نساء قبائل الهند يرسمن "خرائط الأحلام" لإنقاذ قراهن من تغير المناخ
نساء قبائل الهند يرسمن "خرائط الأحلام" لإنقاذ قراهن من تغير المناخ
في ولاية أوديشا شرق الهند، وتحديدًا في قرية نائية تسكنها قبيلة الباراجا، لا تزال مظاهر الاحتفال بموسم الحصاد حاضرة، حيث يصطاد القرويون الأسماك والثعابين لتحضير وجبات تقليدية، إيذانًا ببدء موسم جديد، لكن خلف هذه الطقوس، تختبئ مأساة بيئية تتفاقم عامًا بعد عام.
تقول سونيتا مودولي، وهي مزارعة من السكان الأصليين: "تأخرت الأمطار كثيراً هذا العام، وهذا دمّر محاصيلنا، أصبحنا نخشى كل موسم جديد بدلًا من أن نحتفل به" بحسب وكالة "أسوشيتدبرس".
منذ آلاف السنين، عاشت مجتمعات السكان الأصليين في أوديشا متناغمة مع الطبيعة، تعتمد على الزراعة، جمع الثمار، والغابات كمصدر للغذاء والدواء والهوية، لكن تغير المناخ، مع ما يسببه من جفاف واضطراب في الأمطار، بدأ ينسف أساس هذا النمط الحياتي.
النساء يقدن المبادرة
في مواجهة هذا الواقع القاتم، بادرت نساء من عشر قرى، بقيادة مودولي، إلى مشروع بيئي فريد حمل اسم "خرائط الأحلام"، وبمساعدة منظمة غير حكومية محلية، أجرين مسحًا بيئيًا دقيقًا لقراهن، ورصدن تقلص المساحات الخضراء والمناطق المشتركة بنسبة 25% مقارنة ببيانات تعود لستينيات القرن الماضي.
ثم حولن هذه البيانات إلى خرائط مرسومة يدويًا، تفيض بالألوان، تصور ما يجب أن تكون عليه قراهن من غطاء نباتي ومصادر مياه وغابات، ليست هذه مجرد رسومات، بل وثائق نضال، تهدف إلى الضغط على السلطات للحصول على تمويل بقيمة مليوني دولار لترميم الغابات وحماية الموارد.
قيادة نسائية لأول مرة
للمرة الأولى في هذه القرى، تتقدم النساء الصفوف في الدفاع عن الأرض والهوية، وتقول مودولي: "نحن لا نرسم خرائط فحسب، بل نرسم مستقبل أطفالنا، الغابة ليست موردًا طبيعيًا فقط، بل هي شريان حياتنا".
وقد منح المشروع النساء ثقة جديدة، حيث بدأن بالتحدث باسم مجتمعاتهن أمام المسؤولين، والمطالبة بالاعتراف القانوني بحقوقهم في الأراضي، لمنع أي مشاريع حكومية مستقبلية تمسّ أراضيهم دون موافقتهم.
المناخ يضرب
تقول الأرقام إن الهند من أكثر الدول عرضة للكوارث المناخية، حيث شهدت أكثر من 400 حدث مناخي شديد في العقود الثلاثة الأخيرة، أودت بحياة 80 ألف شخص وتسببت في خسائر اقتصادية تتجاوز 180 مليار دولار، وفي أوديشا وحدها، انخفض إنتاج الغذاء بنسبة 40% خلال 50 عامًا فقط.
ويقول بيديوت موهانتي، مدير منظمة محلية: "السكان الأصليون لم يتسببوا في أزمة المناخ، لكنهم من أكثر من يعانون منها. الغابة ليست مكانًا يسكنونه فقط، بل هي مطبخهم وصيدليتهم وروحهم".
ويرى الخبراء أن مبادرة "خرائط الأحلام" قد تشكل نموذجًا عالميًا للمقاومة المجتمعية لتغير المناخ، تقول نيها سايغال، خبيرة السياسات المناخية: "80% من التنوع البيولوجي العالمي موجود في أراضي الشعوب الأصلية، وهؤلاء النساء لا يطلبن المساعدة فقط، بل يقدن الحلول بأنفسهن".
الغابة هي الحياة
في قرية باداكيتشاب، تنظر بورنيما سيسا إلى أشجار الغابة وتقول: "هذه الأرض ليست مجرد تراب.. إنها كل شيء، نولد فيها، ونعيش منها، ونموت بين أغصانها، إنها ليست خلفية حياتنا، بل الحياة نفسها".
تعيش مجتمعات السكان الأصليين في الهند على هامش الاقتصاد الرسمي، وتعتمد على الزراعة البعلية والغابات كمصدر رزق أساسي، لكن مع تسارع وتيرة التغير المناخي، وغياب الدعم الحكومي الكافي، باتت هذه المجتمعات تواجه خطر الزوال التدريجي.
وتعكس مبادرات مثل "خرائط الأحلام" القدرة الكامنة داخل المجتمعات المهمّشة على خلق حلول محلية مبتكرة، رغم ضعف الموارد، وتعد درسًا للعالم في العدالة المناخية والتمكين النسوي.