مدير “مسام”: نقف على خط النار لإنقاذ الحياة في اليمن (حوار)
تم نزع أكثر من 493 ألف لغم وعبوة ناسفة
في بلدٍ تحوّلت فيه الحقول والممرات إلى فخاخ موت، يقف "مشروع مسام" كخط دفاع أول عن الحياة في اليمن، وبين أشجار مزروعة بالموت وحقائب مدرسية محشوة بالمتفجرات، يعمل رجال المشروع في صمت وبدقة، يلاحقون ألغامًا لا ترحم، زرعها الحوثيون في طرق المدنيين وبيوت الأطفال.. مدير المشروع، المهندس أسامة القصيبي، يكشف في هذا الحوار الخاص لـ"جسور بوست" كواليس هذه الحرب الصامتة، ويضعنا أمام الواقع المروّع الذي يعيشه اليمنيون يوميًا، حيث لغمٌ واحد قد يعني نهاية حياة أو بتر أطراف أو صدمة لا تُنسى.
من فترة قريبة.. أعلن مشروع "مسام" لنزع الألغام في اليمن اكتشاف أكبر حقل ألغام فردية محرمة دولياً، من مخلفات ميليشيات الحوثي جنوبي في مديرية الخوخة، جنوب الحديدة (غربي اليمن).. ما الخطط للتعامل مع هذا الحقل والفترة المتوقعة لإنهاء العمل عليه؟
تقصدين في سؤالك الحقل الذي تم اكتشافه في منطقة السويدية بمديرية الخوخة التابعة لمحافظة الحديدة الشهر الماضي، والذي يحتوي على ألغام مضادة للدبابات عكفت الفرق الهندسية على وضع آليات وبرامج عملياتية للتعامل مع هذا الحقل، وهو ما جرت عليه العادة عند أي كشف على مناطق جديدة، خاصة أن كل منطقة لها طبيعة مختلفة عن الأخرى، وهذا الحقل بالمناسبة ليس أكبر حقل ألغام فردية كما يتردد، ولكنه يغطي مساحات شاسعة داخل مناطق زراعية، إضافة إلى أن عمليات المسح الأولية أظهرت أن الميليشيات الحوثية قامت بتلغيم هذه المساحات بالألغام التي نشرت بأسلوب عشوائي، ففي حين يوجد ألغام تفصل بينها عدة أمتار نجد المسافة بين لغم وآخر تصل إلى 300 م، وهو ما يستوجب وفقاً لبروتوكولات العمل المتبعة في "مسام" التعامل مع كل متر مربع في هذه المساحات حتى تطهيرها بالكامل.
وبناءً على هذا فإن من الصعب حتى وضع إطار زمني نظراً لعشوائية نشر الألغام من جانب، واتساع المنطقة التي يتم العمل فيها من جانب آخر.

تم تمديد عقد تنفيذ مشروع مسام لتطهير الأراضي اليمنية من الألغام لمدة عام، مع اقتراب انتهاء العقد.. هل لا يزال هناك خطط لم تتم؟ وهل يوجد نية لتمديد المشروع لسنوات أخرى؟
في منتصف شهر مايو الجاري يُكمل "مسام" عامه السابع في اليمن -وهذا من الجوانب النظامية والإدارية- وفقاً لتنسيق بين الحكومتين السعودية واليمنية، وبالنسبة إلينا في المشروع فإننا جهاز تنفيذي يتولى تنفيذ الأعمال الإنسانية الموكلة إليه من قبل الحكومة السعودية بالتنسيق مع الحكومة اليمنية ممثلة في الأجهزة الحكومية والبرنامج الوطني للتعامل مع الألغام (يمك)، وعندما يتم تكليفه بالعمل بناءً على ما سبق الإشارة إليه سيواصل عمله، والعكس صحيح.
أما في ما يتعلق بالخطط التي لم تتم فإن المشروع يعمل وفق جداول زمنية محددة يتم وضعها من قبل إدارة المشروع وتوزيعها على مناطق عمل المشروع وصولاً لتحقيق الهدف الرئيسي من المشروع وهو (يمن خالٍ من الألغام)، يضاف إلى ذلك ما ينفذه المشروع من أعمال من خلال فرق الاستجابة السريعة لمواجهة أي طارئ أو أعمال غير اعتيادية. وفي إجابتنا عن السؤال الأول يمكن التعرف على طبيعة ما يواجهه المشروع من مستجدات قد تؤدي إلى تغيير خطة عمل معينة للتعامل معها، ولكن بالإجمال يمكن القول إن "مسام" قادر بما يمتلكه من خبرات وإمكانيات قادر على التعامل مع أي مستجدات في هذا الشأن.

