"قلوبنا في غزة".. حجاج من القطاع يؤدون المناسك والدموع لا تفارقهم
"قلوبنا في غزة".. حجاج من القطاع يؤدون المناسك والدموع لا تفارقهم
أتيح للمهندس الفلسطيني محمد شحادة، البالغ من العمر 38 عامًا، أن يؤدي مناسك الحج هذا العام في مكة المكرمة، بعد أن خرج من قطاع غزة في فبراير الماضي لتلقي علاج من السرطان في مصر، إلا أن هذه الفرصة النادرة التي تشكّل "حلما يعيشه مرة واحدة في العمر" كما يقول، باتت ممزوجة بالألم والحسرة، إذ ترك خلفه زوجته وأطفاله الأربعة وسط الجوع والقصف والحصار المستمر منذ أكثر من 19 شهرًا.
وأكّد شحادة، في حديث لوكالة فرانس برس، أمس الأحد، أن فرحة الوقوف على عتبات الحرم الشريف لم تكتمل، موضحًا: "هذه أكبر معاناة في الوجود.. أن تكون بعيدا عن عائلتك".
وروى أن مغادرته للقطاع جرت خلال فترة هدنة قصيرة، بعد أن حصل على تصريح مغادرة للعلاج، فيما رفضت السلطات الإسرائيلية السماح لأفراد أسرته بمرافقته، ليجد نفسه محاطًا بالقدسية، لكنه ممزق روحيًا بين قدسية المكان وهموم الوطن.
"بين نارين"
قال شحادة إنه حين غادر غزة كان "بين نارين"، موضحًا أنه اضطر لاختيار المغادرة للعلاج بعملية جراحية تنقذ حياته، في وقت كانت الأوضاع في القطاع تزداد تفاقمًا، مع استمرار الحرب ومنع المساعدات وارتفاع حالات الجوع والموت.
وأشار إلى أنه يصلي باستمرار من أجل وقف الحرب والعودة إلى حضن عائلته، لكنه اعترف بصوت يخنقه الألم: "حتى لو كنت في أحسن مكان في الدنيا وأنت بعيد عن عائلتك، فلن تكون سعيدًا... ستخونك الدموع في كل لحظة".
ينضم شحادة إلى نحو 1350 فلسطينيًا من سكان غزة ممن يقيمون في مصر، إضافة إلى 500 حاج تمت دعوتهم من قبل العاهل السعودي، وفق ما أفاد به مسؤولون فلسطينيون.
ومن بينهم رجائي راجح الكحلوت (48 عامًا)، الذي لجأ إلى مصر بعد سبعة أشهر من اندلاع الحرب، وها هو يؤدي فريضة الحج هذا العام، لكنه يؤكد أن قلبه لا يزال معلقًا بأحبائه الذين تركهم خلفه في غزة.
ويقول الكحلوت: "أخوتي وأخواتي ما زالوا في غزة.. قلبي معهم.. وأناشد كل الحجاج وكل المسلمين أن يدعوا لأهل غزة".
ويضيف بحزن: "تمنينا أن نصل إلى مكة في ظروف أفضل.. بلا حرب ولا دمار ولا فراق".
آهات في بهو الفنادق
في بهو فندق النزهة بلس، حيث ينزل الحجاج القادمون من غزة، تتردد القصص المؤلمة على ألسنة النساء والرجال.
تقول امرأة في الستينيات من عمرها إنها لم ترَ أبناءها العشرة منذ أن غادرت القطاع العام الماضي لأسباب طبية.
وتضيف بصوت تختلط فيه لوعة الأمومة بقدسية المكان: "أصلي من أجل أولاد فلسطين الذين يعانون المجاعة والحرب.. أفكاري في غزة.. وحياتي كلها هناك: أولادي وبيتي... أتمنى أن أرجع إليهم".
أمل هش وسط الركام
تستمر الحرب الإسرائيلية على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، في أعقاب هجوم نفذته حركة حماس، أسفر عن مقتل 1218 شخصًا في الجانب الإسرائيلي، معظمهم من المدنيين، وفق إحصاءات وكالة فرانس برس المستندة إلى مصادر رسمية.
في المقابل، تؤكد وزارة الصحة في غزة أن أكثر من 54,418 فلسطينيًا، غالبيتهم من المدنيين، استشهدوا في العدوان الإسرائيلي المتواصل، وهي أرقام تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة.
ورغم أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صرّح، الجمعة، بأن هناك تقدمًا باتجاه وقف إطلاق النار، فإن محمد شحادة عبّر عن خوفه من التفاؤل بعد عام ونصف العام من الفشل الدبلوماسي، قائلاً: "أصبحت خائفًا من الفرح... خائفًا من التعلّق بأي هدنة قد لا تتحقق، فينكسر قلبي مرة أخرى".