بعد 43 عاماً.. الطيار السوري رغيد الططري يتنفس نسيم الحرية
بعد 43 عاماً.. الطيار السوري رغيد الططري يتنفس نسيم الحرية
خرج الطيار السوري السابق رغيد أحمد الططري (70 عامًا) إلى النور، بعد أن قضى 43 عامًا في سجون النظام السوري السابق وما قبله، في لحظة وصفها بأنها "ولادة جديدة في وطن تحرر أخيرًا من سجن كبير امتد لعقود".
اعتُقل الططري عام 1981 بتهمة "التحريض على عدم تنفيذ الأوامر العسكرية"، وهي تهمة كانت كفيلة حينها بدفن صاحبها خلف القضبان إلى أجل غير مسمى، في وقت كانت فيه السجون السورية تعج بالمعتقلين السياسيين، بلا محاكمات عادلة ولا حقوق إنسان، بحسب ما ذكرت وكالة "الأناضول" التركية، اليوم الأربعاء.
وتم الإفراج عن الططري في نفس اليوم الذي شهد انهيار النظام السوري وفرار بشار الأسد خارج البلاد، بعد أن بسطت فصائل المعارضة سيطرتها على دمشق، مُنهيَة أكثر من نصف قرن من حكم عائلة الأسد، و61 عامًا من قبضة حزب البعث على البلاد.
شهادات من داخل السجن
في حديثٍ لـ«الأناضول»، استعاد الطيار السبعيني مشاعره المختلطة بالفرح والمرارة قائلاً: "لم نكن نملك وعيًا سياسيًا كاملًا في ذلك الوقت، لكن كنا نعرف الظلم ونتحدث عنه، كنا نراه في تفاصيل حياتنا اليومية ونرفضه، حتى إن لم نملك أدوات التعبير".
وتحدث الططري بأسى عن فصول حياته في سجني تدمر وصيدنايا، موضحًا: "قضيت أجمل سنوات عمري في الزنازين، لكن لم أتخلَّ عن قناعاتي، كنت أعتبر أنني لو فقدت إنسانيتي لكان ذلك هو الموت الحقيقي".
وأشار الططري إلى أن مدينة حماة، التي شهدت مجزرة دامية عام 1982، بقيت في ذاكرة السوريين "رمزًا للرعب"، لكنه شدد على أن المعاناة لم تكن حكرًا على مدينة دون غيرها، موضحًا: "ما جرى في حماة تكرر في حلب، وإدلب، ودمشق، وحمص. الفرق الوحيد أن حماة شهدت قمعًا دموياً شاملًا أباد كل معارضة، ولهذا ظل اسمها محفورًا في الذاكرة".
لحظة الحرية والصدمة
عن اليوم الذي أُطلق فيه سراحه، قال الططري إنه خرج من سجن صيدنايا باتجاه طرطوس، ثم إلى دمشق، حيث وجد المشهد مختلفًا تمامًا، مضيفاً: "كانت الشوارع تعج بالفرح، رأيت الناس يرفعون أعلام الثورة ويغنون للحرية، شعرت أنني أعيش في وطني لأول مرة".
رغم فرحته الشخصية، اعتبر الططري أن فرحة الشعب السوري بانهيار النظام كانت أعظم بكثير من أي شعور فردي، وقال: "كانوا يحتفلون وكأنهم تحرروا من سجن جماعي. وجوههم كانت مغمورة بسعادة لم أرَها من قبل. حرية الوطن كانت أثمن من كل شيء".
وصف الططري عام 2024 بأنه عام "تحققت فيه الأحلام"، وقال إن الشعب رغم سنوات طويلة من الإحباط، "نهض من جديد": "عندما تحررت حلب لم نصدق. ثم سقطت حماة، وفُتحت السجون، حينها فقط تأكدنا أن التغيير الحقيقي بدأ".
خلاصة تجربة السجن
وعن أعظم درس تعلمه بعد أكثر من أربعة عقود في الأسر، قال الططري: "أدركت أن أثمن ما يملكه الإنسان هو ذاته، لم أندم لأني رفضت التنازل، حافظت على قراراتي وعلى جوهري، هذا هو جوهر الحرية.. أن تكون سيد نفسك، وألا تنكسر".
بخروج الطيار الططري، تُطوى صفحة من فصول القهر في سوريا، لتبدأ صفحة جديدة، تُعيد الاعتبار للكرامة الإنسانية، وتؤسس لوطن طال انتظاره، وطن لا يُعاقب من يرفض الظلم، بل يُكرّمهم.