سبع سنوات هي عمر المشروع.. ما أهم الإنجازات التي تمت على أرض الواقع حتى هذه اللحظة بالأرقام؟
بدأنا أعمالنا منذ منتصف عام 2018م، ولا نزال نواصل العمل في الأراضي اليمنية، خلال هذه الفترة وحتى اليوم الذي نتحدث فيه إليكم قامت فرق "مسام" بالعديد من الأعمال، ولعل لغة الأرقام هي الأكثر صدقاً في التعبير عن عمل معين، وبمناسبة الحديث عن الأرقام، فإن من دواعي فخرنا في مشروع “مسام” أننا نكاد نكون المشروع أو البرنامج الوحيد من البرامج غير اليمنية العاملة في اليمن الذي يعلن إحصائياته وأرقامه بشكل تفصيلي، ويتم ذلك على هيئة تقارير أسبوعية وشهرية وربع سنوية ونصف سنوية وسنوية، وتشمل معلومات تفصيلية عن كل عمليات المشروع ونوعية الألغام ومواقعها والمساحات المطهرة والمساحات المعاد تطهيرها، وحتى عمليات إتلاف ما يتم نزعه يتم توثيقها بالصوت والصورة ونشرها في الموقع الإلكتروني للمشروع وحساباته في منصات التواصل الاجتماعي، ويتم توزيعها على مختلف وسائل الإعلام.
ووفقاً لآخر هذه التقارير الصادر يوم السبت 10 مايو الجاري فقد بلغ إجمالي المساحة المطهرة منذ بدء عمل المشروع (66,860,348) م 2 ، في حين نزع (6,800) لغماً مضاداً للأفراد، و(146,438) لغماً مضاداً للدبابات، وإزالة ما مجموعه (8,234) عبوة ناسفة، و(331,800) ذخيرة غير منفجرة، ليصبح إجمالي ما تم نزعه وإزالته (493,256) من هذه المواد القاتلة.

ما الآليات المتبعة لنزع الألغام المزروعة عشوائياً.. ومدى خطورة هذا النوع، وهل أسفر عن ضحايا أو إصابات أثناء عمليات النزع؟
هناك بروتوكولات عمل تم اعتمادها في المشروع للتعامل مع كل الظروف والمستجدات تتسق مع المعايير الدولية المتعلقة بنزع الألغام، والنازع يتم تأهيله للتعامل مع الألغام بغض النظر عن طريقة زراعتها، وبعد متابعة ودراسة المناطق المحررة يتم تحديد المواقع ذات الأولوية الإنسانية مثل القرى والطرق والمدارس والمزارع ومناطق الرعي، وبعد ذلك يبدأ عمل الفرق الهندسية لرصد المواقع المحتمل وجود الألغام والعبوات والذخائر فيها، وبعد الانتهاء من هذه المرحلة يتم تنفيذ العمليات اليومية للنزع والإزالة من جميع المواقع المحتملة، ثم يتم الانتقال إلى مرحلة المسح الشامل لكل شبر من هذه المناطق وفقاً لمعايير فنية دقيقة تسبق مرحلة إعلان هذه المنطقة أو تلك منطقة مطهرة.
وفي الختام يتم جمع الألغام والذخائر والعبوات التي نزعها وتحريزها في أماكن بعيدة عن التجمعات السكانية، وتفجيرها وفقاً للبروتوكولات المعمول بها للتخلص من هذه المواد الخطرة على كل شيء حي من إنسان وحيوان ونبات.. هذا بالنسبة للشق الأول من سؤالك، أما بالنسبة لمدى خطورة هذه الألغام فمن يتعامل مع هذه الألغام أو يعيش في بيئة زرعت فيها يدرك حتماً هذه الخطورة، خاصة أن اليمن يشهد زراعة عشوائية وفي مناطق مدنية لعدد كبير جداً من هذه الأسلحة التي تعتبر أسوأ ما ابتكرته البشرية من أدوات القتل، فاللغم لا يميز بين ضحاياه، وليس له مدة محددة للفاعلية، فقد يستمر خطره إلى عشرات السنين. وبالنظر إلى قائمة الضحايا نجد النساء والأطفال في المقدمة حيث لا يمكن تخيل وجود لغم أو عبوة ناسفة في مدرسة أو مدخل مزرعة، أما في ما يتعلق بالشق الأخير من سؤالك، فقد بلغ عدد الشهداء من العاملين في المشروع (30) زميلاً بينهم (5) خبراء أجانب منذ بدء عمل المشروع وحتى اليوم.

كيف يتم تدريب الكوادر اليمنية، وهل يتم داخل اليمن أم خارجها؟
تتم كل أعمال التدريب في اليمن، ويتم اختيار العناصر التي يتم تدريبها وفق معايير صارمة، في حين يتم التدريب طبقاً لمنهجية تتوافق مع المعايير الفنية العالمية المتعلقة بالتعامل مع الألغام في الجانبين النظري والعملي، ولا تتوقف أعمال التدريب على بدء عمل النازع، بل إن ورش التدريب والحلقات العملية سلسلة لا تتوقف في "مسام" حتى يتم التأكد من مواكبة كل عضو في الفرق الميدانية من على آخر المستجدات محلياً ودولياً وتزويدهم بالمعارف اللازمة والتحديثات في مجال الألغام وطرق التعامل معها.

