فرنسا توقف معلّمة نظمت دقيقة صمت حداداً على ضحايا حرب غزة
فرنسا توقف معلّمة نظمت دقيقة صمت حداداً على ضحايا حرب غزة
أوقفت السلطات التعليمية في فرنسا معلّمة عن العمل لمدة تقارب الشهرين، بعد أن وافقت على تنظيم دقيقة صمت مع طلابها في مدرسة "جانو-كوري" الثانوية في مدينة سانس التابعة لإقليم يَنس، تكريمًا لضحايا الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة.
واتهمت الهيئة المحلية للتعليم المعلّمة بـ"الإخلال بمبدأ الحياد"، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط التعليمية والسياسية والحقوقية الفرنسية، بحسب ما نقلته صحيفة الإندبندنت البريطانية، الجمعة.
وأكدت هيئة التعليم الإقليمية في مدينة ديجون أن المعلّمة نظّمت دقيقة صمت في صفها بمبادرة شخصية منها، معتبرة أن هذا التصرف لا يتماشى مع الالتزامات المهنية التي تُلزم موظفي الدولة بالامتناع عن التعبير عن مواقف سياسية أو دينية في أماكن عملهم.
وذكّرت الهيئة بأن "احترام الحياد واجب قانوني على جميع موظفي القطاع العام، وأي انتهاك له يُعرّض صاحبه لإجراءات تأديبية صارمة".
نقابات تعليمية تدافع
رفضت نقابات التعليم الفرنسية الكبرى، ومنها FO وCGT وSud، الرواية الرسمية، مؤكدة أن المبادرة جاءت بطلب من الطلاب أنفسهم، الذين اقترحوا الوقوف دقيقة صمت في ختام الدرس، تضامنًا مع المدنيين الفلسطينيين الذين قُتلوا خلال الغارات الإسرائيلية الأخيرة.
وأوضحت النقابات في بيان مشترك أن المعلّمة لم تفرض المشاركة، بل تركت الأمر اختياريًا، في احترام تام لحساسية الموقف.
طالبت النقابات بإلغاء العقوبة وإعادة المعلّمة إلى عملها فورًا، معتبرة أن الإجراء المتّخذ بحقها يُشكّل "إساءة مهنية وإنسانية"، كما دعت إلى استعادة كرامتها رسميًا أمام الطلاب وزملائها وأولياء الأمور.
ووصفت قرار الإيقاف بأنه "غير متناسب ومجحف"، ويحمل دلالات خطيرة حول حرية التعبير والتعاطف الإنساني داخل المؤسسات التعليمية الفرنسية.
ردود فعل غاضبة
عبّر العديد من السياسيين عن استيائهم من القرار، وفي مقدمتهم السكرتير الأول للحزب الاشتراكي، أوليفييه فور، الذي نشر على منصة X (تويتر سابقًا): "طلب الطلاب دقيقة صمت، مع إمكانية انسحاب من لا يرغب، تكريمًا لضحايا غزة، والمعلّمة هي التي أُوقفت.. حقًا؟! نحن نقف على رؤوسنا!".
وتساءل فور عن الرسائل التي ترسلها الحكومة الفرنسية حين تُعاقَب معلّمة لامتثالها لرغبة طلابها في إظهار تعاطف إنساني.
يأتي هذا الحدث في وقت تشهد فيه العلاقات الفرنسية-الإسرائيلية توترًا متصاعدًا، على خلفية الانتقادات الشديدة التي وجّهتها باريس وحلفاؤها لحكومة بنيامين نتنياهو بسبب مواصلة العمليات العسكرية في قطاع غزة، وفرض حصار مطوّل استمر 11 أسبوعًا على دخول المساعدات الإنسانية.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد انضم في وقت سابق إلى كل من رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ونظيره الكندي جاستن ترودو في إصدار بيان مشترك يندّد بـ"الفظائع" المرتكبة في غزة، ويهدد باتخاذ "إجراءات ملموسة" للحد من المعاناة "غير المحتملة" التي يعيشها المدنيون هناك.
هجوم من تل أبيب
ردّ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بحدة على الانتقادات، بعد حادث إطلاق نار على اثنين من موظفي سفارة بلاده في واشنطن. واتهم نتنياهو الزعماء الأوروبيين، وفي مقدمتهم ماكرون، بأنهم في "الجانب الخاطئ من التاريخ".
وكتب على منصاته: "عندما يشكركم القتلة الجماعيون والمغتصبون وقاتلو الأطفال والخاطفون، فأنتم على الجانب الخاطئ من العدالة، والإنسانية، والتاريخ".
ويثير قرار إيقاف المعلّمة تساؤلات أوسع حول حدود حرية التعبير داخل المؤسسات الفرنسية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتعبير عن التضامن مع الشعوب التي تتعرض لانتهاكات جسيمة، كما هو الحال في غزة.
وبينما تُرفع شعارات الحرية والعدالة والمساواة، يرى مراقبون أن التطبيق الانتقائي لهذه المبادئ، خصوصًا تجاه قضايا الشرق الأوسط، قد يُضعف من مصداقية النموذج العلماني الفرنسي في الداخل والخارج.