الأمم المتحدة: أزمة تمويلية تقوض جهود المساواة بين الجنسين عالمياً
خلال الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان
أطلقت هيئة الأمم المتحدة للمرأة وصندوقها الاستئماني لدعم إنهاء العنف ضد النساء، تحذيرًا شديد اللهجة من تعثر الجهود الدولية لتحقيق المساواة بين الجنسين، في ظل أزمة تمويل حادة وتحديات تنظيمية تعرقل عمل منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق النساء والفتيات حول العالم.
جاء ذلك في تقرير مشترك قُدم إلى الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والمزمع استمرارها حتى 9 يوليو المقبل، واطلع «جسور بوست» على نسخة منه.
وسلط لتقرير الضوء على الفجوة المتزايدة بين الالتزامات الدولية والموارد المتاحة، مؤكدًا أن معظم المنظمات النسوية تعمل بتمويل محدود لا يكفي لتغطية نفقاتها التشغيلية الأساسية.
وبحسب التقرير، يعاني التمويل الدولي الموجه لقضايا المرأة من نقص هيكلي، ففي حين تتصدر المساواة بين الجنسين الخطابات الأممية، لا تتجاوز حصة منظمات حقوق المرأة 1% من إجمالي التمويل الإنمائي العالمي. وعدّ التقرير هذا الواقع فشلاً مؤسسياً في دعم واحدة من أكثر القضايا إلحاحاً في عالم اليوم.
وأشار إلى أن أكثر من 80% من منظمات حقوق المرأة حول العالم لا تتلقى أي تمويل أساسي مستدام، وتعتمد على منح قصيرة الأجل، ما يجعلها عرضة للتوقف أو تغيير أولوياتها وفقاً لأجندات المانحين، وهو ما يضعف استقلاليتها وأثرها المجتمعي.
وأشار التقرير إلى أن صندوق الأمم المتحدة الاستئماني لدعم إنهاء العنف ضد النساء، رغم كونه الآلية الوحيدة داخل منظومة الأمم المتحدة التي تركز حصرياً على هذه القضية، تلقى في السنوات الأخيرة آلاف الطلبات، ولم يتمكن سوى من تلبية نسبة ضئيلة منها. وهذا يدل على وجود فجوة هائلة بين الاحتياج الفعلي والتمويل المتاح.
ورغم القيود، استعرض التقرير نماذج ناجحة أثبتت فاعليتها، منها مبادرة Sister’s Hand في ليبيريا، التي وفرت خدمات الرعاية القانونية والنفسية والاجتماعية لمئات الناجيات من العنف، ونجحت في بناء شبكات دعم محلية في مجتمعات كانت تفتقر لأي حماية هيكلية.
كما أشار إلى مبادرات نسوية في كوسوفو والأردن دعمت النساء في المناطق الهشة، وقدمت آليات تدخل سريع لدعم المأوى والاستشارة القانونية، خصوصاً في بيئات ما بعد النزاع.
ورصد التقرير تحديات قانونية تواجه عمل المنظمات النسائية، ولا سيما في البلدان التي تفرض قيوداً على التمويل الأجنبي وتستهدف منظمات المجتمع المدني بقوانين «النفوذ الأجنبي». وأوضح أن هذه الممارسات تشكل خطراً مباشراً على حرية التنظيم والتعبير، وتحرم المبادرات النسوية من موارد حيوية لاستمراريتها.
ولفت إلى أن التمييز البنيوي لا يقتصر على القيود القانونية، بل يشمل ممارسات بيروقراطية مرهقة تقيد وصول المنظمات الصغيرة للتمويل، وتحد من مشاركتها في صياغة السياسات.
وشدد التقرير على أن هناك حاجة ملحة لإصلاح جذري في البنية التمويلية الدولية. وأوصى بضرورة تخصيص نسبة إلزامية من المساعدات الإنمائية الرسمية لدعم قضايا النساء، وإنشاء آليات شفافة ومرنة تدعم التمويل طويل الأمد، وتمنح الأولوية للمبادرات المحلية التي تقودها نساء من المجتمعات المستهدفة.
كما دعا إلى تعزيز مساءلة الحكومات بشأن تنفيذ التزاماتها بموجب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وأهداف التنمية المستدامة، خاصة الهدف الخامس المتعلق بالمساواة الجندرية.
واختتم التقرير بدعوة إلى إعادة هيكلة سياسات المانحين لتتماشى مع الاحتياجات الحقيقية على الأرض، مؤكداً أن غياب التمويل المستدام لا يعد عقبة مالية فقط، بل يشكل تهديداً مباشراً لحقوق الإنسان في كافة أنحاء العالم، ويعرقل تحقيق التنمية العادلة والشاملة.