ما أهم أنواع الألغام التي تزرع بواسطة ميليشيا الحوثي وأضرارها؟
تتعدد أشكال وصور أدوات القتل الحوثية، فنحن نتعامل مع الألغام المضادة للأفراد، والمضادة للدبابات، وعبوات ناسفة، وذخائر غير منفجرة، وتحت كل من هذه التقسيمات يوجد كل ما يمكن تخيله من أشكال وأنواع، حيث تعمل هذه الميليشيات الإرهابية على تطوير هذه الأسلحة، وتعديلها بما يضمن إلحاق أكبر قدر من الضرر بالأفراد والأعيان المدنية، فتضاف الدواسات الكهربائية للألغام المضادة للدبابات لتكون فعالة في استهداف الأفراد، ويتم تمويه العبوات الناسفة في أحجام وأشكال وألوان مختلفة مثل الصخور أو جذوع الأشجار أو الحقائب النسائية -كما حدث في شهر رمضان الماضي- وخلاصة القول أن هذه الجماعة الإرهابية لم تدخر وسيلة لقتل الشعب اليمني لم تستخدمها، وبعيداً عن المبالغة لا يكاد يمر شهر واحد دون أن نكتشف شكلاً أو أسلوباً جديداً في مجال الألغام والعبوات الناسفة في اليمن، أما بالنسبة للأضرار فمع أعمال تطوير وتعديل الألغام فالإصابات تتراوح بين قطع في الأطراف السفلية أو العلوية أو الوفاة وحتى الوفاة فإن بعض من ضحايا هذه الألغام لا يمكن العثور على جثته نظراً لشدة التفجير حيث يتحول جسم الانسان لحظة الانفجار إلى أشلاء صغيرة متطايرة.

هل هناك حالات أصيبت بالألغام ولم تستطع نسيانها أثناء عملك على هذا المشروع؟
الإنسانية لا تتوقف عند حالة في حد ذاتها أو وقت معين، وعلى الصعيد الشخصي ومنذ عملي في مجال نزع الألغام على مدى ثلاثة عقود، فكل حالة إصابة أو وفاة نتيجة انفجار لغم سواءً كانت في نطاق عملي أو غيرها تعني الكثير من الحزن والألم، في عملنا يواجه النازع الموت منذ لحظة دخوله حقل الألغام وحتى خروجه، ومع إيماننا بقضاء الله وقدره إلا أن العمل في بيئة شعارها (نسبة الخطأ 0% تعني العودة إلى أسرتك) يجعلك تنظر إلى الحياة نظرة مختلفة، فمع استعداداتك وتأهيلك والأجهزة المساعدة فإنه يتبادر إلى ذهنك أن سبب وجودك هنا هو منع إصابة من لا يعلم بوجود لغم ينتظره على بعد خطوات، وهو ما يجعلك أكثر إصراراً على مواصلة العمل لمنع هذا الخطر القاتل.
ومن مساوئ مشكلة الألغام أن الناجي من الموت منها يتحول إلى شخص معاق وعضو معطل في مجتمعه، والأسوأ أن يكون ذلك المصاب طفلاً أو طفلة، وقد عايشنا وشاهدنا إصابات لأطفال لم تتجاوز أعمارهم العامين بترت أطرافهم الأربعة وفقدوا عيناً أو أكثر من أعينهم، فكيف سيكون مستقبل هؤلاء وأسرهم.

هل يقدم المشروع أي دعم نفسي للنازحين أو ذويهم؟ أو تأهيلهم بعد الإصابة؟
لم يتوقف عملنا على نزع الألغام في اليمن، فقد أصبحنا جزءاً من المنظومة الإنسانية الموجودة على الأراضي اليمنية، والإصابات التي تنجم عن الألغام يتم تحويلها إلى المراكز المتخصصة التي أنشأها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في عدن ومأرب، وقد قام المشروع بإعادة تأهيل عدد من المدارس التي تم تطهيرها من العبوات الناسفة، وقدم العديد من المبادرات في المناطق التي عمل فيها.
ما الخطط المستقبلية التي تتمنى أن يقوم بها المشروع.. وأمنياتك للمشروع على المستوى العام؟
خططنا المستقبلية تعني مواصلة العمل حتى التأكد من نزع آخر لغم أرضي في اليمن، مشروع "مسام" عمل إنساني تقدمه الحكومة السعودية في اليمن، لمساعدة اليمنيين على ممارسة حياتهم الاعتيادية شأنهم شأن باقي شعوب الأرض دون خوف من انفجار لغم أو عبوة ناسفة، وبالنسبة لي فإن أمنياتي الشخصية لا تختلف عن الرغبة السعودية في مساعدة اليمنيين على العيش دون خوف من الألغام.