"فورين بوليسي": الأمم المتحدة "منظمة مأزومة" تدخل عقدها التاسع
"فورين بوليسي": الأمم المتحدة "منظمة مأزومة" تدخل عقدها التاسع
احتفلت منظمة الأمم المتحدة، يونيو الجاري، بعيد ميلادها الثمانين في ظل أزمة مالية وإدارية عميقة، تضع مصيرها أمام تساؤلات جوهرية، لكنها لم تفقد دورها الحيوي في النظام الدولي.
في تحليل لمجلة "فورين بوليسي"، أحيا المجتمع الدولي الذكرى الثمانين لتوقيع ميثاق الأمم المتحدة، الذي جرى توقيعه في 26 يونيو 1945 على يد ممثلي خمسين دولة، في حين أن المنظمة الآن تضم 193 عضوًا، ورغم ما آلت إليه من إخفاقات، ما زالت تُشكل منصة دبلوماسية دولية فريدة.
عجز مجلس الأمن عن التعامل مع النزاعات الكبرى مثل الحرب الروسية الأوكرانية، واشتداد المعارك في غزة، يعكس محدودية قدرة المنظمة الأممية، حاولت دول مثل الصين وروسيا الدفع بقرارات لإدانة الضربات الأمريكية على منشآت نووية إيرانية، لكن المناقشات اقتصرت على الجدل دون نتائج تنفيذية.
واجه الأمين العام، أنطونيو غوتيريش، ضغوطًا داخلية دفعته إلى إصدار تعليمات بخفض عدد العاملين بنسبة 20% بحلول 2026، بعد أن أوقفت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجزء الأكبر من التمويل الأمريكي، كما تعاني وكالات مثل برنامج الأغذية العالمي من تقليصات أكثر حدة.
غياب النقاش الجاد
ركّز موظفو المنظمة على مصير وظائفهم أكثر من التركيز على الإصلاحات اللازمة لبقاء المنظمة، فيما يتعامل الدبلوماسيون مع الوضع على أنه نتيجة لانشغال العواصم العالمية بملفات مثل الرسوم الجمركية والسياسات الأمريكية.
يرى مسؤولون أمميون أنه على الرغم من المشكلات المتزايدة، فإن المنظمة لن تنهار على المدى القريب، لكنها ستواجه مرحلة جديدة من التقلص والبراغماتية في الأداء.
يختلف أعضاء المنظمة حول المهام الأساسية التي يجب أن تُكرَّس لها مواردها المحدودة، يرى دبلوماسيون غربيون أن دورها الأساسي يجب أن يركز على صنع السلام، في حين تدعو دول من الجنوب العالمي إلى إعطاء الأولوية للتنمية الاقتصادية، خاصة في ظل فشل الدول الغنية بالوفاء بتعهداتها المالية.
أبرزت حروب مثل السودان وميانمار وإثيوبيا ضعف قدرة المنظمة على الاستجابة للأزمات الجديدة، كما انتُقد غوتيريش لتجنبه المواجهة في إدارة الأزمات.
تراجع دور حقوق الإنسان
أعرب دبلوماسيون عن قلقهم من تراجع دور الأمم المتحدة في الدفاع عن حقوق الإنسان وقضايا النوع الاجتماعي، وسط ضغوط من دول مثل الصين وروسيا لتخفيف تلك الالتزامات، ومحاولات أمريكية لإلغاء مصطلحات ترتبط بالتنوع والاندماج من وثائق المنظمة.
تحاول مجموعات صغيرة من الدبلوماسيين بدء نقاشات غير رسمية بشأن مستقبل المنظمة، لكن الخشية من اشتداد الخلاف حول الموارد والتمويل، تُبقي هذه النقاشات في الإطار المحدود.
ويرى مراقبون أن التوتر بين الشمال والجنوب، والانقسام الأيديولوجي، يُعوق النقاش حول إعادة ترتيب أولويات المنظمة.
مزايا نسبية ما زالت قائمة
يشير مسؤولون دوليون إلى أن بعض هيئات الأمم المتحدة التقنية مثل الاتحاد الدولي للاتصالات ما زالت تؤدي دورًا فاعلًا في التنسيق الدولي، كما أن مجلس الأمن ما زال يُمثل ساحة التفاوض الوحيدة بين القوى الكبرى.
تُوفّر الأمم المتحدة أيضًا منصة حيوية للدول الصغيرة والمتوسطة للتعبير عن مصالحها، وهو ما لا يتوفر في تجمعات مثل مجموعة السبع أو البريكس.
ورغم انتقادات وجهت إلى عمليات حفظ السلام والمساعدات الإنسانية التي تُديرها الأمم المتحدة، فإن المنظمة ما زالت تمتلك خبرات ميدانية لا تملكها كيانات بديلة.
حاولت الولايات المتحدة وإسرائيل أخيرًا إنشاء بدائل في غزة، لكنها فشلت في تكرار كفاءة الشبكات الأممية، ويُتوقع أن تضطر واشنطن لاحقًا إلى دعم بعثات أممية لتفادي أزمات إنسانية كارثية.
عقد أممي جديد
في خضم الضغوط المالية والتحديات الجيوسياسية، تدخل الأمم المتحدة عقدها التاسع أضعف مما كانت عليه، لكنها لا تزال تُوفر أدوات لا غنى عنها في التفاوض الدولي وتقديم المساعدات.
يدعو خبراء ومسؤولون إلى الحفاظ على ما تبقى من منظومة الأمم المتحدة، بوصفها أداة ضرورية للتعامل مع عالم أكثر انقسامًا واضطرابًا، رغم تآكل مكانتها وفقدانها للدعم السياسي والمالي في السنوات الأخيرة.