهن.
المواد القانونية التي تنظم استخدام وسائل التمويه في النزاعات المسلحة واضحة وصارمة، حيث تنص المادة 37 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف على حظر التمويه الذي يستخدم رموزًا محمية، مثل الأعلام الوطنية أو الرموز الدينية، فيما تعد استخدام الملابس المدنية أو مظهر المدنيين لتجنب الاستهداف من أشكال الخداع غير المقبولة دوليًا، ويتفق فقهاء القانون الدولي على أن استغلال الزي النسائي بهذه الطريقة يرقى إلى انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي، ما يستوجب تحقيقًا جديًا ومحاسبة قانونية.
معاناة المدنيين
وتظهر أبعاد نفسية واجتماعية معقدة لهذه التكتيكات، فاستغلال صورة المرأة في النزاع المسلح لا يمس فقط النساء أنفسهن، بل يلحق أضرارًا نفسية عميقة بالمجتمع ككل، إذ يخلق حالة من الخوف والريبة والتوتر بين المدنيين، خصوصًا النساء اللواتي يشعرن بالتهديد المتزايد نتيجة هذا الاستهداف غير المعلن.
وتشير تقارير صادرة عن منظمات طبية دولية إلى أن عمليات القصف والغارات التي ترافقت مع انسحاب القوات الخاصة الإسرائيلية في خان يونس أدت إلى نزوح جماعي لعشرات العائلات، تزايدت معه حالات العجز الطبي والاحتياجات الإنسانية الطارئة، وسط نقص حاد في المستلزمات الطبية والغذائية، ما يزيد من معاناة المدنيين بشكل غير مسبوق.
في ضوء ذلك، لا يمكن الفصل بين العمليات العسكرية وتداعياتها على المدنيين، إذ تتشابك الخروقات القانونية مع الانتهاكات الحقوقية والإنسانية، ما يستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا لوضع حد لممارسات استغلال المرأة في النزاع واستخدامها كأداة تمويه، وكذلك لمحاسبة الجهات المسؤولة عن التدمير والقتل.
هذا كله يتزامن مع دعوات متزايدة من منظمات حقوقية عربية ودولية إلى توسيع نطاق مراقبة العمليات العسكرية وتوثيق انتهاكات القانون الدولي الإنساني في قطاع غزة، وذلك عبر آليات دولية مستقلة، لتوفير الحماية للمدنيين وضمان تقديم الجناة إلى العدالة، كما تطالب هذه الجهات بفرض عقوبات صارمة على الأطراف التي تستخدم المدنيين دروعاً بشرية أو تستغل صورهم في النزاعات.
على مستوى الرأي العام، أثارت العملية ردود فعل غاضبة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت تعليقات تسلط الضوء على ما وصفوه بـ“توظيف صورة المرأة بطريقة مرفوضة وأخلاقياً غير مقبولة”، في حين دعا آخرون إلى ضرورة توثيق هذه الانتهاكات والمطالبة بحقوق الضحايا، مع التأكيد على ضرورة تعزيز الوعي القانوني والإنساني حول محاربة استغلال النساء في النزاعات.
خبراء: خرق متعدد للقانون الإنساني
أدان محللون سياسيون وخبراء قانونيون دوليون العملية الإسرائيلية التي نُفذت في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، مؤكدين أنها تشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، لا سيّما بعد الكشف عن أن وحدة إسرائيلية خاصة نفذت التوغل متخفية بزي نسائي، في تكتيك وصفوه بـ"الخطِر والمخالف لكل الأعراف الدولية".
وقال المحلل السياسي الدولي عامر تمّام في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست" إن "ارتداء الجنود الإسرائيليين زيّ النساء" ليس مجرد تمويه ميداني، بل خرق قانوني وأخلاقي مزدوج، يشكّل خطرًا فعليًا على النساء في النزاعات، ويفتح الباب أمام أعمال انتقامية ضد الفئات المدنية المحمية، واعتبر أن هذا التصرف يقوّض رمزية الحماية الإنسانية للنساء والطواقم الطبية، وهو ما تحظره صراحةً اتفاقيات جنيف.
وأضاف تمّام أن سجل إسرائيل "مكتمل الأركان" في انتهاك حقوق الإنسان، من قتل الأطفال وخطف النساء إلى استخدام التجويع كسلاح جماعي، لافتًا إلى أن هذه الأفعال تُعدّ وفق المادة 8 من نظام روما الأساسي جرائم حرب قابلة للملاحقة أمام المحكمة الجنائية الدولية، مشيرًا إلى تحركات جادة من مؤسسات ومحامين لرفع دعاوى تستند إلى مبدأ "عدم تقادم الجرائم الدولية".
وفي السياق نفسه، قال المحلل السياسي الفلسطيني محمد العروقي لـ"جسور بوست" إن العملية الإسرائيلية في خان يونس "تعكس استخفافًا صريحًا بالقانون الدولي، لا سيّما ما يتعلق بحماية النساء في النزاعات"، واصفًا التكتيك المستخدم بأنه "جريمة موصوفة بموجب اتفاقيات جنيف"، ويتنافى مع المبادئ الأخلاقية التي تحكم الحروب.
وحذر العروقي من أن استمرار إسرائيل في هذا النهج يعمّق أزمة الثقة في القانون الدولي، ويشجع قوى أخرى حول العالم على تبني أساليب مماثلة تهدد أمن المدنيين وتشرعن الانتهاكات، مطالبًا المجتمع الدولي بتجاوز المواقف الرمادية والتحرك الفعلي لوقف تلك الجرائم.
وأضاف أن الأثر الإنساني لتلك العمليات يتجاوز نطاق الضربة المباشرة، مشيرًا إلى أن المدنيين في خان يونس، خصوصًا النساء والأطفال، يواجهون أوضاعًا مأسوية في ظل القصف المستمر، والعيش في خيام بلاستيكية غير مؤهلة للحماية من نيران الأسلحة المتطورة.
واختتم تمّام تصريحه برسالة قوية إلى المجتمع الدولي، مفادها أنّ "محاسبة إسرائيل على هذه الانتهاكات ليست قضية فلسطينية فقط، بل اختبار صارخ لمصداقية القانون الدولي ومنظومته القيمية"، مؤكدًا أن التغاضي عن هذه الخروق يفتح الباب أمام انهيار شامل للنظام القائم على حماية المدنيين.